المدارس السويسرية مفتوحة والجدل يستمر حول انتشار الفيروس
قامت النمسا بإغلاق جميع مدارسها للحد من حالات الإصابة بفيروس كورونا المتزايدة بسرعة، لكن سويسرا المجاورة قررت ألا تحذو حذوها. ويستند قرار السلطات السويسرية جزئياً إلى الاعتقاد بأن الأطفال لا يعتبرون ناقلي عدوى بالوباء، على الرغم من عدم توافق البحوث بهذا الشأن.
في يوم الثلاثاء الماضي، أمر المستشار النمساوي سباستيان كورتس، جميع المدارس بالتحول إلى أداء التعلم عن بعد، وذلك كجزء من إغلاق وطني آخر من المتوقع أن يستمر لمدة أسبوعين ونصف على الأقل. فيما تبقى أبواب دور الحضانة والمدارس الابتدائية مفتوحة لاستقبال الأطفال ممن هم بحاجة إلى رعاية.
أما في سويسرا، وبعد إغلاق المدارس خلال الموجة الأولى للوباء في الربيع الماضي، فقد تقرر إبقاء المدارس مفتوحة. ومع ارتفاع الحالات المسجلة للإصابة بفيروس كورونا في البلاد، والتي وصلت في أوائل شهر نوفمبر، إلى أكثر من 10000 حالة جديدة يومياً، تتزايد الشكوك حول صحة خيار إبقاء المدارس مفتوحة.
يقول بيت أ. شفينديمان، عضو مجلس إدارة اتحاد المعلمين السويسريينرابط خارجي لـ SWI swissinfo.ch:”ترغب سويسرا في تجنب إغلاق آخر للمدارس وذلك بعزل الطلاب المصابين أو الفصول التي تضم طلاباً مصابين في الحجر الصحي”، مضيفاً أنه من المهم أن يُزوّد الطلاب الذين يتم إرسالهم إلى الحجر الصحي بالمعدات الرقمية والمواد التعليمية اللازمة في عملية التعلم عن بعد.
ومنذ بداية الجائحة وحتى اليوم، يؤكد المسؤولون السويسريون على أهمية أن يذهب الأطفال إلى المدارس بشكل طبيعي لتتم العملية التعليمية بشكل أفضل.
المزيد
يقول شفينديمان: “قرار إغلاق المدارس مرة أخرى يعود إلى إدارة التعليم في الكانتونات أو الحكومة الفدرالية”
ويُعدّ تدخل الحكومة الفدرالية في قرار إغلاق المدارس، الذي تم اتخاذه في الربيع الماضي، خطوة غير مسبوقة في تاريخ سويسرا؛ إذ أن قطاع التعليم في سويسرا يعتبر من اختصاص الكانتونات (لذلك تتخذ الكانتونات عادة القرارات بشأن إغلاق المدارس).
وفي أواخر شهر أكتوبر المنصرم، قامت الحكومة الفدرالية بتشديد الإجراءات في المدارس السويسرية؛ بما في ذلك فرض ارتداء الكمامات الواقية على المدرسين والتلاميذ الذين تزيد أعمارهم عن 12 عاماً، فيما تُركت الحرية الفردية للكانتونات باتخاذ إجراءات أو قيود أخرى تراها مناسبة.
ما الدور الذي يلعبه الأطفال في نقل العدوى؟
أما السؤال الأساسي الذي يحكم القرارات بشأن إغلاق المدارس فهو مدى إمكانية نقل الأطفال لهذا الوباء. وقد صرح المسؤولون السويسريون منذ فترة طويلة بأنهم لا يعتبرون الأطفال ناقلي عدوى رئيسيين.
المزيد
هل حقا الأطفال لا يشكلون مصدراً رئيسياً للعدوى بوباء فيروس كورونا المستجد؟
ويولي الباحثون أيضاً اهتماماً بهذه القضية. فمؤخراً، وفي مقابلة مع سوزي كريملر، المسؤولة عن دراسة “تشاو كورونا” التي تبحث في كانتون زيورخ عن دور أطفال المدارس في انتشار الوباء، صرحت الأخيرة لقناة التلفزيون العمومي السويسري الناطقة بالألمانية (SRF)رابط خارجي أن النتائج حتى الآن، تظهر أن الأطفال الأصغر سناً لا يساهمون في انتشار الوباء بشكل عام، على الرغم من تعرضهم لإصابة أقرانهم أو أحد الوالدين في بعض الأحيان.
وتقول الأستاذة بجامعة زيورخ أنه “في الوقت الحالي، يبدو أن المراهقين هم الأكثر تأثراً؛ فسلوكهم وربما أيضاً مناعتهم مختلفة عمن هم أصغر سناً”.
وتضيف أن النتائج المرحلية لدراسة الأجسام المضادة، والتي نُشرت في سبتمبر، ساهمت في تبرير إبقاء المدارس مفتوحة في الوقت الحالي. لقد أظهرت هذه النتائج نقطتين مثيرتين للاهتمام؛ الأولى هي أن نسبة 2.8% من الأطفال الذين خضعوا للاختبار في كانتون زيورخ أظهروا أجساماً مضادة لفيروس كورونا الجديد SARS-CoV-2 – وهي تقريباً نفس النسبة المئوية التي ظهرت في عينة من البالغين تم اختيارهم عشوائياً.
والثانية هي أن الأعراض، مثل السعال، لا يمكن الاعتماد عليها في تحديد المصابين، لأنها وُجدت بالمعدل نفسه عند كل من الأطفال المصابين وغير المصابين بفيروس كورونا. وخلصت الدراسة إلى أنه، وبشكل عام، لم يكن هناك تكتل للإصابات بعدوى كوفيد-19 في المدارس في كانتون زيورخ خلال الموجة الأولى.
ومن منتصف يونيو إلى منتصف يوليو 2020، قامت “تشاو كورونا” بفحص 2500 تلميذ في جميع أنحاء الكانتون، لمعرفة ما إذا كانوا قد أصيبوا سابقاً – وبالتالي طوروا أجساماً مضادة لفيروس كورونا – خلال بداية ظهور الوباء. ويتم الآن إجراء اختبارات أخرى مأخوذة من عينات الدم والبصاق، كما سيتم إجراء اختبارات أخرى في ربيع عام 2021.
المزيد من الإصابات بين الأطفال والقليل من الأعراض
لكن بعض العلماء المشهورين في سويسرا يرجحون إمكانية وجود عدد كبير من الحالات غير المسجلة في المدارس. ولهذا السبب، تدعو عالمة الفيروسات في جنيف إيزابيلا إيكرلرابط خارجي إلى إلزام تلاميذ المدارس الابتدائية بارتداء الأقنعة وإجراء المزيد من اختبارات فيروس كورونا في صفوفهم.
كما صرحت عالمة الأوبئة أوليفيا كايزر لقناة التلفزيون العمومي السويسري الناطقة بالألمانية (SRF) أن هناك العديد من المؤشرات التي تشير إلى أنه قد تم الاستهانة بدور الأطفال في انتشار الوباء. “خلال الموجة الأولى، كانت المدراس في معظمها مغلقة. ومنذ ذلك الحين ارتفعت نسبة الأطفال الذين ثبتت إصابتهم” على حد قولهارابط خارجي.
ويؤكد كريستوف بيرغر، أخصائي الأمراض المعدية في مستشفى زيورخ للأطفال، أن المزيد من الأطفال أصيبوا بالفيروس خلال الموجة الثانية، لكن أعراض المرض لم تظهر إلا على القليل جداً منهم.
وصرح لقناة SRF أن “الأطفال يصابون بالفيروسات، ولكن بسبب عدم ظهور الأعراض، فإن الفيروسات لا تنتقل”. ويوضح أن الفيروسات تنتقل قبل كل شيء من خلال السعال أو العطس.
ويعتقد بيرغر أن المدارس ودور الحضانة يجب أن تظل مفتوحة. “هذا مهم للأطفال وللكبار. ولكن علينا التأكد من أن الآباء لن ينقلوا الفيروس إلى أطفالهم. أما وجود الأطفال فيما بينهم فلا يشكل خطراً لنقل العدوى”.
ومع ذلك، يرى الطبيب أنه إذا استمرت الموجة الثانية، فقد يكون فرض ارتداء الأقنعة على الأطفال تدبيراً طبيعياً لحمايتهم. “كل قناع يسهم في منع انتقال العدوى” على حد قوله.
إجراءات مشددة في المدارس
وسط تصاعد حالات الإصابة بفيروس كورونا في البلاد، تم تشديد إجراءات مكافحة الفيروس في المدارس منذ نهاية أكتوبر.
ويوضح شفينديمان من اتحاد المعلمين السويسريين، أنه على الرغم من أن كل كانتون يتخذ إجراءات مختلفة لمكافحة انتشار الفيروس، إلا أن معلمي المدارس على جميع المستويات في البلاد، وكذلك الطلاب الذين تزيد أعمارهم عن 12 عاماً، قد لجأوا فعليا لارتداء الأقنعة.
وفي الوقت الحالي، لا يزال التلاميذ في سويسرا دون سن 12 عاماً غير ملزمين بارتداء الأقنعة. “وبالإضافة إلى ذلك، يتم تطبيق تدابير التباعد الاجتماعي والقيام بتعقيم اليدين. فمن الصعب فرض ارتداء الأقنعة على الطلاب الصغار” بحسب شفينديمان.
تتباين الإجراءات في البلاد المجاورة لسويسرا. في فرنسا مثلاً، وفي وقت سابق من هذا الشهر، أضرب بعض المعلمين مطالبين بتدابير أكثر صرامة للحفاظ على السلامة والنظافة العامة في المدارس، حيث يعتبر ارتداء الأقنعة تدبيراً إلزامياً لجميع المعلمين والتلاميذ ابتداءً من سن السادسة.
أما ألمانيا التي فرضت إغلاقاً جزئياً في 2 نوفمبر، فقد بقيت المدارس ودور الحضانة مفتوحة. وفي إيطاليا، يتعلم جميع طلاب المدارس الثانوية الأكبر سناً عن بعد.
وأعلنت مدينة نيويورك أنه سيتم إغلاق نظام المدارس العامة بالكامل هذا الأسبوع اعتباراً من يوم الخميس. ويأتي هذا القرار بعد ثمانية أسابيع فقط من إعادة فتح النظام المدرسي. والجدير بالذكر أن نيويورك كانت الأخيرة التي أغلقت مدارسها بعد بوسطن وديترويت، بينما أجلت لاس فيجاس وفيلادلفيا اتخاذ قرار إعادة التلاميذ إلى الفصول الدراسية إلى وقت لاحق.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
اكتب تعليقا