“أرض البشر”.. 50 عاما في خدمة الأطفال المحرومين
تحتفل منظمة أرض البشر السويسرية المنشأ، في عام 2010 بمرور الذكرى الخمسين على إنشائها. ومثلت المآسي التي واجهها أطفال الجزائر في حرب التحرير في ستينات القرن الماضي الدافع الأساسي لقيامها، لكنها مازالت تقوم بانشطة كثيرة وتربطها علاقات وثيقة بالعالم العربي.
وتمتلك هذه المنظمة مشروعات مثمرة وناجعة في كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان وموريتانيا والسودان، كما أنها تنوي الشروع في إنجاز دراسة موسّـعة حول حماية الأطفال من منظور إسلامي.
لا يمكن الحديث عن حماية الأطفال بدون ذكر منظمة أرض البشر، ولا يمكن ذكر منظمة ارض البشر بدون التذكُّر بكثير من الاحترام والعِـرفان شخصية إيدمون كايزر، مؤسس الحركة الذي رحل عن هذا العالَـم في عام 2000 عن عمر يناهز 86 عاما.
هذا الرجل الذي تألم لرؤية صور أطفال الجزائر من اليتامى والمحرومين في معسكرات الاعتقال الفرنسية إبان ثورة التحرير الجزائرية، وسارع في عام 1960 إلى انتشال بضع مئات من بين أكثر من مليون ونصف مليون طفل، لكي يقضوا عطلة بين ربوع سويسرا بعيدا عن واقعهم المر.
وكانت تلك هي بداية مِـشوار هذه المنظمة، التي تحتفل بمرور خمسين عاما على قيامها، والتي فتحت فروعا لها في عدّة بلدان أوروبية، لتؤسس الفدرالية الدولية لمنظمات أرض البشر في عام 1966 قبل أن تعرف انقساما في عام 1972، بسبب خلافات بين المؤسِّـس وباقي المكونات حول تغيير أهداف المنظمة، وهو ما سمح بتأسيس الفرع السويسري لمنظمة أرض البشر بمقرّيْـن له، في كل من جنيف وبازل، أما مؤسسة أرض البشر -مساعدة الطفولة، فيوجد مقرّها في مدينة لوزان.
عن مغزى الاحتفال بمرور 50 عاما لقيام هذه الحركة، التي أصبحت مرجعا في حماية الأطفال، سواء في سويسرا أو في العالم، يقول بيير تسفاللن، الناطق باسم مؤسسة أرض البشر – حماية الطفولة: “إنه نصف قرن من الدفاع عن حقوق الأطفال وفرصة هامة لاستعراض حصيلة بينية لنشاطاتنا ولتشجيعنا على مواصلة المسيرة، وهذا هو الشعار الذي اخترناه لهذا الاحتفال في هذه السنة بمناسبة مرور 50 عاما من الكفاح لصالح الطفولة في العالم، وهو ما ننوي الاستمرار فيه”.
أما زميلته في المنظمة، أرض البشر – الفرع السويسري، سعاد فون آللمن فتعتبر أن “50 عاما التي مرت كانت غنية بالتجربة وبالخبرة إلى جانب شعوب تعاني من الفقر والحرمان والحروب، ولكنها عاقدة العزم على الخروج من وضعها والوصول إلى عالم أفضل”.
احتفالات على مدار السنة
انطلقت فعاليات الاحتفال بمرور 50 عاما على قيام منظمة أرض البشر، منذ شهر نوفمبر الماضي بتنظيم مؤتمر دولي في البيرو حول موضوع عدالة الأحداث. وتستمر هذه الاحتفالات، كما يقول بيير تسفاللن “طوال عام 2010 بحوالي 60 حدثا في جُـلّ المدن السويسرية، أهمها تدشين تِـمثال نصبته مدينة لوزان بمناسبة الذكرى الخمسين”.
أما السيدة سعاد فون آللمن، فترى أن احتفالات الذكرى الخمسين، التي تنظمها المنظمة السويسرية فضَّـلت “التركيز على جوانب ترفيهية، لإعطاء نظرة عن أن منظمة أرض البشر، منظمة عصرية ومنظمة تشتمل على متطوّعين من مختلف الأعمار، الشباب والمتقاعدين والطلبة وربّـات البيوت، وصورة منظمة ديناميكية تعيد النظر في طُـرق عملها، رغم تجاوزها الخمسين عاما”.
وبما أنها منظمة سويسرية وتهتم بالدرجة الأولى بالجمهور السويسري، تقول السيدة فون آللمن “نظمنا حفلات موسيقية مع فنانين من سويسرا الناطقة بالفرنسية، تطوعوا لهذا الغرض وجمعت جماهير من مختلف الأعمار، لأن الهدف كان توعية الجمهور السويسري لواقع بلدان الجنوب، ولذلك ركّـزنا بالدرجة الأولى، على استهداف الشباب لأنهم هُـم رجال الغد”.
أنشطة في شتى البلدان العربية
تركز منظمة أرض البشر، بفرعيْـها السويسري والدولي، جُـل نشاطاتها في بلدان الجنوب، إما بتطبيق مشاريع مباشرة في تلك البلدان أو بدعم شركاء محليين يقومون بإنجاز تلك المشاريع، التي تدور كلها حول حماية الطفولة وتحسين واقعها اليومي.
فالفرع السويسري لمنظمة أرض البشر، ينشط في 11 بلدا موزّعة في القارات الثلاث، إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، إضافة إلى العمل الدؤوب الذي تقوم به على المستوى السويسري، والمتمثل كما تقول السيدة فون آللمن في “توعية الجمهور لواقع هذه الشعوب في الجنوب، ولتصحيح بعض الصور الرائجة عن تلك الشعوب في وسائل الإعلام، وبالأخص المرئية منها، وهي إظهار شعوب دينامية في الجنوب، ترغب في الخروج من مآسيها”. وأضافت “عملنا داخل سويسرا هو عمل تثقيفي، خصوصا تجاه الشباب، لتعليمهم معنى التضامن في عالَـم أصبح اليوم، رغم كِـبره، بمثابة قرية ويحتاج لتضامُـن الجميع”.
أما مؤسسة أرض البشر – مساعدة الطفولة، فتقدم خدمات يستفيد منها حوالي مليون شخص ولها تواجُـد في 30 دولة، من بينها العديد من الدول العربية والإسلامية، مثل المغرب ومصر ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن وسوريا وموريتانيا والسودان، إضافة الى أفغانستان وبنغلاديش.
وعن طبيعة نشاطات مؤسسة أرض البشر – مساعدة الطفولة في الدول العربية، يقول السيد بيير تسفاللن: “تتمحورأهم النشاطات في العالم العربي حول حماية الأطفال، ولكننا نحاول في نفس الوقت، نشرر ثقافة عدالة تصحيحية، خاصة بالأحداث، أي الشبان المحكوم عليهم بعقوبات السجن والذين تقِـلّ أعمارهم عن 18عاما. كما أن لنا نشاطات لصالح اللاجئين والمرحَّـلين، مثل البرنامج الذي يستفيد منه آلاف العراقيين في الأردن وسوريا ولبنان. كما شرعنا في برامج حماية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان وفي ضواحي صور، يسمح بالإنذار والتدخل في حال وقوع انتهاكات أو أثناء العنف العائلي، بالاستعانة بالأطباء النفسيين والمختصين والمرشِـدين، الذين يساعدون العائلة في تجاوز المشاكل.
وللمنظمة برنامج في السودان يستفيد منه أكثر من 50 ألف شخص في إقليم دارفور، في ثلاث مخيمات تسهر فيها المنظمة على عملية تنسيق العمل الإنساني، ولكن العمل الاكبر الذي تقوم به المنظمة هو في أفغانستان، حيث ترعى المنظمة أكثر من 260 ألف شخص في ظروف صعبة، إضافة الى حوالي 160 ألف شخص في بنغلاديش”.
وعن نشاط المنظمة في داخل سويسرا، يقول السيد بيير تسفاللن: “لنا نشاطات على مِـحوريْـن:
أولا، في ميدان التبني الدولي، ومحاولة مواجهة عمليات التهريب الإجرامية، التي تتَّـخذ التبنِّـي كذريعة لتهريب الأطفال (وقد كان لنا نشاط كبير أثناء زلزال هايتي الأخير، حيث تم نقل آلاف الأطفال إلى الولايات المتحدة وأوروبا، بدون تسجيل وبدون إكمال إجراءات التبنِّـي). كما نقوم باستضافة الأطفال الذين يُـعانون من بعض الأمراض، مثل مرض القلب في بعض البلدان الإفريقية أو من منطقة الشرق الأوسط، لتلقِّـي العلاج في المستشفيات الجامعية في جنيف ولوزان، والاستفادة من وسائل عِـلاج متطوّرة جدا، ونستقبل سنويا حوالي 200 طفل يتم إيواؤهم في ماسونجي بمنطقة الفالي”.
دراسة عن حماية الأطفال في العالم الإسلامي
ومن المشاريع الكُـبرى التي تنوي مؤسسة أرض البشر القيام بها بمناسبة الذكرى الخمسين، إنجازر دراسة عن واقع حماية الطفولة في العالم الإسلامي. ويقول بيير تسفاللن بهذا الخصوص “لقد شرعنا في الاتصال بجهات في جامعة ساوتهامبتون البريطانية، ونرغب في أن يكون لنا شريك من جامعة في بلد إسلامي، كما أننا بصدد إجراء الاتصالات بإحدى أكبر المنظمات غير الحكومية في العالم الإسلامي، لأننا نحرِص على أن يشاركنا في هذه الدراسة أُنَـاس من المنطقة”.
وعن الدوافع للقيام بهذه الدراسة اليوم، يقول السد بيير تسفاللن “نولي أهمية كبرى لكي تصبح عملية حماية الطفولة مرتكِـزة على أسُـس ثقافية نابعة من منطقة العالم الإسلامي، وفي تعاون مع الأئِـمة ورجال الدِّين، لأننا مقتنعون من أن العنف ضدّ الأطفال وأن الانتهاكات التي يتعرّض لها، حتى وإن أصبحت واقعا ملموسا في العالم الإسلامي، فإنها ما زالت من المحرّمات ومن المواضيع التي لا يمكن الإفصاح عنها، لذلك، من المهم أن يتم إيجاد روابط بالثقافة المحلية، الدينية منها والاجتماعية في تلك البلدان، وهو ما يسمح لنا باقتناء مرجعيات تكون قاعدة مشتركة، يمكننا الاستفادة منها أثناء حديثنا مع المسؤولين في هذه البلدان، ولتفادي النفور والتردّد من النظرة الأوروبية أو الغربية المحْـضة، الذي نواجه بها في بعض الأحيان”.
محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف
ولد إيدمون كايز في عائلة يهودية في 2 يناير 1914 في باريس.
انتقل برفقة والدته في ثلاثينيات القرن الماضي إلى مدينة لوزان السويسرية ومارس فيها المسرح والشعر.
عاد إلى باريس رفقة زوجته الأولى وشارك في الحرب ثم في المقاومة ضد النازية، واعتقل من قبل السلطات الفرنسية، التي اتهمته بالخيانة قبل تبرِئته.
استقر في سويسرا وحصل على الجنسية السويسرية في عام 1960 مع الاحتفاظ بجنسيته الفرنسية.
عبر ربورتاج لأحدى المجلات الفرنسية، اطلع على مأساة الأطفال الجزائريين في مخيمات الاعتقال الفرنسية أثناء حرب التحرير، وهو ما دفعه لانتشال عدة مئات من هؤلاء الأطفال واستضافتهم في سويسرا للهروب من هذا الواقع الأليم.
كان ذلك في عام 1960 وكان بداية تأسيس منظمة أرض البشر، التي تحتفل في عام 2010 بالذكرى الخمسين على تأسيسها.
في عام 1972، عرفت المنظمة انقساما بسبب خلافات بين المؤسِّـس وباقي المكونات حول تعديل بنودها ومهامها، لكي تصبح منظمتيْـن: منظمة أرض البشر – سويسرا بفرعين في بازل وجنيف، والمؤسسة الدولية أرض البشر – حماية الأطفال بمقر في لوزان.
في عام 1979، انسحب إيدمون كايز من الحركة لكي يؤسس منظمة جديدة “سونتينال”، تهتم بمحاربة خِـتان البنات واستغلال الأطفال في الدعارة والرق وتقدم العلاج للأطفال الأفارقة الذين يعانون من مرض “النوما”.
حصل على العديد من الجوائز والميداليات، لِـما قدمه لصالح الطفولة في العالم
توفي في 3 مارس 2000 أثناء زيارة للهند، عن عمر يناهز الـ 86 عاما.
من المشاريع الرائدة التي تقوم بها منظمة أرض البشر في البلدان العربية، برنامج توسيع مفهوم العدالة التصحيحية للأحداث، وهي العدالة التي تراعي اعتماد بدائل لتقويم الشبان المنحرفين من الأحداث، بدل الزجّ بهم في السجون.
عن هذه البرامج في العالم العربي، يقول السيد بيير تسفاللن، الناطق باسم مؤسسة أرض البشر – مساعدة الطفولة: “البلد الذي حصلنا فيه على تقدم كبير في مجال إعادة التربية بدل قضاء عقوبة السجن في مراكز الاعتقال، هو موريتانيا، ولكننا بصدد تطبيق هذا البرنامج في مصر والأردن وسندخله قريبا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذه دول ومناطق لها قاعدة قانونية تسمح بذلك، ولكن تطبيق ذلك بصورة عملية سيعطي مثالا عن الحكم الرشيد، لذلك ترغب منظمة أرض البشر في الإسهام في تعميم هذا المفهوم وبطريقة عملية، وترسيخه في المفهوم الثقافي بتقديم تكوين لموظفي السلك القضائي ورجال الأمن والمرشدين الاجتماعيين”.
ويضيف السيد تسفاللن “لنا إحساس بأن هناك اقتناعا في هذه الدول بجدوى إدخال هذا المفهوم للعدالة التصحيحية للأحداث، التي تجنب الطفل أو الشاب قضاء عقوبة سجن بين المساجين المجرمين، لأن كما يقال “السجن هو مدرسة الإجرام”، وهي الطريقة التي تسمح في نفس الوقت بإنصاف الضحايا، وذلك بمواجهة المجرم بضحيته ومحاولة التوصل معا الى حلول تصحيحية تقنع الضحية بأن مرتكب الجريمة فهِـم أبعاد جريمته، وهو مستعد للتصحيح، لذلك نطلق عليها مفهوم العدالة التصحيحية أو المقومة للأحداث”.
وينتهي السيد تسفاللن في خاتمة حديثه إلى أن “هناك عزما وإرادة لدى السلطات لتطوير هذا المفهوم وتطبيقه، لأنها تدرك جيدا بأنها مراقبة من قبل المجموعة الدولية ومن قبل الآليات الدولية لحقوق الإنسان.
وتعمل منظمة أرض البشر على مساعدة هذه الدول على تطبيق ذلك على أرض الواقع، ولكن هذه العملية تتطلب الوقت الطويل، لأن الأمر يتطلب تغيير العقليات”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.