إختفاء المدافع عن البيئة برونو مانسر لا يزال لغزاً غامضا!
منذ عشر سنوات، وفي أدْغال إقليم ساراواك الماليزي، الواقع في جزيرة بورنيو، اختفى أي أثر لبرونو مانسر - عالم الأنثروبولوجيا والناشط السويسري في مجال البيئة ورمز المُـقاومة ضد تَدمير الغابات المطيرة واستخدام الأخشاب الإستوائِـية.
وعلى الرغم من الإعلان الرّسمي عن وفاته في عام 2005، تَستمر مؤسسة “صندوق برونو مانسر المالي”، جنباً إلى جنب مع شعب “بِـنين”، بالإلتزام بالعمل الذي بادر بإطلاقه وبالسعي للحفاظ على هذه الغابات والنضال من أجل حقوق سكّـانها.
وشعب بنين، هو مجموعة عِرقية من السكان الأصليين الذين يقطنون في جزيرة بورنيو ويمتَهِـنون الصّـيد وجمع الثمار، ويبلغ عددهم حوالي 10000 فرد يعيشون على السّـواء في ولاية ساراواك الماليزية وفي مجموعة مقاطعات كاليمانتين، التي تشكِّـل الجزء الإندونيسي من جزيرة بورنيو.
ولا يعيش اليوم سوى بِـضعُ مئات من شعب بنين حياة البدْو الرّحل في الجُـزء الشرقي من ساراواك وفي الغابات المطيرة، في حين استقرّت الغالبية في بيوت ذات أشكال طولية.
بين جبال الألب والغابات الاستوائية
وُلِـد برونو مانسر في كانتون بازل في عام 1954، وبعد إكمال تعليمه، عاش مُتنقِّـلاً في مُختلف جبال الألب السويسرية، حتى غادر في رحلة عبر العالم وصلت به إلى إقليم “ساراواك” في ماليزيا.
وقضّى مانسر الأعوام الستة ما بين عام 1984 و1990 مع شعب بنين في الأدْغال وتَعَـلّم خلالها كيْـفية العيش والبقاء على قيْـد الحياة في مِـثل هذه الظروف، كما تعرّف على ثقافة مُضيفيه. وكان مانسر يقوم بتوْثيق النّـباتات والحيوانات في الغابة المطيرة، من خلال المُخطّـطات والرسومات التي كان يُنجِـزها بدون كَلل أو مَلل.
الأخشاب الإستوائية.. موضوع الساعة!
وقف برونو مانسر جنباً إلى جنب مع قبائل بنين في احتجاجاتهم السِّـلْمية، التي كانوا يقومون فيها بِغَلق طُرق شركات الخشب والحطّـابين، لمنعهم من قطع الأشجار. وعندما عاد مانسر إلى سويسرا في عام 1990 مطروداً من قِـبَل الحكومة الماليزية، بذل جُـهده لِلَفت الإنتباه إلى الآثار البِـيئية والإجتماعية الكارثية التي تُسبِّـبها عملية إزالة الغابات المَطيرة.
ومن أجل شعب بنين وبمساعدة من أصدقائه، قام مانسر بتأسيس مؤسسته التي أسماها “صندوق برونو مانسر المالي” في عام 1991 (الذي يَلتزِم بالحفاظ على الغابات الاستوائية المطيرة المُهدّدة بجميع تنوّعاتها البيولوجية، كما ناضل على وجْـه الخصوص، من أجْـل حقوق سكّـان هذه الغابات)، كما نشر في عام 1992 كِـتابه المُسمّـى “أصوات من الغابات المَطيرة”.
وجذب مانسر الإنتباه إلى قضيته من خلالِ وسائلِ احتجاج مُذهِـلة، حتى نَجح في عام 2000 من إيصال موضوع “الأخشاب الاستِـوائية” إلى جدْول الأعمال السياسية. وفي نفس العام، سافر عالم الأنثروبولوجيا، بصورة غير شرعية، إلى ساراواك ثانية في رِحلة كانت الأخيرة له، حيث اختفى أيّ أثر له منذ شهر مايو من ذلك العام.
ويستمِـر اللّـغز
ومع مرور عشر سنوات، لا يزال اختفاء برونو لُغزاً يُلاحق شقيقه أريخ مانسر، الذي ذهب إلى أدغال جزيرة بورنيو للبحث عن أخيه المفقود سبع مرّات. وفي آخر رحلة قام بها في عام 2008، استطاع أريخ العثور على آخر مُخَيّم ليْـلي أنشأه برونو، مع قطْـعة من ورق الألمونيوم، التي كانت تعود إليه.
وعلى الرغم من عمليات البحث المُختلِـفة التي أجرِيَـت منذ 25 مايو 2000، لم يُمكن العثور على أي أثر قد يُستَدَلّ منه على أنَّ برونو مانسر لا يزال على قيْـد الحياة. وفي 10 مارس 2005، تمّ اعتبار مانسر في عِـداد الأموات من الناحية القانونية .
ويقول أريخ مانسر: “حيث لم يُعثَـر عليه لحدّ الآن، فإني أحمل أملاً ضئيلاً بكونه لا يزال على قيْـد الحياة”، ويضيف بأنه قد وَدَّعَ أخاه الوداع الأخير، حينما كان يبحث عنه في رحَـلاته إلى الغابة المطيرة، وحسب كلماته: “هناك كُـنت قريباً جدّاً من آخر الآثار التي تركها”.
ووفقاً لأريخ، يُمكن أن تكون لشركات التَحطيب أو الحكومة أو حتى الجيش، يَـد في اختفاء برونو. كما أنّه لا يعتقِـد بوجود أي معنى للمزيد من عمليات البحث، ويقول: “أنا أستبعِـد تماماً احتِـمال وقوع حادث”.
خسارة كبيرة لشعب بنين
ولم يُخَلِّـف اختفاء برونو مانسر الحُزْن بين أقاربه في سويسرا فحسب، بل كذلك عند شعب بنين، الذي كان يمثل عائلته الثانية، والذي جعل منه أسطورة ستعيش مع هذا الشعب إلى الأبد.
وكما يقول لوكاس شتراومان، مدير صندوق برونو مانسر، فقد عَبَّـرَ أحد أفراد بنين عن شعوره بفقدان برونو بالقول: “بالنسبة لنا، كان اختفاء برونو، كما لو أن الشمس والقمر قد هربا من السماء”.
حمْـلة صعبة في بورنيو
ويستمر شعب بنين بالتِـزامه بالحفاظ على بيئته، وهو التزام يُحييه صندوق برونو مانسر باستمرارٍه أيضا نيابةً عن مؤسِّـسها، حيث فتحت الثِّـقة التي بناها الناشط البيئي السويسري، الأبواب للقيام بالعديد من المشاريع المُستدامة.
ويقول لوكاس شتراومان: “إن العمل حول قضية الغابات المطيرة في بورنيو، هو واحد من أكثر الحملات صعوبة على الأرجُـح”، وبالنسبة لحكومة ساراواك، لا يزال صندوق برونو مانسر “شديد التطرّف” حسب رايها، وتبَـعاً لذلك، فهي لا تزال ترفُـض أيّ نوع من التعاون معه.
وكذلك هو الحال مع الحكومة الماليزية، التي تَتَمَسّـك بسِـياستها المُدمّـرة والقصيرة النظر، مِما قلّـص نسبة الغابات والأدغال المُحافَـظ عليها اليوم في ساراواك، إلى أقل من 10% فقط.
التوجه إلى المحكمة
ويحاول صندوق برونو مانسر، على ضوء الظروف السياسية الصّـعبة، حَلّ المشاكِـل القائِمة عن طريق القانون. ويوضِّـح شتراومان قائلاً: “يَنْصَبّ تركيزُنا على مسألة الحقّ في الأرض”، ويقوم الصندوق بإصدار خرائِـط تُوضِّـح الأراضي التابعة لشعب بِـنين في إطار “مشروع خرائط المُـجتمع”، وذلك لاستخدامها كأدِلّـة في المحكمة.
ويلخِّـص شتراومان ما أنجزه الصندوق قائِلاً: “إن أحد أكبر النجاحات التي حقّـقناها، هي حصول عشرة بلديات لشعب بنين على حقوق مِـلكية الأراضي أمام المحكمة لإقليم يُـساوي كانتون زيورخ في المساحة”.
فرانشيسكا هيررين ووكالة “إنفوسود” – swissinfo.ch
“يوميات من الغابات المطيرة” – إصدار عام 2004 من دار نشر “كريستوف ميريان”.
فيلم “برونو مانسر – لاكي بنين” (رجل البنين)، من إخراج كريستوف كوهن في عام 2007
إقامة حفل تأبين لبرونو مانسر في كنيسة إليزابيث المفتوحة في كانتون بازل وبحضور شخصيات من سويسرا وماليزيا. (يُـقام الحفل في 8 مايو 2010 من الساعة 16.30 حتى الساعة 18.30مساءً).
أنشِـئ صندوق برونو مانسر المالي في عام 1991. وفي عام 2000، واجه الصندوق أوقاتاً صعبة من الناحية المالية بفقدانه لمؤسسه، ذي الشخصية الكاريزمية.
ويقول لوكاس شتراومان، مدير الصندوق: “يقف الصندوق اليوم بثبات من الناحية المالية، بفضل أعضائه الذين يقترِب عددهم من 4000 عضو مشارك”.
ويعمل الصندوق اليوم في إطار التزام سويسرا في المنظمة الدولية للأخشاب الاستوائية، جنباً إلى جنب مع كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، ولاسيما من أجل تحقيق المُتنزه الوطني “بولونغ تاو” في ساراواك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.