المؤهلات العليا للتعليم المهني: هل يكفي تغيير التسميات لتحصيل الاعتراف؟
تُعاني مُؤهلات التعليم والتدريب المهني - الذي يُعَد أحد الأركان الأساسية في نظام التعليم السويسري من عَدَم الاعتراف بها في الخارج. لكن هذا قد يتغير في حال اعتماد سويسرا درجات البكالوريوس والماجستير لهؤلاء المُحترفين.
في عددها الصادر يوم 20 يونيو الماضيرابط خارجي، ذكرت صحيفة “سونتاغس تسايتونغ” الأسبوعية الصادرة بالألمانية، أن أمانة الدولة السويسرية للتعليم والبحث والابتكار (SERI) تَدرس إمكانية إعطاء تسميات جديدة للمؤهلات المِهَنية العُليا في سويسرا من أجل تعزيز قيمتها في سوق العمل الدولي. وفي الوقت الراهن يوجد مؤَهَلان قيد المناقشة هما: “البكالوريوس المهني” و”الماجستير المهني”.
وكما أكَدَّت لـ SWI swissinfo.ch، كانت أمانة الدولة السويسرية للتعليم والبحث والابتكار قد أطلقت بالفعل مشروعاً خاصاً لإجراء “مُراجعة شاملة للَوضع الوطني والدولي الحالي لِكليات ومعاهد التعليم العالي بالإضافة إلى برامجها التعليمية”.
هذا المشروع يهدف إلى مَعرفة ما إذا كانت ألقاب أكاديمية مثل “البكالوريوس المهني” أو “الماجستير المهني” – والتي يتم الحصول عليها من مؤسسات التعليم المهني العالي بدلاً من الجامعة – ستكون قابلة للاعتماد على الساحة الدولية.
الدافع لهذا الاجراء جاءَ من ألمانيا التي تتوفر بدورها على نظام تدريب مِهني راسخ. وكان المجلس الاتحادي الألماني (البوندسرات) قد اعتمد مشروع قانون جديد للتدريب المهني في بداية عام 2020، تم بموجبه إدخال درجتي “البكالوريوس المهني” و”الماجستير المهني” في مؤسسات التعليم المهني العالي.
في سويسرا أيضاً، تم تقديم العديد من المقترحات بهذا الشأن إلى البرلمان – بما في ذلك اقتراح “أيبيشر” رابط خارجيالأخير (Aebischer motion) – الذي يجادل بأن السويسريين يتضررون دولياً ومَحَلّياً بسبب افتقارهم إلى ألقاب أكاديمية مُعترف بها. وفي اقتراحه، يدعو عضو مجلس النواب ماتياس أيبيشر الحكومة على وجه التحديد إلى النظر في “ألقاب حديثة” من شأنها مُعادلة عنوان الشهادة [المؤَهَل] والمستوى الأكاديمي مع العناوين الأخرى في داخل البلاد وخارجها على حدٍ سواء (“البكالوريوس المهني” و”الماجستير المهني)”.
ما الذي يستدعي ذلك؟
يُسجّل السويسريون بانتظام أعلى الدرجات في مسابقات المهارات المهنية الدولية، فما الذي يستدعي النظر في هذا التغيير؟
المزيد
التدريب المهني .. الطريق إلى التتويج
الإجابة على هذا السؤال تكمن في كيفية تشكل النظام التعليمي السويسري؛ إذ يتوجّه حوالي ثلثي طلاب المدارس السويسرية بعد استكمالهم للتعليم الإلزامي، إلى التدريب المهني حيث يجمع المُتَدَرب في الغالب بين الدراسة بدوام جزئي في أحد المعاهد المهنية، ويقضي الجزء الآخر (الأكبر) من وقته في شركة مضيفة أو رب عمل مُعتَمَد، وهو ما يسمى بـ “النظام المزدوج”. بعد انتهاء هذا المستوى الدراسي الذي يستغرق من سنتين إلى أربع سنوات في العادة، يحصل الطالب على دبلوم فدرالي في التعليم والتدريب المهني (VET بالالماني وCFC بالفرنسي)، ويتمتع بإمكانية الوصول المباشر إلى سوق العمل. وبشكل عام، فإن بطالة الشباب في سويسرا مُتَدَنّية (حوالي 8% في عام 2020) مُقارنة بالدول المتقدمة الأخرى.
عَقِبَ هذه الفترة الدراسية، يتوفر الطلاب على مسارات مُتعددة لِمُواصلة دراستهم. وعلى سبيل المثال، يكون بوسع الطالب الحاصل على شهادة البكالوريا المهنية السويسرية التي تؤهله للالتحاق بإحدى الجامعات السويسرية الثمان للعلوم التطبيقية (UAS) لمواصلة دراسته. وتميل هذه المؤسسات لأن تكون ذات منحى عملي ويحضرها مُتدربون مؤهلون في الغالب. وفي حال رغب الطالب المُتحصل على البكالوريا المهنية بالإلتحاق بإحدى الجامعات الأكاديمية على مستوى الكانتونات، يتعين عليه أيضاً إجتياز اختبار الكفاءة الجامعي (UAT). وبشكل عام، يلتحق حوالي 25% فقط من الشباب في سويسرا بجامعة أكاديمية.
المزيد
نظام البكالوريا المهنية في سويسرا يُعاني من حالة ركود
يمكن للشباب أيضاً تعميق معارفهم المهنية ومهاراتهم الإدارية من خلال الحصول على شهادات أو دبلومات فدرالية عالية والدراسة في الكليات والمعاهد المهنية العالية. يُعرف هذا المسار التعليمي باسم التعليم المهني العالي، وهو نظام تعليمي تتميز به سويسرا. ويهدف هذا النوع من التعليم إلى توفير قوى عاملة ذات مهارات عالية في مجالات مثل الهندسة، والصحة، والإدارة والخدمات السياحية. ويسلك قرابة ربع الشبابرابط خارجي الذين اختاروا التدريب المهني هذا الطريق.
مع ذلك، فإن هذه الكليات غير مُعتَرَف بها رسمياً من قبل السلطات السويسرية، رغم أن المؤهلات التي تقدمها، والبالغة 430 مؤهلاً مُعترف بها.
اكتساب الاعتراف
هذا الطابع الفريد للنظام التعليمي السويسري هو الذي يدفع إلى المُطالبة بالتغيير. ففي بعض المهن، مثل تكنولوجيا المعلومات أو التمريض، يُعَد الحصول على مؤهل عال أمراً واسع الانتشار، لكن، وكما يشير إيبيشر في مقترحه، توجد مشاكل تتعلق بالاعتراف [بالمؤهل السويسري].
من جانبه، يوضح أورس غاسّمان، المدير الإداري للرابطة السويسرية لخريجي كليات التعليم العالي (ODEC)، المسألة فيقول: “عندما يذهب شخصٌ تم تدريبه في سويسرا إلى الخارج للعمل بصفة مهندس ميكانيكي لتركيب جهاز أو إدارة مشروع ما، فإنه غالِباً ما يُواجَه بمشكلة أن دبلومه الفدرالي العالي لا يعني شيئاً للمُتحدثين باللغة الإنجليزية”. كما أكد غاسّمان أيضاً أن هذا الوضع يمكن أن يحدُث داخل الشركات الدولية أو سلاسل الفنادق في سويسرا التي هي معتادة أكثر على التعامل مع البكالوريوس الأكاديمية، أو قد يطلبونها من أجل العمل لديهم.
لهذا السبب، قامت الرابطة السويسرية لخريجي كليات التعليم العالي بمنح شهادة البكالوريوس المهنية ODECرابط خارجي لاعضائها منذ عام 2006، مع توقُعِه انتقال قطاع التعليم المهني العالي بأكمله نحو درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في نهاية المطاف. كما تدعم الرابطة أيضاً الانتقال إلى شهادة البكالوريوس المهنية الوطنية.
من جهتها، لا تبدو الجامعات مُقتنعة بِمُقترح أيبيشر. وكما قالت رابطة “الجامعات السويسرية” swissuniversities التي توجد تحت مظلتها كل الجامعات السويسرية لقناة التلفزيون العمومي السويسري الناطقة بالفرنسبة (RTS) في 22 يونيو، “ألقاب البكالوريوس والماجستير مُخَصَّصة للأوساط الأكاديمية”. وهي تري أن توسيع نطاق هذه الألقاب ليشمل أنواعاً أخرى من التعليم “سيؤدي إلى حدوث ارتباك”.
الحكومة السويسرية أيضاً أعلنت عن معارضتها لاقتراح أيبيشر (الثاني) – حيث كان قد قدَّم اقتراحاً مشابِهاً في عام 2012 تم رفضه من قبل البرلمان – مشيرة إلى العمل الذي تم القيام به سابقاً لتوضيح مرحلة التعليم العالي المهني. وعلى سبيل المثال، توجد هناك ترجمات رسمية باللغة الإنجليزية لبعض الألقاب، بالإضافة إلى العمل الحالي الذي يجري إعداده من قبل كتابة الدولة للتعليم والبحث العلمي والإبتكار.
المزيد
تغير مرتقب؟
يقول يورغ شفيري، الأستاذ في المعهد الفدرالي السويسري للتعليم والتدريب المهنيرابط خارجي (SFIVET)، إن موقف سويسرا الرسمي بهذا الشأن ولوقت طويل، هو أن نظام التعليم المهني العالي في سويسرا يكون أقوى عندما يُنظر إليه كمسار مُنفصل له مزاياه الخاصة.
وكان الرأي السائد هو أن الألقاب على الغرار الأكاديمي يمكن أن تزيد من الالتباس بين مسارات التعليم المُختلفة والشهادات المُتحصَّل عليها بدلاً من توضيحها، كما أنها قد تعطي انطباعاً بـ “التقليل من أهمية” الألقاب أو المؤهلات القائمة، والتي تحظى بقبول جيد في سويسرا في العديد من المجالات المهنية. بالإضافة إلى ذلك، لنْ يُنظَر إلى هذه الألقاب الجديدة من نفس منظور شهادات البكالوريوس والماجستير الأكاديمية.
“مع ذلك، وضعت الخطوة الألمانية معياراً، لأن ألمانيا هي أشهر الأمثلة المعروفة للبلدان المتمتعة بتقاليد راسخة في مجال التدريب المهني والتلمذة الصناعية”، كما كتب شفيري في رسالة ألكترونية رداً على سؤال توجهت به إليه SWI swissinfo.ch.
وكما أضاف: “إذا أثبت الحل الألماني نجاعته، فقد يكون من الصعب على سويسرا إيجاد حل مختلف فيما يتعلق بالاعتراف الدولي بشهادات التدريب المهني السويسرية”.
أما اقتراح أيبيشر الذي قُدِّم في العام الماضي، فلم يتم تناوله بعدرابط خارجي من قبل مجلس النواب (الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي). في غضون ذلك، من المتوقع صدور تقرير المعهد الفدرالي السويسري للتعليم والتدريب المهني بشأن كليات ومعاهد سويسرا للتعليم العالي والشهادات الممنوحة من قبلها بحلول نهاية عام 2021.
وفقًا لأحدث الاحصائيات المتاحة، كان هناك 35,100 طالب وطالبة في كليات ومعاهد سويسرا للتعليم العالي في العام الدراسي 2020/1رابط خارجي9 . وكان الإقبال الأكبر على دورات التمريض، يليها مجال التنظيم والإدارة، ثم خدمات رعاية الأطفال والشباب.
تُظهِر الإحصاءات التي جمعتها الرابطة السويسرية لخريجي كليات التعليم العالي (ODEC)رابط خارجي للعامين 2020/19 بعض الرواتب النموذجية حسب القطاع للخريجين الحاصلين على دبلوم مهني عالي (دراسة بدوام جزئي لفترة تقل عن عامين بعد التخرج). وتتصدر مهنة المساعد القانوني القائمة بمرتب 101,800 فرنك (110,500 دولار) سنوياً؛ في حين تقع مهنة التمريض في أسفل القائمة بمرتب 63,700 فرنك سنوياً
المزيد
التدريب المهني السويسري نموذح يستحق أن يُحتذى به
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
اكتب تعليقا