“الفوز ببطولة العالم للشبان.. أحسن مثال لنجاح الاندماج”
"تعتبر الرياضة، بوصفها أوسع مظاهر التعايش الثقافي اليومي، الوسيلة المثلى لإنجاح اندماج أشخاص منحدرين من ثقافات مختلفة"، هذا ما أوضحه بول روشيتي، عالم الاجتماع من كانتون غراوبوندن، في الحوار الذي أجرته معه swissinfo.ch بمناسبة اليوم العالمي للهجرة الذي يحتفل به يوم 18 ديسمبر.
لقد نجحت حفنة من الشباب المتسلح بالعزيمة والإرادة في إحداث المعجزة، إذ تمكن الفريق الوطني لكرة القدم للشباب دون السابعة عشرة المنحدرين من هذا البلد الصغير، سويسرا، من الفوز في نهائيات كأس العالم ضد نيجيريا البلد المضيف.
المثير للانتباه في هذا الإنجاز هو أن هذا الفريق المتعدد الثقافات هو الذي مكّـن سويسرا من الفوز لأول مرة في تاريخها بكأس العالم في رياضة كرة القدم. وكانت أصول أعضاء الفريق منحدرة من 12 بلدا من بلدان العالم، ومن ثلاث قارات.
وهذا ما يتجلى من إلقاء نظرة على عينة من أعضاء هذا الفريق لكرة القدم للشبان ما دون 17 عاما: نسيم بن خليفة من تونس، وريكاردو رودريغيز من الشيلي، وزياد هاجروفيك من البوسنة والهرسك، وباجتيم قاسمي من مقدونيا، وأندري غونزالفيس من البرتغال. وينحدر قائد الفريق، فريديريك فيسيلي من كوسوفو.
وهذا بالطبع الى جانب شبان سويسريين “أصيلين” من أمثال حارس المرمى بنيامين زيغريست، ويانيك كامبر ورومان بوس، المشاركين في هذا الفريق البطل تحت قيادة المدرب أندي ريزر.
الاستفادة من العِـبرة
هذا الفوز يظهر جليا بأن جمعية كرة القدم السويسرية أحسنت وفي الوقت المناسب تأمين الخلف وعلى أعلى المستويات العالمية. وتأمين الخلف على أرضية الملاعب، يعتبر اليوم في معظمه إنجاح عملية الاندماج، خصوصا وأن عدد اللاعبين في الاندية والمنحدرين من “الجيل الثاني”، أصبحوا يفوقون عدد “الأصيلين السويسريين”.
ويرى عالم الاجتماع بول روشيتي أن أهم قواعد وأسس الاندماج التي جعلت اتحاد كرة القدم حقق الفوز، تكمن في التعرف على الآخر والتعلم منه وتقديره والثقة فيه والعمل على تحقيق الفوز كفريق وتناسي الاختلافات.
وفي الحوار التالي يحلل عالم الاجتماع من دويلة غرابوندن والبالع من العمر 54 عاما، الأسباب التي تدفعه إلى اعتبار أن أبطال العالم الشباب يمثلون أحسن صورة لسويسرا المستقبل.
swissinfo.ch: لقد تابع أكثر من 1،3 مليون سويسري وسويسرية فوز فريق الشباب ما دون 17 عاما من العمر في نهائيات كأس العالم على شاشات التلفزيون وهو رقم قياسي. ولكن بعد أسبوعين من ذلك صوت الناخبون السويسريون لصالح مبادرة حظر بناء المآذن. أليس في ذلك تضاربا؟
بول روشيتي: إن فوز هذا الفريق الشاب ببطولة العالم يعتبر مثالا جيدا على قدرة الرياضة على تحقيق الاندماج، وهو خير مثال على أن عملية الاندماج ممكنة.
ويمكن اعتبار أن عملية الاندماج هي الجمع بين عدة أطراف وعدة قيم لخلق شيء متكامل. وما الفوز النهائي لهذا الفريق إلا أحسن تعبير على كيفية اندماج كل عنصر في هذا الفريق، بغض النظر عن فوارقه الثقافية أو العرقية، لأن الفائز في نهاية المطاف هو الفريق.
والتناقض الذي عبر عنه قبول مبادرة حظر بناء المآذن نابع من ذلك التخويف المبطن من الغريب والأجنبي، الذي لعب الدور الأساسي. وهناك بعض الأوساط التي تغذي هذا الخوف وتوقد به نار مطبخها السياسي.
هل يمكن استخدام المثال الناجح لعملية الاندماج من قبل الجمعية السويسرية لكرة القدم كنموذج يتبع في المجال السياسي الذي عليه تحقيق عملية الاندماج؟
بول روشيتي: ما أجمل لو اتبعت الأوساط السياسة هذا المثل ونجحت فيه، لأن العملية تقوم على نفس المعايير. فالاندماج معناه الالتقاء بالآخر والتعرف عليه حق المعرفة. وتعتبر الرياضة أحسن مثال لتحقق ذلك، لأن الرياضة تعتبر أحسن وأكثر أوجه التعايش الثقافي اليومية المنتشرة في الأوساط الشعبية، وهذا سواء بالنسبة للاعبين أو المناصرين، مثلما تظهر ذلك نسب المتابعة عبر قنوات التلفزيون السويسرية، وهذه الشعبية تسمح بمخاطبة وإدماج أوساط واسعة ومختلفة. فلو تمكّـنا من استغلال هذه الإمكانيات خارج نطاق الرياضة، لتمكّـنا من إقامة أسُـس قوية لعملية اندماج ناجحة.
هل معنى ذلك أن القطاع الرياضي متقدم على المجتمع في مجال الاندماج؟
بول روشيتي: هناك أمثلة أخرى ناجحة في المجتمع لعملية الاندماج، لكن الرياضة تبقى المجال الذي يفتح آفاقا كبرى لعملية الاندماج. وما ينجح فيه القطاع الرياضي، يمكن لقطاعات أخرى أن تنجح فيه.
وهل لعملية الاندماج في المجال الرياضي حدود لا يمكن تجاوزها؟
بول روشيتي: لا يمكن اعتبار أن الرياضة هي الحل الناجع لعملية الاندماج ويمكن أن تحقق النتائج المرجوة من الوهلة الأولى. ففي ألمانيا، حيث أزاول نشاطاتي بشكل أساسي، أظهرت بعض الدراسات بأن الفتيات والنساء لم يستفدن بشكل جيد من برامج الاندماج.
ما الذي يمكن للشبان السويسريين تعلمه من زملائهم الأجانب على سبيل المثال لو عدنا إلى تجربة الفريق الوطني لكرة القدم دون السابعة عشرة من العمر؟
بول روشيتي: في الرياضة، هناك لقاء بين عدة نماذج من الطباع: المهاجم والمحب للعب والقادر على تحمل المخاطر والقوي والواثق من النفس. وهناك بعض المنتمين لبعض الثقافات ممن يتمتعون بشغف اللعب، وهم بذلك يجرؤون على اتخاذ المبادرة في اللعب، مثلما هو الحال عند لاعبي كرة القدم من بلدان أمريكا الجنوبية.
والرسالة الهامة التي يمكن استخلاصها، هو أنه في الرياضة يتم تجاوز العراقيل أيا كانت طبيعتها. ففريق مثل فريق الشبان ما دون 17 عاما من العمر الذي فاز ببطولة العالم، لم يكن بإمكانه تقديم ذلك الأداء لو لم يعتبر كل فرد من أفراده أن الآخر شريك له يقدره ويثق فيه. فقد تم في ذلك تناسي الفوارق والاختلافات، لكن مواطن الخلافات يمكن أن تظهر في أي ميدان ولا يستثنى من ذلك قطاع الرياضة أيضا.
هل يعتبر فريق الشبان ما دون 17 عاما صورة لما ستكون عليه سويسرا الغد؟
بول روشيتي: نعم، لأن عملية الهجرة ستزداد أكثر فأكثر بفعل العولمة. فقد عرفت سويسرا وأوروبا موجة كبرى من الهجرة. ويعتبر القطاع الرياضي، القطاع الذي يعكس ذلك بوضوح وبشكل إيجابي.
لكن عملية الاندماج عبر الرياضة ليست بظاهرة جديدة، لأن بعض الأندية الأوروبية لكرة القدم المعروفة اليوم، لم تر النور أو الفوز إلا بدفع من عناصر رياضية مهاجرة.
وأحد هذه الأندية هو نادي أنتير ميلانو، الذي أسس في عام 1908 تحت اسم النادي الدولي لميلانو. ولم يكن ذلك الإسم عبثا، لأن بعض مؤسسيه ومن بينهم بعض اللاعبين السويسريين، رغبوا في التعبير عن كونه ناديا مكونا من جنسيات مختلفة.
وحتى النموذج الناجح لنادي برشلونة، وراءه أيادي مهاجرة، إذ تم تأسيسه في عام 1899 من قبل السويسري هانس غامبر البالغ من العمر 22 عاما والذي هاجر من مدينة فينترتور.
ولا تؤثر هذه الوقائع لا في مناصري فريق انتير دي ميلانو ولا في نادي برشلونة من ابناء البلد أو من مناصريهما من الخارج في الحماس الذي يكنونه لفريقين يتميزان بتعدديتهما الثقافية.
رينات كونتسي – swissinfo.ch
(ترجمه من الألمانية وعالجه محمد شريف)
يتم عادة وصف النساء المهاجرات على أنهن “مضطهدات، غير متعلمات، وغير قادرات على تعلم اللغة”. وهذا ما انتقدته اللجنة الوطنية السويسرية المكلفة بقضايا الهجرة، مطالبة بوضع حد لهذه الكليشيهات المتداولة.
فقد قامت مجموعة من البحاثة من جامعة برن بتحليل وضع المهاجرات في النقاش السياسي ومن خلال تغطية وسائل الإعلام . وهو ما قدمته اللجنة الوطنية لقضايا الهجرة تحت عنوان” نساء في الهجرة”.
عالم اجتماع متخصص في القطاع الرياضي، وأستاذ بجامعة توبينغن الألمانية وبالمدرسة العليا للتقنية والاقتصاد بخور بسويسرا.
تولى حتى عام 2007 منصب مدير قسم الأبحاث بالفدرالية الدولية لكرة القدم فيفا.
وتولى لعدة مواسم رياضية مهمة المسؤول الإعلامي للاتحاد الأوربي لأندية كرة القدم في مباريات الأندية البطلة.
عينة صغيرة:
روجي فيديرر (التنس – سويسرا – جنوب إفريقيا)
ستانيسلاس فافرينكا (التنس- ألمانيا –تشيكيا)
مارتينا هينغيس (التنس – تشيكيا)
تيميا باسينسكي (التنس – المجر)
الفريق الوطني لكرة القدم ( تراتنكيللو بارنيتا- فيليب سينديروس- فالون بيهرامي- يوهان ديجورو)
دونغوا لي (الجمباز – الصين)
سيرغي آشفاندن (اليودو – كينيا)
فابيان كانتشيلارا (سباق الدراجات – إيطاليا)
سيباستيان بويمي (الفورمولا 1 – إيطاليا)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.