كيويكس: البرنامج السويسري الذي يلتف على الرقابة الروسية!
يتيح البرنامج الحاسوبي السويسري "كيويكس" (Kiwix) إمكانية نسخ مواقع إلكترونية بأكملها بغية إتاحة الوصول إليها بدون استخدام الإنترنت. وفي الوقت الذي تواجه فيه موسوعة ويكيبيديا خطر فرض عقوبات عليها في روسيا بسبب محتواها عن الحرب في أوكرانيا، بلغ عدد مرات تحميل الموسوعة بواسطة برنامج "كيويكس" مستويات قياسية.
تعد الموسوعة التشاركية ويكيبيديا أحد مصادر المعلومات القليلة عن الحرب في أوكرانيا التي لم تخضع بعد للرقابة في روسيا، لكنها مستهدفة من جانب الكرملين. فالدائرة الاتحادية الروسية لرقابة الاتصالات “روسكومنادزور” تُعيب عليها بصفة خاصة وجود صفحات فيها تتحدث عن “الغزو الروسي لأوكرانيا”، في حين أنه من غير القانوني الخروج عن المصطلح الرسمي الذي بموجبه يُقال إنها “عملية عسكرية خاصة”.
وفي 5 أبريل، أوعزت دائرة “روسكومنادزور” مجدداً إلى الموقعرابط خارجي بحذف “المواد التي تحتوي على معلومات غير دقيقة”، تحت طائلة التعرض لغرامة تصل إلى 4 ملايين روبل (أي 44،000 فرنك سويسري). وحتى الآن، لم تمتثل ويكيبيديا لأي أمر صادر. ومع ذلك، يخشى الكثيرون من أن تفضي هذه المقاومة إلى حظر الموقع، مثلما حُظر قبل ذلك تويتر وفيسبوك وإنستغرام.
عدد مرات التحميل تضاعف 50 مرة
إن السياق الحالي لحرب المعلومات آخذ في إحداث ثورة في استخدام برنامج “كيويكسرابط خارجي“، وهو برنامج سويسري فاز بالعديد من جوائز الابتكار. ويقوم هذا البرنامج، المجاني كلياً، بنسخ مواقع إلكترونية برمّتها ثم يضغطها متيحاً بذلك إمكانية تحميلها على وسائط التخزين، كالحاسوب أو الهاتف أو وحدات التخزين المحمولة من نوع “USB”، بغرض الاطلاع عليها دون استخدام الإنترنت. ويوفر “كيويكس” مكتبة تضم حوالي 8000 موقع تعليمي بحت وتشتمل – من بين أمور أخرى – على مؤتمرات TED، ومكتبة غوتنبرغ وموسوعات طبية، أما موسوعة ويكيبيديا فهو الأكثر طلباً من بين جميع تلك المواقع.
ورداً على تهديدات “روسكومنادزور”، ذكر ستيفان كواييه-ماتيون، المدير العام لمنظمة “كيويكس”، التي تتخذ من لوزان مقراً لها، قائلاً: “لقد نُشرت لافتة على النسخة الروسية من ويكيبيديا، تحذر من تعرض الموقع لخطر الحظر وتحيل إلى برنامج “كيويكس” بوصفه حلاً احتياطياً. وبين عشية وضحاها، ارتفع عدد مرات التحميل ارتفاعاً لم يسبق له مثيل”.
ومنذ بداية الحرب، تضاعف عدد المرات الإجمالي لتحميل البرنامج عبر منصة ويكيبيديا ثلاث مرات، وبات البرنامج يُستخدم الآن من روسيا بنسبة 40٪ تقريباً، مقابل 2٪ فقط في بداية العام. أما بالنسبة لتحميل موقع ويكيبيديا، فقد ازداد عدد مرات تحميل الموقع باللغة الروسية بمقدار 50 مرة، وهو “تحول جوهري حقيقي” مقارنة ببدايات برنامج “كيويكس”.
صعود نجم “كيويكس”
حين رأى البرنامج النور في عام 2007، لم يكن سوى مشروع فرعي لعالِمَيْ الحاسوب رينو غودين وإيمانويل إنجلهارت اللذَيْن لا يزالا من أعضاء فريق “كيويكس” حتى اليوم. واتخذت التقنية التي طوراها بُعداً جديداً بدءاً من عام 2016 حين دار نقاش بينهما وبين ستيفان كواييه-ماتيون، الذي كان آنذاك مدير الفرع السويسري لجمعية “ويكيميديا” (Wikimedia). وبعد أن طلبا منه الدعم المالي، لاحظ كواييه-ماتيون إمكانات البرنامج الذي كان يسجل بالفعل في ذلك الوقت ما يقارب مليون عملية تحميل سنوياً. وذكر قائلاً: “في تلك اللحظة، قلت لنفسي إنه لم يعد من الممكن اعتباره مشروعاً صغيراً يُشتغل عليه في أوقات الفراغ”.
وبعد أقل من عام، أُنشئت جمعية “كيويكس” للسماح للبرنامج بالإقلاع. وترأس ستيفان كواييه-ماتيون الجمعية، بيد أن الرابط مع “ويكيميديا” بقي قوياً. إذ تمول ويكيميديا، المؤسسة الأم في الولايات المتحدة، زهاء 40٪ من الميزانية السنوية للجمعية، وتقدم لها المشورة فيما يتعلق بحسن الإدارة أيضاً.
وروى المدير قائلاً: “أصبح “كيويكس” بعد ذلك يتطلب تفرغاً في العمل، فقد شرعنا في البحث عن تمويل خاص بنا إلى جانب توظيف مطوري البرمجيات”. وفي الوقت الراهن، لدى الجمعية أقل من خمس وظائف بدوام كامل، لكنها تعمل مع 100 إلى 200 شخص من مطورات ومطوري البرمجيات الذين يعملون بصورة طوعية في جميع أنحاء العالم.
وفي عام 2017، بلغ عدد مستخدمي البرنامج المليون، أما الآن فقد أصبح عددهم حوالي 6 ملايين مستخدم، موزعين على 200 دولة وإقليم، بما في ذلك القارة القطبية الجنوبية. ونوه ستيفان كواييه-ماتيون قائلاً: “تجدر الإشارة إلى أننا لا نحصي سوى الأشخاص الذين نعرفهم. فبحكم طبيعة برنامجنا، يستخدمنا الكثيرون دون الاتصال بالإنترنت ومن ثَم لا يظهرون أبداً على خواديمنا”. ويطمح “كيويكس” إلى الوصول إلى 100 مليون مستخدم في غضون خمس سنوات.
من التعليم إلى الالتفاف على الرقابة
في ظل الظروف العادية، فإن 80٪ من مستخدمي “كيويكس” هم من البلدان النامية. فالغرض الأولي من هذه المنصة هو دعم الوصول إلى التعليم في المناطق النائية التي تفتقر إلى الاتصال بشبكة الإنترنت. وبحسب الجمعية، فإن 4 مليارات شخص في مختلف أرجاء العالم ليس لديهم إنترنت.
لكن الأفرقة العاملة في “كيويكس” تعلم أن البرنامج يُستخدم أيضاً للالتفاف على دعاية الدولة. وكوريا الشمالية هي أبرز مثال على ذلك، حيث تستخدم المنظمات المنشقة برنامج “كيويكس” بغرض حفظ المحتوى في وحدات تخزين من نوع “USB”، ثم “تُضَيّع” وحدات التخزين في الشوارع على اعتبارها دلائل كثيرة على حقيقة الحياة في العالم الخارجي.
ويُستخدم “كيويكس” أيضاً في بلدان أكثر تقدماً وأفضل ارتباطاً بشبكة الإنترنت، إلا أن شبكة الإنترنت فيها تكون خاضعة لقيود. فقد أدى حجب ويكيبيديا في تركيا بين عامي 2017 و2020 بالفعل إلى ارتفاع عدد عمليات تحميل البرنامج. وقبل الحرب، كان البرنامج يُستخدم قليلاً أيضاً في روسيا وإيران إضافة إلى الصين على وجه الخصوص. ففي العام الماضي، كان الفضل يعود للصين في تحقيق أكبر عدد في مرات التحميل (زهاء 20 ٪ من المجموع).
“مناضلون رغماً عنا”
وفقاً لمدير الجمعية، لم يسبق مع ذلك أن مر برنامج “كيويكس” بتجربة واسعة النطاق مماثلة لتلك التي حدثت في الأسابيع الأخيرة، مما أثار التساؤلات لديه. وأشار إلى أن دور الجمعية لا يتمثل في التصادم مع موسكو. وأضاف قائلاً: “إن مهمتنا تتمثل في تحقيق حرية الوصول إلى المعلومات. فنحن مناضلون رغماً عنا”.
وترى “كيويكس” أن صورة الحياد هي أيضاً أحد مواطن القوة لديها الناتجة عن وجود مقرها الرئيسي في سويسرا. فإذاً، هل ينبغي التشجيع على استخدام المنصة بالطريقة المستخدمة حالياً؟ أجاب المدير قائلاً: “إذا بدأنا في تقديم أنفسنا بوصفنا منظمة مناهضة للرقابة، فستتعرض المؤسسات التي تمولنا لمخاطر سياسية”.
ونتيجة لذلك، يلجأ الفريق إلى إجراء مقايضات. فبعد أن فكر بدايةً في عرض مجموعة مختارة من المقالات باللغة الروسية حول الحرب في أوكرانيا عند تحميل البرنامج، تراجع عن ذلك معتقداً أن “هذا التصرف سيُعَد نضالياً بشكل صريح”. ومن جهة أخرى، صاغت جمعية “كيويكس” مجموعة من الوثائق الطبية، خاصة فيما يتعلق بطب الحرب، روجت لها على موقع غوغل الأوكراني في مارس، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الجمعية التي عادة ما لا تنشر الإعلانات قط.
ويحاول ستيفان كواييه-ماتيون إضفاء صفة نسبية على المخاطر التي قد تواجه “كيويكس”. فباعتقاده، حتى لو لم يكن من المستحيل تماماً على بلد ما أن يعطل عمل البرنامج من الناحية التقنية، إلا أن الأمر سيكون معقداً للغاية. إذ تنتشر خواديم المنظمة في جميع أنحاء العالم إضافة إلى وجود حوالي عشرين موقعاً مرآتياً لموقع “كيويكس” في العديد من البلدان.
ولا يتوقع ستيفان كواييه-ماتيون أن يكون “كيويكس” مُستهدفاً. فقد قال: “نحن لسنا من الحيتان الكبيرة. وما زلنا نرى أنفسنا على أننا برنامج تعليمي، إذ لدينا مهمة نعمل على تحقيقها، لكننا لسنا مصابين بمتلازمة منقذ العالم”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.