عمليات الإجهاض في سويسرا لا زالت منخفضة رغم الإباحة
بعد عشر سنوات من تشريع الإجهاض وتسهيله إلى حد كبير في سويسرا، لايزال معدل عمليات وقف الحمل مُستقرا في البلاد، حتى أنه يُعد من بين الأدنى في العالم.
فكيف تنجح الكنفدرالية في التوصل إلى أن يكون الإجهاض “آمنا وقانونيا ونادرا”، وهي الصيغة التي كثيرا ما يُستشهد بها بعد أن اقترحها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في إحدى حملاته السياسية.
دوريس أغاتسي هي من بين النساء القلائل اللاتي يتحدثن علنا عن خضوعهن لعملية إجهاض. وفي لقاء مع swissinfo.ch، حكت بأنها حظيت بتفهم الأشخاص المقربين منها، ولكنها تلقت أيضا عددا من الرسائل المحتوية على قدر كبير من الكراهية. واستطردت قائلة: “لم أشعر أبدا بالخجل، ولا أنه ينبغي إبقاء الموضوع سرّيا، ولكنني أعلم أن هذا ليس حــال نساء كثيرات”.
في عام 2002، وافق الناخبون السويسريون بنسبة 72,2% على مبادرة شعبية دعت إلــى تشريع الإجهاض خلال الأسابيع الإثني عشر الأولى من الحمل . آنذاك، حكت أغاتسي قصتها على شاشة التلفزيون في إطار حملة لتحرير القانون (الجنائي الذي كان يعود إلى عام 1942).
ومنذ تغيير القانون، انخفض معدل الإجهاض تدريجيا قبل أن يستقر نسبيا. وفي كل عام، تُنشر إحصائيات الإجهاض في سويسرا، ولكن دون أن تصاحبها أية ضجة تُذكر.
في عام 2011، لم يتجاوز المعدل 6.8 بين كل ألف امرأة في سن يتراوح بين 15 و 44 عاما. وهي نسبة منخفضة بشكل ملحوظ بالمقارنة مع المملكة المتحدة (17.5)، وفرنسا (15 في عام 2009) والولايات المتحدة (16 في 2008)، على سبيل المثال.
ولا توجد سوى حفنة من البلدان، بما فيها هـــُولندا وبلجيكا وألمانيا، التي تتوفر على مــُعدل أقرب من المستوى السويسري؛ علما أن معدل الإجهاض على المستوى العالمي يناهز 28 لكل ألف امرأة في سن الإنجاب.
التخطيط العائلي
انخفاض معدل الإجهاض يقترن بانخفاض معدل حالات الحمل غير المرغوب فيه. فما الذي يجعل النساء السويسريات في موقف أقوى عندما يتعلق الأمر بالتحكم في خصوبتهن؟
يشير خبراء الصحة الجنسية للإجابة على هذا التساؤل إلى ثلاثة عوامل رئيسية: التعليم، ووسائل منع الحمل، والمستوى الاجتماعي-الاقتصادي.
وتــُعتبر التربية الجنسية، رغم أنها ليست إلزامية في المدارس السويسرية، من المواد التي ترسخت نسبيا في المناهج التعليمية، وفقا لراينر كامبر، من الجمعية السويسرية للصحة الجنسية والإنجابية، الذي أضاف: “إنها مادة تُدرس تقريبا في كافة المدارس العمومية السويسرية، وتُقدم عادة على مستوى عال، بالتعاون بين معلمي الفصول وخبراء خارجيين”.
ومن السلوكيات التي أصبحت طبيعية في سويسرا بالنسبة للشابات والفتيات اللاتي يصبحن نشطات جنسيا، زيارة طبيب نسائي للإستفسار عن وسيلة منع الحمل المناسبة.
جوان بيتسر، رئيس الفيزيائيين في قسم التوليد وأمراض النساء بمستشفى بازل الجامعي، لديه خبرة فاقت الثلاثين عاما في مجال الصحة الإنجابية للمرأة. وقال في تصريحاته لـ swissinfo.ch: “لدينا رقم كبير نسبيا من أطباء النساء الذين يعملون في مجال الرعاية الصحية الأولية. وفي البلدان الأنغلوساكسونية، يقوم بهذه المهمة الأطباء العامون”.
علاقات جنسية غير محمية
في عام 2002، سُمح للصّيدليات السويسرية أن تبيع – دون وصفة طبية – “حبة الصباح التالي” التي تمنع وقوع الحمل بعد ممارسة الجنس دون وقاية.
وتلعب حبوب منع الحمل الطارئ هاته دورا هامة في خفض الإحصائيات المتعلقة بالإجهاض، علما أنه يباع منها أكثر من 100000 علبة سنويا، وفقا لتقديرات القطاع الصناعي، رغم أن شركة الأدوية “ساندوز” (Sandoz) التي تصنع العلامة التجارية الوحيدة من هذه الحبوب المتاحة في سويسرا، لا تكشف عن أرقام المبيعات.
ومن العوامل التي تساعد أيضا على إبقاء معدل حالات الحمل غير المرغوب فيه منخفضا في سويسرا الثروة النسبية التي يتمتع بها هذا البلد. ويقول كامبر ضمن هذا السياق: “رغم أن الحمل غير المرغوب فيه يتم وقفه من قبل نساء ينتمين إلى جميع أعمار الإنجاب ومختلف الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية، إلا أن أحد أهم عوامل الخطر يظل الانتماء لفئة أقــل حظا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية”.
تمويل الإجهاض على المحك
يـــُسجل في سويسرا سنويا ما يربو على 10000 عملية إجهاض (أو 6.8 لكل ألف امرأة ما بين سن 15 و44 عاما)، وهذا يعني أن امرأة من أصل خمس سيدات في سويسرا تخضع لعملية إجهاض في مرحلة ما من حياتها. ولكن وقف الحمل غير المرغوب فيه ليس في نظر الجميع “أمرا واقعا لا يمكن تغييره”.
مدينة زيورخ، على سبيل المثال، شهدت في منتصف شهر سبتمبر 2012 تنظيم “المسيرة من أجل الحياة” التي شارك فيها أكثر من 1000 شخص. ووزع منظمو هذه الفعالية أكفانا بيضاء على الحشد.
وعلى الصعيد السياسي، تُبذل جهود جديدة من قبل من عارضوا التشريع الكامل للإجهاض قبل عام 2002، لإعادة النظر في القبول العام الذي تحظى به هذه المسألة. واختاروا كهدف لشن “حملتهم المضادة” هاته التركيز على نقطة تمويل الإجهاض.
وفي هذا الإطار، تهدف المبادرة الشعبية التي تحمل اسم “تمويل الإجهاض هو مسألة خاصة”، التي سيصوت عليها الناخبون السويسريون العام المقبل، إلى شطب عمليات وقف الحمل واستئصال النطفة من قائمة الخدمات المكفولة من طرف التأمين الصحي الأساسي.
وتقترح المبادرة، كحل بديل، اعتماد نظام يتيح للنساء خيارين: إما تأمين أنفسهن بشكل منفصل ضد احتمال وقفهن لحمل غير مرغوب فيه، أو أن يتحملن بأنفسهن نفقات عملية من هذا القبيل.
ويقول بيتر فوهن، النائب في حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) والرئيس المشارك في لجنة المبادرة: “إن المسألة تتعلق في الوقت نفسه بقضية أخلاقية وإجراء لتوفير التكاليف”، قبل أن يضيف: “أنا شخصيا لست مستعدا للمشاركة في تمويل عملية إجهاض، ولا أنتظر أن يقوم بالمثل أشخاص يُعارضون الإجهاض ويدينونه”.
يشار إلى أن المبادرة تقترح بأن يتضمن القانون بعض الإستثناءات، خاصة عندما تكون حياة الأم في خطر أو في حالات الحمل الناتجة عن اغتصاب.
مسألة أخلاقية شائكة
الوضع الأمثل بالنسبة لفوهن هو تقليص معدل الإجهاض في سويسرا إلى الصفر، إذ قال في حديثه لـ swissinfo.ch: “إن قتل كل شخص لم يولد بعدُ يعني، مثل قتل أي شخص، قتل العديــدين”.
وإذا تعذّر تحقيق ذلك الهدف المثالي، يعتقد فوهن أنه من الضروري التحرك ولو على نطاق ضيق، قائلا: “لا يجب على الدولة أو المجتمع، تحت أي ظرف كان، جعل الإجهاض أمرا سهلا، أو تشجيعه، أو تغطية نفقاته بالتأمين الصحي الأساسي مثلما يحدث في سويسرا”.
من جانبها، ترى آن-ماري ري، إحدى أقدم النشطات اللاتي شاركن في الحملة المؤيدة لحق المرأة في الإجهاض، أن المبادرة هي حيلة دبرها معارضو الإجهاض للعودة بعقارب الساعة إلى الوراء. وقالت في تصريحاتها لـ swissinfo,ch: “إنها مجرد ذريعة بالنسبة لهم لإعادة طرح قضية الإجهاض بمجملها على طاولة النقاش. ولن تتأثر بهذا الأمر سوى أفقر النساء. وهذا (تحرك) غير أخلاقي وتمييزي إلى حد كبير”.
أما بالنسبة لأصحاب المهن الطبية، مثل جوهان بيتسر، فهم سيواصلون محاولة تحسين انتشار وسائل منع الحمل وفعالياتها، وكذلك توفير الرعاية للنساء اللاتي يُواجهن أزمة الحمل غير المرغوب فيه. وقال في هذا الصدد: “لازلنا نواجه حالات الحمل غير المرغوب فيه، وأعتقد أن هذا النقاش الأخلاقي سوف يستمر، ولن تتم أبدا تسويته بشكل نهائي”.
تمت 80808 ولادة حية.
بيع أكثر من 100000 من “حبوب الصباح التالي” لمنع الحمل الطارئ.
أجريت 11079 عملية إجهاض (من بينها 10694 لنساء مُقيمات في سويسرا).
تقدر نسبة حالات الحمل التي تنتهي بإجهاض تلقائي (إسقاط الجنين) بـ 12%.
في عام 2011، عادلت نسبة الإجهاض التي خضعت لها نساء مقيمات في سويسرا 6,8 عملية لكل 1000 امرأة في سن يتراوح بين 14 و44 عام، أو 132 عملية إجهاض مقابل كل 1000 ولادة حية. وتكاد تكون هذه الأرقام مطابقة لتلك التي سُجلت عام 2010.
ثلاثة أرباع حالات الإجهاض في سويسرا تتم خلال الأسابيع الثمانية الأولى من الحمل.
بعد الأشهر الثلاثة الأولى، يُسمح بالإجهاض لأسباب صحية، بما في ذلك مخاطر الإصابة بضائقة نفسية شديدة، دون الحاجة إلى رأي طبي ثان. وعمليا، تتم 4% فقط من عمليات الإجهاض في سويسرا بعد الأسابيع الإثني عشر من الحمل.
حوالي 4% من عمليات الإجهاض التي سُجلت في سويسرا في عام 2011 أجريت لنساء يقـمن خارج البلاد.
ثلثا النساء تقريبا (64%) اللواتي أجهضن في عام 2011 استخدمن وسائل طبية (حبوب الإجهاض)، مقابل 49% في عام 2004.
معدل الحمل والإجهاض بين المراهقات منخفض جدا في سويسرا. يحق للفتيات اللاتي تقل أعمارهن عن 16 عاما المضي قدما في إجراءات الإجهاض بدون علم والديهن.
(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.