كيف ساهمت جائحة كوفيد-19 في تعزيز التعلم الرقمي في جامعات سويسرا
بعد اضطراب دام لعامين بسبب جائحة كوفيد-19، عاد الطلَّاب في سويسرا هذا الفصل الدراسي إلى مقاعد الدراسة. ولكنَّ التعليم الإلكتروني ظلَّت له حصَّة في التعليم العالي.
شَعَر آلاف الطلَّاب، الذين عادوا إلى مقاعد الدراسة في جامعة بازل مع بداية الفصل الدراسي لخريف 2022، أن الحياة بدأت تعود إلى مجراها الطبيعي. فقد ودَّعوا ما ساد في السنتين السابقتين من أقنعة وتدابير التباعد الاجتماعي وشهادات لقاحات وفحوصات كوفيد. وباتت قاعات المحاضرات والكافيتريات مكتظَّة من جديد. أخيراً، عادت الحياة الاجتماعية إلى سابق عهدها.
اليوم، وبعد أن أصبحت تدابير كوفيد-19 ماضٍ ولَّى، يُبدي العديد من الطلَّاب الحماس للعودة إلى الجامعة. إلَّا أن الجائحة خلَّفت وراءها بصمات في التعليم الجامعي. فبعد أن كان المحاضرون والطلَّاب يرون التعلُّم الإلكتروني ظاهرة جديدة مفاجِئة في أساليب التعلُّم، عندما هيمنت على الحياة الجامعية السويسرية لمدة طويلة إبَّان ذروة الجائحة، بات التعلُّم الإلكتروني اليوم يفرض نفسه في معظم الجامعات من جميع أنحاء البلاد.
وتراسلت SWI swissinfo.ch عبر البريد الإلكتروني مع ماتياس غيرينغ، المتحدث باسم جامعة بازل، فأفاد أن “عدد المساقات التعليمية الإلكترونية البحتة في فصل الخريف هو 22 – أي ما يُشكِّل حوالي 1٪ من إجمالي المساقات”. أمَّا قبل الجائحة، فلم يكن هناك سوى مساق إلكتروني واحد، في عام 2019.
“التعلُّم المُدمج”
ويقول غيرينغ: “عندما تتوفر دواعٍ تعليمية منطقية، سيستمر تقديم التعلم الرقمي”. ولا يُقصد بذلك التعليم عن بُعد – حيث تكون المحاضرات فقط عبر تطبيق Zoom أو تطبيق Teams وما شابه ذلك – ولكن كتعلم مختلط حيث “تتغير بيئة الفصل الدراسي”. وشرح غيرينغ التعلُّم المختلط فقال إنه يتألَّف من اكتساب المعرفة عبر الإنترنت، عن طريق مقاطع الفيديو والمحاضرات المُسجَّلة على سبيل المثال، ومن الفصول التطبيقة الجامعة ومن ممارسة التفكير ضمن مجموعات داخل الحرم الجامعي. وبهذه الطريقة يُمكن للجامعة أن تُدمج “أفضل ما في العالميْن”.
وإن كان للجائحة أيّ فضل، فلها الفضل في تحفيز هذه الخطوة. فقد كشفت دراسة استقصائية للتدريس الرقمرابط خارجييرابط خارجي أُجريت في جامعة بازل ونُشرت نتائجها في مارس 2021 – أي بعد عام من التحوِّل إلى التدريس الرقمي – أن معظم الطلَّاب والمحاضرين يقدِّرون المرونة الإضافية التي تتيحها المساقات المُقدَّمة بصيغة رقمية.
ويستدرك غيرينغ بالتنويه إلى أن التفاعل المباشر بين الطلاب والمحاضرين في الحرم الجامعي يبقى أمراً ضرورياً، وهو ما تجلَّى بوضوح أيضاً أثناء فترة الجائحة.
رفعت الحكومة السويسرية جميع التدابير المتعلقة بوباء كوفيد – 19 اعتبارًا من 1 أبريل 2022، لكن العديد من الجامعات استمرت في فرض بعض القيود حتى فصل الصيف الماضي.
قبل ذلك، كانت هناك عمليتا إقفال (ربيع 2020 وخريف 2021) مع مواصلة التعلم عن بُعد. وفي الفترة الفاصلة بين الإغلاقيْن، كان هناك تعليم حضوري على عين المكان في الموقع ولكن في ظل قيود صارمة (ارتداء الأقنعة الصحية، مراعاة مسافات التباعد، وتوفر شهادة كوفيد).
وتتشابه القصة في الجامعات السويسرية الأخرى: فقد أوصت جامعة برن رابط خارجي، على سبيل المثال، بتسجيل المحاضرات غير التفاعلية كبودكاست. وبدءًا من الفصل الدراسي 2023-2024، تعتزم جامعة جنيف تسجيل المُحاضرات تلقائياً في القاعات المُجهّزة لهذا الغرض، ذلك أن “الدورات المسجلة هي مواد تكميلية يُمكن للطلاب الرجوع إليها إلى جانب المحاضرات التي يحضرونها شخصياً. وعلى هذا النحو، فإنهم لا يتعلمون عن بُعد”. وبينما تدعم الجامعة التعلم عن بُعد، فإنها ترى أن الأمر يتطلب دمج “الرؤية التربوية” الصحيحة.
يوم مُخصَّص
أمَّا جامعة شفيتس لتدريب المعلمين فقد اتخذت خطوة أبعدرابط خارجي. ففي خريف هذا العام، خصَّصت يوماً واحداً في الأسبوع للتعلم الإلكتروني لطلبة درجة البكالوريوس.
وتقول أولريكي زايفارت المتحدثة باسم الجامعة، إن هذه الخطوة، التي ستخضع للتقييم في يونيو 2023، تهدف إلى “تطبيق الدروس الإيجابية في مجال التعلُّم عن بُعد [التي تعلَّمناها] أثناء الجائحة”. وأوضحت أن محتوى بعض المساقات كان متناسبا تماماً مع التدريس الرقمي. كما أضافت أن العديد من الطلَّاب يُقدِّرون المرونة الإضافية التي تأتي مع هذه الخطوة، التي ستُمكِّنهم من الجمع بين الدراسة والأسرة أو العمل أو أنشطة رياضات النخبة.
وعلى حدِّ علم زايفارت، فإن جامعة شفيتس لتدريب المعلمين هي الجامعة الوحيدة لتدريب المعلمين التي تُخصِّص يوماً واحداً للتعلُّم الإلكتروني في سويسرا.
وتستدرك قائلة إن الجامعة لا تزال تؤمن بأن على الطلَّاب الحضور شخصياً، لأن التفاعل في البيئة الجامعية أمر مهم. وتضيف أن “التدريس مهنة، ظلَّت وستظلُّ، اجتماعية بطبيعتها، ولا يُمكن بناء المهارات الاجتماعية في بيئة رقمية. وعلاوة على ذلك، فهناك بعض المحتويات التدريبية التي لا يُمكن تدريسها رقمياً”.
الطلَّاب سعداء
وتواصلت SWI swissinfo.ch أيضاً عبر البريد الإلكتروني مع سيرينا كامبيل، الرئيسة المشاركة لاتحاد الطلاب السويسريين، فقالت إن الطلَّاب يعتريهم شعور عام بالسعادة للعودة إلى الحياة في الحرم الجامعي.
وأضافت أنه “في رأينا [نحن الطلَّاب]، فإن العودة إلى الدراسة المُقتصرة على التعلُّم عن بُعد أمر غير وارد. فقد كانت أوجه التبادل الاجتماعي تُعاني [أثناء الجائحة]، وبلغ الإجهاد النفسي مبلغاً كبيراً، وكان من الصعب، على طلَّاب السنة الأولى تحديداً، تلمُّس الرابط مع الحياة الجامعية اليومية”.
المزيد
مع هذا، يُقدِّر الطلَّاب تلقّي بعض المحاضرات أو المواد التعليمة الأخرى عبر الإنترنت وإمكانية الاستماع إليها مرة أخرى في وقت لاحق.
وتقول كامبيل: “يعمل معظم الطلاب بوظيفة إلى جانب دراستهم، ويتحمّل بعضهم مسؤوليات الرعاية وبعضهم لديهم أسباب صحية تجعلهم غير قادرين على الذهاب إلى الجامعة كل يوم والقيام بكل شيء في الحرم الجامعي”.
المستقبل
وبالمثل، عادت جارتا سويسرا ألمانيا رابط خارجيوفرنسا إلى التدريس الجامعي الشخصي. وتظهر فيها دلائل على أن التعلُّم الرقمي قد ترك أثراً لدى الطلَّاب هناك أيضا. فقد كشف استطلاع لآراء الطلاب في ألمانيا، نُشرت نتائجه في يناير 2022، أن أربعة من كل خمسة طلاب يرغبون في مزيج من التدريس في القاعات الدراسية وعبر الإنترنت على المدى الطويل.
وأشارت دراسة أمريكية، ألقت الضوء عليها صحيفة رابط خارجينيويورك تايمز في أكتوبر 2022رابط خارجي، إلى أن التعليم العالي عبر الإنترنت قد يعمل في الواقع بشكل أفضل مما كان متوقعاً قبل الجائحة – وأنه يتجه “اتجاهاً ثابتاً” نحو التعلم المُدمج.
وتقول كامبيل من اتحاد الطلاب السويسريين: “لا أعتقد أنه يمكننا تخيّل التدريس في الجامعات بدون المساقات الرقمية”. فبالنسبة لها، من المهم أن يشارك الطلاب في التطورات المستقبلية المتعلقة بالتعلم الرقمي، وأن تؤخذ احتياجاتهم في هذا الصدد بالاعتبار.
وتضيف أنه، بشكل عام، “ليس معروفاً بعد كيف ستكون الاحتمالات المختلفة في المستقبل، وكيف يمكننا استخدام التنسيقات الرقمية بأفضل طريقة ممكنة دون المساومة على مزايا التدريس الحضوري وجها لوجه”.
تحرير: فيرجيني مانجين
ترجمة: ريم حسونه
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.