سيدة شرقية تسبر أغوار الساحة المالية السويسرية
كتابها عن مصرف يو بي إس اعتُبر أحسن إصدار عن أزمة أكبر بنك سويسري، وجرأتها في تحليل أخطار الساحة المالية السويسرية، والسر المصرفي، ونهاية الدولار كعملة مرجعية، أدت الى إثارة الكثير من الغيرة، والإنتقاد، والتساؤل خصوصا وأنها من أصول شرقية.
لكن نجاح ميريت زكي، كشرقية وكسيدة في فرض نفسها كمرجعية في تحليل الساحة المالية، يزيدها فخرا، كما عبرت عن ذلك في حوار أجرته معها swissinfo.ch.
في اللقاء، تتذكر ميريت زكي بدايتها في سويسرا عندما قدمت ولم تتجاوز سن الثامنة من العمر، أن تلك البداية لم تترك لديها انطباعا ببداية مرحلة تحول جذري بل استمرارية لحياة عادية في عائلة ميسورة الحال. وحياة تلميذة متفوقة لحد أنها خُيّرت في تخطي بعض المراحل الدراسية.
على مستوى التربية العائلية، تقول ميريت زكي: “إن التربية التي تلقيتها والتي كانت تسمح لي بالتعبير عن آرائي وعدم فرض قيود صارمة حولي، جعلتني أشعر بثقة في النفس. وهذا ما جعلني أطور قدرة على المناقشة والشعور بارتياح كبير عند الدخول في نقاش الأفكار والآراء. وهذا ما لا يتوفر حتى في بعض العائلات السويسرية الليبرالية”.
بالإضافة إلى ذلك، سمح النظام الدراسي في سويسرا بتطوير هذه القدرات لدى ميريت زكي التي تشعر بأنه “يوفر نفس الفرص للجميع وبدون تمييز. كما يوفر بالخصوص فرصا للمرأة التي تعاني في مجتمعاتنا الشرقية من العراقيل الاجتماعية والثقافية الكثيرة حتى بالنسبة للمثقفات اللواتي يرغبن في البروز في ميادين معينة”.
شرقية مختصة في الساحة المالية السويسرية
أتيحت لميريت زكي الفرصة في التوظيف في مؤسسة بنكية خاصة، والدخول الى عالم المال والبورصة، وهو ما “سمح لي باكتشاف تعلقي الكبير بعالم البورصة، وهو عالم معقد وهذا ما يغريني ويجعلني أمام تحديات خصوصا عند معرفة خفايا هذا العالم “.
ومن التحديات التي عاينتها خلال فترة التوظيف في المؤسسة المالية “البروز كسيدة وكشرقية في ميدان المعاملات البنكية، بدل الإكتفاء بسقي النباتات المزينة للمكاتب أو تقديم القهوة للموظفين”. ولكي تتمكن من ذلك، اضطرت ميريت زكي للتحضير في سرية لنيل شهادة الإجازة، وهو ما أغضب إدارة البنك عند معرفتها بالموضوع.
طالبت بعدها ميريت زكي بنقلها من القسم الإداري إلى التدريب في قسم التحليل المالي “وهو ما قبلوه بصعوبة وسمح لي بالتحول الى محللة مالية متدربة تعاني من العزلة ومن التعرض لمختلف التحديات مثل رفض الإجابة على تساؤلاتها واستفساراتها، وهو ما لم يكن يتعرض له أمثالي من الذكور الذين كانوا يلقون كل المساعدة من المدربين”.
تعترف ميريت زكي أن الحسابات المالية الجافة لم تكن تستهويها كثيرا بقدر ما كان يجتذبها التحليل للخلفيات الكامنة وراء ظاهر الأرقام، وتقول: “لم تكن التحليلات المالية تستهويني بأرقامها بل ما كان يجلب انتباهي هو كيفية فهم تقنية الأسواق المالية وطريقة عملها، وفهم خصائص المنتجات المالية المختلفة، خصوصا المعقدة منها”.
وفي الواقع، فإن توجهات من هذا القبيل لا تروق عادة في مثل هذه المحافل المالية التي تتطلب من الشخص تنفيذ المهام والتقليل من التساؤلات غير المرغوب فيها. لذلك وجدت ميريت زكي نفسها تعمل في مناصب غير قابلة للصعود في السلم والحصول على الترقيات المستحقة، الأمر الذي دفعها للبحث عن مهنة جديدة.
وبالنظر الى ما آلت إليه الأمور في الساحة المالية اليوم، لا تبدي ميريت زكي أي أسف على خروجها من هذا الوسط الذي تقول عنه “إن له جوانب باهرة ، مثل دقة اختيار الموظفين الذين يروق منظرهم الزبائن، ولكنه الوسط الذي يعرف أتعس العلاقات الانسانية التي شهدتُها في حياتي لحد أن الجو السائد يدعو للإختناق. يُضاف الى ذلك أنك في هذا الوسط تفتقر لأبسط المعلومات لأن كل إدارة منعزلة عن الأخرى ولا أحد يشاطرك ما يعرف”.
الصحافة كبديل يشفي الغليل
المعاناة التي مرت بها ميريت زكي بسبب رفض مشاطرتها المعلومات المصرفية في بعض القطاعات، دفعتها الى اختيار التحول إلى ممارسة مهنة أخرى تسمح لها بالقيام بتحقيقات حول عالم المالية، وإرغام المسؤولين على تقديم ما لديهم من معلومات، وتقاسم الحصيلة مع الجمهور العريض: أي مهنة الصحافة. وتقول في هذا السياق: “لقد اخترتُ التضحية براتب مرتفع لمزاولة مهنة الصحافة التي أعتبرها مهنة نبيلة خصوصا عندما يتم توظيفها للبحث عن الحقيقة”.
من المحتمل جدا أن تكون ميريت زكي ورثت جينة الصحافة من والدها الصحفي والسياسي المعروف. إذ ما إن غادرت عالم المالية حتى تحولت في عام 2000 الى محاورة ومستجوبة لكبار المسؤولين في البنوك السويسرية والعالمية من خلال عملها في صحيفة “لوتون” التي تصدر بالفرنسية في جنيف. وتتذكر بشيء من الفخر أن “من كان يتجاهلك من كبار المسؤولين ويعتبرك مجرد رقم تسجيل، ويبخل عنك بالمعلومات لما كنت في الداخل، يسارع لاستقبالك في مكتبه الفاخر بعد أن اصبحت خارج القطاع، ويحاول معرفة ما الذي ستكتبه عنه”.
في تجربتها الصحفية، وبعد قضاء 8 سنوات كمسؤولة عن الصفحة المالية في “لوتون”، تسلمت ميريت زكي منصب نائبة رئيس تحرير مجلة “بيلان Bilan” الإقتصادية وهي المهمة التي تتولاها حتى اليوم. عن ذلك تقول “إنها تتويج لمسيرة، نظرا لأن المجلة الاقتصادية تحظى بمصداقية عالية لدى المسؤولين وأرباب العمل في سويسرا الناطقة بالفرنسية. كما أن هذا المنصب يسمح لي ببطاقة تعريف جيدة تساعدني كمؤلفة وكاتبة مختصة في القطاع المالي”.
الكتاب.. وسيلة لمشاطرة ما هو مكتوم!
لم تكتفي ميريت زكي بمشاطرة الجمهور بما يتوفر لديها من معلومات وأسرار عن عالم المال والأعمال عبر مقالاتها في الصحافة اليومية أو الأسبوعية بل ذهبت الى أبعد من ذلك عبر تحولها الى كاتبة ومؤلفة تميزت بتأليفها لأحسن كتاب يُنشر في الكنفدرالية عن أكبر مصرف سويسري، تناولت فيه قضية مصرف يو بي اس “UBS”. ولدى حديثها عن كتابها “الأوجُه الخفية لقضية يو بي اس”، تشير إلى أن “هذا المؤلف سمح بظهوري للجمهور العريض ليس كصُحفية بل كمفكرة اقتصادية وككاتبة متخصصة في القطاع المالي”.
ولدى سؤالها عن الدوافع الكامنة وراء تأليف هذا الكتاب الذي حقق مبيعات قياسية واعتبر “أحسن كتاب يصدر في سويسرا عن قضية مصرف يو بي اس”، تجيب ميريت زكي: “كانت لدي الكثير من المعلومات التي لم أجد مكانا لنشرها في الصحف. وعندما جاء ناشر يبحث عمن يؤلف كتابا عن المصرف قبلتُ على الفور، وأنجزت الكتاب في غضون ثلاثة اشهر بحيث لم يتطلب الأمر إلا تنظيم المعطيات التي كانت في حوزتي”.
وبخصوص ردود الفعل التي أثارها نشر الكتاب، تقول ميريت: “كان هناك حوالي 80% من الردود الإيجابية، وبعض الردود الناتجة عن الغيرة، وهناك أيضا من لم يكن يتقبل أن تنتقد سيدة تحمل اسم ميريت زكي من أصول أجنبية أكبر بنك سويسري يكن له السويسريون الإحترام والتقدير”.
ويمكن القول بكل اطمئنان أن قوة البحث الذي أنجزته ميريت زكي في هذا الكتاب تكمُن في عدم اكتفائها بالأبواب المغلقة في المقر الرئيسي للمصرف في زيورخ، بل تحولها إلى المقر الفرعي في نيويورك وحصولها على المعلومات الضرورية نظرا لأن الموظفين هناك “كانوا يرغبون في إفراغ ما في جعبتهم”.
اندماج تام واعتزاز بالجذور
الكتاب الثاني لميريت زكي لم يزد من حجم تعاطف الجمهور معها خصوصا وأنه استهدف السرية المصرفية التي تحيط بها هالة كبيرة في سويسرا. في المقابل، ترى الإعلامية المتخصصة في شؤون المال والأعمال أن الكتاب الذي صدر بعنوان “انتهت السرية المصرفية.. فليحيا التحايل الضريبي”، يُعتبر في واقع الأمر “دفاعا عن الساحة المالية السويسرية.. لأن جميع الأموال التي تُهرّب في إطار التحايل الضريبي لا تعود الى البلدان المعنيّة بل تذهب الى البنوك الأنجلو – سكسونية في “فردوس التهرب الضريبي”، وهي الأماكن التي لا يُهاجمها أحد”، على حد قولها.
أحدث مؤلفات ميريت زكي تناول “نهاية الدولار”، وهو كتاب يُقدم – حسب تقييمها – “نظرة جريئة مع أن فكرة نهاية الدولار ليست جديدة وسبق أن كانت موضوع مؤلفات عديدة”، خصوصا وأن “المناطق السويسرية المتحدثة باللغة الفرنسية تفتقر إلى كتب تحليلية عن وضع الولايات المتحدة المالي اليوم، كما أن الساحة المالية السويسرية عُرضة للخطر بسبب الدولار نظرا للثقة العمياء التي يُوليها البعض للعملة الأمريكية إلى حد أن هناك من يجد صعوبة حتى في مجرد الحديث عن احتمال نهايتها كعملة مرجعية في عام 2014″، على حد قولها. وقد حقق هذا الكتاب أيضا رقم مبيعات جيد أهله لاحتلال المرتبة الثانية عند صدوره، كما لقي قبولا وحفاوة حتى لدى رجال المصارف في الكنفدرالية.
ميريت زكي التي تعتبر نفسها مُندمجة تماما في المجتمع السويسري، تعزو نجاحها إلى هذا الإندماج، كما أنها لا تخفي اعتزازها بأصولها المصرية عندما ترى “كيف أنها نجحت كسيدة شرقية في التفوق في مجال يُعتبر من اختصاص الرجل، والرجل الأوروبي بالدرجة الأولى”، كما تعتز بأنها كانت “من بين الأصوات القليلة التي استطاعت قول هذه الحقيقة والجهر بها”.
أخيرا، ترى زكي أن أصولها الأجنبية قد تكون هي السبب في ذلك نظرا لأن “من طبع السويسري تجنب الظهور تحت الأضواء الكاشفة”، وتستشهد على ذلك بالإشارة إلى أن معظم كبار الصحفيين العاملين في التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالفرنسية من أصول شرقية.. مثلها تماما.
قدِمت إلى سويسرا ولم تتجاوز الثامنة من العمر، للإلتحاق بوالدتها التي كانت تشتغل مترجمة فورية في الأمم المتحدة.
ترعرعت في عائلة مثقفة تضم والدة تعمل في مجال الترجمة وأبا هو السيد نبيل زكي، صحفي وسياسي زعيم لحزب التجمع اليساري المعارض في مصر قبل الثورة.
زاولت دراستها في سويسرا بتفوق وتحصلت على شهادة باكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية في القاهرة، وتخصصت في السياسة الخارجية الأمريكية.
بعد عودتها من الولايات المتحدة، بدأت تشتغل في مؤسسة بنكية خاصة في جنيف. وهو ما سمح لها بالدخول الى عالم المالية والبورصة.
بعد ضجر من الروتين الإداري، تحولت الى عالم الصحافة فاشتغلت ما بين عامي 2000 و 2008 في صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في جنيف)حيث تولت الإشراف على الصفحة المالية قبل أن تنتقل في عام 2009 للعمل في مجلة “بيلان” Bilan الإقتصادية كنائبة رئيس التحرير وهو الموقع الذي تحتفظ به حتى اليوم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.