مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“ديزيرتيك” سيخصص 80% من إنتاج الطاقة الشمسية للتنمية في بلدان المنطقة

Keystone

تشارك عقول ومؤسسات عربية في المشروع الكبير لإنتاج الطاقة الشمسية في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ونقل جزء منها الى أوروبا فيما يعرف بمشروع "ديزيرتيك" الذي أثار اهتماما إعلاميا واسعا فور الإعلان عنه في ميونيخ يوم 13 يوليو.

وفي حوار خاص مع swissinfo.ch، أوضح الدكتور مهندس هاني النقراشي، نائب رئيس مجلس الإشراف على المشروع وأحد المؤسسين له، أن 80% من إنتاج الطاقة سيُـستهلك محليا لتنمية المنطقة العربية، كما يوضح دور الجانب العربي في المشروع ويرد على بعض المنتقدين الذين اعتبروه مشروعا “استعماريا جديدا”.

فبعد انطلاق “ديزيرتيك”، وهو أضخم مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، انطلاقا من استغلال الطاقة الشمسية المتوفرة في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ونقل قسم منها إلى أوروبا، بدأت تطرح عدة تساؤلات حول نجاعة تطبيق هذا المشروع الذي سيكلف حتى الإنتهاء من إنجازه في عام 2050 أكثر من 400 مليار يورو (حوالي 600 مليار فرنك سويسري).

في المقابل، تساءل البعض عن مدى استفادة دول الجنوب من مشروع من هذا القبيل، وذهب آخرون إلى حد وصفه بالمشروع “الاستعماري الجديد”، بينما شكك البعض الآخر في قدرة دول الجنوب على ضمان الاستقرار الأمني وتأمين المنشآت المُكلفة والفائقة التعقيد التي ستقام فوق أراضيها.

تساؤلات يجيب عليها في الحوار التالي أحد الأطر العربية المشاركة في المشروع منذ بداياته الدكتور مهندس هانئ النقراشي، الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الإشراف بمؤسسة “ديزيرتيك” والذي يرفع النقاب عن تفاصيل المشاركة العربية في المراحل المختلفة للمشروع، ويؤكد بأن المنطقة ستستفيد بحوالي 80% من إجمالي الطاقة التي سنتجها المشروع إذا ما قُيّض له أن يرى النور في يوم من الأيام.

swissinfo.ch: قيل الكثير عن مشروع “ديزيرتيك” لإنتاج الطاقة الشمسية في بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط ونقل جزء منها الى بلدان أوروبا. بوصفكم أحد الإطارات العربية المؤسسة لهذا المشروع الضخم، كيف تحكمون عليه؟

د. هانئ النقراشي: هذا المشروع يُنجز لخدمة كل البلدان التي تشترك فيه، سواء بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط أو الجزيرة العربية أو بلدان الشرق الأوسط بأكملها، وهو مشروع يتيح لهذه البلدان إمكانية استغلال الطاقة الشمسية المتوفرة لديها، بالإضافة الى الطاقات المتجددة الأخرى، مثل طاقات الرياح وطاقة المياه وغيرها لإنتاج الطاقة الكهربائية التي تحتاجها من طاقات متجددة نظيفة، بدل الاعتماد على النفط والغاز أو الفحم، وبهذا يمكن لهذه الدول أن تحتفظ بالمواد الأحفورية للأجيال القادمة أو للتصدير أو للصناعات الكيماوية التي لا بديل لها عنها.

وما هي الأطراف العربية المشاركة لحد الآن في المشروع ؟

د. هانئ النقراشي: الجهة العربية الوحيدة التي أعلنت لحد الآن عن المشاركة رسميا هي شركة “سيفيتال” الجزائرية. وقد أبدت بعض الشركات المصرية رغبتها في الاشتراك، ولكنها ستلتحق في المرحلة القادمة. وستكون المشاركة خلال الثلاث سنوات الأولى في تمويل الأبحاث، التي تهتم في البداية بدراسة وتحديد المناطق التي تكون صالحة لإنجاز هذه المشروعات.

تم تقديم مبلغ خيالي للمشروع في حدود 400 مليار يورو. على ضوء ما توصلتم به من ضمانات في مؤتمر ميونيخ هل ترى أن تجميع المبلغ أمر ممكن في ضوء الأحوال الإقتصادية الحالية؟

د. هانئ النقراشي: مبلغ 400 مليار يورو هو مبلغ تقديري لإنجاز المراحل الممتدة من الآن حتى عام 2050 والمتمثلة في 350 مليار لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، و50 مليار لإقامة شبكات لنقلها، ولكن المشروع سيعرف مراحل استثمار أخرى فيما بعد، وأي مشروع مرهون بمدى استعداد الدول والشركات للمشاركة في الاستثمار في مشروع، سيجنبنا الكثير من الكوارث الطبيعية بسبب التغيرات المناخية. وقد شارك في اجتماع ميونيخ وزير دولة من وزارة الخارجية الألمانية، هو الذي سيتولى إقامة القنوات الخاصة للإتصال بالدول.

بالإضافة الى ما قيل عن تخصيص جانب من الطاقة المستخرجة لصالح الاستعمال المحلي في بلدان الجنوب، ما هي أوجه الاستفادة بالنسبة لبلدان الجنوب؟ هل سيكون هناك نقل للتكنولوجيا مثلا؟

د. هانئ النقراشي: هذا المشروع مبني على أساس التعاون والمشاركة. والتعاون والمشاركة يكون لهما معنى فقط إذا كان كل شريك له فائدة من الموضوع، لذلك، يوجد شركاء عرب في الموضوع، وأنا واحد منهم. ونحاول أن نُقنع، وقد تمكّنا بالفعل من إقناع شركائنا الألمان، بان موضوع المياه في البلاد العربية موضوع حيوي أكثر من الكهرباء، وهذا الإحساس بأهمية المياه عند العرب غير متواجد لدى الأوروبيين، نظرا لتوفر الأمطار والكميات الكبيرة من المياه لديهم، كما أوضحنا لهم بأنه يجب ربط هذا التعاون بالتصنيع المحلي في البلاد العربية، لأنه بدون ذلك لا يكون التعاون في كل النواحي ولا تكون المشاركة في مستوى ما نصبو إليه، أي مشاركة الند للند ولا الفائدة فائدة عامة لصالح الجميع.

ومن الجانب العربي، هل أقنعتم الدول والقطاع الخاص لكي تكون لهم مشاركة أكبر في المشروع؟

د. هانئ النقراشي: نحن في سبيلنا إلى ذلك …، ونرجو أن يكون هذا الاجتماع مسهلا في هذا الإطار. فأنا كمصري أعرف من خبرتي أن الحكومة المصرية اتخذت موقفا إيجابيا جدا من هذا الموضوع، ولنا أيضا مراسلات كثيرة مع إخواننا في السلطة الفلسطينية، الذين لهم نفس التوجه. كما لدينا مراسلات أيضا مع إخواننا من الأردن، لأنك كما تعلم ليس للأردن موارد من النفط او الغاز، ولكن موارده من الشمس ومن الرياح كبيرة جدا.

لكن المشاركة العربية في مشروع “ديزيرتيك” لإنتاج الطاقة الشمسية في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ونقلها الى أوروبا كانت منذ البداية، بحيث بدأنا في عام 2000 بإنشاء مجموعة “تريكس وترانس ميدتيرانيان رونوفل إينيرجي أند كووبرييشن”، بمساعدة بعض المعاهد الألمانية التي رأت أنها – في سبيل أبحاثها – في حاجة الى كهرباء بشكل كبير، وأنها باستهلاك هذه الكميات من الطاقة ستعمل على تلويث الجو، وهو ما يتعارض مع كونها مراكز تقوم بأبحاث لصالح الإنسانية. فظهرت فكرة مساعدة دول شمال افريقيا لإقامة محطات للطاقة الكهربائية الشمسية تخفض هذا التلوث.

اتصل بي أحد الباحثين الألمان لمعرفة رايي في الموضوع. قمنا بعدها بتشكيل لجنة من العلماء في شكل شبكة لمواصلة الاتصالات والبحث. انضم لهذه الشبكة المهندس مالك الكباريتي، رئيس معهد الأبحاث والطاقة في الأردن، وقامت وزارة البيئة الألمانية بتمويل هذه الأبحاث التي أشرف عليها معهد الفضاء وشؤون الطيران الألماني، الذي يحتوي على قسم متخصص في هذه المواضيع ولديه الأقمار الصناعية التي بإمكانها قياس قوة الإشعاع الشمسي في كل بقعة من بقاع العالم.

وتوصل المعهد الى رسم خرائط لقوة الإشعاع الشمسي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وكذلك باقي الطاقات المتجددة بالمنطقة. وتبين للباحثين أن الطاقة الشمسية تفوق بكثير باقي الطاقات المتجددة الأخرى وأن استغلالها ستكون فيه فائدة لكافة أبناء المنطقة، بحيث تفي بحاجيات التنمية لأبناء الجنوب ويكون فيها فائض كافٍ لتصدير جزء منها الى بلدان أوروبا.

والفكرة ليست لتصدير كل الطاقة المنتجة، بل إن بلدان الجنوب ستستغل ما بين 80 و85% من الطاقة المنتجة لتنمية نفسها وحوالي 15 الى 20% يصدر إلى أوروبا، وهذا يؤمن لأوروبا حوالي 15% من استهلاكها من الطاقة من المشروع، بينما عليها إنتاج 85% الباقية من مصادرها الخاصة.

لكن دكتور، هذا الرقم المقدم (ما بين 80 و85% من الطاقة تستهلك محليا، أي في المنطقة العربية المشاركة في المشروع) هو رقم لم تردده وسائل الإعلام بشكل ملفت، بل هناك من ذهب الى حد وصف المشروع بأنه “مشروع استعماري جديد”؟

د. هانئ النقراشي: المشروع يهدف لاستهلاك ما بين 80 و85% من الطاقة المنتجة للتنمية المحلية، لأن المنطقة ستحتاج في عام 2050 إلى كميات من الطاقة تفوق استهلاك القارة الإفريقية بأكملها، وستحتاج الى كميات من المياه في حدود 3 مرات حجم نهر النيل، وهذا لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال تحلية مياه البحر. فلو تم اللجوء لتحلية مياه البحر بالاعتماد على النفط أو الغاز، لتدهورت الأوضاع البيئية بشكل كبير، لذلك، نحاول تعويض استهلاك المواد الأحفورية بطاقة نظيفة، مثل الطاقة الشمسية.

بعد أن اتضح أن أبناء المنطقة العربية لهم مشاركة فعالة في المشروع منذ بداياته ولهم رغبة في الاستمرار، إما كباحثين او كشركات في المشاركة في هذا المشروع الضخم. كيف تردون على من يشكك ويعتبر أنه مشروع “استعماري جديد” يهدف إلى مواصلة استنزاف طاقات المنطقة؟

د. هانئ النقراشي: مثلما تفضلت في السؤال، هناك أبناء المنطقة مشاركين في المشروع. فالدراسة التي قام بها المعهد الألماني شاركت فيها إطارات عربية. فمن مصر، بالإضافة الى مشاركتي، هناك مشاركة هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، كما شارك من العراق الدكتور البسام، مدير معهد الزراعة في المانيا ومن المغرب شارك الدكتور عبد العزيز بنّـونة، ومن الجزائر المهندس توفيق الحسني، ومن الأردن الدكتور كمال الكباريتي.

سويس إنفو:إذا كانت الظروف المناخية ملائمة لإقامة المشروع هناك من يطرح موضوع انعدام الاستقرار في المنطقة وإمكانية تأثيره على إنجاز المشروع. بوصفكم أحد الساهرين على دراسته كيف تردون على ذلك ؟

د. هانئ النقراشي: أرد على ذلك بان الإستقرار السياسي في دول جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط واضح، وكل الأنظمة الموجودة فيه مستقرة. إذا كان فيه بعض التشكيك في أن الديمقراطية الموجودة بالمنطقة ليست بمستوى الديمقراطية الموجودة في أوروبا هذا أكيد، لأن هناك اختلافا بين الاثنين. لكن هذا المشروع (أي ديزيرتيك) سيعمل على تثبيت الديمقراطية وتعزيز التعاون.

عندما ننظر للموضوع نظرة موضوعية سنجد أن هذا المشروع سيُحدث وظائف جديدة في البلاد العربية، وسيعمل على رفع مستوى التعليم ورفع مستوى إلتحاق الأطفال بالمدارس وبالتالي رفع مستوى الوعي وتقبل الديمقراطية. كما أن المشروع سيسمح باستخراج مياه كافية للشرب أو للزراعة مما يعزز مستوى التنمية ومستوى التقدم الاجتماعي. وهذا ما سيعمل على رفع مستوى الاستقرار في هذه الدول. وخلاصة القول أن هذا المشروع سيؤثر تأثيرا إيجابيا على مستقبل المنطقة.

محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف

يهدف مشروع “DESERTEC” إلى إنتاج الطاقة عبر استغلال الطاقة الشمسية في صحاري بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ونقلها جزئيا إلى بلدان أوروبا.

يوم 13 يوليو 2009، عقد في ميونيخ بألمانيا الاجتماع التأسيسي للتجمع الساهر على إنجاز المشروع بمشاركة 10 شركات أغلبها ألمانية من بينها شركة ABB السويسرية، بالإضافة إلى شركة عربية واحدة هي شركة “سيفيتال” الجزائرية.

قد يستغرق إنطلاق المشروع أكثر من أربعين عاما، أي حتى حدود عام 2050. وقدرت الاستثمارات الضرورية لانطلاقه فعليا حتى عام 2050 بحوالي 400 مليار يورو.

تشير التقديرات إلى أن ما تستقبله صحاري العالم من طاقة شمسية لمدة ست ساعات يكفي لاستهلاك سكان العالم أجمع من الطاقة خلال عام بأكمله.

لدى تجمع “ديزيرتيك” تصورات في أن تسمح صحاري شمال إفريقيا والشرق الأوسط في عام 2020 بإنتاج طاقة بقوة 20 جيغاواط، أي ما يعادل إنتاج 20 محطة تقليدية لإنتاج الطاقة والتوصل في يوم من الأيام إلى تأمين 15% من استهلاك الطاقة الكهربائية في أوروبا.

أما عن المنطقة التي ستستفيد من أول مشروع، فإن المسؤولين يردون بأن الأمر ما زال طي الدراسة، لكن مسؤول التسويق بمشروع ديزيرتيك، ميخائيل شتراوب صرح لوكالة رويترز بأن “مشروعا في تونس قد يعرف تقدما في غضون الخمسة أعوام القادمة، ويتعلق بربط محطات إنتاج في تونس بمستهلكين في جنوب إيطاليا”.

swissinfo.ch

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية