التحديات الرئيسية التي تُواجه سويسرا في تنفيذ التبرّع المُيسّر بالأعضاء
على الرغم من الموقف الإيجابي للمواطنين السويسريين، لن يتم الانتقال إلى اعتماد الموافقة الضمنية (أو المُفترضة) للتبرع بالأعضاء في الوقت الحالي. ذلك أن الأمر سيتطلب عدة سنوات، لا سيما من أجل إنشاء سجل وطني عبر الإنترنت والقيام بتنظيم حملات إعلامية واسعة النطاق.
بأغلبية عريضة، منح الشعب السويسري يوم الأحد 15 مايو الجاري موافقته على القانون الجديد الخاص بزرع الأعضاءرابط خارجي، الذي يقوم أساسا على افتراض أن كل شخص يُتوفى على الأراضي السويسرية مُتبرّع بالأعضاء.
لكن الأمر سيتطلب التحلي بقدر لا بأس به من الصبر إلى حين يبدأ تنفيذ هذه التغييرات فعليا على أرض الواقع. إذ يجب الآن أن تقوم الكنفدرالية بإعداد مرسوم تنفيذي لتطبيق القانون، وهو أمر قد يستغرق عدة سنوات، حيث يُشير المكتب الفدرالي للصحة العامة إلى أن التشريع الجديد قد يدخل حيز التنفيذ في عام 2024 على أقرب تقدير. ويفسر هذا التأخير على وجه الخصوص بالرغبة في إنشاء سجل وطني للتصريحات المتعلقة بالتبرع بالأعضاء وفي تنظيم حملات إعلامية تستهدف الوصول إلى جميع السكان.
عموما، يثير إنشاء سجل وطني مُتاح على شبكة الإنترنت قضايا حساسة تتعلق بإمكانية الوصول إليه وأمن وحماية البيانات. ومن المنتظر أن تتم دعوة جميع الأشخاص المقيمين في سويسرا الذين تزيد أعمارهم عن ستة عشر عامًا للدخول إلى الموقع وتسجيل رفضهم أو موافقتهم على التبرع بالأعضاء. ومن المفترض أن تكون المنصة المستقبلية متاحة باللغات الوطنية (الأربعة) وبلغات مجموعات المُهاجرين الأكثر انتشارًا. كما سيتم اقتراح حلول لفائدة الأشخاص الذين لا يستطيعون التسجيل بمفردهم، من خلال طبيب الأسرة على سبيل المثال. ويوضح المكتب الفدرالي للصحة العامة أن “الأشكال الأخرى من التعبير الكتابي عن الإرادة، مثل التوجيهات المُسبقة، ستظل أيضًا معترفًا بها. كما سيكون من المُمكن في أي وقت لأي شخص تعديل قراراته المتعلقة بالتبرع بالأعضاء.
وفقًا للأرقام التي قدمها المكتب الفدرالي للصحة العامة، فإن إنشاء سجل للقرارات المتعلقة بالتبرع بالأعضاء يُفترض أن يُسفر عن تكلفة لمرة واحدة قدرها خمسمئة ألف فرنك، وأن إدارته سوف تكلف حوالي خمسمئة ألف فرنك سنويًا.
أما الحملة الإعلامية التي سيتم تنظيمها خلال السنوات الثلاث الأولى الموالية لبدء العمل بالقانون الجديد فيُنتظر أن تُكلّف ما يقرب من 2.5 مليون فرنك سنويًا (مقارنة بـ 1.5 مليون حاليًا للحملات الحاثة على التبرع بالأعضاء). وإثر ذلك، يُمكن أن تعود النفقات إلى مستوى 1.5 مليون فرنك سنويًا.
ضمان تحديد الهوية بشكل آمن
بطبيعة الحال، سيتضمّن السجل الوطني بيانات تُعتبر حساسة بشكل خاص. لذلك يجب أن يفي بمتطلبات الكنفدرالية، ولا سيما فيما يتعلق باحترام التوجيهات الخاصة بالأمن المعلوماتي في الإدارة الفدرالية.رابط خارجي وفي هذا السياق، يؤكد المكتب الفدرالي للصحة العامة أن معايير تحديد هوية الشخص عند التسجيل أو الاتصال ستكون دقيقة للغاية. وفيما كان المشروع الأولي ينص على وجوبية استخدام الهوية الإلكترونية (e-ID)، لكنها رُفضت من طرف أغلبية عريضة من السويسريين في مارس 2021. ويُشير المكتب إلى أنه “إذا لم يتم بدء العمل بالهوية الإلكترونية من الآن وإلى حين اعتماد السجل، فقد تلتجئ الكنفدرالية إلى استخدام وسائل أخرى آمنة لتحديد الهوية”، على غرار الإجراء المستخدم مثلا لدى التعامل مع الملف الإلكتروني للمريض.
أما الأشخاص الوحيدون الذين سيكون بإمكانهم الوصول إلى السجل فهم أولئك المسؤولون حاليًا في المستشفيات السويسرية عن عمليات التبرع بالأعضاء. ويوضح المكتب الفدرالي للصحة العامة أنهم “لن يتمكنوا من مُعاينة السجل إلا للتحقق من حالة مريض يُعاني من تكهنات ميؤوس منها، والذي تم بعدُ اتخاذ قرار يقضي بوقف تدابير إبقائه على قيد الحياة. ومن أجل ضمان التعرّف الآمن عند الوفاة، ينص القانون على استخدام الرقم الخاص بالتأمين على الشيخوخة والباقين على قيد الحياة (AVS- AHV/IV) للمتبرع أو المتبرعة، ولا سيما للتمييز بين الأفراد الحاملين لأسماء مُتشابهة. وإذا لم يكن لدى الشخص رقم خاص بالتأمين على الشيخوخة والباقين على قيد الحياة، فمن الممكن استخدام أرقام تعريفية أخرى.
أثناء مراجعة القانون الجديد، أضاف البرلمان عددا من المتطلبات من أجل إلزام الكنفدرالية بإسناد مهمة الحفاظ على السجل وإدارته إلى المؤسسة السويسرية لزراعة الأعضاء “سويس ترانسبلانت” رابط خارجيالتي تُشرف بالفعل على إدارة قائمة الأشخاص الذين ينتظرون التبرعات، وتقوم بإسناد الأعضاء (المُتبرّع بها) وبتنسيق الإجراءات اللوجستية ذات العلاقة بالنقل. إضافة إلى ذلك، أنشأت “سويس ترانسبلانت” في عام 2018 سجلّها الخاص للمتبرعين بالأعضاء من النساء والرجال.
هناك جانب سلبي وحيد. في بداية شهر يناير 2022، كشف البرنامج الخاص بشؤون المستهلكين رابط خارجيفي قناة الإذاعة والتلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية (SRF) عن وجود أوجه قصور أمنية كبيرة في هذا السجل. وقام البرنامج بنقل مقتطفات من تقرير أعدته شركة خاصة معنية بأمن المعلومات أظهر أن أيّ شخص يمكنه تسجيل شخص ثالث وبالتالي تعيينه، دون علمه، كمتبرع بالأعضاء. وقد دفعت هذه الاكتشافات المفوض الفدرالي لحماية البيانات إلى فتح تحقيق في المسألة، وأدت بـ “سويس ترانسبلانت” إلى تعليق الوصول إلى سجلّها.
المزيد
نتائج اقتراعات 15 مايو 2022
لدى سؤاله عن هذه المسألة، أشار المكتب الفدرالي للصحة العامة إلى أن مستوى أمان السجل المستقبلي سيكون أعلى من ذلك بكثير. إذ سيتم تكليف المؤسسة بتفويض خدمة يقضي بجمع وإدارة القرارات المتعلقة بالتبرع بالأعضاء، ولكن سيتعيّن عليها تلبية متطلبات الكنفدرالية فيما يتعلق بضمان أمن وسلامة البيانات، كما أنها ستخضع لرقابة المكتب الفدرالي للصحة العامة. ومن المنتظر أن تسمح استنتاجات التحقيق في العيوب المكتشفة في السجل الحالي لـ “سويس ترانسبلانت” برؤية الأشياء بشكل أكثر وضوحًا. وفي بيان صحفي صادر عنه، أوضح المفوض الفدرالي لحماية البيانات أن إجراء تقصي الحقائق “يجب أن يُساهم في بلورة حلول متوافقة مع حماية البيانات لمعالجة البيانات الشخصية المعنية، على الرغم من عدم وجود هوية إلكترونية مُعترف بها من قبل الدولة”. وردا على سؤال توجهت به SWI swissinfo.ch، أحجمت مُؤسسة “سويس ترانسبلانت” عن الرد، لأنها بصدد انتظار توجيهات الكنفدرالية.
الوصول إلى 8.6 مليون شخص
التحدي الآخر الذي يُواجه عملية تنفيذ قانون زراعة الأعضاء يتعلق بمسألة تقديم المعلومات إلى السكان. إذ يجب أن يكون كل فرد من الذكور والإناث قادرًا على فهم ما يستلزمه الانتقال من الموافقة الصريحة إلى الموافقة المفترضة (أو الضمنية)، وما هي الخطوات التي يجب عليهم اتخاذها لتسجيل قرارهم. وقد خطط المكتب الفدرالي للصحة العامة للقيام بحملات إعلامية مكثفة بعدة لغات على شاشات التلفزيون وفي الصحافة المكتوبة وعلى شبكة الإنترنت. وسيعمل بالتعاون مع “سويس ترانسبلانت” ومع وكالات الاتصالات والعيادات الطبية ومحلات بيع العقاقير والصيدليات وعدد من الجمعيات المختلفة المشارب. ومن أجل الوصول إلى الأشخاص الأكثر عزلة أو من أصول مهاجرة، خطط المكتب للتواصل على الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام التي تفضلها هذه المجموعات. ويضيف المكتب الفدرالي للصحة العامة إلى أنه “من الممكن أيضًا نشر المعلومات على نطاق واسع عبر المؤسسات الصحية والجهات الفاعلة في مجال الصحة والاندماج في الكانتونات”. وفي إطار الاستطلاعات المنتظمة ذات العلاقة بالمسائل الصحية للمقيمين، سيتم طرح أسئلة حول القانون الجديد المتعلق بزراعة الأعضاء. ومن المقرر أن يقوم المكتب بتكييف حملاته وفقًا لطبيعة الردود التي سيتحصل عليها.
المزيد
في البلدان الأوروبية الأخرى، تختلف طريقة التواصل بشأن التبرع بالأعضاء بشكل كبير. ففي النمسا وإسبانيا مثلا، لا تنخرط الدولة بشكل كبير لكن الجمعيات المعنية هي التي تنشط بشكل خاص في وسائل الإعلام وعلى شبكة الإنترنت. على العكس من ذلك، بذلت المملكة المتحدة وهولندا، اللتان اعتمدتا مبدأ الموافقة المُفترضة مؤخرًا، جهودًا خاصة لإعلام السكان. فقد أطلقت المملكة المتحدة حملة واسعة النطاق وتشاركية على جميع وسائل الإعلام، أدمجت فيها على وجه الخصوص الأقليات العرقية، والأشخاص الذي خضعوا لعمليات زرع أعضاء وعائلاتهم. أما في هولندا، فيتلقى كل ساكن يزيد عمره عن ثمانية عشر عامًا رسالة شخصية تدعوه إلى تسجيل قراره في السجل الوطني، بالإضافة إلى رسالة تذكير في حالة عدم وجود رد فعل. ويشير المكتب الفدرالي للصحة العامة إلى أن الاتصال بالمقيمين بشكل فردي يُمكن أن يكون إجراءً مُدرجا في إطار الحملة المستقبلية، إلا أن الاستراتيجية لا تزال قيد التطوير ولم يتم تقرير أي شيء بعدُ.
(ترجمه من الفرنسية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.