رائد طيران سويسري يستجلب تقنيات الطيران المستقبلية إلى الوقت الحاضر
طائرات صغيرة تعمل بالطاقة الكهربائية حصريا، قادرة على الإقلاع والهبوط بشكل عمودي - هذا الخيال العلمي الذي قد نتصور تحققه في المستقبل ليس بالبعيد عنّا في الواقع، حيث يسعى أندريه بورشبيرغ الرئيس التنفيذي والمؤسس الشريك وأحد قائدي طائرة ‘سولار إمبُلس’ للحصول على حصتة من هذا النشاط التقني. أما شركته الناشئة لصناعة الطائرات الكهربائية فليست سوى واحدة من عشرات الشركات المنتشرة في جميع أنحاء العالم، التي تأمل في جعل الطائرات الكهربائية حقيقة واقعية.
بعد انقضاء تسعة أشهر على هبوط طائرة ‘سولار إمبُلس’ وانهائها لرحلتها الشمسية-الكهربائية حول العالم، ينطلق الطيار والمهندس ورجل الأعمال أندريه بورشبيرغ في مهمة جديدة. وكما يقول لـ swissinfo.ch بحماس :”أنا مُقتنع بأننا أمام نقطة تحول في عالم الطيران”.
في هذا الإطار، يعتزم الطيار السويسري الذي يبلغ الثالثة والستين عاماً من العمر العودة إلى التحليق في السماء مع فريق H55 (أو حظيرة الطائرات 55 سابقاً)، المكون من عدد صغير من المُتخصصين في مجال الطيران، وطائرة الإستعراضات الجوية الكهربائية التجريبية aEro1. وتراهن الشركة التي شارك بورشبيرغ بتأسيسها على مستقبل أخضر للطيران (انظر المعلومات في الحاشية المصاحبة). وهذه الطائرة قيد الإختبار الآن في مطار مدينة سيون في وادي الرون.
على المدى البعيد، ينشد بورشبيرغ وفريق H55 الإستفادة من، والبناء على الخبرات الفريدة المُكتسبة من الطائرة الشمسية ‘سولار إمبُولس’ لتطوير تقنيات الدفع الكهربائي – ابتداءً من مصدر الطاقة وحتى واجهة تواصل الطيار ونُظُم التحكم – والتي يُمكن للآخرين دمَجها في طائراتهم أيضاً.
“نحن الآن في مرحلة تغيير التكنولوجيات الجديدة لعالم الطيران. إنه أمر مثير للغاية”، كما يقول بورشبيرغ.
“المحركات الكهربائية عالية الكفاءة، كما انها أخف وزناً. وهي تتسم بالكفاءة من حيث التكلفة، بالإضافة إلى أن تشغيلها أرخص ثمناً بكثير مقارنة بمحركات الإحتراق الداخلي في الطائرات التقليدية. ويرافق كل هذه الميزات مستوى أقل من الضوضاء وانخفاض كبير في البصمة البيئية”.
وكما يوضح بورشبيرغ، ينبغي أن تكون الطائرات الكهربائية في المستقبل قادرة على الإقلاع عمودياً مع القليل من الضوضاء، وأقل اعتمادا على المطارات الكبيرة.
من وكالة الفضاء ‘ناسا’ وحتى خدمة سيارات الأجرة ‘أوبر’
كان حلم الطائرات الكهربائية يراود الناس منذ أمد بعيد. مع ذلك، فإن التطورات الأخيرة، ولاسيما فيما يخص البطاريات والدفع الكهربائي، جعلت هذه الاحتمالات أكثر واقعية بكثير. بدوره، ينضم فريق H55 إلى عشرات الشركات الأخرى في جميع أنحاء العالم، بضمنها لاعبين رئيسيين مثل مجموعة ‘رولز رويس’ البريطانية المتعددة الجنسيات، وشركات وافدة جديدة مثل ‘أوبر’ (لخدمة سيارات الأجرة التي يقع مقرها في “سيليكون فالي” بولاية كاليفورنيا) التي التقطت عدوى الطيران الكهربائي هي الأخرى.
وفي العام الماضي، قال وارن إيست، الرئيس التنفيذي لمجموعة ‘رولز رويس’ لصحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية بأن هناك ‘سباق’ لاستبدال المحركات النفاثة بمحركات الدفع الكهربائي. كما أشار إلى الإستعدادات السريعة للشركة بالقول: “علينا أن نكون جاهزين بحلول عام 2020 لأن الناس يتحدثون عن دخول هذه المحركات للخدمة بحلول عام 2030”.
في نفس السياق، كشفت شركة ايرباص في عام 2014 عن النموذج الأولي لطائرة “إيرباص إي-فان” (E-Fan)، الكهربائية ذات المقعدين، التي تعتمد على بطارية ليثيوم. كما أعلنت الشركة مؤخرا عن تخليها عن خطط إنتاج طائرة (E-Fan) لصالح طائرة إقليمية كهربائية هجينة سوف تكون جاهزة للطيران في غضون السنوات الثلاث المقبلة. بدورها، تستثمر شركات الطيران ‘بوينغ’ و ‘جت بلو’ ووكالة الفضاء الأمريكية ‘ناسا’ بكثافة في الطائرات التي تعمل بالأنظمة المُهجنة المُدمجة كهربائياُ.
من جهته، يشارك بيرتراند بيكار، شريك بورشبيرغ في ‘سولار إمبولس’ برؤيته حول هذا الموضوع. وكما أعلن العام الماضي بعد أنهاء ‘سولار إمبُولس’ لرحلتها حول العالم :”أناواثق من أننا سنرى خلال السنوات العشر القادمة طائرات كهربائية تحمل 50 راكباً فى رحلات قصيرة ومتوسطة المدى”.
وفي شهر أبريل 2017، فاجأت شركة ‘أوبر’ الكثيرين عندما أعلنت عن خطتها لتطوير شبكة من سيارات الأجرة الطائرة، التي ستكون عبارة عن طائرات كهربائية صغيرة تقلع وتهبط عمودياً [أو طائرات الـ “فيتول” (VTOL) وهي اختصار للعبارة الإنجليزية Vertical Take-Off and Landing] دون أي انبعاثات، وبأقل قدر ممكن من الضوضاء بحيث يمكن تشغيلها في المدن.
وتمثل طائرة بورشبيرغ aEro1 الخطوة الأولى نحو هذا النوع من الطائرات المستقبلية العالية السرعة العاملة على الطاقة الكهربائية. والملاحظ أن طائرة فريقH55 الصغيرة الأحادية المقعد مختلفة كثيراً عن طائرة ‘سولار إمبُولس 2’ الضخمة التي تعمل بالطاقة الشمسية – الكهربائية والتي يوازي باع جناحيها جناحي طائرة من طراز ‘بوينغ 747’
المزيد
طائرة H55 الكهربائية قريبا تحلّق في الأجواء
لا تحتوي طائرة aEro1 على ألواح شمسية، وهي تبدو للناظر مثل طائرة استعراضات جوية قياسية ذات مقعد واحد.
“لكن الطيران بها مُمتع جداً، كما أنها لا تتطلب أي صيانة تقريباً. فأنت لست بحاجة إلى التحقق المنتظم من الزيت أو الوقود أو المحركات الكهربائية”، كما يوضح بورشبَرغ. “ما عليك سوى أن تدير مفتاح التشغيل الرئيسي وسوف يبدأ المحرك بالدوران فوراً. أنت لا تحتاج إلى الانتظار، بل تتوجه إلى المدرج حيث يمكنك الإقلاع. هذه الطائرة تتمتع بعزم دوران أقوى وأسرع، وهي هادئة كالطائرة الشراعية”، كما يضيف.
وفي حين يمكن لـ ‘سولار إمبُلس’ البقاء في الجو لعدة أيام – حقق بورشبَرغ في آخر رحلة للطائرة الشمسية إنجازاً خاصاً، إذ بات يحمل الرقم القياسي لأطول رحلة جوية منفردة عندما حلق بين اليابان وهاواي في 117 ساعة و 52 دقيقة – حَلَّقت طائرة aEro1 حتى الآن ما مجموعه 50 ساعة في الجو، ولكن باستخدام بطارية لا تستمر سوى لساعة واحدة.
وفي الوقت الذي قد تصبح فيه البطاريات أخف وزناً واكثر كفاءة، إلّا أن قدراتها لا تزال تؤخر عملية التنمية. كما يقر بورشبرغ بأن العامل المُحَدِّد الآخر هو الوقت.
“ليس بوسعنا القيام بكل شيء اليوم. علينا أن نبدأ رويداً رويداُ “، كما يقول الطيار والمهندس ورجل الأعمال السويسري.
عن قرب، قد لا تبدو طائرة aEro1 ثورية جدا. لكن ما يمنح بورشبرغ وفريقه أسبقية واضحة في هذا المجال، هي خبرتهم مع ‘سولار إمبُولس’ في مجالات البناء والطيران والمصادقة على طائرة مستقبلية تتمتع بتقنيات جديدة.
“مع ‘سولار إمبلس‘، توجّب علينا المصادقة على طائرة بإمكانها الطيران فوق مدن كبيرة وتلبي إجراءات تحليل سلامة النظم، للتأكد من عدم وجود شيء [في الطائرة] قد يُفضي إلى حدوث كارثة”.
ولا شك أن للفريق الصغير المكون من خمسة رجال أهداف كبيرة، لكنه يبدأ بمشروع صغير يستخدم فيه الديناميكا الهوائية التقليدية المعروفة، ويطور حلولاً لنظام الدفع الكهربائي، قبل أن يقرر المضي إلى الأمام أو الإنطلاق نحو الأعلى.
وبعد تصميم aEro1، يخطط الفريق للعمل على نظام دفع كهربائي لطائرة ذات مقعدين، يُفترض أن تكون جاهزة في العام المقبل، لينتقل بعد ذلك إلى طائرات أكبر وهكذا.
“الطيران الأخضر”
يراهن المطار الإقليمي في مدينة سيون (عاصمة كانتون فالي)، حيث يجري إختبار طائرةaEro1 ، على الطيران الكهربائي وغيرها من التقنيات الخضراء الأكثر مراعاة للبيئة. ويسعى المطار الصغير، الذى من المقرر تحوله من منشأة عسكرية الى منشأة للطيران المدنى فى عام 2020، إلى تثبيت موقعه كمركز للطيران المأمون بيئياً ولهواة السياحة الشتوية.
مؤخراً، قدم المطار مشروعه المسمى بـ “الطيران الأخضر”، الذي يهدف إلى الجمع بين الشركات الكبيرة والناشئة المتخصصة في تكنولوجيات الطيران الملائمة للبيئة، واضعاً نصب عينيه الهدف الأطول أجلاً المتمثل بالحد من الأثر البيئي للرحلات الجوية.
“بالاضافة الى تعزيز السياحة المحلية من خلال الطائرات المستأجرة أو الرحلات التجارية، فإننا نعتقد بأهمية تطوير تكنولوجيات جديدة للطيران الاخضر”، كما قالت آلين بوفييه المدير العام لمطار سيون للمراسلين فى مؤتمر صحفى عقد مؤخراً. وكما أضافت :”نحن نتوفر على بُنية تحتية مُناسبة تماماً لمثل هذه البحوث. وبالإمكان إجراء العديد من الرحلات التجريبية هنا”.
في السياق نفسه، تشارك كل من جامعة العلوم التطبيقية في غرب سويسرا (HES-SO) وفرع سيون للمعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان (EPFL) اللذان يتوفران على خبرة في مجالات بحوث الطاقة والبطاريات عن كثب بالمبادرة التي أطلقها المطار، كما يقدمان المساعدة في خطة مشروعه الأخضر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.