علماء سويسريون يستعينون بتكنولوجيا النّانو لمواجهة هدر الطعام
في كل عام، يتم إتلاف ما يقارب من 1.3 مليار طن من الطعام في جميع أنحاء العالم. في سويسرا، يدرس الباحثون سُبُل المساهمة في مواجهة تحدي هدر الطعام وإتلافه، باستخدام تكنولوجيا النانو.
يمكن أن يحدث ذلك مع أي شخص منا – الزبادي الموجود في الجزء الخلفي من ثلاجتك قد تخطى تاريخ صلاحية الاستهلاك الأفضل المذكور على العلبة، مما يجعلك تقوم برميه في سلة القمامة أو في سلة السماد. لكن هل كان مازال بالإمكان تناوله؟
قد تكون توصية الجودة التي يتم ختمها على الطعام ويشار إليها بعبارة “من الأفضل استهلاكه قبل (مع تحديد التاريخ)”، مُربكة للمستهلكين. ربما كان الطعام في تلك العبوة بالذات ما زال صالحاً للاستهلاك ولذيذاً تماماً، ولم تكن هناك ضرورة لينتهي به الأمر في سلة المهملات، ليُضاف ببساطة إلى تلك الجبال المتراكمة من نفايات الطعام المهدور في العالم.
وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يتم كل عام هدر أو إتلاف ما يقرب من ثلث كمية جميع المواد الغذائية، التي يتم إنتاجها،رابط خارجي وذلك ابتداء من المزارع ومروراً بالمتاجر وانتهاءً بالمطاعم والأسَر والبيوت. وتُعتبَر سويسرا من البلاد التي تتصدّر قائمة الإتلاف بمعدّل 190 كيلوغراماً من الأطعمة للفرد سنوياً.
وتعتقد نيلوفار شريفرابط خارجي أن لديها حلولاً لهذه المشكلة؛ فهذه الباحثة الإيرانية في مرحلة ما بعد الدكتوراه تشتغل، في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، على مشروع مدته ثلاث سنوات لتطوير تقنيات تغليف ذكية يمكنها تحديد المنتجات الفاسدة بدقة.
وتصرّح عالمة الأغذية لـ swissinfo.ch قائلةً: “عندما يكون لدينا أجهزة استشعار، يُمكننا مراقبة المنتج وتحديد الوقت الفعلي لانتهاء صلاحية استهلاكه”.
أنابيب الكربون النانوية
في مختبرها لتقنية النانو في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، تقوم نيلوفار شريف ببناء أجهزة استشعار من أنابيب نانوية كربونية صغيرة، وجزيئات أسطوانية تتكون من صفائح ملفوفة من ذرات كربون أحادية الطبقة يبلغ قياسها جزء من المليار من المتر، وتأمل أن تكون مفيدة في الكشف عن علامات تدهور حالة الغذاء.
فهذه المستشعرات فائقة الصغر، المدمجة في عبوات الطعام، تتفاعل عندما يفسد الطعام، ثم يقوم النظام على إثر ذلك، بتفسير البيانات وترجمتها إلى علامة يُمكن للناس قراءتها على الجزء الخارجي من عبوة الطعام.
ومن المعروف أن الأطعمة المختلفة تتحلّل بطرق مختلفة، وبمعدلات مختلفة وتحت ظروف مختلفة، منها مثلاً مستويات الضوء والرطوبة. وتعتقد شريف أن مستشعراتها يمكن أن تتفاعل مع غازات معينة تنبعث أثناء وجود نشاط جرثومي أو فطري داخل الطعام.
وإحدى الطرق للقيام بذلك هي مراقبة مستويات الحموضة عن طريق ما يّعرف بالرقم الهيدروجيني (pH)، والذي يحدد طبيعة المادة وما إذا كانت حمضية أو محايدة أو قلوية، وهوما يشير إلى إمكانية وجود تحلل للطعام.
وتقول شريف: “إذا كان لدينا منتج لا وجود فيه لنشاط كائنات حيّة دقيقة، فقد يعني ذلك، على سبيل المثال، حصولنا على الرقم الهيدروجيني 7 [الذي يقع في منتصف درجات الحموضة ويعتبر مُحايداً]. ولكن، عندما يكون لدينا نشاط لهذه الكائنات، فإن درجة الحموضة هذه ستتغير وفقاً لطبيعته، وعند اكتشاف المستشعر لتغيرات في درجة الحموضة، فإنه يقوم بتنبيهنا إلى وجود نوع ما من أنشطة الكائنات الحية الدقيقة”.
إذا انتقل الرقم الهيدروجيني إلى منطقة غير آمنة للاستهلاك، فإن جهازاً للاستشعار على الملصق الخارجي سيُنبّه القيّمين على إدارة الوضع الغذائي أو المتسوقين إلى أن الطعام لم يعد صالحاً للأكل.
تم اختيار مشروع شريف كجزء من برنامج مبادرة مستقبل الغذاءرابط خارجي، وهو برنامج سويسري في علوم- الصناعة، يهدف إلى توسيع نطاق البحث والتعلّم في مجال الأطعمة والتغذية.
ومع أن عملها وأبحاثها قد تأجّلت وتأخرت بسبب جائحة كوفيد – 19، إلا أنها منكبّة اليوم على إنشاء المختبر وتجهيزه بكل ما يلزم للقيام بالمرحلة الأولى من مراحل المشروع الثلاث: اختبار استجابة المستشعرات لغازات مختلفة، ودمج هذه المستشعرات في مواد التغليف، ثم اختبارها على أطعمة حقيقية.
كبسولات صغيرة جداً
مؤخراً، وفي إطار مشروع آخر في سويسرا، يهدف للحد من إتلاف الطعام، تمّ استخدام تقنية النانو لجعل التغليف الذكي ممكناً. وقد تم الانتهاء من هذا المشروع في عام 2018، كجزء من برنامج البحوث الوطني السويسري NRP 69، “التغذية الصحية والإنتاج الغذائي المستدام”.
في قسم الكيمياء بجامعة بازل، طورت كل من البروفيسورة كورنليا غابرييلا باليفان والبروفيسورة أوزانا فيشر أسطحا زجاجية صغيرة تعلق عليها كبسولات دقيقة الحجم، يبلغ قطرها 100 نانومتر فقط، أو ما يساوي واحداً من 1000 من عرض شعرة الإنسان.
والجدير بالذكر أنه يمكن ملء هذه الكبسولات الصغيرة بمواد عديدة ولاستخدامات مختلفة. وتقول باليفان إن أبسط هذه الاستخدامات هو توظيفها كمفاعل يمكن أن يشير إلى تغيّر طبيعة البيئة المحيطة، كما هو الحال عندما تتدهور جودة الغذاء.
وتضيف في حديثها مع swissinfo.ch: “من خلال المستشعرات، سنعلم بوجود جزيئات معينة مرتبطة بتدهور جودة الغذاء”.
ولاختبار فعالية أبحاثهما، ملأت العالمتان الكبسولات بصبغة البيرانين الفلورية. ومع تغير مستوى درجة الحموضة أو الرقم الهيدروجيني للبيئة المحيطة، كانت شدة تألق مادة البيرانين، تتباين.
وفي سيناريوهات أخرى، يمكن تصميم الكبسولة بهدف اكتشاف مادة ضارة معينة؛ فبمجرد اكتشافها، ستفتح بوابة للسماح بدخول المادة الضارة إلى داخل الكبسولة حيث تم وضع مادة معيّنة مهمتها التفاعل مع المادة الضارة لتحويلها الى مادة غير ضارة.
وسيرى المستهلكون ملصقاً مربع الشكل، لا يتجاوز ضلعه 0.5 سم تقريباً، يتغير لونه للإشارة إلى نضارة الطعام. هذا الملصق هو بمثابة إشارة المرور، حيث يشير اللون الأخضر إلى أن الطعام بداخله طازج، بينما يشير اللون الأحمر إلى أن المنتج لم يعد صالحاً للاستهلاك.
وكان فريق بازل قد نشر النتائج التي تمّ التوصل إليها في عام 2018 في مجلة الكيمياء السويسرية Helvetica Chimica Acta.
وبالنسبة إلى باليفان، فإن فريقها سيكون جاهزاً لإظهار نتائج بحوثه، وما الذي يمكن فعله أو تطويره على صعيد التعاطي مع إتلاف الأطعمة، إذا بدأ الناس فعلاً بالمطالبة بإجراء تغييرات في هذا المجال.
وتقول: “من خلال البحث، نحن نقوم بتطوير تقنية جديدة، وبالتالي لدينا حل لهذه المسألة. وإذا أعرب المجتمع عن حاجته لنتائج بحوثنا، سيشجّعنا ذلك على المضي قدماً، ولكننا سنكون بحاجة إلى مزيد من الدعم”.
ثق في حواسك
وتقول كارين سبوري، المديرة الإدارية لـ foodwaste.ch، وهي منظمة غير ربحية مقرها برن، إن الأفكار التي حملها الباحثون إلى طاولة المناقشات، كانت مثيرةً للاهتمام.
وتعتقد سبوري أن القيّمين على قطاع صناعة الأطعمة كالطهاة مثلا أو مراكز التبرع بالطعام، يمكنهم الاستفادة من نظام مثل تقنية باليفان، الذي طورته هي وفريقها. لكن عالمة الأحياء التي تتمتع بخبرة في هذا المجال، أعربت عن حذرها بشأن استخدام هذه التقنية على مستوى المستهلك؛ وقالت إن الناس قد لا يتقبلون ارتباط تكنولوجيا تسمّى بالنانو بغذائهم.
وتقول سبوري إن التغييرات في سلوك الأسَر بهذا الشأن، يمكن توقّع حدوثها من خلال حث المستهلكين على الثقة في حواسهم كحاسّة الشمّ وحاسة التذوق لمعرفة نضارة الأغذية، وتثقيفهم فيما يتعلق بإدارة كيفية شراء واستخدام الأغذية. وهي تعتبر أن “التغليف الذكي لا يجعلني ذكياً إذا لم أقم بتنظيم طعامي على النحو اللائق”.
وتضيف سبوري أنه في البلدان الصناعية مثل سويسرا، هناك دفع ضئيل باتجاه تغيير طريقة تعامل المستهلكين مع إتلاف الطعام الخاص بهم. وعَزَت ذلك إلى أن “هناك نسبة سبعة بالمائة فقط من ميزانيات الأسَر مخصّصة للغذاء في سويسرا، وهو مبلغ صغير نسبياً”، كما ترى أن عقلية المستهلك السويسري غالباً ما تكون على النحو التالي: “عندما لا يبدو لك مثلاً الزبادي طازجاً، فلا بأس من رميه لأنه بإمكانك شراء زبادي آخر”، على حد قولها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.