لاعبون حاملون لجنسية أخرى في المنتخب.. جدلٌ سويسري بنكهة عربية!
أسدل الستار على نهائيات كأس العالم لكرة القدم وفاز المنتخب الفرنسي باللقب للمرة الثانية في تاريخه فيما غادر المنتخب السويسري السباق كالعادة منذ الدور الربع النهائي إلا أن الجدل الذي شهدته سويسرا بداية الصيف بخصوص ازدواجية جنسية عدد من اللاعبين من ذوي الأصول البلقانية لم يتوقف تماما عند حدود الكنفدرالية، حيث اندلع سجال مُشابه إثر تطرق العديد من المعلقين الرياضيين والكتاب في أوروبا والولايات المتحدة إلى الظاهرة المتمثلة في الأصول الإفريقية لأغلب لاعبي المنتخب الوطني الفرنسي لكرة القدم وأثاروا جملة من التساؤلات حولها.
في صفحتيْنا على مواقع التواصل الإجتماعي، طلبنا من قرائنا الإدلاء برأيهم في القضية التي أثارت جدلا واسعا في الكنفدرالية في أعقاب طرح أليكس ميشر، نائب رئيس الرابطة السويسرية لكرة القدم يوم 6 يوليو الجاري، أي بعد مرور ثلاثة أيام فقط على انسحاب المنتخب الوطني من مونديال روسيا، مقترحا يدعو إلى “وجوب تخلي لاعبي المنتخب عن أي جنسية أخرى يحملونها قبل الإلتحاق به”.
هذا التصريح فجّر جدلا صاخبا استمر لعدة أيام في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الإجتماعي ولم يتوقف – مبدئيا – إلا يوم 13 يوليو عندما تقدم بيتر جيليارون، رئيس الرابطة باعتذار رسمي قال فيه: “نشعر بالأسف العميق لكون مُزدوجي الجنسيّة السويسريين شعروا بأنه تم المسّ من مصداقيتهم وجرى التبرؤ منهم من خلال هذه المقابلة الصحفية التي أجراها الأمين العام للرابطة”.
في الواقع، كان المقترح مفاجئا للجميع في بلد يتميّز فيه المنتخب الوطني لكرة القدم بتعدديته الثقافية وبالإختلاف الكبير في أصول لاعبيه الإسبانية والبرتغالية والبلقانية والإفريقية، لذلك سألنا قراءنا عن رأيهم في الفكرة التي طرحها نائب رئيس الرابطة السويسرية لكرة القدم لو تم تطبيقها في بلدهم وكانت نتيجة التصويت الذي شارك فيه 690 شخصا على فيسبوك واضحة حيث أعرب 63% عن رفضهم لها فيما أيّدها 37% منهم. أما على موقع تويتر حيث شارك في التصويت 123 شخصا، فقد كانت نسبة الرافضين 41% والمؤيّدين 46% فيما قال 13% إنهم بدون رأي.
استنكار للعنصرية
في إشارة للحادثة التي أطلقت شرارة النقاش، اعتبر عمر معتوق أن “تصرف شاكيري وصديقه الآخر (أي استخدام اليدين بعد تسجيل هدف حاسم لرسم شعار النسر ذي الرأسين الذي يرمز إلى العلم الألباني – التحرير) كان غير مقبول”، وأضاف أنه “لا يُمكن ان يتصرف شخص عاقل كما فعلا، لا بد من احترام الزي الوطني الذي تمثله”. أما جميل بثينة فكتب يقول: “إن كنت سويسريا فعلا، فعليك دائما البحث عما يُفيد السويسريين وما يرفع مجد السويسريين.. إن رفعه لشعار ألباني في الملعب هو بحد ذاته إلغاء لدور سويسرا ولأهل سويسرا الذين استقبلوه ودعموه وأنفقوا عليه وفي آخر المطاف يرفع شارة ألبانيا ويُظهر للسويسريين أنه لا يُمكن أن يشعر بأنه سويسري إلا حينما يتعلق الأمر بالجنسية، أي أنه يُراعي مصلحته فقط” .
محمد عبدو كتب “للأسف الشديد تستمر العنصرية في الإنتشار كالنار في الهشيم! هناك مستشارون فدراليون (أي وزراء في الحكومة السويسرية) يحملون جنسيات أخرى! ما العيبُ في ذلك؟ فقط لأن اللاعبين من هذه الأصول لا يروقون لهؤلاء الرّعاع المختفين وراء المكاتب والمُدّعين للإنسانية!!”، وهو ما أيّده فيه محمود خالد قائلا: “الشوفينية منتشرة للأسف في أوساط كثيرة. تجدها بشدة في أغلب الثقافات المنغلقة ذات النظرة الأحادية للعالم، ولهذا تجدها منتشرة بشدة في اغلب الدول العربية”، حسب رأيه.
من جهته، اعتبر جعفر الحميداوي أن “هذا الجدل (المُثار في سويسرا) معناه العنصرية المقيتة التي لا تبني الأوطان”، وذكّر بأن سويسرا “بُنيت بالإعتماد على سواعد البرتغاليين والألبان وباقي الشعوب”.
أحمد صالح غضباني لفت إلى أن “كرة القدم بالأساس لعبة ترفيهية ليس فيها ما يرفع أو يحط من قيمة أي بلد.. هناك بعض القوانين التي يجب أن تضبط تصرفات اللاعبين فقط لا أكثر… لذا أعتقد أن الموضوع أخذ حجما أكثر من اللازم هنا في سويسرا”. أما عز الدين محمود فاعتبر أن “هذا يدخل في إطار الإضطهاد الإجتماعي الذي يتعرّض له الأجانب من طرف قلة قليلة جدا من الشعب السويسري”، وأضاف أن “المهم أن نحب سويسرا التي أعطتنا جنسيتها ونحن مستعدون لارتداء الزِّي العسكري وليس زيّ المنتخب فحسب وحمل السلاح دفاعا عن الكنفدرالية السويسرية من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب”.
في نفس الإتجاه، كتب إلياس ريد: “عندما تفتح سويسرا ذراعيها لكل إنسان مضطهد في بلده وتكون (بمثابة) الأب والأم لهذا الشخص، فإنه لا يكفي أن نلبس زي المنتخب سوف نلبس الزِّي العسكري وندافع عن سويسرا بإخلاص وبكل الصدق”.
أين يكمُن الإشكال؟
شيئا فشيئا انتقل النقاش بين القراء من الحالة الخاصة باللاعبين المزدوجي الجنسية في المنتخب الوطني السويسري لكرة القدم إلى تبادل الآراء حول المسألة برمتها، فتساءل إياد تركمان: “أين هي المشكلة بأن يكون الإنسان حاملا لأكثر من جنسية؟ فالإنتماء (إلى بلد ما) ليس فقط في الجنسية!”، وسانده كريم محمد معتبرا أن “الوطن والولاء أين تجد كرامتك كإنسان”، فيما ذهب عيسى البخاري إلى أن “الجنسية والعلم والحدود الجغرافية والنشيد الوطني هذه كلها عراقيل وخرافات خُلقت للتحكم بعقول الناس واستعبادهم، فأينما كانت هناك حياة وحقوق واهتمام بالإنسان فتلك بلاد المرء”.
على العكس تماما، أكد إيهاب الريان أن “امتلاك أكثر من جنسية لا يستقيم مع مفهوم الوطن والمواطنة”، وعندما طلبت منه قارئة مزيدا من التوضيح، أجاب أن “الإنسان لا يملك قلبين في جوف واحد” ثم تساءل: “عندما تتعارض مصالح دولتيْن تحملين جنسيتهما فكيف سيكون الولاء؟” ثم أجاب على الفور: “خارج إطار الحب والوفاء إلى أرض الأجداد والآباء وإنما ضمن القوانين الإنسانية ورد الجميل”.
جميل بثينة كان صريحا إلى أبعد حد وقال: “لو كان هذا حاصلا في بلدي فلن أقبل بأيّ لاعب من أصول أجنبية (في المنتخب الوطني) حتى وإن كان مُقيما في سوريا ومولودا فيها”، وأضاف مُبررا “لأنه من غير المنطقي أن يلعب شخص أجنبي في فريق بلادي الوطني.. فالمنتخبات هي لإظهار قوة لاعبي البلد أما الأجنبي فلن يكون ولاؤه لسوريا وشعبها.. فقط ابن البلد هو من سيعمل بجد لرفع مجد بلاده!”، ولما لاحظنا له أن “الكلام هنا ليس عن لاعبين أجانب بل عن مواطنين سويسريين لديهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات لكن لديهم جنسية ثانية”، أجاب أنه “في أول هدف سجله، نسي (شاكيري) سويسرا وشعبها ورفع رمز البانيا، هذا معناه أن انتماءه الكامل لبلده الأصلي فحسب.. لذلك أنا أرفض فكرة الإستعانة بلاعبين أجانب”.
في المقابل، أعرب محمد عثمان عن رغبته في الحصول على الجنسية السويسرية وقال: “أنا نفسي أكون سويسري وأستغني عن جنسيه بلدي الأم… أتمنّى ذلك”، وهو ما رد عليه جميل بثينة مستنكرا: “أنا مستحيل أعمل متلك، أفتخرُ بسويسرا وأحبّها جدا مثل بلدي لكن يستحيل أن أحبّها أكتر من بلدي الأم سوريا التي أعطتني الحب والحنان والرعاية. واذا رعتني سويسرا خمس سنوات فإن سوريا رعتني عشرين عاما.. فقط أنا أعارض أن يكون شخص مولودا هنا ولا زال لديه آنتماء ثان”.
هنا ردّ عليه الحسن سليمان: “لو طبقنا مبدأك هذا سينتهي العالم بشوفينية مُرعبة تبحث تحت جلد كل إنسان لترى إن كان وطنيا بما يُرضي من يظنون أنهم أهل الوطنية الذين ما سيلبثون هم أنفسهم أن يُشككوا في وطنية بعضهم البعض! يجب أن يتطور العالم باتجاه الإنتماء الإنساني الأوسع، لا أن ينحسر باتجاه دوائر الإنتماء الضيقة والتي تزداد ضيقا كلما اتّجهنا إليها!”.
بين الجنسية.. والإنسانية
فرج بحري وصف الإقتراح الذي تقدم به نائب رئيس الرابطة السويسرية لكرة القدم بـأنه “عنصري” وأضاف متسائلا: “اللاعب الذي تخلّى عن ارتداء قميص منتخب بلاده الاصلي ولعب لفائدة سويسرا، هل تشُكّون في ولاءه؟”، لكن حمزة جيجي كان أكثر تنسيبا للأمور وكتب قائلا: “هناك بعض العناوين والمناصب الوظيفية التي لا يجب أن يُسمح لأصحاب الولاءات المتعددة أن يستلموها ولكن يجب على المتقدم لهذه الوظائف التخلي عن الجنسية الثانية التي يمتلكها وأن يكون انتمائة ولاؤه فقط لسويسرا مثل العمل في الدوائر الأمنية الخاصة كالمخابرات والرئاسة والوظائف التي يمثل صاحبها الدولة في المحافل الدولية لأن خلاف هذا سيجعل الدولة قابلة للإختراق أمنيا وسياسيا ويقلل من شأنها”.
عكس التيار تماما، قال جميل بثينة: “سويسرا تمنح الجنسية نعم ولكن تسحبها منك في أي وقت”، لذلك – حسب رأيه – فإن “هذه لا تُسمّى جنسية بل تُسمّى أوراقا تسمح لك بأن تُعامل مثل مواطن سويسري… هذه لا تسمى جنسية فالجنسية السويسرية تُسحب منك بمجرد أن تفعل مشكلة واحدة صغيرة لكن السويسريين الأصليين أو كما يُسمّون voll schweizer لا تُسحب منهم الجنسية مهما فعلوا ولو فجّروا الكوكب لأنهم سويسريّون منذ الأزل ومن عائلات سويسرية عريقة وليسوا لاجئين أو أجانب يحملون الجنسية”…
هذا الرأي مبني حسبما يبدو على معلومات غير دقيقة، ذلك أن سحب الجنسية عن شخص ما في سويسرا ليس مسألة بسيطة أو هيّنة بل هي شبه مستحيلة في ظل التشريعات الحالية، مع ذلك يُمكن القول أن إيهاب الريان قد نجح في تلخيص النقاش حين قال: “أن تحمل جنسية بلد ما وأن تكون تنتمي لأمة ما فهذا لا يعني أن تتنكر لإنسانيتك، فأن تكون سويسريا أو أوروبيا يعني أن تكون حرا وأخلاقيا ضمن ما يسمح به القانون”.
(ملاحظة: تمت مُلاءمة صياغة بعض التعليقات لنقلها من الدارجة إلى العربية مع الحرص على الإحتفاظ بمعانيها)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.