حرائق الغابات مشكلة عالمية لكن يُمكن تفاديها نسبيّا والسيطرة عليها
في صقلية وكَلابريا (جنوب إيطاليا)، واليونان وتركيا وسردينيا (جزيرة إيطالية قريبة من الحدود الفرنسية) والساحل اللازوردي (المنطقة الساحلية في جنوب فرنسا) والجزائر وقبلها البرتغال وكاليفورنيا وأستراليا وأيضًا كانتون تيتشينو (جنوب سويسرا)، تشكل حرائق الغاباترابط خارجي ظاهرة تعطل وتدمر النظام البيئي، والاقتصاد، وتتسبب في نزوح أعداد من السكان المحليين وإزهاق أرواح بعضهم. فيما يلي، يشرح خبير كيف يمكن الحدّ منها.
منذ فترة وجيزة، بلغت درجة الحرارة في مناطق سيراكوزا من صقلية 48,8 درجة مئوية، مسجلة بذلك رقمًا قياسيًا أوروبيًا ، وها هي تركيا تكافح موجة فيضانات بعد أن اجتاحتها النيران في شهر يوليو الماضي، أمثال هذه الظواهر المتطرفة تناولها التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخرابط خارجي، الذي يركز على تغيّر المناخ وينذر بالخطر .
ظواهر متكررة وأكثر حدة
الرسالة التي بعثت بها الهيئة الدولية الرئيسية لتقييم تغير المناخ التابعة للأمم المتحدة لا لُبس فيها، فوفقًا لما خلص إليه التقرير، أن التغيرات المناخية هي التي تقف وراء زيادة وتيرة وحدّة الظواهر الجوية الكارثية وغير المسبوقة، كالفيضانات وموجات الحرارة الحارقة، وأن الإنسان بلا شك هو من يتحمّل المسؤولية.
وبالمقارنة مع منتصف القرن الماضي، كشفت الدراسة المستندة إلى تحليل أكثر من 14 ألف مقال علمي من قبل أكثر من 200 عالم من جميع أنحاء العالم، كما أنها الأكثر شمولاً حتى الآن، عن تعرّض 90٪ من مناطق العالم إلى موجات حرارة أكثر حدّة ساهمت في اندلاع حرائق ضخمة، وأن الاحترار العالمي يؤثر في حدوث الظواهر المناخية المتطرفة الأخرى، كالفيضانات.
يد الإنسان مشعل حرائق
لو أمعنّا النظر في حرائق الغابات التي تدمر كل عام مساحات شاسعة من الأراضي حول العالم ، لن يكون بوسعنا سوى التسليم بأن أصل الحرائق في كثير من الأحيان العامل البشري أو بفعل يد الإنسان ، سواء بشكل غير مباشر أو مباشر (بغرض، على سبيل المثال، توسيع المراعي أو الاستفادة من التأمين). أما كيف تنشأ الحرائق؟ وما آثارها؟ وكيف (وما إذا) يُمكن السيطرة عليها؟ تحدثنا حول هذه القضايا مع الدكتور ماركو كونيديرا، مهندس الغابات ورئيس شعبة أبحاث البيئة المجتمعية في المعهد الفدرالي لبحوث الغابات والثلوج والمناظر الطبيعيةرابط خارجي.
التلفزيون السويسري باللغة الإيطالية (Tvsvizzera.it): دكتور كونيديرا ، كيف يُمكن تفادي وقوع الحرائق واسعة النطاق أو كيف يمكن السيطرة بصورة أكبر على مثل هذه الظواهر؟
ماركو كونيديرا: يجب للوقاية من حرائق الغابات العمل على عدّة مستويات. على المستوى الإقليمي، (كما على المستوى الكانتوني عندنا) هناك ثلاثة محاور رئيسية. الأول على المدى المتوسط الطويل، حيث يتوقف تأجج الحرائق على نطاق واسع، على نوع المناظر الطبيعية وإدارتها، ويعتمد النوع الرئيسي من الغطاء النباتي على المناخ (فمثلًا، عندنا لا يتكوّن النظام البيئي للبحر الأبيض المتوسط - أو ما يسمى الفرك – ولا حتى بعد الحريق)، وإدارة الإنسان للغابات ضرورية في تحديد نوعها وكمية الوقود المشتقة منها، ومن طبيعة النيران أنها تلتهم الكتلة الحيوية للنبات (الخشب والفروع والأوراق، المتراكمة بفعل نمو الغطاء النباتي)، وكلما زاد تراكم الكتلة الحيوية زادت احتمالية اندلاع الحرائق المستعرة. ويُمكن عن طريق إدارة الأراضي (زراعة، رعي، فصل جيّد وتوازن بين المناطق الحرجية والزراعية والبنى التحتية البشرية، وما إلى ذلك) وبمرور الوقت، الإسهام في الحدّ من فرص نشوب حرائق مضطرمة واسعة النطاق، وفي أوروبا، لعب تخلي الإنسان عن الزراعة التقليدية وعن الإدارة واسعة النطاق للأراضي دورًا في زيادة حدة الحرائق.
والمحور الثاني للوقاية، هو تثقيف السكان بشأن خطر الحرائق، ومن الضروري، بالإضافة إلى المعلومات العامة حول الظاهرة، أن يتم حظر إشعال النيران عند احتمال اندلاع حريق.
في أوروبا، لعب تخلي الإنسان عن الزراعة التقليدية وعن الإدارة واسعة النطاق للأراضي دورًا في زيادة حدة الحرائق
أما المحور الثالث فيتمثل في مستوى التأهيل التقني والتكتيكي والتنظيمي لقوات الإطفاء الأرضية (رجال الإطفاء) والجوية (طيارو المروحيات) وللبنية الأساسية لمكافحة الحرائق (مثل خزانات المياه لتزوّد الطائرات العمودية وشبكات صنابير المياه، وما إلى ذلك).
وعلى المستوى العالمي وعلى المدى الطويل، من الضرورة بمكان أيضًا مكافحة الظواهر المناخية المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ للحيلولة دون تكرر اندلاع حرائق شديدة الخطورة.
ما هو وزن العامل البشري؟
عدا عن الحمم البركانية التي تتسبّب في إشعال الحرائق في المنطقة المحيطة بها، يُعتبر البرق العامل الطبيعي الرئيسي لاندلاع الحرائق، وتُعزَى إليه الحرائق المتكررة في الغابات الشمالية، في دول مثل الولايات المتحدة والدول الاسكندنافية وسيبيريا، وربما أيضًا في المناطق الجبلية عندنا، خاصة حيث توجد أشجار صنوبرية بارزة ومكشوفة، وفي الوقت الراهن هناك حوالي 30٪ من الحرائق في سويسرا التي يكون البرق سببا فيها.
في منطقة البحر الأبيض المتوسط، يقف العامل البشري (سواء إهمالًا أو متعمدًا) وراء ما لا يقل عن 95٪ من الحرائق
وتشكّل الأنشطة والبنى التحتية البشرية طاقة لإشعال الحرائق ، وتشير التقديرات إلى أن العامل البشري يقف (سواء إهمالًا أو متعمدًا) وراء ما لا يقل عن 95٪ من الحرائق في منطقة البحر المتوسط، وبناء عليه، للمكون البشري تأثير بالغ في خطوط العرض عندنا، سواء من حيث تشكيل الوقود (كما أسلفنا الحديث بشأن الإدارة الإقليمية)، أو كسبب مباشر للإشعال.
ما هي الحرائق المحكومة التي يتم إشعالها عن قصد ولأغراض وقائية؟ وهل يُمكن أن تشكّل أداة فعالة؟
الحرائق المحكومة (وتسمى أيضًا الحرائق الموصوفة)، هي عبارة عن تقنية يُلجأ إليها في ظروف مناخية مواتية (زيادة حادّة لرطوبة التربة، لكبح الانتشار الفظيع للحريق، وانخفاض حاد لرطوبة الطبقة العشبية والشجيرات، لضمان احتراق بطيء للوقود) لتقليل تراكم الوقود الموجود في المنطقة، ويمكن أيضًا أن تكون بديلًا جديدًا عن الدور الذي لطالما لعبته الأنشطة الزراعية التقليدية، على غرار حقول الزيتون الواسعة والرعي في البحر الأبيض المتوسط، وكذلك الرعي وزراعة الكستناء كفاكهة في خطوط العرض عندنا.
إنها تقنية معقدة للغاية ، تتطلب تحضيرًا دقيقًا ووجود مشغِّلين متخصصين، والهدف منها هو تقليل الوقود (أي الفروع اليابسة والأوراق ونحوها) والحصول على المزايا البيئية للحريق، وفي نفس الوقت القضاء على احتمالية نشوب حرائق خطيرة في مواسم الخطر، وخروجها عن السيطرة.
كيف يتم التحكم فيها، وما هي آثارها على الحيوانات؟
يتم التحكم فيها عن طريق اختيار نافذة الطقس المواتية، وتتبّع النار أو إدارتها داخل الجزء المحدد من الأرض.
على رماد الحريق الموصوف، تُولد أنواع جديدة من النباتات
ومن الواضح أنها قد تعتبر مشكلة بالنسبة لبعض أنواع اللافقاريات التي تعيش فوق سطح الأرض وبين مخلفات العشب والأشجار، لكن معظم الحيوانات لديها الوقت الكافي للاحتماء، أما الآثار المترتبة عنها فهي أقل بكثير ممّا تكون عليه في حالة الحريق القوي وغير المحكوم. وعلى رماد الحريق الموصوف، تُولد أنواع جديدة من النباتات تحتاج إلى ضوء لتنمو، كما يتم إنشاء موائل جديدة لأنواع حيوانية أخرى.
هل هناك حاجة لمرور وقت معيّن بعد حريق غابة قبل أن يكون بالإمكان زراعة أشجار في الأراضي المتضررة؟
بالنسبة للزراعة بعد الحريق، في كثير من الحالات لا حاجة لها، لأن أنواع النباتات التي تتكيّف مع الحريق عادة ما تجدّد نشاطها بعد الحريق (مثال ذلك فرك البحر الأبيض المتوسط) ، وما أسرع أن تُنتج جيلًا جديدًا من النبات، سواء من البذور أو من الجذور، بينما قد تكون الزراعة ضرورية عندما تشير التقديرات إلى بطء قدرة الطبيعة على استعادة نفسها، وأن هناك حاجة سريعة إلى غابة تحمي من المخاطر الطبيعية (قد يحصل هذا عندنا في جبال الألب حين لا يدع الحريق أي فرصة للأشجار المحترقة، كما يحدث في حالة أشجار الصنوبر).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
اكتب تعليقا