من هم الأشخاص المُهدّدون بالسقوط في براثن الفقر في سويسرا؟
قبل اندلاع أزمة كوفيد – 19، كان ما يقرب من 8٪ من السكان يعيشون بالفعل في حالة فقر في سويسرا، وكان أكثر من مليون شخص يُكافحون بصعوبة من أجل البقاء فوق مستوى الكفاف. أما اليوم، فإن الجائحة تُنذر بدفع الكثير منهم إلى السقوط في أوضاع أكثر هشاشة وتأزما.
الصور التي تداولتها وسائل الإعلام كانت صادمة ومثيرة للإستغراب، إلى حد إعادة نشرها في وسائل الإعلام الدولية الرئيسية مثل الغارديانرابط خارجي أو نيويورك تايمزرابط خارجي أو إذاعة فرنسا الدوليةرابط خارجي، وقد أظهرت مئات الأشخاص وهم يصطفون على مسافة تزيد عن كيلومتر يوم السبت 9 مايو 2020، كما كان الحال في يوم السبت السابق (2 مايو) من أجل الحصول على مواد غذائية أساسية مجانية بقيمة 20 فرنكًا في مدينة جنيف التي تعتبر واحدة من أثرى وأغلى المدن في العالم.
على الرغم من الثروة التي يكتنزها، يتميّز كانتون جنيف أيضًا بوجود فوارق اجتماعية واقتصادية شاسعة بين سكانه. فمنذ بداية الأزمة التي نجمت عن انتشار فيروس كورونا، تضاعف فيه عدد الأشخاص الذين يسعون للحصول على دعم غذائي أربع مرات. فقد سلط وباء كوفيد – 19 الضوء على الهشاشة التي تتسم بها أوضاع جزء من السكان، الذين فقدوا مصادر دخلهم بين عشية وضحاها جزئيا أو بالكامل.
في الثاني من شهر مايو الجاري، قام الفرع السويسري لمنظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية بالاشتراك مع المستشفيات الجامعية لجنيف بإجراء مسح رابط خارجي بين صفوف المستفيدين من عملية توزيع الغذاء هذه نُشرت نتائجه يوم الإثنين الموالي (11 مايو). وقد اتضح منها أن أكثر من نصف المشاركين ليس لديهم وضع قانوني في سويسرا. إضافة إلى ذلك، كشفت نتائج التحقيق أن أكثر من ثلث الحاضرين مؤهلون – وفقا للقانون – للحصول على المساعدات الاجتماعية (أي مواطنون سويسريون أو مقيمون لديهم تصريح إقامة أو طالبو لجوء).
من بين هؤلاء الأشخاص القادمين من بلدان شتى، يشتغل الكثير منهم في الخدمات المنزلية مثل رعاية الأطفال أو أعمال التنظيف، كما أوضح الأستاذ فرانسوا شابّوي، الطبيب في المستشفيات الجامعية بجنيف في حديث له مع قناة التلفزيون السويسري الناطقة باللغة الفرنسية (RTSرابط خارجي). ففي العديد من الحالات، تم إلغاء هذه الالتزامات المهنية الهشة بالتزامن مع بدء نفاذ التدابير المتعلقة بالحجر الجزئي التيقررته السلطات ابتداءً منتصف شهر مارس الماضي. وفيما قدمت العديد من النساء أنفسهن على أنهن أمهات عازبات، اتضح أن بعض المشاركين في الاستطلاع كانوا مواطنين سويسريين.
يقدم الاستطلاع عناصر أخرى تسمح بقياس الأوضاع الهشة التي يُعاني منها المستفيدون من هذه المساعدات. فقد اتضح على وجه الخصوص أن ستة من بين كل عشرة مُستجوبين ليست لديهم تغطية صحية، وترتفع هذه النسبة إلى حوالي 9 من أصل 10 في صفوف الأشخاص الذين ليست لديهم وثائق إقامة قانونية. كما أفاد أكثر من 10٪ من الذين شملهم الاستطلاع أنهم أحجموا عن القيام بفحوصات طبية خلال الشهرين الماضيين.
تفاقم الأوضاع الهشة أصلا
قبل اندلاع أزمة فيروس كورونا، كان الفقر والهشاشة حقيقة واقعية بالفعل لمئات الآلاف من الناس في سويسرا. ووفقًا للأرقام التي نشرها المكتب الفدرالي للإحصاءرابط خارجي هذا العام، عانى حوالي 600 ألف شخص (8% من إجمالي السكان تقريبا) من الفقر في عام 2018، كما واجه أكثر من مليون شخص، أو حوالي واحد من كل سبعة، خطر السقوط في براثنه.
في الوقت نفسه، يوجد في الكنفدرالية أكثر من 130 ألف شخص يُوصفون بالعمال الفقراء. فعلى سبيل المثال، لم يكن لدى أكثر من واحد من بين كل خمسة أشخاص من هذه الشريحة السكانية ما يكفي من الموارد المالية للتعامل مع إنفاق غير متوقع يصل أو يزيد عن 2500 فرنك.
اليوم، تمثل الحالات الهشّة أصلا، ولا سيما الأسر ذات العائل الوحيد، والعاطلون عن العمل الذين بلغوا نهاية الفترة التي يحق لهم الحصول خلالها على علاوات البطالة أو الأشخاص الذين يعيشون على هامش المجتمع كالمهاجرين الذين ليست لديهم وثائق إقامة قانونية غالبية الأشخاص الذين اتجهوا إلى منظمة “كاريتاس سويسرا” منذ بداية الأزمة الناجمة عن جائحة كوفيد – 19. فقد شهدت هذه المنظمة الخيرية المتخصصة في تقديم العون للفئات الأكثر ضعفا زيادة حادة في عدد الطلبات التي تلقتها خلال الشهرين الماضيين، بل إنها تضاعفت مرتين أو حتى ثلاث مرات في بعض فروعها.
تأثير بالغ على العاملين لحسابهم الخاص
في الوقت نفسه، أدت تدابير الحجر الجزئي إلى إضعاف فئات أخرى من السكان تُعتبر أكثر اندماجا اجتماعيا واقتصاديا. وفي هذا السياق، أشار فابريس بولاي، المتحدث باسم كاريتاس إلى أن تخفيضات الأجور المرتبطة بالعمل لوقت جزئي، التي شملت حوالي مليوني موظف “يُمكن أن تؤدي إلى تدحرج سريع للوضعية إذا ما كان الأجر منخفضا أصلا”.
من بين الحالات الأخرى التي تطرح مشكلة، هناك أصحاب المشاريع الخاصة الصغيرة الذين حُرموا من الحصول على أية مداخيل وليست لديهم احتياطات مالية تسمح لهم بتحمل الصدمة. وقال المتحدث باسم المنظمة إن البعض منهم اضطروا للجوء إلى كاريتاس لطلب مساعدة انتقالية منها، وهو ما قام به أربعة آلاف شخص في مختلف أنحاء البلاد. وأوضح أن الكنفدرالية وعدت فعلا بتقديم مساعدات عاجلة، لكن مجرد انتظار وصول هذا الدعم الحكومي كان كافيا لإقحامهم في دوامة الديون.
ووفقا لتحقيقرابط خارجي أجراه مركز أبحاث الظرفية الاقتصادية التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ بالاشتراك مع معهد الدراسات التجارية العليا في لوزان في شهر أبريل 2020، اعتبر ثُلث أصحاب المشاريع العاملين لحسابهم الخاص (حوالي 600 ألف شخص في سويسرا) أنهم بصدد المصارعة من أجل البقاء جرّاء الأزمة الناجمة عن فيروس كورونا المستجد.
المزيد
كوفيد – 19: هذا هو الوضع في سويسرا
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.