طائرات سويسرية بدون طيار تهبّ للنجدة والإنقاذ!
يُحرِزُ الباحثون وعُمّال الإنقاذ في المناطق الجبلية السويسرية تقدماً كبيراً في مجال الطائرات بدون طيار ذاتية القيادة، مع تزايد الطلب على هذه التكنولوجيا في عمليات البحث والإنقاذ في جميع أنحاء العالم. مع ذلك، لا تزال حواجز الدخول [إلى الصناعة والسوق] قائمة.
تعتمد الشرطة وخدمات الطوارئ في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا بشكلٍ مُتزايد على الطائرات بدون طيار (أو المُسَيَّرة عن بُعد) المُزوَّدة بكاميرات حرارية وأجهزة استشعار أخرى عالية التقنية لمراقبة السواحل، والمساعدة في العثور على الرحالة المفقودين، أو حتى إنقاذ حيوانات الكوالا المحاصرة في العواصف الناريةرابط خارجي.
في سويسرا، كان الحرس الجوي السويسري للإنقاذ المعروف باسم “ريغا” (REGA)رابط خارجي يختبر روبوتاً ذاتيّ التشغيل يشبه الطائرة المروحية بإمكانه العثور على أشخاص مفقودين أو يُواجهون صعوبات في جبال الألب.
تُستَخدم الخدمات التي يوفّرها الحرس الجوي السويسري للإنقاذ، وهي مُؤسَّسة غير ربحية يدعمها 3,5 مليون مُتبرع من الخواص على نطاق واسع في سويسرارابط خارجي، كما يزداد الطلب عليها مع تقاطر المزيد من الناس إلى المنطق الجبلية. وفي العام الماضي، هبَّت هذه الخدمة لنجدة ما معدله 31 شخصاً يومياً، حيث وفرت لهم الرعاية الطبية جواً في سويسرا أو خارجها.
تم تجهيز طائرة ‘ريغا’ المُسيَّرة الجديدة التي يبلغ طولها مترين بكاميرات وأجهزة استشعار لاكتشاف الهواتف المحمولة، ونظام مُضاد للتصادُم، بالإضافة إلى خوارزمية طَوَّرها المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ يتيح لها مَسْح مناطق واسعة والتعرف بشكل مُستقل على أشخاص موجودين على الأرض.
وبكثير من الدقة، يقوم مشغلو ‘ريغا’ المُدَرَبون بتحديد المنطقة التي يتعيّن على الطائرة المُسيَّرة أن تبحث فيها، ومن ثمَّ تشغيل الجهاز يدوياً. وبمجرد اكتشاف الطائرة بدون طيار المحمولة جواً وجود إنسانٍ على الأرض، تقوم بإرسال إشارة إلى المُشغلين على بُعد عدة كيلومترات، والذين يقررون ما إذا كانوا سيُرسلون فريقاً للإنقاذ أم لا.
تلتزم مؤسسة ‘ريغا’ الصَمت حيال تكلفة الاستثمار في هذا المشروع، وتصر على أن الطائرة المُسيَّرة لن تَحُلَّ محل أي من خدماتها الحالية. بدلاً من ذلك، سوف يتم استخدام هذه الآلة لتوسيع عمليات الإنقاذ التقليدية، كما ستُستَخدَم في الحالات التي تكون فيها طائراتها المروحية مُجمّدة على الأرض وغير قادرة على التحليق بسبب ضعف الرؤية.
“نحن لن نقوم باستبدال الوسائل الأخرى بالطائرة بدون طيار”، كما أوضح ساشا هارديغَّر، مدير مشروع الطائرات بدون طيار في مؤسسة ‘ريغا’. وكما أضاف، فإن هذا النوع من الطائرات سوف يُستخدَم “لدَعم الطائرات المروحية أو كلاب البَحث عندما تكون الأحوال الجوية سيئة”.
“وادي الدرونات”
تُعَد الآلة الطائرة لمؤسسة ‘ريغا’ واحدة من أحدث الأمثلة – وأكثرها واقعية – لطائرةٍ بدون طيار قامت بالتحليق من المختبر لتنفيذ عمليات يومية. وقد أصبحت سويسرا على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، رائدة في مجال البحث والتطوير المتعلق بصناعة الطائرات بدون طيار (أو الدرونات). وظهر فيها ما يُسمى بـ “وادي الدرونات” في المنطقة المُمتدة بين المعهدين التقنيين الفدراليين العاليين في لوزان وزيورخ، الذي يحتضن أكثر من 80 شركة توفر أكثر من 2,500 فرصة عمل.
وبغية جَمع أفضل الأبحاث السويسرية في هذا المجال، تم إنشاء المركز الوطني السويسري للكفاءة في الأبحاث (NCCR) – الروبوتياترابط خارجي في عام 2010، بتمويل من الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي ، لتطوير “تقنية آلية جديدة محورها الإنسان لتحسين نوعية حياتنا”.
من جانبه، يقود دافيد سكاراموتسا أصيل مدينة أومبريا الإيطالية أبحاث هذا المركز في مجال روبوتات الإنقاذ. وقد قام فريقه في جامعة زيورخ بتصميم خوارزميات وتطوير طائرات بدون طيار ذاتية التشغيل مزودة بكاميرات وأجهزة استشعار أصغر بكثير من تلك الموجودة في طائرة ‘ريغا’ بدون طيار ولا تستخدم نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). ويعني ذلك إمكانية نَشر هذه الدرونات في حالات مثل الزلازل، حيث يمكنها الدخول إلى المباني واستكشافها بسرعة بحثاً عن ناجين وبعيداً عن الطَرَف المُشَغِّل.
أسرع وأكثر خِفّة
بحسب سكاراموتسا، الذي يترأس مجموعة الروبوتيات والإدراك في جامعة زيورخ، فإن أحد أكبر التحديات في هذا المجال هو إنشاء طائرات مُسيَّرة أكثر سرعة لتغطية مسافات أطول.
وكما يوضح، فإن لبطارية الطائرات بدون طيار عمر محدود (من 20 – 30 دقيقة طيران)، وكلما زادت مساحة الأرض التي يمكنها تغطيتها، كلما زادت فُرصة نجاحها في مهمة الإنقاذ.
“لو أرَدْتَ مثلاً استخام طائرة بدون طيار لاستكشاف محطة فوكوشيما النووية، فمن المُرجَّح أن عمر البطارية التي ستحتاجها يجب أن يكون من ثلاث إلى أربع ساعات”، كما قال.
وبالنسبة لطائرة ‘ريغا’ الجديدة بدون طيار، لا تَزال مسألة التَحَمُّل والمَدى مشكلة قائمة. وفي الوقت الحالي، يعمل الروبوت الطائر الذي يبلغ وزنه 17 كيلوغراما ببطارية لا يتعدى عمرها الساعتين. ومن المُقرر أن تم استبدال هذا البطارية قريبا بمحرك احتراق داخلي يتيح القيام برحلات أطول، ويكون جاهزاً للاستخدام في عام 2021.
وبغية تحسين سرعة وخِفة الطائرات بدون طيار، قام سكاراموتسا وفريقه في زيورخ بتزويد أجهزتهم بكاميرات أحداث [وتسمى أيضاً مستشعرات الرؤية الديناميكية]، التي تفيد في تجنب العوائق. وبدلاً من تسجيل الصور أو مقاطع الفيديو كما في الكاميرا التقليدية، يعمل كل بِكسَل (Pixel) داخل كاميرا الحدث بشكل مستقل وغير متزامن، ويُبَلِّغ عن التغييرات في السطوع عند حدوثها. وهذه التغييرات تتوافق مع الحركة أو الاضطرابات الأخرى في البيئة المحيطة.
النتائج كانت سريعة للغاية. فخلال الصيف الماضي، تمكنت طائرة صغيرة بدون طيار مزودة بكاميرا أحداث وتطير بسرعة عشرة أمتار في الثانية من تفادي كرات ألقِيَت عليها. واستطاعت الطائرة المُسيرة أن تُدرِك الجسم وتبدأ بمراوغته في غضون 3,5 ملّي ثانية فقط (شاهد الفيديو).
“تستطيع كاميرات الأحداث رؤية الأشياء بسرعة تفوق الكاميرا التقليدية بـ 10,000 مرة”، يقول سكاراموتسا. “ومن حيث المبدأ، يعني ذلك أن سرعة الطيران ستكون أسرع بعشر مرات مما هي مع الكاميرا القياسية”.
في الوقت الراهن، يعمل فريق أستاذ مادة الروبوتيات والإدراك في جامعة زيورخ على تعزيز خفة الحركة في الطائرات المسيّرة بطُرُق أخرى. وقد عمل أعضاء الفريق مع شركة ‘إنتل’ الأمريكية العملاقة للتكنولوجيا لبناء طائرة بدون طيار مع خوارزمية ملاحة تتيح لها أداء مناورات وتقلبات فائقة السرعةرابط خارجي بشكل مستقل باستخدام قياسات من أجهزة استشعار محمولة على متن الطائرة. ولم يقتصر الأمر على هذا فقط، بل إن الباحثين ابتكروا طائرات بدون طيار ذاتية التحكم يمكنها أن “تنطوي” (أي تقوم ذاتيا بتقليص حجمها) لكي تستطيع المرور من خلال المساحات الصغيرة.
“كانت لدينا طائرة بدون طيار يمكنها دخول غرفة صغيرة شُبه مُنهارة من الخارج عَبر فجوة صغيرة، ثم تجد طريقها للخروج باستخدام الكاميرات”، كما قال. وقد عُرِضَت هذه الطائرة المُسيرة على فِرَق البحث والإنقاذ التابعة لمنظمة الصليب الأحمر في برن في وقت سابق من هذا العام.
“شبيهة بالطيور” وقابلة للتعبئة
في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، يبحث العلماء أيضاً في كيفية تحسين خِفة حركة الجيل التالي من الطائرات المُسَيَّرة وسرعتها ومُدّة طيرانها.
ومؤخراً، كشف باحثو المعهد في لوزان عن طائرة بدون طيار “تشبه الطيور” صُمِّمَت على شكل طائر البازٍ بأجنحة وذيل مُتحركَين مصنوعة من الريش الصناعي، مما يسمح لها بالالتفاف أو الطيران بشكل أسرع وأبطأ.
“هذه السرعة الهائلة سوف تسمح لها بالتحليق بانسيابية في المدن، أو حول المباني أو الطيران في الغابات، وهذا مُهم جداً لمَهام الإنقاذ أو التفتيش”، كما أوضح داريو فلوريانو، رئيس مختبر النُظُم الذكية في المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزانرابط خارجي. وفي المرحلة المُقبِلة، يخطط الفريق لدمج الذكاء الاصطناعي في العملية، للسماح للطائرة المُسيَّرة بالطيران بشكل شبه مُستقل.
في نفس السياق، يسعى مسار آخر للأبحاث إلى تحسين سهولة استخدام الطائرات بدون طيار وسلامتها في الحد من مخاطر الكوارث.
وبهذا الصدد، قامت شركة Flyability الناشئة للبحث والتطوير المُتفرعة من المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان بالفعل بالتسويق التجاري لطائرات مُسيَّرة مُحاطة بقفصٍ واقٍ، ونَشرِها في عمليات بحثٍ وإنقاذ. كما تعمل شركة ناشئة أخرى مُنبثقة عن نفس المعهد هي Dronistics، على تطوير طائرات Pack Drone بدون طيار، التي يمكن طَيُّها بشكل مُسَطَّح ونَقلُها في حقيبة ظهر. وقد تم اختبار هذه الطائرات بدون طيار التي يُمكن استخدامها لنقل أدوية الإسعافات الأولية أو الأغذية بعدُ في جبال جمهورية الدومينيكان.
“لقد أظهرنا من خلال طائرة PackDrone المُسيَّرة قدراتها على توصيل معدّات طوارئ لشخصٍ مُحاصر فوق سَطح أحد المباني”، يقول فلوريانو، الذي يشغل أيضاً منصب مدير المركز الوطني السويسري للكفاءة في الأبحاث (NCCR) – الروبوتيات.
لا يزال هناك الكثير مما يتعيَّن القيام به
منذ إطلاقه، استثمر المركز الوطني السويسري للكفاءة في الأبحاث (NCCR) – الروبوتيات في برنامجه المستمر منذ اثني عشر عاما عاماً حوالي 10 ملايين فرنك (11 مليون دولار) في روبوتات الإنقاذ. وكما يقول فلورياناو، فإن هذه الأموال إنما “تُنفق بشكل سليم” إذا ما أخذنا بالاعتبار عدد الشركات المتفرعة ذات الصلة والعلماء المشاركين، “والذي أدى إلى توليد خمسة أضعاف هذه الأموال على الأقل والعديد من الوظائف”.
مع ذلك، يُدرِك الخُبراء أن سوق طائرات الإنقاذ بدون طيار لا يزال سوقاً مُتخصصاً في الوقت الراهن ولا يتمتع بِقُدرة تنافسية عالية. وعلى الرغم من العدد الكبير للشركات الجديدة لإنتاج طائرات بدون طيار في سويسرا، لكن القليل منها فقط يختص في إنتاج هذا النوع من الطائرات.
وكما أوضح سكاراموتسا، فإن “الأسواق الأكثر ربحية للطائرات بدون طيار هي تلك المتعلقة بِفَحص الجسور وخطوط الكهرباء بالدرجة الأولى، تليها سوق الزراعة والسلامة والأمن – التي يُعتَبَر البَحث والإنقاذ جُزءاً فرعياً منها – ثم مجال الترفيه”. وكما أضاف: “لا توجد هناك شركة مُتخصصة في البَحث والإنقاذ، فهذا مشروع جانبي بالنسبة لهم”.
من جانبها، تبرز شركة Flyability الناشئة للبحث والتطوير في هذا المجال المُتخصص. وهي تَختَص في تفتيش واستكشاف الأماكن المُغلقة وتلك التي يصعب الوصول إليها. ولدى الشركة اليوم مئات العُملاء في أكثر من 50 دولة. ومؤخراً، ساعدت تقنيتها في إنتاج الطائرات المُسيرة العلماء في الوصول إلى بعض الكهوف الجليدية الأكثر عمقاً في العالم، كما في غرينلاند، على سبيل المثال.
وبحسب سكاراموتسا، “تتوفر شركة Flyability على المُنتَج الأكثر استخداماً للبَحث والإنقاذ ولكنه يخضع لتَحَكُّم الإنسان”.
الشركة الأخرى التي حققت نجاحاً تجارياً هي WeRobotics السويسرية الأمريكية غير الربحية. ومن خلال مختبراتها الطائرة (Flying Labs ) تعمل الشركة التي انطلقت في عام 2015 على مساعدة المجتمعات المحلية في البلدان منخفضة الدخل للوصول إلى التكنولوجيا والتدريب اللازمين لاستخدام الطائرات بدون طيار لأغراض الإغاثة في حالات الكوارث المحلية وجهود التنمية المُستدامة. وتستخدم الشبكة التي تتواجد في العديد من البلدان الأفريقية بالإضافة إلى أمريكا اللاتينية وآسيا، طائرات بدون طيار لرَسم خرائط التضاريس ورصدها، وتوصيل الإمدادات والأدوية وجهود البَحث والإنقاذ.
قد يكون مشروع مؤسسة ‘ريغا’ استثناءً، لأن فرق الطوارئ والمتخصصين لم يلموا تماماً بَعدُ بفائدة روبوتات الإنقاذ، والتي “قد تبدو مُعقدة للغاية”، كما يعترف فلوريانو.
“عندما تقع كارثة في مكان ما، يتعيّن على فرق التخفيف من حدة الكوارث السيطرة على حالات كثيرة في فترة زمنية قصيرة، لذا ليس من البديهي بالنسبة لهم بَعدُ استخدام الطائرات المُسيرة، التي قد تضيف المزيد من التعقيد”، كما يقول.
ويرى فلوريانو أيضاً ان هناك الكثير من الضجيج وسوء الفهم المحيط بالطائرات بدون طيار، وما يُمكنها القيام به. “إن البحث والإنقاذ والتخفيف من حدّة الكوارث هو طموح نتطلع لتحقيقه، ومن المؤكد أنه شيء نهدف إليه عندما نُصَمِّم آلاتنا الطائرة. لكنه مليء بالتحديات أيضاً، ولا تزال هناك فجوة كبيرة والكثير مما يتعيَّن القيام به”، كما أضاف.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
اكتب تعليقا