“أن تكون غجرياً يعني أن تكون من الـرّحّـل ولـصاً”
بعد قيام السلطات الفرنسية مؤخّـراً بطرد حوالي 1000 شخصٍ من "الرّوم" (الغجر الرومانيون)، برزت هناك تساؤلات حول احتمال بحث هذه الأقلية عن ملجإٍ لها في سويسرا. وقد قامت swissinfo.ch بتسليط الضّـوء على هذه المجموعة العِـرقية، التي تعاني من صورة سيِّـئة في الكنفدرالية، كما هو حالها في فرنسا.
وفي حين لا تملك الحكومة السويسرية رقْـماً شاملاً حول تعداد هذه الأقلية في سويسرا، تُقَـدِّر”مؤسسة روما” في زيورخ عددهم ما بين 50،000 و60،000 شخص.
وكما هو الحال في فرنسا، يُعانى الغجر من سُمْـعة سلبية في سويسرا أيضاً. وكما توضح كريستينا كروك، من “مؤسسة روما” في زيورخ في حديثها مع swissinfo.ch قائِلة: “أن تكون من الرّوم في سويسرا، يعني أن تكون لصّـا ومُترحلاً على الدّوام”.
وتنحدر كروك من استونيا (وهي إحدى جمهوريات البلطيق الثلاث وإحدى جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق، التي انضمت إلى الإتحاد الأوروبي عام 2004)، ولكنها نشأت في سويسرا وتعمل – ضمن أمور أخرى- في اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
والغجر هم عِـرق يقطن أوروبا منذ القرن الخامس عشر ويتكلم بعضهم لغة مشتركة، قد تكون من أصل هندي، وللبعض منهم ثقافة وتقاليد متشابهة. وحتى أواخر القرن العشرين، عاش الغجر حياة التنقل والتِّـرحال وتطلق عليهم تسميات مختلفة، باختلاف اللغات والأماكن التي يتواجدون فيها. ومن أسمائهم الشائعة في أوروبا “الرّوم” والذين يُـقصد بهم الغجر القادمون من رومانيا.
وعلى عكس الكليشيهات والأفكار المُسبّـقة حول الغجر، فقد اندمجت الغالبية العُظمى منهم بصورة جيِّـدة في سويسرا، كما أن معظمهم ليْـسوا الآن من الرُحّـل.
انتقادات حادّة
يبلغ عدد غجر “الرّوم” في أوروبا نحو 12 مليون شخص، ولكنهم ليسوا الجماعة الوحيدة التي تمارس حياة التِّـرحال، حيث هناك جماعة “الخيتانوس” Gitanos (وهم الغجر القاطنون في أسبانيا) و”السينتي” Sinti (وهي التسمية التي تطلق على الغجر الساكنين في أوروبا) و”اليَنيش” Jenisch (وهم ثالث أكبر مجموعة من الغجر الرحَّـل في أوروبا والأكثر انتشارا من الناحية الجغرافية، حيث تقيم الغالبية منهم في ألمانيا والنمسا وسويسرا وأجزاء من فرنسا)، وغيرهم.
وقد قامت فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة بترحيل نحو 1000 شخص من الغجر إلى رومانيا وبلغاريا. ووِفقاً للأرقام الرسمية، فقد تمّ ترحيل حوالي 11،000 منهم في العام الماضي. وتبعا لذلك واجهت فرنسا انتقادات شديدة من طرف الإتحاد الأوروبي ومن جانب الأمم المتحدة وبعض أعضاء المجتمع الدولي، لسياساتها تُـجاه الغجر.
كما اعتمد البرلمان الأوروبي قبل بضعة أيام قرارا طرحه الاشتراكيون والليبراليون والخُـضر والشيوعيون، دعَـوْا فيه فرنسا وغيرها من دول الإتحاد الأوروبي بالتوقف عن ترحيل الغجر “على الفور”. وصدرت بعض الأصوات المُعارضة من مجلس وزراء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أيضا، لنفس السبب.
ملاحقة واضطهاد
ووِفقا للمؤرِّخ السويسري توماس هوونكر، المُختص في تاريخ المجتمعات المُترحلة، فإنَّ طائفة الروم (الغجر الرومانيون)، هي الأكثر فقراً بين هؤلاء، كما أنهم آخر من جاء إلى فرنسا من هذه المُجتمعات. وينحدر الغجر من دول مثل سلوفاكيا والمجر وبلغاريا ورومانيا، وهم يفَضِّـِلون العيش في ضواحي المدن الكبيرة، مثل باريس وميلانو أو روما، على الغيتوهات في الدول الأوروبية الآنِـفة الذكر.
وكما يقول هوونكر: “كثيرا ما يكون هؤلاء القوم، الذين غالباً ما يعيشون في فقْـرٍ مدقَـع، هدفا للعُنف من قِِـبَل الغوغاء تحت تأثير المنظمات العنصرية والمعادية للسامية والمناهضة لأفكار المجتمعات المُترحِلة”. وقد اتُّـهِـمت فرنسا بانتهاجها نفس السلوك من قِـبَل مجموعات عِـدّة في البرلمان الأوروبي.
وحذر البلجيكي غاي فيرهوفستات، رئيس المجموعة الليبرالية قبل أيامٍ قليلة من “فخّ الشعوبية أو حتى العنصرية”، في حين وصف الألماني مارتن شولتز، رئيس المجموعة الاشتراكية، الإجراءات التي تتخذها فرنسا، بـ “مطاردة الساحرات (تشبيهاً بعملية البحث واضطهاد الأشخاص الذين كان يُشتبه بكونهم يمارسون السِّـحر في أوائل العصر الحديث ما بين الأعوام 1450 إلى 1700 من قِـبَل الكنيسة الكاثوليكية بداية، ثم البروتستانتية أيضاً، عند إتحادهما في السلطة المؤقّـتة. وغالباً ما انطوت هذه الملاحقات على ذعْـر أخلاقي وهستيريا جماعية وإعدامات بدون محاكمات والتي – إن جرت – لم تكن سوى مهزلة مغطّـاة بمظهر الاستجواب).
غير مرغوب بهم في سويسرا أيضا
ولا يعتقد هوونكر بأرجحية بحث الغجر عن ملجإ لهم في سويسرا، بعد ترحيلهم الأخير من فرنسا. وحسب قوله: “في حين أن سياسة سويسرا أكثر حذراً بعض الشيء تُـجاه الأعضاء الفقراء لهذه المجموعة العِـرقية الأوروبية، إلا أنها تشبِـه السياسة الفرنسية إلى حدٍّ بعيد”.
ويضيف هوونكر: “تقوم سويسرا بترحيل المُتسوّلين وبائعي الورود وعازفي الموسيقى في الشوارع. وقد وقعت أشهَـر هذه الحالات في عام 2009 في جنيف، بسبب دفاع الغجر في ذلك الوقت عن أنفسهم.”
وتوضح ماري إفيت من المكتب الفدرالي للهجرة أمامswissinfo.ch قائِلة: “حتى الآن، لم تكن هناك أي زيادة في عدد الغجر القادمين إلى سويسرا، كما لم يتم تبليغنا بحدوث أية مشاكل”. كما تعتقد افيت بأنَّه من غير المرجَّح حدوث زيادة كهذه في ظل وجود “قواعد تنظـم حصَص المواطنين القادمين من رومانيا وبلغاريا، وبالتالي، مَحدودية القادمين إلى سويسرا للبحث عن العمل”.
وحسب قولها: “تنطبِـق هذه القواعد على جميع المواطنين، بِغَضّ النظر عن خَلفيتهم العِـرقية. وفي حال دخول هذه الجماعات كسائحين إلى سويسرا، فلن يحِـقّ لهم العمل كما يتوجّـب عليهم مغادرة البلاد بعد انقضاء فترة ثلاثة أشهر”.
اندماج جيّـد في المجتمع السويسري
دخل العدد الأكبر من الغجر إلى سويسرا وعلى نطاقٍ واسع، عقب الحرب العالية الثانية. وغالبية هؤلاء مُندمجين بشكلٍ جيّـد في المجتمع السويسري ويمارسون عملاً، كما يتكلّـمون إحدى اللغات المحلّية.
وبعد الاضطهاد العِـرقي في البوسنة والهرسك وكوسوفو في تسعينيات القرن الماضي، بدأت موجة جديدة من المهاجرين. ونقلاً عن “مؤسسة روما” في زيورخ، لم يتبق اليوم من الغجر الذين كان عددهم نحو 300,000 شخص قبل اندلاع الحرب في كوسوفو، سوى نحو 20,000 شخص.
وحسب كروك، فإنَّ مجتمع الغجر غير متجانِـس للغاية، حيث يوجد بينهم الأطباء وأصحاب المطاعم على سبيل المثال. ولا يعلم العديد من السويسريين بِسكن الغجر في بيئتهم، نظراً لاندماج هؤلاء الكامل في المجتمع.
ويضيف كروك: “الظاهرون للعِـيان هم الفقراء فقط، أمّا “غير المَرئيين”، فهم الأكثر اندماجا في المجتمع والذين يُفضِّلون الاحتفاظ بهويتهم مع ذلك وعدم الإفصاح عنها”. ويُعلق قائِلاً: “في سويسرا، من الأفضل للشخص أن يكون من “اليوغو” (نسبة إلى القادمين من يوغوسلافيا السابقة)، على أن يكون من الروم، الذين لا يتمتّـعون بسمعة جيدة”، مع ذلك، يحمل مُـعظم الغجر في سويسرا جواز السفر السويسري، وهناك نسبة صغيرة فقط من الغجر الرُحّل الذين لم يستقروا بعد.
ويختتم كروك بالقول: “يجب التمييز بين هؤلاء الغجر وطائفة “الروم”، الذين لجَـؤوا إلى سويسرا من كوسوفو عبْـر الحدود الفرنسية والذين يتهمهم غجر “الينيش” بغزو أراضيهم. كما أنهم يختلفون عن الغجر “الروم” القادمين من رومانيا و”الذين يأتون إلى مدينة جنيف للتسوّل يوماً أو يومين، ثم يغادرون ثانيةً”.
وقِّعت الحكومة السويسرية في شهر سبتمبر 2010 على اتفاقات مع بلغاريا ورومانيا، في إطار مشاريع تبلغ قيمتها الإجمالية 257 مليون فرنك سويسري (254 مليون دولار)، من أجل الحدّ من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية داخل دول الإتحاد الأوروبي.
وقد خُصِّص مبلغ 181 مليون فرنك إلى رومانيا وحدها. ومن ضِـمن مشاريع أخرى، ستُـستَـخدَم هذه الأموال، التي سيتم توزيعها على مدى 10 سنوات، لمكافحة الفساد وتحسين الأمن والبنية التحتية والاندماج والأبحاث.
وعلى الرغم من عدم انضمام سويسرا إلى الإتحاد الأوروبي، إلا أنّها تقدّمت بمساهمات مالية تقدَّر بمبلغ مليار فرنك سويسري إلى عشرة دول أخرى من دول أوروبا الشرقية بالدرجة الأولى.
لا يشكل الغجر المُسمِّـين بـ “الروم” و”السنتي” و”الكالي” و”اللوفارا” و”الماخفايا”، سوى القليل من مئات الجماعات المُترحِلة، التي تتكلم اللغة الرومانية والذين انحدروا بالأصل من شمال غرب الهند ما بين القرنين العاشر والرابع عشر.
وقد انتقل الغجر في موجات نحو آسيا الصغرى بدايةً، ومن ثمَّ إلى شمال إفريقيا واليونان، قبل أن ينتشروا في أنحاء مختلفة من أوروبا.
على الرغم من إدماجهم معا كجماعة واحدة وإطلاق تسمية الرُحّـل (أو الغجر بشكل أسوأ) عليهم، فإن هذه الشعوب المُتنقلة، متنوعة جداً في الواقع، من حيث الخلفية العِـرقية وكذلك من حيث اللغة والثقافة والدّين، حسب البلد الذي يقيمون فيه.
وقد تعرّضت هذه الطائِفة إلى الاضطهاد والتمييز منذ مئات السنين، وهم يعيشون حالياً على هامش المجتمع من دون أن يكون لهم خِـيار في ذلك.
ويشكِّـل الغجر أكبر الأقليات العِـرقية في أوروبا، ومع أنَّه من الصعب الحصول على صورة واضحة لعددهم، تُشير بعض التقديرات إلى ما لا يقل عن 15 – 20 مليون نسمة، تعيش الغالبية العظمى منهم في دول أوروبا الغربية والوسطى، بالإضافة إلى ما لا يقل عن مليونَـي شخص في رومانيا.
في سويسرا – كما هو الحال في بقية أنحاء أوروبا، اعتُـبرت الأقوام المُترحلة، غير قادرة على إتِّـباع قِـيم وقوانين البلاد.
وفي عام 1906، قررت الحكومة السويسرية إغلاق الحدود في وجه المتنقِّـلين الرُحَل.
في 1926، بدأت المنظمة الشبابية “برويوفانتوتي” Pro Juventute بمشروع، أطلقت عليه تسمية “أطفال الشوارع”، الذي حظي بدعمٍ من قِبَـل السلطات المحلية والوطنية.
وكان أطفال الغجر يُفصَـلون عن والديهم ويوضعون في دُور لرعاية الأطفال أو مع أسرة بديلة، بهدف إدماج هؤلاء الأطفال في عائلات سويسرية وإبعادهم عن نمط حياة التنقل والترحال الدائِم.
وقد استُـقبل هذا المشروع بحفاوة في البداية، لكن نتائجه كانت كارثية. وقد كان أبناء “الينيش” يُفصَلون عن والديهم بشكل مَنهجي، كما عملت الجمعية التي أسّـستها مؤسسة برويوفنتوتي لتحقيق هذا المشروع على إلغاء أي أثر يُـحدّد هوية وأصول هؤلاء الأطفال.
وقد وجد العديد من هؤلاء الأطفال أنفسهم في السجن أو في مصحّات نفسية، على إثر تعرضهم لسوء المعاملة، كما لم يتحقّـق الهدف الأصلي المُتمثِّـل في إيواء هؤلاء الأطفال لدى عائلات سويسرية، حيث لم يودع سوى أكثر من نصفهم عند إحدى العوائل.
وقد تأثَر حوالي 600 طفل بهذا المشروع خلال الأعوام الواقعة ما بين 1926-1972. وفي عام 1986، وعلى إثر فضيحة اندلعت في عام 1973 بفضل صحيفة أسبوعية سويسرية ناطقة بالألمانية، قدّمت الكنفدرالية على لسان رئيسها آنذاك ألفونس إيغلي اعتذاراتها لغجر الينيش، مُعترفة بمسؤوليتها الأخلاقية والسياسية عمّـا حدث.
وبغضّ النظر، إن كانت هذه الأقوام تعيش حياة متنقلة أو مستقرة، فإنها لم تحصل على الحماية القانونية المَمنوحة للأقليات، إلا في سبعينيات القرن الماضي، ولكن حتى ذلك، لا يحميهم تماماً من التعرّض للتمييز.
(المصدر: نادية بيتسيني، الوسيط الثقافي، كانتون تيتشينو – جنوب سويسرا)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.