هل نُواجه اليوم هجرة غير مَسبوقة بالفعل؟
في الآونة الأخيرة، تصدَّرَت ما تسمى بـ "أزمة اللاجئين" أو "طوفان المهاجرين" عناوين وسائل الإعلام المرة تلو الأخرى. ووفق الشعور العام السائد، تواجه أوروبا اليوم "هجرة جماعية" غير مسبوقة. ولكن ما الذي تكشفه لنا الأرقام عن هذا الموضوع؟
يعود مصدر العدد المُستخدم كثيراً، والذي استشهدنا به في مقالتنا السابقة إلى تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة في شهر يناير 2016. ويوافق مجموع الـ 244 مليون مهاجر في عام 2015 الذين أشار إليهم التقرير نسبة 3.3% من مجموع سكان العالم. وهذا العدد الهائل يمثل جميع الأشخاص الذين لم يعودوا يعيشون في البلد الذي ولدوا فيه، وهو لا يُميّز بين الطالب الذي يعيش خارج وطنه لسنة واحدة فقط في إطار برنامج للتبادل الطلابي، وشخص بات يعيش في بلد آخر منذ 40 عاماً.
ولحسن الحظ، تمكن الباحثون من الخروج بأرقام توضح المزيد حول هوية الشخص المهاجر، وتاريخ هجرته ووجهته. فقد نجح غي ج. آبل*، وهو أستاذ في معهد الديموغرافيا الآسيوية في جامعة شنغهاي الصينية في تطوير طريقة تتيح إستخلاص دينامية الهجرة العالمية من خلال بيانات الجرد. ونشر آبل النتائج التي توصل إليها في مجلة “ساينس” (العلوم) الشهيرة، وهذه البعض منها:
ما أثار الإنتباه: **
تقع أكبر تدفقات الهجرة داخل الأقاليم والمناطق وليس بين القارات. وهذا ما تعكسه الأسهم الأكثر عرضاً في الرسم البياني، فهي تعود إلى القارة التي خرجت منها مرة ثانية. وتمثل هذه الأسهم هجرة مئات الآلاف من الأشخاص، من الهند إلى دبي على سبيل المثال، أو من سوريا إلى لبنان.
يزيد عدد الأشخاص الذين يُهاجرون داخل أوروبا عن أولئك الذين يهاجرون من أفريقيا إلى أوروبا.
لا يهاجر الناس بالدرجة الأولى من البلدان الأشد فقراً إلى البلدان الأغنى. ولكن المهاجرين غالباً ما ينجذبون إلى بلدان تتمتع بوضع إقتصادي أفضل قليلاً مما هو عليه في وطنهم. ومن الأمثلة على ذلك الهجرة من بنغلاديش إلى الهند، ومن زمبابوي الى جنوب أفريقيا أو من إيطاليا إلى سويسرا.
تُضعِف هذه البيانات التوضيحية رؤية عالمية شائعة تركزعلى أوروبا، ترى محاولة العالم أجمع الوصول إلى القارة العجوز، ويضعها في المنظور الصحيح. لا يُوجد شك في أن أوروبا تواجه تحديات كبيرة في ضوء التدفق الكبير في أعداد اللاجئين وغيرهم من المُهاجرين إليها في السنوات الأخيرة، وهو أمر ينبغي أخذه على مَحمَل الجد. لكن عدد الأشخاص الوافدين إلى أوروبا ليس سوى جزء صغير من تدفق الهجرة في جميع أنحاء العالم.
نظرة على سويسرا
يوضح هذا الرسم تدفقات الهجرة إلى سويسرا. وهنا أيضاً، تماثل الهجرة إلى سويسرا من دول أوروبية مختلفة (باللون الأخضر) في حجمها تقريباً الهجرة من مناطق أخرى من العالم.
أقل هجرة عالمية منذ عام 1960
بالإمكان مقارنة الأرقام الخاصة بالهجرة العالمية حتى عام 1960. ويتيح هذا الأمر وضع التطور الحالي للهجرة في إطار أوسع: فعلى مدى أكثر من نصف قرن من الزمان، كانت نسبة المهاجرين إلى عدد سكان العالم ثابتة بشكل ملحوظ وتقع عند 0,6% تقريباً. ويعني هذا هجرة ستة أشخاص من كل 1000 شخص إلى بلد آخر على مدى خمس سنوات. إذن، فإن نسبة الـمهاجرين البالغة 0,5% في السنوات الخمس الماضية تمثل أصغر مستوى تم تسجيله منذ عام 1960 في الواقع. وكان معدل الهجرة العالمية قد وصل إلى إرتفاع تاريخي بين عامي 1990 و1995، وهي الفترة التي شهدت سقوط الستار الحديدي واندلاع الحرب في يوغوسلافيا السابقة.
*يعمل غي ج. آبل كأستاذ في معهد الديموغرافيا الآسيوية في جامعة شنغهاي، وباحث في معهد فيينا للدراسات السكانية.
** ما تم طرحه كاستنتاجات هي تصريحات لـ غي ج. آبل في مقالة نشرت على موقع مجلة “شبيغل أونلاين” الألكترونية.
يُمكنكم الإطلاع كذلك على المزيد من المعلومات حول تدفقات الهجرة منذ عام 1990 على هذا الموقع رابط خارجيالمتخصص.
المزيد
من هم هؤلاء الأجانب الذين يمثلون 25% من سكان سويسرا؟
المزيد
224 مليون مهاجر حول العالم.. أيّ بلد يضم أكبر عدد منهم؟
المزيد
التجليّات المختلفة للهجرة في أوروبا
المزيد
هجرة الأوروبيين إلى سويسرا عبر قرن ونصف من الزمن
سلسلة عن الهجرة
في السنوات الأخيرة، وبعد أن صوّت الشعب السويسري لفائدة الحد من الهجرة، واختار البريطانيون مغادرة الإتحاد الأوروبي (بريكزيت)، وتصاعدت التوترات داخل الإتحاد الأوروبي في أعقاب تدفق مئات الآلاف من طالبي اللجوء على أراضيه، تحول ملف الهجرة إلى مصدر قلق رئيسي في كافة أنحاء القارة الأوروبية وحتى خارجها.
في سويسرا، كما في بريطانيا، أصبح الحد من تدفق المهاجرين يشكّل خطرا على حرية الوصول إلى السوق الأوروبية. ومن خلال مجموعة من الرسوم البيانية المحيّنة، تعرض swissinfo.ch سلسلة من المقالات حول الظاهرة تسلط الضوء على تدفقات الهجرة العالمية ومساراتها، وتتطرق إلى التطوّر التاريخي لهذه الظاهرة في السياق السويسري، فضلا عن إيراد الأرقام الرئيسية المتعلقة بهذه الظاهرة الكونية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.