دعم سويسري لشراكة علمية من أجل التنمية مع بلدان الجنوب
لتعزيز الشراكة العلمية مع بلدان الجنوب، ودعم جهود التنمية فيها، فتح الصندوق الوطني للبحث العلمي في سويسرا بالاشتراك مع الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون ووزارة الشؤون الخارجية، الباب امام الباحثين في كل من سويسرا وبلدان الجنوب لتقديم مشروعات بحثية مشتركة، تحصل المشروعات الفائزة منها على دعم مالي في شكل منح وتسهيلات أخرى.
وفي غضون أشهر قليلة بلغ عدد المشروعات المقترحة 80 بحثا، الكثير منها في مجال الطب والهندسة الفلاحية قبلت منها 13 بحثا ينتمي أصحابها إلى العديد من البلدان الإفريقية والعربية ومن أمريكا اللاتينية. وتؤكد إلزابيت شينكر، المسؤولة على قسم التعاون الدولي بالصندوق الوطني للبحث العلمي أن “هذه البحوث أختيرت لأهميتها العلمية من دون النظر إلى تخصصاتها، أو الإنتماء الجغرافي لأصحابها”.
وتميزت البحوث التي حازت على القبول بجودتها العلمية، ورغبة أصحابها في الوصول إلى حلول مبتكرة لمشكلات التنمية في بلدانهم، سواء كانت اقتصادية أو علمية أو اجتماعية، ولإيفائها بمتطلبات التنمية المستدامة، واحتياجات البيئة والحفاظ عليها.
وتقول السيدة شينكر: “يهمنا أن يتصف البحث بالطرافة والابتكار، وألا يكون قد تناوله آخرون بالدراسة من قبل، لكن تهمّنا كذلك تجربة الباحث وخبرته في المجال”.
هذا البرنامج لا يتوجه إذن إلى الباحثين المبتدئين أو الهواة بل إلى أساتذة الجامعات والخبراء المشهود لهم في مجالات علمية متخصصة ودقيقة.
مشاركة دولية واسعة
شارك في هذا البرنامج باحثون من عدة بلدان عربية، كالجزائر وتونس ومصر وسوريا والسودان، وأيضا إيران، إضافة إلى العديد من البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى.
من الفائزين الذين لقيت مشروعاتهم القبول، نذكر المغربيين بوجروف سعيد، من جامعة القاضي عياض بمراكش، وعنوان بحثه “التهميش وتحديات الهوية الجماعية في استراتيجيات التنمية المستدامة في المجال السياحي”، وسيتعاون في هذا المجال مع الباحث السويسري برنارد ديباربيو من جامعة جنيف. وقد خصص الصندوق الوطني للبحوث 270.000 فرنك لتمويل هذا البحث.
وكذلك قُبِل مشروع الباحث صدقي عزالدين من الجامعة المغربية نفسها، الذي يهتم بـ “تفاعلات عمليات التسمم الناجمة عن نقص في مادة الحديد لدى الأطفال”، وشريكه في هذا البحث السويسري ميكائيل زيمّرمان، من المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، ويبلغ التمويل السويسري لهذا العمل العلمي 380.000 فرنك.
كذلك فازت بالتمويل السويسري العديد من البحوث الأخرى ينتمي أصحابها إلى إيران وباكستان، وتنزانيا وأثيوبيا، وعكست محاور بحوثهم هموم مجتمعاتهم واحتياجات مناطقهم، كمشكلة المياه الصالحة للشرب بالريف الأثيوبي، والعدالة في الوصول إلى علاج مرض فيروس نقص المناعة البشرية بزامبيا، بالإضافة إلى قضايا الأمراض المنتشرة في المناطق الإستوائية كالملاريا أو مسألة سوء التغذية ببلدان اخرى مثل بوليفيا والباكستان.
البرنامج واحد والأهداف متعددة
الهدف الأساسي من هذا البرنامج على حد عبارة السيدة شينكر: “تعزيز القدرات العلمية ومؤهلات الباحثين في بلدان الجنوب، والعمل على إدماجهم وربطهم بشبكة الباحثين الدولية، و أيضا الحد من ظاهرة هجرة العقول من البلدان النامية، من خلال خلق فرص لإرساء تقاليد علمية متقدمة على عين المكان”.
لكن السؤال يظل مطروحا، ألا يشجع فتح الباب للتعاون والتواصل مع العالم الخارجي أبناء تلك البلدان على انتهاز أول فرصة تتاح لهم للهروب من بلدانهم؟
القائمون على هذا البرنامج، لا يستبعدون ذلك، وترد المسؤولة عن التعاون الدولي بالصندوق الوطني: “هل الأفضل خوض المغامرة، وإعطاء فرصة للتبادل العلمي وخلق آمال وفرص، أم الانغلاق، من دون تقديم أي حل”.
الذين أرسوا هذا التعاون يسعون ايضا إلى استثمار امكانات البحث العلمي في إيجاد حلول فعالة ومبتكرة لقضايا التنمية في بلدان الجنوب، وينطلقون في ذلك من قناعة راسخة بأن “تبادل الخبرات، مسألة مهمة للطرفين”.
فهذا التعاون سيفتح آفاقا جديدة للمجتمع العلمي السويسري، وسيحسس الخبراء السويسريين بالتحديات التي تعيشها المجتمعات الأخرى. وتعتقد السيد شينكر أن ذلك “يساعد على بناء التفاهم ويرسي عرى التواصل بين الشعوب، وهو وجه من وجوه الإقرار الضمني بأن سويسرا أو أوروبا، ليس بمقدورها بمعزل عن بقية العالم إيجاد حلول للمشكلات المستعصية، والتنمية واحدة منها”.
شراكة علمية وليست سياسية
برنامج الشراكة هذا علمي بحت، وليس له أي طابع سياسي، وينبي على علاقة مباشرة بين باحثيْن الأول سويسري، والثاني اجنبي. وأوّل ما اعلن عن هذه الشراكة كان عن طريق شبكة الإنترنت، وتلقى المشاركون البرنامج عن بعد، وعن طريق البريد اللإلكتروني والهواتف، إستطاعوا نسج هذه الشراكات البحثية.
ورغم ان للبرنامج طابع دولي، ويمس التعاون الخارجي، تنفي السيدة إلزابيت شينكر تلقي مؤسستها أي توجيهات أو توصيات من اي وزارة او دائرة حكومية. ولا ترى لهذه الشراكة اي بعد سياسي، مشددة على إستقلالية الصندوق الوطني للبحث العلمي: “كان بالإمكان ان تكون هذه المؤسسة وحدة تابعة لإحدى الوزارات الفدرالية، لكن الذين أسسوها قبل 50 سنة، أرادوها مؤسسة بحثية مستقلة”.
وتضيف السيدة شينكر: “في سويسرا، البحث العلمي مجال مستقل بذاته، ولا يتدخّل السياسي بأي شكل فيه، رقابة كان او توجيها. ولا يمكنني تصوّر تدخّل اجهزة حكومية مثلا في تعيين هذا الأستاذ الجامعي أو عزل ذاك، فإن كنت قد حصلت على مؤهلات علمية فهذا لأنك اجتهدت”. ومن المعلوم أن المؤسسات العلمية في البلدان المتقدمة، خاصة الجامعات، بعيدة كل البعد عن الولاءات السياسية، أو الحزبية، او القرابة العائلية.
لكن على المستوى البعيد، بإمكان السياسي أن يستفيد من نتائج هذه الشراكة العلمية، على المستوى الإقتصادي، كأن تقوم الشركات السويسرية بتصنيع بعض الإختراعات التي طوّرت ضمن هذه البحوث، او أن تستفيد الدولة في علاقاتها الخارجية من خلال مشروعات مماثلة.
ومن المفيد التذكير أن هذا التوجّه ليس حديثا في سويسرا، ولا يقتصر على هذا البرنامج، فمنذ سنوات، أُنشأ مركز شمال/ جنوب التابع لجامعة زيورخ، وتحوّلت جامعة برن مع الوقت إلى مركز استقطاب للخبرات السويسرية في هذا المجال. ويـُعتبر مركز NCCR إحدى الدعائم الأساسية للصندوق الوطني للبحث العلمي في سويسرا.ويمثل هذا الأخير برنامج أبحاث مشترك بين الجامعات السويسرية في مجالات التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة في سويسرا وفي بلدان نامية في كل من افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وقد وافق البرلمان السويسري في عام 2001 على إنشاءه بهدف تعزيز البحث العلمي في مجال التنمية في سويسرا.
عبد الحفيظ العبدلي – swissinfo.ch
صندوق البحث العلمي مؤسسة خاصة مستقلة أنشأت سنة 1952، تشجع البحث العلمي في سويسرا، وتدعم القدرة التنافسية للمؤسسات العلمية السويسرية، وتساعد الباحثين السويسريين على الإندماج في الشبكة الدولية للبحث العلمي، ويولي صندوق البحث العلمي عناية خاصة لتجدد الأجيال في مجال البحث العلمي بما يضمن إستمرار تطوّر البحوث وتقدمها.
هذه المهمات جميعها تتطلب تمويلات واسعة لدعم المشاريع، وتشجيع الباحثين ومساعدتهم على تجاوز المشكلات التي تعترضهم في حياتهم العلمية، ولكن نظرا لكون الصندوق هيئة مستقلة، فإن تمويلاته متعددة المصادر، وإن مثلت التمويلات الحكومية منها 90% تقريبا، ونعطي هنا بعض الأرقام حول هذه المبالغ والجهات التي أسندتها للصندوق سنة 2008:
تمويلات حكومية فدرالية عادية: 623.392.685 فرنك سويسري
تمويلات حكومية فدرالية مخصصة لمشروعات محددة: 591.150.500 فرنك
تمويلات الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون: 1.950.000 فرنك
تمويلات حكومية لمكتب الصندوق الوطني للبحث العلمي ببروكسل: 440.000 فرنك
تمويلات أخرى: 1.737.366.31 فرنك
اما المخصصات المالية لسنة 2009، فهي موزّعة كالتالي:
تشجيعات للمشروعات الحرة: 191.394.562 فرنك سويسري
تشجيعات للباحثين: 55.816.369 فرنك
التعاون الدولي: 2.995.964 فرنك
برامج البحوث الوطنية: 5.105.297 فرنك
مراكز البحوث الوطنية: 8.427.500 فرنك
وفي سنة 2008، أيضا منح الصندوق الوطني للبحث العلمي مبلغا قدره 662 مليون فرنك، 90% منها ذهبت إلى مشروعات بحثية اقترحها الباحثون بانفسهم، وبلغ عدد الباحثين الشبان الذين استفادوا من هذه المخصصات المالية 5.770 باحثا، أما ال10% الباقية، فقد ذهبت لمشروعات بحثية اقترحها الصندوق بنفسه.
الميزانية الإجمالية للصندوق بلغت سنة 2008، 663 مليون فرنك، توزعت كالتالي:
%22 للعلوم الإنسانية والإجتماعية
%42 للبيولوجيا والعلوم الطبية
%36 للرياضيات، والهندسة، والعلوم الطبيعية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.