مشروع الطاقة الشمسية الصحراوي في مُفترق طرق
يواجه المشروع الطموح المتعدد الجنسيات الساعي لاستغلال الطاقة الشمسية المتوفرة في صحاري بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تأثيرات الخلاف القائم بين الجناح "التجاري" والجناح "غير النفعي" ضمن الأطراف الداعمة له، وذلك في أعقاب الإنقسام الذي جدّ مؤخرا بين المجموعتين.
في الواقع، تصر المجموعتان على أن مشروع ديزيرتيك سينجح في إقامة شبكة من مشاريع إنتاج الطاقة المتجددةن لكن الخلاف الذي اندلع بينهما في بداية شهر يوليو 2013 (انظر التفاصيل في المقال الجانبي)، أدى إلى تبديد الآمال التجارية الهادفة لتلبية احتياجات أوروبا في مجال الطاقة من بلدان شمال إفريقيا مقابل تحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي في المنطقة.
في البداية، تعلق الأمر بفكرة عظيمة، حيث توصلت الدراسات التي قامت بها شركة آزيا براون بوفري ABB السويسرية – السويدية، والشريكة في مبادرة ديزيرتيك الصناعية، الى أن صحاري العالم توفر كل ست ساعات ما يكفي من الطاقة لتلبية استهلاك سكان العالم خلال عام كامل.
وفيما يُتوقع أن تحتاج مبادرة ديزيرتيك، التي كلفت حتى الآن مليارات الدولارات إلى قرابة الأربعين (40) عاما لتحويل حلم استغلال الطاقة الشمسية للصحاري الشاسعة إلى حقيقة واقعة، يُواجه المشروع منذ سنة 2009 العديد من التحديات نتيجة لعوامل خارجية، من أهمها تراجع النمو الإقتصادي في بلدان جنوب أوروبا، وثورات الربيع العربي التي لا زالت مستمرة عبر بلدان شمال افريقيا (مصر وليبيا وتنوس بالخصوص).
في بداية شهر يوليو 2013، انفصلت مؤسسة ديزيرتيك غير الربحية عن باقي الشركاء التسعة عشر (19) الآخرين في المبادرة الصناعية، متعللة بانها “لم تعد مرتاحة للأهداف التجارية التي عبرت عنها الأطراف المشاركة” في المشروع.
بعد بضعة أيام، تمت إقالة أغلايا فيلاند، المدير التنفيذي لمبادرة ديزيرتيك الصناعية، الذي يعتبر من أكبر المُروّجين لفكرة تصدير الطاقة البديلة لأوروبا، من منصبه وتولى المدير العام بول فون سون قيادة الشركة لوحده.
قبل أسابيع، نقل موقع “أورآكتيف. كوم” عن السيد فون سون تصريحات حول الإرتباط الأوروبي بمبادرة ديزيرتيك جاء فيها أن “المشروع كان يُركّـز قبل أربعة أعوام على استيراد الطاقة من بلدان شمال إفريقيا، ولكننا تخلينا الآن عن هذه الطريقة في التفكير ذات البعد الواحد”.
سياسة خارجية
في هذا السياق، يرى رولف فوستنهاغن، مدير معهد الإقتصاد والبيئة بجامعة سانت غالن (شرق سويسرا)، أن الإضطرابات الإجتماعية والسياسية عملت على عرقلة مخططات مشروع ديزيرتيك.
وفي تصريحات إلى swissinfo.ch، قال فوستنهاغن: “لقد تم الشروع في ديزيرتيك على أساس أنه مشروع طموح، بفكرة مستقبلية تهدف لتغطية احتياجات أوروبا من الطاقة عن طريق الطاقة الشمسية المتوفرة في المناطق الصحراوية. لكن ثورات الربيع العربي فرضت بعض التعديلات على سياسة المشروع. إذ تم الإقرار بأنه يُمكن لأوروبا استخدام ديزيرتيك كوسيلة في سياستها الخارجية لدعم استقرار منطقة شمال إفريقيا عند تراجع إنتاج النفط”.
في الأثناء، يُؤكد الطرفان، أي المؤسسة غير الربحية لديزيرتيك (التي تحظى بدعم قوي من حكومة ألمانيا)، ومبادرة ديزرتيك الصناعية (التي تضم في صفوفها العديد من الشركات المتعددة الجنسيات)، على أنه بإمكانهما – رغم الإختلاف القائم بينهما في المنهجية – الإستمرار في العمل سويّة ضمن البنية العامة للمبادرة، رغم تباين الأهداف المتوخاة.
فوتسنهاغن يرى أيضا أن هذه التجاذبات تحصل بسبب الجانب التجاري، لكن منظمات المجتمع المدني والأوساط السياسية تحتاج لبعضها البعض من أجل إنجاز هذا المشروع العملاق. وفي هذا السياق، يشير مدير معهد الإقتصاد والبيئة بجامعة سانت غالن إلى أن “العامل التجاري ليس وحده الكفيل بتحقيق النجاح، إلا أن المشروع يحتاج في كل الأحوال لقاعدة تجارية صلبة من أجل النجاح”، مضيفا بأن “المؤسسة غير الربحية تتطلع لآفاق 2050، لكن الشركات المصنفة علانية في القائمة لا ترغب في انتظار هذا التاريخ لمعرفة مدى مردود استثماراتها”.
المسرحية مستمرة
من جهتها، تؤكد شركة آزيا براون بوفري (آي بي بي) السويدية السويسرية المشاركة في المشروع على أن “مبادرة ديزيرتيك ذات النظرة المستقبلية البعيدة الأمد، مازالت قابلا للإنجاز على الرغم من التخبط السياسي التي تعرفه بلدان الربيع العربي في الوقت الحالي، أو الإنقسامات التي تعرفها الأطراف المشاركة ذات الأهداف الربحية في المشروع”.
وفي حوار مع swissinfo.ch، قال يوخن كروسل، المسؤول عن مبادرة الشبكات الذكية في الشركة: “نتأسف لانسحاب مؤسسة ديزيرتيك لكننا لا نرى في ذلك إضعافا للمبادرة. موقفنا من المشروع لم يتغير، ونحن مرتاحون جدا للنتائج التي تم تحقيقها حتى الآن”. وأضاف “إننا نعتقد بقوة أن إقامة سوق مشتركة بين الإتحاد الأوروبي ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مجال الطاقة المتجددة يُعتبر عنصرا هاما لتحقيق أهداف أوروبا في آفاق عام 2050 المتمثلة في تمكين كامل المنطقة من التزود بشكل مستدام بالطاقة الكهربائية”.
من جهتها، ترى منظمة السلام الأخضر (غرين بيس) التي دعمت المبادرة، أن بإمكان المشروع أن يستمر رغم المشاكل الحالية، إلا أنها غير متأكدة اليوم ما إذا كان سيتحقق حلم ربط المشروع بشبكة الطاقة الأوروبية. في هذا الصدد، يقول أندري بوهلينغ، الخبير في مجال الطاقات المتجددة لدى الفرع الألماني لمنظمة السلام الأخضر في تصريح لـ swissinfo.ch: “إن فكرة الإبداع الصناعي المتمثلة في إمكانية تزويد أوروبا بالطاقة من بلدان شمال افريقيا قد أصيبت بانتكاسة الآن، ولكن هذا لا يعني عدم قدرة المشروع بأكمله على الإستمرار”.
استقطبت إمكانية إنتاج طاقة محافظة على البيئة من المناطق الصحراوية الكثير من الدراسات والموارد المالية بهدف العثور على حل مستدام لإنتاج الطاقة وتلبية الإحتياجات المستقبلية.
بالإضافة إلى الإسهام في مشروع ديزيرتيك، يشارك بحاثة سويسريون وشركات سويسرية في العديد من المشاريع الرامية للمحافظة على البيئة في المناطق الصحراوية.
من ضمنها مشروع جزر الطاقة الشمسية في إمارة رأس الخيمة بالإمارات العربية المتحدة، الذي يهدف لإنتاج الطاقة الشمسية عبر جزر عائمة من الألواح الشمسية تقوم بتسخين الماء وضخه في مُولدات صُمّمت خصيصا لتوليد الطاقة وتخزينها.
إضافة إلى ذلك، يحصل المشروع المستقبلي المحافظ على البيئة في مدينة “مصدر” بإمارة أبو ظبي، الذي يهدف إلى تزويد حوالي 50 الف ساكن بمصادر طاقة متجددة على دعم سويسري أيضا.
لا حاجة لتكونولوجيا” سحرية”
في المقابل، لا يُخفي بوهلينغ قلقه من الإنقسام القائم حاليا بين الشركات المتعددة الجنسيات الذي يلقي بظلال قاتمة على الجهات الصناعية الداعمة للمشروع ويقول: “هناك من يرغب في دراسة إمكانية إنتاج الطاقات النظيفة في المنطقة مع الأخذ بعين الاعتبار بالدرجة الأولى لاهتمامات واحتياجات السكان المحليين. وهناك مجموعات تستخدم الإهتمامات بالعوامل المضرة بالبيئة كذريعة، وهناك فئة ثالثة ترغب في تقديم أكبر قدر من المشاريع التجارية وفي أقصر وقت مُمكن”.
وفي شهر يونيو 2013، عرضت مبادرة ديزيرتيك الصناعية أول مشروع عملي أطلق عليه شعار “البداية” يتوقع التوصل إلى تحقيق نسبة من الطاقات المتجددة في كل من شمال افريقيا والشرق الأوسط وأوروبا تقدر بحوالي 55% من الآن وحتى عام 2050.
ومن أول أهداف المشروع تقديم تصور نموذجي عن الجوانب التقنية والإقتصادية والسياسية للمبادرة من أجل تحويل المناطق الصحراوية إلى مراكز لتوليد الطاقة. وفي هذا الإطار، تعتبر التجربة التقنية المديدة لشركة إيه بي بي في نقل الطاقة الكهربائية لمسافات نائية بأدنى قدر من الخسائر في الطاقة من العوامل المهمة في هذا المخطط. ومثلما يؤكد فوستنهاغن في حديثه مع swissinfo.ch، فإنه “بالإمكان تحقيق الأهداف المرسومة، وليست هناك حاجة إلى تكنولوجيا سحرية للتغلب على المشاكل العالقة”.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.