إجماع حول ضرورة تكوين أكاديمي للأئمة في سويسرا
أظهرت نتائج دراسة أنجزها الصندوق الوطني للبحث العلمي حول "تكوين الأئمة ومدرسي الدين الإسلامي في سويسرا" أن هناك إجماعا من قبل الطوائف الإسلامية في سويسرا والمؤسسات والمعاهد التعليمية حول ضرورة إعطائهم تكوينا جامعيا في سويسرا يمكنهم من نشر تعاليم "إسلام حقيقي يراعي الواقع السويسري".
وإذا كانت هذه الدراسة تشكل أول تحليل أو مسح علمي شامل لواقع الطوائف الإسلامية في سويسرا وتطلعاتها، فقد سلطت الضوء أيضا على بعض التخوف من مدى تدخل الدولة السويسرية والدول الأجنبية في برامج التكوين مقابل تحبيذ تدخلهم (ولكن بشروط) في مسألة التمويل.
وفي إطار البحث الذي يقوم به الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي بتفويض من وزارة العدل والشرطة تحت عنوان “الطوائف الدينية، الدولة والمجتمع”، أنجزت جامعة زيورخ أول دراسة (من بين 28 مبرمجة) حول واقع الجالية المسلمة في سويسرا من حيث “تكوين الأئمة ومدرسي الديانة الإسلامية”.
وهذه هي أول دراسة علمية تتولى تحليل واقع الجالية المسلمة فيما يتعلق بهذا الملف تكشف عن وجود إجماع واسع حول ضرورة تكوينهم في الجامعات والمعاهد السويسرية بدل الإكتفاء باستيراد أئمة بعيدين عن واقع المجتمع السويسري.
وهو ما دفع البروفسور أولريخ رودولف ، أحد الساهرين على إنجاز الدراسة والأستاذ بمعهد الدراسات الشرقية في جامعة زيورخ للتصريح في الندوة الصحفية التي عقدت في برن يوم 21 يوليو 2009 بأن “هذا الإجماع يفند الاعتقاد السلبي السائد من أنه من المستحيل التوصل الى إجماع داخل الطائفة المسلمة، أو أن هناك هوة بين المسلمين والمجتمع السويسري”.
استشارة واسعة لأول مرة
الدراسة التي استغرق إعدادها سنتين حاولت التعرف على موقف أكبر قدر من الشركاء سواء داخل الطائفة المسلمة بكل أطيافها او خارجها. فقد تم استجواب 117 شخصا من أفراد الجالية المسلمة المقيمين في سويسرا من شخصيات وأساتذة ورؤساء جمعيات إسلامية أو اتحادات مسلمة.
كما تمت استشارة 41 من المؤسسات التي قد تكون لها علاقة بتكوين الأئمة سواء على مستوى سن القوانين أو على مستوى مضمون التكوين نفسه. وتدخل في هذه الخانة الأحزاب السياسية والمصالح الحكومية المكلفة بمسالة الاندماج والتكوين وبعض الكانتونات والجامعات والمعاهد البيداغوجية العليا، والطوائف الدينية المعترف بها من قبل الدولة، وبعض الخبراء القانونيين.
كما اطلع الساهرون على الدراسة على النماذج المتبعة في مجال تكوين الأئمة في دول مجاورة مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والنمسا وهولندا.
وقد اتبع هذا الأسلوب من أجل الإجابة على التساؤلات التالية:
– ما إذا كانت هناك ضرورة لتكوين الأئمة والمشرفين على تدريس الدين الإسلامي في سويسرا؟
– وفي حال الإجابة بنعم، ما هو الشكل الذي يجب ان يكون عليه هذا التكوين؟
– وما هي الأساليب المتبعة لحد اليوم في تكوين الأئمة سواء في سويسرا أو في البلدان المجاورة؟.
الأغلبية تحبذ تكوينا داخل سويسرا
عبرت غالبية الأشخاص (62/117) والمؤسسات (22/41) التي وجه لها السؤال عن ضرورة تكوين الأئمة في سويسرا سواء في شكل تكوين أساسي بالنسبة للأئمة الجدد أوفي شكل تكوين مستمر بالنسبة للأئمة العاملين حاليا في سويسرا والذين حصلوا على تكوين في الخارج.
ويرى معدو الدراسة أن هذا التكوين من شأنه أن يسمح للإمام بالقيام بدور الوسيط مع المجتمع السويسري، ويمكنه من إتقان لغة وطنية واحدة على الأقل ويمنح الجالية المسلمة غي الكنفدرالية مزيدا من الشفافية.
وهناك عدد من المحاولات القائمة أو التي هي في طور الإنجاز من أجل تقديم تكوين في مجال تعليم الدين الإسلامي نذكر منها “دروس البيداغوجيا الإسلامية” منذ العام 2001 لمعهد خاص تديره الأستاذة ربيعة موللر.
كما يسهر معهد العلوم الإسلامية الخاص بفيينا على تقديم دروس حول “علوم الإسلام” في ضواحي زيورخ منذ عام 2007. وتقترح جامعة فريبورغ ابتداء من سبتمبر 2009 تكوينا لنيل شهادة في “الإسلام والمسلمين والمجتمع المدني”.
وفي الموسم الدراسي القادم سبتمبر 2009، يعرض المعهد العالي للعلوم التطبيقية في فينترتور (قرب زيورخ) دروسا لنيل شهادة “مشاركة الأديان في إطار متعدد الثقافات”.
أما مشروع تأسيس فرع لتكوين الأئمة والمهتمين بالدين الإسلامي في جامعة بازل بالإشتراك مع معهد أكاديمي خاص في فيينا، فلم ير النور منذ الإعلان عنه في عام 2004.
أكثر من مجرد إمام!
يتضح من الأجوبة التي تم تقديمها في هذه الدراسة أن المنتظر من إمام يُكوّن في سويسرا أن لا يقتصر على إمامة المصلين بل أن يتقلد المهام التي يقوم بها رجل الدين المسيحي، أي أن يكون بالإضافة إلى تخصصه في أمور الدين، المثل الأخلاقي والوسيط الإجتماعي وهمزة الوصل بين الطائفة وباقي الطوائف الدينية والمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام.
وفي هذا الإطار عبر الغالبية ممن وجه لهم السؤال عن عدم الارتياح لأوضاع الأئمة الحاليين في سويسرا بحيث لا يتقن عدد منهم إحدى لغات البلد، مما يحول دون قدرتهم على التواصل وعلى تلقين التعاليم الدينية للجيل الجديد الذي لا يحسن لغة الوالدين.
كما عبروا عن الرغبة في أن يكون الإمام مطلعا على المحيط الثقافي والاجتماعي السويسري الذي سيزاول فيه مهامه وأن يكون ملما أيضا بواقع الطوائف الدينية الأخرى المتواجدة في سويسرا.
أما بالنسبة لمدرسي التعاليم الإسلامية فيحرص المشاركون في الدراسة على التشديد على ضرورة أن يكون هؤلاء على دراية معمقة بالإسلام من جهة فقها وسنة، وأن تكون لديهم من جهة أخرى معرفة باللغة العربية و خبرة بيداغوجية للتمكن من نقل تلك المعلومات إلى طلبتهم.
أما عن مكان تعميم تدريس التعاليم الإسلامية بالنسبة لطلبة المدارس فترى الدراسة أن القانون يسمح بأن تكون إما في المسجد أو في المدرسة. ولكن تعميم تدريس تعاليم الإسلام بالنسبة للطلبة في المدارس على غرار تعليم التعاليم المسيحية لا يتم إلا في بعض البلديات في القسم الناطق بالألمانية التي دعمت مبادرات خاصة في هذا الإطار.
إسلام حقيقي .. يُراعي الواقع السويسري.
بدل الاكتفاء باستيراد نماذج من الدول الإسلامية المختلفة، تقترح الدراسة أن يكون الإسلام المراد ترويجه في سويسرا “إسلاما يتماشى والواقع السويسري”. فالطوائف الإسلامية المتواجدة في سويسرا، وخصوصا الجيل الأول بقي مرتبطا في مرجعيته الدينية ببلده الأصلي ويحاول الإجابة على بعض التحديات التي يفرزها عيشه في المجتمع السويسري من خلال مرجعيته هذه، وهذا في انتظار بروز مرجعية إسلامية سويسرية نابعة من الطائفة المسلمة في سويسرا ومن احتكاكها بباقي الطوائف المسلمة في البلدان الأوروبية.
ولكن المشاركين في الدراسة من مسلمين ومؤسسات مسلمة وغير مسلمة يشددون على ضرورة أن “يكون إسلاما حقيقيا وليس إسلاما تُحدد معالمه من قبل الدولة”. وفي هذا الإطار عبر رؤساء الاتحادات المسلمة في سويسرا، وبعض الخواص عن أن “إسلاما تقنن الدولة السويسرية أبعاده أمر غير مرغوب فيه”. وهو ما يعني عدم تولي الدولة مهمة تكوين الأئمة. وهناك ممن عارض حتى تدخل رؤساء الاتحادات الإسلامية في سويسرا في عملية تكوين الأئمة. وهو ما دفع معدي الدراسة الى خلاصة بأن “مسالة التمثيل ما زالت تثير بعض الحساسيات بين الطوائف المسلمة”.
تدخل الدولة السويسرية والمؤسسات الأجنبية
رغم الحرص على الاستقلالية في مجال تكوين الأئمة سواء تجاه الدولة السويسرية او تجاه دول تعودت حتى اليوم على تمويل المراكز الإسلامية في سويسرا، يعاد النظر في هذه الاستقلالية عندما يتم التطرق لمسألة التمويل ومشاركة المؤسسات الجامعية الأجنبية في ترقية مستوى التكوين.
إذ تشير الدراسة الى أن غالبية المشاركين عبروا، تبعا لمنشئهم، عن الرغبة في الاستعانة بخبرة وتجربة مؤسسات تعليمية إسلامية مشهورة في مجال تكوين الأئمة مثل جامعة الأزهر أو جامعات سراييفو وانقرة وقم. وهناك نفور من الجامعات السعودية لدى الغالبية.
وفيما يخص التمويل عبرت الغالبية عن الرغبة في ان تتحمل الجالية المسلمة جانبا من نفقات تكوين الأئمة إما في شكل تبرعات أو عبر نظام مشابه لما هو متداول لدى المسيحيين أي ضرائب كنسية.
وهناك من يجد تبريرا قانونيا للتعبير عن الأمل في ان تتحمل الدولة السويسرية جانبا من نفقات التكوين بدون التدخل في طريقة التكوين. وترتكز في ذلك على مبدأ المساواة بما تقدمه الدولة للكنائس المسيحية منذ مدة.
وهناك قسم من المشاركين في الدراسة يرى انه لا مانع من الاستعانة بتمويل أجنبي إما لدول مسلمة او لهيئات إسلامية شريطة ألا يكون هناك تدخل في طريقة تكوين الأئمة او في توظيفهم.
لكن إذا كانت الدراسة تنتهي الى خاتمة مفادها أن “القانون الساري المفعول في سويسرا اليوم يسمح بتنظيم تكوين للأئمة المسلمين مشابه تقريبا لما يتلقاه رجال الدين المسيحيون”، فإنها ترى هناك عقبات لازالت قائمة في “وجه تحويل الإرادة السياسية إلى واقع ملموس”. وبما ان السلطات المعنية بقضايا الممارسات الدينية هي سلطات الدويلات يقترح الساهرون على الدراسة أن “ينظم المسلمون أنفسهم في منظمة تمثلهم على مستوى كل دويلة”.
وعلى مستوى مدى استعداد السلطات الفدرالية التي كانت وراء هذه الدراسة، للعمل لتحريك هذا الملف وتحويل الأفكار إلى واقع ملموس، يرى أحد معدي الدراسة كريستوف أولينغر من معهد دراسة الأديان في جامعة زيورخ أن “مجرد طلب إعداد هذه الدراسة هو في حد ذاته عامل إيجابي على أن هناك اهتماما بموضوع الجالية المسلمة، إضافة الى كون أن هناك عددا من الالتماسات البرلمانية الخاصة بأوضاع الجالية المسلمة والمطروحة على البرلمان السويسري”.
محمد شريف – برن – swissinfo.ch
استقبل كل من الحزب الليبرالي الراديكالي والديمقراطي المسيحي بشكل إيجابي قضية تكوين الأئمة في سويسرا، كما جاء في تقديم الساهرين على الدراسة التي أعدتها جامعة زيورخ لحساب الصندوق الوطني للبحث العلمي.
أما الحزب الإشتراكي فقد عبر عن موقفه في رد فعل على نشر نتائج الدراسة يوم الثلاثاء 21 يوليو معتبرا أن “تكوين الأئمة في سويسرا قد يسهم إسهاما أساسيا في عملية الاندماج للمسلمين في بلدنا”. ويرى الحزب الإشتراكي أن “الأئمة المتوافدين على سويسرا من الخارج ليس لديهم إلمام بقوانيننا وبعاداتنا وتقاليدنا ولا يتقنون لغاتنا الوطنية”.
وعلى النقيض من ذلك يرى حزب الشعب السويسري أن “بلدا مسيحيا مثل سويسرا، من غير المقبول فيه أن تتولى مؤسسات حكومية عملية تكوين أئمة مسلمين”. ويرى الحزب اليميني المتطرف أن “العقليات المتطرفة والراديكالية في أغلبها للأئمة لن تتأثر في شيء بتكوين يتم في سويسرا”.
وقد أوضحت سكرتارية الجالية اليهودية في زيورخ في رد على سؤال لوكالة الأنباء السويسرية بأن “تكوين الحاخامات غير متوفر في سويسرا وأن الجالية الإسرائيلية تسهر على تكوين حاخاماتها في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ومؤخرا في ألمانيا وتتحمل نفقات أجورهم من اشتراكات أعضائها”.
وحتى ولو وجدت فروع دراسات في زيورخ وبازل تسمح بالحصول على تكوين جيد وعالي في الديانة اليهودية، ترى سكرتارية الجالية اليهودية أن “ذلك لا يسمح بالحصول على شهادة لتولي الزعامة الروحية للطائفة”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.