مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

طوابير من المهاجرين تتكدس على البوابة الجنوبية لسويسرا

أفراد من الشرطة السويسرية يعترضون شبابا من المهاجرين في محطة قطارات كياسّو (أقصى جنوب سويسرا). Keystone

أصبح العبور من إيطاليا إلى سويسرا عبر حدود كانتون تيتشينو أكثر صعوبة على المهاجرين، حيث يتم إعادة الكثير منهم إلى إيطاليا، مما جعل الأحوال تتأزم في مدينة كومو الإيطالية نتيجة تكدس أعداد من المهاجرين الطامحين إلى مواصلة رحلتهم باتجاه شمال أوروبا.

في هذه الأيام، حيث تتواصل العطلة الصيفية، يعج الطريق السريع، منذ ساعات الصباح الأولى، بالسيارات والحافلات والشاحنات وعربات التخييم، والكل متجه نحو الجنوب، يريد العبور إلى إيطاليا ولو بأي ثمن، لكن ليس أمامهم سوى ضبط الأعصاب والتحلي بالصبر، فالطريق في غاية الإكتظاظ وحركة السير في كلتا الحارتين شبه متوقفة، وذلك قبل بضع كيلومترات من معبر كياسّو. وليست قطارات “يوروسيتي EuroCity” بين زيورخ وميلانو بأفضل حال، فكلها ممتلئة بالسياح ومن غير المُمكن حجز مكان فيها.

عمليات الدخول غير الشرعي وطلب اللجوء

تشير البيانات الأولية الصادرة عن حرس الحدود، إلى أنه جرى في أسبوع واحد ما كان يجري في عام، فخلال الفترة من 4 إلى 10 يوليو مثلا تمّ توقيف 1321 شخصا ممّن دخلوا البلاد بطريقة غير مشروعة، ويشكّل هذا العدد أكثر من نصف المهاجرين الذين أمكن اعتراضهم، وكان من بين الموقوفين 665 إريتريا، بينما تمّ ارجاع 966 مهاجرا إلى ايطاليا خلال نفس الفترة.

جدير بالذكر أن معظم اللاجئين الذين دخلوا مؤخرا من إيطاليا إلى سويسرا لم يتقدّموا بطلبات لجوء لعلمهم المُسبق بأنها ستُرفض، وأما القليل منهم ممّن يرغب في تقديم طلب للجوء، فإن عليه التوجه إلى أحد المراكز الفدرالية لتسجيل اللاجئين، التي يُوجد أحدها في مدينة كياسو على الحدود مع ايطاليا.

وفقا لبيانات كتابة (أو أمانة) الدولة لشؤون الهجرة، بلغ عدد طلبات اللجوء المقدّمة في سويسرا، خلال الربع الثاني من هذا العام، 5962 طلبا، أي أقل بـ 2353 طلب عمّا كان في الربع الأول من العام نفسه، والسبب في هذا التحوّل يرجع، كما تقول كتابة الدولة، إلى تراجع أعداد المهاجرين الذين يجوزون عبر دول البلقان.

من اللافت أيضا، أن الحركة الموسمية الصيفية باتجاه ايطاليا قد شهدت تأخرا هذا العام جراء سوء الأحوال الجوية، كما شهد شهر يونيو في سويسرا هبوطا حادا في عدد طلبات اللجوء المقدّمة (3805 طلبا). في الأثناء، كانت إريتريا والصومال وأفغانستان البلدان التي قدم منها أكبر عدد من طالبي اللجوء في سويسرا خلال الربع الثاني من عام 2016.

وهناك أيضا حركة معاكسة، ولو أنها أقل بكثير ولا تمُتّ إلى العطلة الصيفية بصلة، إنها حركة المهاجرين المتجهين إلى الشمال. في محطة كياسّو للقطارات، وعلى متن القطار “EC 310” الذي سينطلق على الساعة 10 و42 دقيقة باتجاه الأنحاء السويسرية الناطقة بالألمانية، يُرافق رجال من أمن الحدود، ورجال أمن خاص تابعون لشركة “بروسيغور” العالمية، فوجا من الأفارقة من طالبي اللجوء يحمل كل واحد منهم بيده تصريحا يخوله بمتابعة السفر نحو الشمال، بعد أن تم تسجيل أسمائهم وبياناتهم الخاصة في مركز التسجيل الحدودي في كياسّو وتم توزيعهم على مراكز الإستقبال المنتشرة في عدد من الأنحاء السويسرية الناطقة بالألمانية.

يشار إلى أنه زاد الضغط  في الآونة الأخيرة على رجال حرس الحدود، سواء الطرقية أم تلك الحديدية، نتيجة التزايد في أعداد المهاجرين الراغبين في العبور من إيطاليا إلى سويسرا، مما اقتضى أن تشدد سلطات الحدود الرقابة، وقد أعلنت عن منعها دخول 1321 شخصا إلى البلاد بطريقة غير مشروعة خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو.

تزايد الدخول بشكل غير قانوني

معظم المهاجرين لا يقدمون طلبات لجوء في سويسرا، لأنهم يُرحّلون إلى ايطاليا بموجب الاتفاقية المبرمة بين برن وروما، وقد تم خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو ترحيل 966 شخصا، أي قرابة ثلثي عدد الأشخاص الذين عبروا الحدود بصورة غير مشروعة.

إلى أي شيء يُعزَى هذا التناقض – أي قلّة طلبات اللجوء رغم كثرة المتسللين عبر الحدود – الذي لا يخفى على كتابة الدولة للهجرة؟ في مقابلة معه نشرتها مؤخرا جريدة “نويه تسورخر تسايتونغ”، أجاب مديرها ماريو غاتيكر، معتبرا بأن تطبيق سويسرا لاتفاقية دبلن “ربما يكون أكثر صرامة” من غيرها من الدول الأوروبية، وأشار أيضا إلى “فاعلية النقاط الرئيسية، وأن تسجيل المهاجرين يتم بشكل طبيعي، وأن العديد ممّن يجري تسجيليهم على علم بأنهم تنطبق عليهم اتفاقية دبلن وأنهم سيُرَحّلون من سويسرا إلى ايطاليا”، وفق قوله.

الإنتظار في الهواء الطلق

نتيجة لهذا الوضع، تتوافد أعداد متزايدة من المهاجرين، الذين يرغبون في اجتياز سويسرا للوصول إلى دول الشمال الأوروبي، على مدينة كومو الإيطالية، الواقعة على بعد بضعة كيلومترات من الحدود السويسرية، لدرجة أن محطة سان جيوفاني للقطارات أصبحت بالنسبة للمهاجرين بمثابة صالة للإنتظار.

نحو ثلاثين مهاجرا يأوون إلى الحديقة الموجودة أمام محطة القطارات، ولا يكاد أحد من المارة يطرف إليهم عينا، ويقول ماوريتسيو، أحد المتطوعين من إحدى الكنائس: “جميعهم تقريبا إريتريون”، واستنكر ما اعتبره أوضاعا مزرية، ولولا أن منظمة كاريتاس الخيرية تنقلهم عند المساء في إحدى حافلاتها، وتهيئ لهم طعام العشاء، لما أبه بهم أحد.

من جهته، أوضح روبرتو برناسكوني، المدير المحلي لمنظمة كاريتاس، أن مراكز استقبال اللاجئين في مدينة كومو قد امتلأت عن بكرة أبيها، وأنه قام بتوجيه نداء، من خلال كاهن مدينة كياسّو، من أجل جمع التبرعات في سويسرا أيضا، وأكثر ما يحتاج إليه اللاجئون هو البطانيات والأغطية، فعلى الرغم من فصل الصيف، إلا أن الجو يكون باردا خلال ساعات الليل.

لعبة القط والفأر على الحدود

شاب إريتري عمره 24 سنة، أفصح بلغة انجليزية ركيكة، عن أنه دخل سويسرا ثلاث مرات، وفي كل مرة يتم إبعاده، وقد غدت العملية وكأنها لعبة القط والفأر. وعند سؤاله ماذا في نيته أن يفعل بعد كل ذلك؟ وإلى أين سوف يتجه؟ لا يجيب، ويكتفي بترديد: “أريد الحرية .. الحرية”، بينما يفترش بعض أفراد أسرته بطانية ملقاه على الأرض، ومن بينهم طفل عمره عام ونصف، ويقول المهاجرون إنهم لا يفهمون ماذا بوسعهم أن يفعلوا، فبعضهم يرغب في التوجّه إلى ألمانيا، وبعضهم إلى بريطانيا، ولا يستوعبون لماذا لا يحق لهم السفر عبر الأراضي السويسرية.

مُهاجرون، معظمهم إريتريون، يتخذون موقعا لهم وسط حديقة عامة تقع أسفل محطة سان جوفانّي دي كومو بمدينة كومو، شمال إيطاليا. swissinfo.ch

هنا وهناك، تحت الأشجار، تكدّست النفايات، في صورة مُشينة، ولكنها بالتأكيد ليست أسوأ حالا مما عليه مخيم كاليه (شمال فرنسا) للاجئين، على حد قول بعض السياسيين المحليين، وبحسب صحيفة “لابروفينتشا La Provincia”، يأوي إلى محطة القطار ليلا أكثر من 150 لاجئا، من بينهم امرأة إريترية مع طفل رضيع، وقد حاولت هي الأخرى اجتياز سويسرا للوصول إلى أقاربها في ألمانيا، وتم إرجاعها، وقالت: “سأحاول مرة أخرى”، فيما أظهرت الصحيفة صورة لكرسي متحرك ملقى تحت شجرة، تبرع به أحد الأشخاص.

تدخّل السلطات

من جانبها، عبّرت سلطات مدينة كومو عن استنكارها للوضع، وسعت إلى لفت انتباه وسائل الإعلام الدولية، خاصة وأن الفترة الماضية شهدت زيادة ملحوظة في أعداد المهاجرين، كما أعرب المسؤولون عن تخوفهم من تشويه صورة وسمعة مناطق بحيرة كومو، التي يقصدها السياح من كل مكان وبما في ذلك شخصيات بارزة ونجوم التمثيل من أمثال جورج كلوني.

بدورها، نشرت الصحيفة البريطانية “ديلي ميل” تقريرا مصورا حول أوضاع اللاجئين الذين تعجّ بهم محطة القطارات في كومو، وفي الآونة الأخيرة، بدأت تتردد أخبار عارية عن الصحة، مثل الخبر الذي نشرته صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية بأن سويسرا أغلقت حدودها في وجه اللاجئين وأنها تسمح كل أسبوعين بمرور مائة شخص فقط.

ومنذ أيام قليلة، حالت السلطات الإيطالية دون تحرك كتلة بشرية من المهاجرين سيرا على الأقدام باتجاه الحدود مع سويسرا، وقامت، في الأثناء، بنقل نحو مائة منهم بالحافلات من مركز بونتي كياسّو الحدودي إلى مدينة تارانتو في جنوب ايطاليا.

وفي الوقت نفسه، كثفت الشرطة الإيطالية أيضا عمليات التفتيش داخل القطارات، لدرجة أنها اعترضت في مونتزا – المحطة الأولى بعد ميلانو – أشخاصا من المهاجرين وأنزلتهم من القطار المتجه إلى كياسّو، وأسمعتهم أقسى الألفاظ، فيما باتت الهجرة تشكل هاجسا أمنيا على جانبي الحدود بين سويسرا وايطاليا.


ما هو رأيك في اتفاقيات دبلن التي تسمح بإعادة طالبي اللجوء إلى أول بلد أوروبي عضو في الإتفاقية وصل إليه الشخص؟ عبّر عن رأيك وشارك في الحوار أدناه.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية