«بحصولنا على جائزة نوبل، نكون قد وصلنا إلى أعلى قمة في العلوم»
خصص لنا ديديي كِلو Didier Queloz، الحائز مع أستاذه السابق ميشال مايور Michel Mayor على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2019، مقابلة طويلة بمناسبة السنة الجديدة. التي ستتسم بـ «اللمسة السويسرية»، والعلوم المتقدمة وستكون بداية لقصة طويلة وطويلة جداً.
swissinfo.ch: لقد كان فوزك بجائزة نوبل مفاجأة لك، حيث أنك لم تكن تذكر في 8 أكتوبر أنه كان يوم الإعلان عنها. ولكن، نظراً لأهمية الاكتشاف وكونه تمَّ ترشيحك لعدة مرات، كان من المُفترض إذن أن تتوقع الفوز بها بعض الشيء…
ديديي كِلو: نعم ولا. عندما تكون مُرشّحاً، تعرف أن اكتشافك مهم، وبالتالي، من المُغالطة نوعاً ما القول بأنَّ الفوز لم يكن موجوداً في حسباني. ولكن، بما أنه تمَّ ترشيحنا منذ مدة طويلة نسبياً ـ ربما بدأ ذلك في عام 2008 أو 2010 ـ، أصابنا نوع من الملل، وقُلنا في أنفسنا أننا لن ننتظر في كل مرة أن يكون هذا هو عام الفوز. ومن هنا يُمكنك أن تتخيل حالة الدهشة التي أصابتني عندما تمَّ الاتصال بي.
swissinfo.ch: الحصول على جائزة نوبل على أُطروحة الدكتوراه هو أمرٌ استثنائيٌ، أليس كذلك؟
ديديي كِلو Didier Queloz
هو من مواليد عام 1966، حاصل على شهادة الماجستير في الفيزياء من جامعة جنيف، كما تخصص لمدة عامين في الفيزياء الفلكية قبل أن يبدأ، تحت إشراف البروفسور ميشال مايور Michel Mayor، دراسته في الدكتوراه التي أتاحت له فرصة اكتشاف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية في عام 1995.
وفي وقت لاحق، تمَّ تعيينه أستاذاً في جامعة جنيف، ولا زال يُدرّس فيها إلى الآن، إلى جانب عمله في مختبر كافنديش المرموق في جامعة كامبريدج، حيث يدير برنامجاً حول تشكيل وبُنية الكواكب الموجودة خارج المجموعة الشمسية وإمكانية الحياة فيها. كما أنه عمل في مختبر الدفع النفاث المعروف اختصاراً بـ “JPL”، الذي يقوم بتطوير مهام وكالة ناسا الفضائية، بالإضافة إلى عمله على التلسكوب الفضائي الفرنسي “كوروت” والسويسري “كيوبس”.
في أكتوبر 2019، حاز، مع ميشال مايور، على جائزة نوبل في الفيزياء لاكتشاف 51 Pegasi b، أول كوكب خارج المجموعة الشمسية.
ديديي كِلو: ليس تماماً. لقد وقعت العديد من الفضائح في الماضي عندما لم يحصل البعض على الجائزة لأنَّ عملهم كان عبارة عن رسالة الدكتوراه. هناك على وجه الخصوص حالة اكتشاف النجم النابضرابط خارجي الأول، وكانت المُكتشفة امرأة، وبالإضافة إلى ذلك كانت طالبة [البريطانية جوسلين بيلرابط خارجي، في عام 1974]. ولكن لو أمعنت النظر في الأعمار التي يقدم فيها الناس الاكتشافات الأساسية، ستتفاجأ عندما ترى أن أعمارهم ليست بعيدة عن أعمار طلاب الدكتوراه. ولا غرابة في أن تقوم بالاكتشافات الأكثر أهمية في الوقت الذي يكون فيه الابداع وحرية البحث في أوجهما. وبالتأكيد، عندما نرى هؤلاء الرجال المُسنين ـ على الأغلب رجال، لأن هذا هو الواقع المؤسف ـ الذين يذهبون لاستلام جائزة نوبل ننسى أنهم عندما قاموا بالاكتشاف، كانوا شباباً مُفعمين بالنشاط.
swissinfo.ch: لقد تُوّجت في آن واحد مع أستاذك آنذاك ميشال مايور وعالم الكونيات الأمريكي ـ الكندي جيمس بيبلز. ويُعدُّ هذا تقدير كبير للفيزياء الفلكية، التي بدت في بعض الأحيان وكأنها العنصر الضعيف في جائزة نوبل…
ديديي كِلو: لم يعد الحال كذلك. ففي السنوات الخمس الأخيرة، شهدنا حصول ثلاث علماء في الفيزياء الفلكية على جائزة نوبل. وهذا يعني أننا حققنا ثورة حقيقية في الفيزياء الفلكية، مرتبطة بإدراك أن الكون هو عبارة عن مُختبر، يقوم بفحص الفيزياء. في الكون، لديك الأكبر والأصغر والأكثر حرارة والأكثر برودة أي جميع الحالات القصوى.
وإن لم يحصل في السابق الكثير من حالات الفوز بجائزة نوبل في مجال علم الفلك، فيعود ذلك أيضاً لمشكلة تقنية. حيث تُعتبر التكنولوجيا التي تسمح بالاكتشافات الكبيرة في علم الفيزياء الفلكية حديثة العهد نسبياً. ونحن نتحدث هنا عن أجهزة الكشف الالكترونية، التي تستطيع الرؤية في الأشعة الحمراء وفي الأشعة فوق البنفسجية وفي الأشعة السينية في جميع المجالات. وليست هناك معجزة: عندما تكون لديك تقنيات مبتكرة، تسمح لك برؤية الأشياء غير المرئية، لا بُد أن تُحقق اكتشافات أساسية، وبالتالي تحصل الفيزياء الفلكية على المزيد من جوائز نوبل.
swissinfo.ch: تجاهلت وسائل الاعلام المحلية جيمس بيبلز نسبياً من أجل التركيز على الفائزين السويسريين بجائزة نوبل. فهل لا يزال لهذا التفاخر معنى، علماً بأنَّ الاكتشافات الكبيرة تتم دائماً بالتعاون بين الدول؟
ديديي كِلو: هذا واضح، فالعلوم دولية، وهي نتيجة للتعاون الكبير. فلو أخذنا أول كوكب «لنا» خارج المجموعة الشمسية، 51 رابط خارجيPegasi bرابط خارجي، فقد تعرفنا عليه بواسطة مرسام الطيف ELODIEرابط خارجي، وهو جهاز فرنسي، مُركّب على تلسكوب فرنسي وبتمويل رئيسي من رؤوس أموال فرنسية.
لكن التفاخر طبيعي. والذي استنتجته من جائزة نوبل هذه، هو أنَّ هناك نوع من الاستيلاء على الاكتشاف، تماماً كما يحصل عندما يفوز فريقك الوطني بكرة القدم. حيث تشعر أنك أنت الفائز وليس اللاعبون. وهذا الشعور بالانتماء إلى مجموعة، هو أمر إنساني بحت. كان التأثير رائعاً، لأنه كان نوعاً من الفرح الجماعي.
swissinfo.ch: اليوم، ELODIE هي خارج الخدمة، في حين نجد أنَّ خليفتيه، HARPSرابط خارجيوESPRESSO، مرساما الطيف الأكثر كفاءة في العالم، هما بالفعل منتجان سويسريان. فهل عراقتنا في صناعة الساعات والتقنيات عالية الدقة هي التي جعلتنا أقوياء في هذا المجال؟
ديديي كِلو: لا علاقة لـ HARPS بصناعة الساعات، ولكن لدينا مهندسين، في قسم علم الفلك في جامعة جنيف، قادمون من شركات أخرى، بما في ذلك شركات صناعة الساعات. صحيح أنَّ لدينا ثقافة العمل المُتقن والفعالية. نحن سويسريون بجدارة… عندما تعمل خارج سويسرا، حتى في بريطانيا التي تعد نسبياً فعالة وتنافسية للغاية، فأنت تدرك أن سويسرا فعالة جداً. تجد فيها نوعاً من المهارة الفنية، وهي ما تُسمى بـ «اللمسة السويسرية».
swissinfo.ch: جائزة نوبل هذه ستمنحكما الشهرة لدى الجمهور، ليس لكما فحسب، وإنما لمجالكم في البحوث.
ديديي كِلو: بالنسبة لمجال الكواكب خارج المجموعة الشمسية، عملنا، بل عملي كان في الأصل معروفاً جداً. لكن، الشيء الذي لم أكن أتوقعه أبداً، هو التأثير العام لجائزة نوبل. حيث تجد نفسك فجأةً كسفير عالمي للعلوم. ويُسلَّط الضوء على مجال عملك، ويحاول الناس أن يفهموه، ويأتي الفيض من كل جانب، فيستفيد منه الجميع.
لجائزة نوبل تأثير هائل بلا شك. إنها الجائزة الأكثر أهمية. فعندما تحصل على نوبل، بعدها، ينتهي كل شيء لأنه لن يكون لديك شيء أكثر أهمية. وبذلك تكون قد وصلت إلى ذروة العلوم، لأنك نوعاً ما قد وصلت إلى أعلى قمة. وهو ما يجعل الأمر أيضاً سخيف بعض الشيء. عندما ننظر إلى الأشياء بهدوء، نشعر تماماً بأن الأمر مبالغ فيه. إنَّ الشهرة والتاريخ والمدة والعدد المُذهل للأسماء التي حازت على جائزة نوبل هي جميعها التي تعطي هذه الجائزة قيمتها التي وصلت إليها.
swissinfo.ch: لقد كان اكتشاف “51 Pegasi b” مناقضاً لنظرية تكوين الكواكب برمتها. عالم يشبه كوكب المشتري وقريب جداً من نجمه لدرجة أنه كان يدور حوله في أربعة أيام، من المفترض ألا يكون موجوداً. من المؤكد أنك اضطررت لفرك عينيك…
ديديي كِلو: لم أكن أنتظر البتة أن أجد كوكباً. وعندما رأيت ذلك، لم يكن كوكباً بالنسبة لي. ميشال كان آنذاك في هاواي. ولدى عودته ورؤيته للمعطيات، أكد تحليلاتي، لكنه قال أنَّه لم يكن من المعقول نشر ذلك دون التأكد منه تماماً. ولذا، عشنا مع هذا الاكتشاف لحظات نجاح وإخفاق في آن واحد. ومن المؤكد أنَّ الأمر كان مرهق لنا، إلا أنني عشت فترة أطروحة دكتوراه يحلم بها أي طالب دكتوراه: أن تجد نفسك في موقف تنهار فيه أمامك النظرية كاملة، وذلك بفضل البيانات التي أنتجتها أنت، من خلال تحليلات هي الوحيدة في العالم، حصلت عليها بفضل طريقة عمل لم يتم تطبيقها من قبل.
ولكن المعطيات كانت لدينا، ولم يكن لها أي تفسير آخر. ولذلك من جهتي، لم يكن عندي أي حدس في هذا الموضوع، كان لدي فقط استنتاج منطقي ونظرة ناقدة على التجربة. وهذه هي بالضبط طريقة التصرف التي أحاول غرسها في طلابي. ففكرة أنَّ لدى العلماء حدس، هي بالنسبة لي هشة للغاية. أعتقد أنَّ العالم الجيد لديه حدس ضعيف نسبياً. بالمقابل، لديه جلادة استثنائية. يمكنه أن يشعر أنَّ ثمة شيء غريب، لكن الحدس بشكل عام، لا يوصلك إلى أية نتيجة.
swissinfo.ch: في عام 1995، كان عددكم حوالي عشرة للبحث عن كواكب خارج المجموعة الشمسية. لقد وجدتم حتى اليوم أكثر من 4000 كوكب، وتكرّس وكالات الفضاء لهذه المهمة أفضل تلسكوباتها ويعمل عليها آلاف الأشخاص. هل تعتقد أنَّ هذا الوَلَه سيستمر إلى أن نجد حياةً على كوكب غير الأرض؟
ديديي كِلو: نحن بمثابة استمرارية حديثة لثورة كوبرنيكوسرابط خارجي (نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرما يدور في فلكها). إنها عملية طويلة لتحديد موضع عالمنا في الكون. ولذلك فهي مستمرة على الدوام. وسوف نستمر في اكتشاف المناطق المجاورة للنجوم القريبة. كما أننا سنتابع محاولة فهم مجموعة هذا الكون الذي يُحيط بنا، لكي نستطيع فهم أنفسنا نحن. وهنا، لدينا برنامجاً لمدة 50 سنة من أجل محاولة إحراز تقدم.
والسؤال الذي يأتي بعد ذلك هو طبيعي للغاية. إنها مسألة نشأة الحياة. وهذا المجال لا يزال في بداياته، في الحقيقة نحن لم نفعل شيئاً كثيراً فيه، ولكن هناك عناصر جديدة قادمة. إنه المجال الذي يبهرني، وهو أحد الأسباب التي دفعتني للذهاب إلى كامبريدج. وبالمناسبة، هذه هي إحدى الفوائد المهمة لجائزة نوبل: لأنها قد تسمح لي بأن أوصل صوتي وأن أنجح في شرح ما يمكننا تخيل القيام به بشكل معقول في السنوات العشر أو العشرين أو الخمسين القادمة.
ومن ثم، في وقت لاحق، أي بعد 1000 سنة أو 10000 سنة ـ إذا تمكنا من البقاء إلى ذلك الحين ـ، من المحتمل أن ننجح في إرسال قطع صغيرة من المركبات الفضائية باتجاه عدد معين من هذه الكواكب، بواسطة تقنيات لم يتم اكتشافها بعد.
يمكننا القول بأنَّ الناس يدركون شيئاً فشيئاً أننا “حضارة بين الكواكب”. في الحقيقة، لا أحب كثيراً هذا المصطلح، لأنه يوحي بأننا يمكن أن ننتقل من كوكب إلى آخر، وفي الواقع ليس هذا هو الحال. فطبيعتنا البيولوجية لا تسمح لنا، وحتى إشعار آخر، بالعيش سوى على كوكب الأرض. بالمقابل، بدأ الإنسان ينظر بوضوح إلى النظام الشمسي بطريقة متعددة الكواكب. وهذا، من ناحية الحضارة، وتمثيلنا لأنفسنا ودور الأرض، يُشكل تغييراً كبيراً نسبياً حسب اعتقادي. وبالتالي، فهذه بداية قصة طويلة وطويلة جداً.
swissinfo.ch: لنعود إلى الحياة في الكون، هل تتخيل أنَّها على الأرجح موجودة بكثرة أم أنها نادرة؟
ديديي كِلو: عندما أُلقي درساً عن الحياة، أبدأ بعرض صورة سكين سويسرية على طلابي. وأقول لهم: «هذه آخر تكنولوجيا متطورة للسكين السويسرية. إنها ممتازة، وتقطع بشكل جيد، إنها رائعة». ولكن لو أردتم فعلاً أن تعرفوا أصل هذه الأداة، عليكم أن تنظروا لأول سكين سويسرية. وفي تلك اللحظة، أعرض عليهم صورة لحجر صوان (من الصخور السيليكية). صحيح أن العلاقة بين الصوان والسكين السويسرية ليست واضحة، فالعامل المشترك الوحيد بينهما هو الوظيفة.
الصعوبة بالنسبة للحياة، هي في التوصل إلى فهم المكونات التي سمحت لها بالظهور. بَيدَ أنَّ مختبرات الكيمياء الجزيئية حققت تقدماً كبيراً. فمع القليل جداً من المكونات الأساسية، التي نجدها تقريباً على أي كوكب يشبه الأرض، نستطيع إنشاء الأحماض الأمينية التي تشكل أساس بروتيناتنا. حسناً، هذا وحده لا يكفي للحياة، بل يجب تشكيل أغشية الخلايا التي هي دهون متعددة، ولكن هنا أيضاً تبدو الآليات الكيميائية بسيطة للغاية. وبعد ذلك، نحتاج أيضاً لنوع من آلية التكاثر، التي تشكل الحمض النووي الريبوزي (ARN) والحمض النووي الصبغي (ADN). وبالطبع، ليست لديك مليار معلومة كي تقوم بعمل شيء معقد إلى هذا الحد. ربما تستطيع صنع أنظمة تحتوي على 40 أو 50 معلومة، تشبه إلى حدٍ ما أجهزة الكمبيوتر القديمة. وهذه الأنظمة ستعمل تقريباً بشكل جيد، ولكنها ستكون كافية لإيجاد نوع من التطور.
swissinfo.ch: إذن هنا، لم نعد بصدد الحديث عن الفيزياء الفلكية، وإنما عن البيولوجيا الفلكية أو البيولوجيا الوجودية…
ديديي كِلو: هذا مجال علمي جديد في طريق الإنشاء، مبني على احتمال صنع حياة اصطناعية. وسوف ننجح. لأنَّ فهم الحياة، يعني صنعها أيضاً، وربما تخيل أنواع أخرى للحياة. ويمكننا فعل ذلك من أشياء في غاية البساطة. هنا، نحن نتكلم عن الماء، وعن أكسيد الكبريت، الناجم عن البراكين، وعن غلاف جوي من ثاني أكسيد الكربون، الذي هو شيء طبيعي، فعندما يتشكل كوكب ما يوجد ثاني أكسيد الكربون في كل مكان؛ نحن لا نتحدث هنا عن الاوكسجين لأنه ليس ضرورياً، بالإضافة إلى القليل من حمض الهيدروسيانيك، الذي يأتي بشكل طبيعي جداً عن طريق المذنبات.
والخبر السار، هو أنه في حال كانت هذه الفرضية صحيحة، سيكون من السهل جداً اختبارها. إن كانت هناك حياة على كوكب المريخ وأيضاً على الزهرة، فمن الواقعي القول بأننا سنعرف ذلك خلال الخمسين سنة القادمة. إذن نحن قريبون من الإجابة. وعندما سنراقب كواكب أخرى، بعد 50 إلى 100 عام، سوف نتمكن من تحليل الغلاف الجوي، وفهم الجيوديناميكية وربما وجود الحياة عليها ـ أو لا. ولكن مع معرفة هذه الأمور، يمكننا القيام بتجارب ـ بشكل خاص على الكمبيوتر ـ ورؤية أنه ربما يكون هناك مجموعات أخرى من الأحماض الأمينية التي تشكل هياكل حية. الآن، نحن نتحدث عن نشأة الحياة، وليس عن تطورها. بعد ذلك، هل تخرج الحياة من الماء؟ وهل يمكن رؤية الحياة بالعين المجردة، هل الحياة تصنع سيارات وترسل صواريخ؟ هذا سؤال آخر.
swissinfo.ch: أنت تتحدث عن صناعة الحياة في المختبر. ماذا عن المسائل الأخلاقية؟
ديديي كِلو: إنها مشكلة المعرفة. يمكننا القول بأنه لو كانت معرفتنا أقل لكنا أقل خطورة. ولكننا على الأرجح على حق، لأننا حالياً، نمتلك جميع الوسائل لإبادة أنفسنا. بوجود عدد القنابل النووية الحرارية، احتمال الخطر هو إحصائي: كلما انتظرت طويلاً، كلما زاد احتمال حدوث الشيء.
أستطيع القول بأنَّ لدينا مشكلة حقيقية: لقد أتقنّا قوة الذرة، وغداً سنتقن الوراثة، بأكملها، وسيكون بمقدورنا صناعة الحياة، نحن نتقن الهياكل المنطقية، وبواسطة الذكاء الاصطناعي سوف نتجاوز قدرات الدماغ في يوم من الأيام. وهذا ما نطلق عليه اسم المعرفة.
بعد ذلك، ما نفعله بهذه المعرفة متروك لنا. ومن ناحية المجتمع، وفيما يخص التطور، لا تزال لدينا مشكلة صغيرة. لأننا لا نزال نحتفظ بسلوكيات بالية تماماً مع معتقدات من النوع الخرافي، من آلهة، ومما هو غير مرئي، نحن لا زلنا في مجال بعيد كل البعد عن الواقع الذي نعيش فيه. وفي الحقيقة، هذا الأمر مخيف جداً. وهذا الأمر لا يتعلق بالفيزياء، وإنما يتعلق بعلم الاجتماع وعلم النفس.
swissinfo.ch: في الختام، دعنا نعود إلى شيء أكثر واقعية. أنت أحد آباء التلسكوب الفضائي السويسري “CHEOPSرابط خارجي” (اختصار لعبارة “القمر الصناعي لتحديد خصائص الكواكب السيارة الخارجية”). بتاريخ 17 ديسمبر، كنت في كوروا (غويانا الفرنسية) عندما توقف العد التنازلي قبل الإطلاق بساعة وعشر دقائق. كيف كان شعورك في تلك اللحظة؟
ديديي كِلو: في الحقيقة لم يكن الأمر مفاجئاً لي، لأنني أعلم أن هناك سلسلة من الاختبارات التي تُقام باستمرار قبل عمليات الإطلاق، كما أن هناك العديد من المراحل الحرجة. وفي ذلك الوقت، كان قد حصل التزامن في جهازي كمبيوتر الرحلة، اللذين يجب أن يكونا متزامنين تماماً، وما حصل هو نفس المشكلة التي واجهتها بوينغ، التي لم تنجح في الالتحام بالمحطة الفضائية. لذلك، عندما رأيت الخطأ، سألت مدير وكالة الفضاء الأوروبية ESA الذي كان موجوداً هناك، فقال لي: «يجب ألا نقلق، إنهم روس. وسوف يقومون بتصليح الخطأ».
وبالفعل، فقد فرَّغوا الخزانات، وصعدوا إلى القمة، ثم استبدلوا جهازي الكمبيوتر، وقاموا باختبارهما وتمَّ الإطلاق في اليوم التالي. وكان التوقيت أفضل بكثير، لأن السماء كانت صافية واستطعنا مشاهدة الصاروخ أثناء انطلاقه.
صيّادو العوالم
فيلم وثائقي استثنائي، مع ميشال مايور وألكسندر أستير (انتاج لباندورا كرييشن، والتلفزيون العمومي السويسري الناطق بالفرنسية (RTS )، بمساعدة مهارات CNC، ثلاثون دقيقة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.