هكذا تترسخ “مسافة الأمان الاجتماعي” تدريجيا في سويسرا
ما بدأ كمجرد توصية لتجنب المصافحة وتبادل القبلات على الخدّين تحول الآن إلى إجراء يحث السكان على المكوث في بيوتهم قدر الإمكان. وبينما يُكافح البلد لوقف انتشار فيروس كورونا المستجد، بدأ سكانه الذي يزيد تعدادهم عن ثمانية ملايين نسمة في التصالح تدريجياً مع المعايير الاجتماعية الجديدة المُقيّدة.
تهدف أحدث إجراءات “مسافة الأمان الاجتماعي” التي فرضتها الحكومة الفدرالية إلى تقليل عدد الاتصالات المباشرة (التزاور مثلا) بين الأفراد بشكل كبير وبالتالي إبطاء انتشار الفيروس.
فعلى غرار العديد من حكومات البلدان الأخرى حول العالم، طلبت الحكومة الفدرالية في برن من السكان البقاء في منازلهم قدر الإمكان وتجنب أي اتصالات مباشرة غير ضرورية مع الآخرين.
وفيما يُحتمل أن يتم التخلص تماما من المصافحات العابرة، فإن الإجراءات الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 16 مارس الجاري تنص على فرض عقوبة صارمة على أي انتهاكات للحظر المفروض على التجمعات الكبيرة قد تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، على الرغم من أن الغرامات تظل الأكثر احتمالًا.
بالفعل، يُمكن أن يؤدي الالتزام بمسافة الأمان الاجتماعي إلى وقف مسار الانتشار المتسارع للفيروس في صفوف السكان وإلى الحيلولة دون انهيار نظام الرعاية الصحية. وبحسب آلان بيرسيه، وزير الشؤون الداخلية المسؤول عن المسائل الصحية، فإن احترام “مسافة الأمان” “هو أفضل طريقة لإبطاء انتشار الفيروس”.
المزيد
الحكومة السويسرية تعلن البلاد في وضع “الحالة الإستثنائية”
هل ما زال بإمكان السويسريين مغادرة مساكنهم؟
نعم، ولكن يُنصح بعدم القيام بذلك إلا في حالة الاضطرار للذهاب إلى العمل (إذا استحال العمل من المنزل)، أو اقتناء الحاجيات الضرورية، أو زيارة الطبيب، أو التجوال مع الكلب، أو تقديم مساعدة إلى شخص آخر. وفي مؤتمر صحفي عُقد مؤخرا في العاصمة برن، قال دانيال كوخ، رئيس قسم الأمراض المُعدية في المكتب الفدرالي للصحة العامة، إن الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم خمسة وستين عاما أو أكثر لا يجب أن يذهبوا إلى المراكز التجارية، وبدلاً من ذلك يجب عليهم طلب المساعدة في شراء متطلباتهم.
وأبلغ كوخ قناة التلفزيون العمومي السويسري الناطقة بالألمانية أن الخروج لاستنشاق بعض الهواء النقي ممكن أيضًا، طالما أن الأشخاص يذهبون بمفردهم أو مع أفراد من نفس الأسرة.
من نواح عديدة، تضاءلت الأسباب التي تبرر مغادرة المنزل. ذلك أن جميع المطاعم والحانات والمتاحف ودور السينما ومسارات التزلج وحمامات السباحة والشركات التي تتطلب اتصالاً وثيقًا بين الموظفين والعملاء – كقاعات الحلاقة على سبيل المثال – ستظل مغلقة حتى يوم 19 أبريل المقبل. كما تم إغلاق المدارس والمعاهد والجامعات.
فقد صدرت تعليمات للشركات والمؤسسات الاقتصادية بالسماح لموظفيها بالعمل من المنزل إذا كان ذلك مُمكناً. أما الشركات التي تُواجه صعوبات، فيُمكنها أن تطلب الإذن من الحكومة كي تسمح لها بمنح موظفيها إعانات البطالة بدوام جزئي.
في الدول المجاورة للكنفدرالية، تم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من التفاعلات الاجتماعية. ففي فرنسا، يتعيّن على السكان تقديم وثيقة تثبت أسباب مغادرتهم لمنازلهم.
أما الإيطاليون فلا يُسمح لهم إلا بالتسوق بشكل فردي. ويُمكن للشرطة هناك إعادة الأشخاص إلى بيوتهم إذا لم يقتنع أعوان الأمن بأن سبب مغادرتها معقول.
هل ما زال يُسمح للسويسريين بالتلاقي الاجتماعي مع الآخرين؟
نعم، ولكن يجب تجنب جميع الاتصالات الاجتماعية غير الضرورية. فقد منعت الحكومة تنظيم كافة المناسبات العامة والخاصة. كما حظرت أي تجمعات في الأماكن العامة يفوق عدد أشخاصة الخمسة حتى يوم 19 أبريل المقبل. أما الذين ينتهكون هذا الحظر فيواجهون غرامات بقيمة 100 فرنك (حوالي 100 دولار أمريكي). من جهتها، أغلقت السلطات في عدد من المدن مثل برن وزيورخ بعض الفضاءات العامة، كالحدائق، لثني الناس عن التجمع في الفضاء العام.
مع ذلك، لا يزال من الممكن دعوة بعض الأصدقاء لتناول العشاء، كما يقول المكتب الفدرالي للصحة العامة على موقعه الرسميرابط خارجي، طالما أن الجميع يحتفظون بمسافة مترين عن بعضهم البعض ويتبعون القواعد الجيّدة للنظافة الصحية (غسل اليدين دوريا وبشكل جيّد والسعال في الكوع). لكنه ينصح بتجنب تنظيم الحفلات الخاصة، بما في ذلك الدعوات إلى حضور احتفالات أعياد ميلاد الأطفال.
تبعا لإغلاق المدارس، يُمكن للأطفال الذين يبحثون عن زملاء يُشاركونهم اللعب أن يجتمعوا في مجموعات صغيرة لا يزيد تعدادها عن خمسة أطفال. وقد طلبت الحكومة من دور الحضانة أو مرافق رعاية الأطفال البديلة أن تظل مفتوحة، لكنها مُلزمة أيضا باتباع نفس التعليمات بشأن أحجام المجموعات. ولا تزال الملاعب والحدائق مفتوحة، على عكس بلدان أخرى، إلا أن بعض البلديات أغلقتها بعدُ. كما لا يُسمح للمجموعات المنظمة باللعب ويجب أن يُحافظ الآباء على مسافة الأمان عن بعضهم البعض.
وقد أُمر المُسنون والأشخاص الذين يُعانون من أمراض مزمنة بتجنب أي اتصال مع الأطفال.
من جهة أخرى، لم يعد بالإمكان التوجه إلى المطاعم والمقاهي لأنه تم إغلاقها حتى 19 أبريل على الأقل. فيما صدرت أوامر إلى الفنادق بتخفيض عدد ضيوفها بشكل كبير، وكذلك الذين يبقى مسموحا لهم – مع ذلك – بالتردد على المطاعم التابعة لها.
وفيما تقوم الشرطة بتطبيق الحظر على التجمعات الأكبر حجماً بشكل متزايد، لم تعد الجمعيات والفرق الرياضية قادرة على الاجتماع أصلا.
المزيد
هكذا تتعايش سويسرا مع الجائحة
هل ما زال بإمكان السويسريين استخدام وسائل النقل العام؟
نعم، على الرغم من أن النصيحة الشاملة الصادرة عن السلطات الفدرالية للصحة العامة تنص على تجنبها إن أمكن، بحكم أن السفر في الحافلات والقطارات يُمكن أن يمنع الركاب من الحفاظ على مسافة التباعد المادي بين بعضهم البعض.
في المقابل، يشجع المكتب الفدرالي للصحة العامة السكان على المشي أو استخدام الدراجات الهوائية للعمل بدلاً من ذلك. وقد تم بعدُ تخفيض خدمات القطارات على المستوى الوطني والعديد من شبكات النقل المحلية بشكل كبير. أما الأشخاص الذين يبلغون 65 عامًا أو أكثر وأولئك الذين تظهر عليهم أعراض تشبه أعراض الأنفلونزا فيجب عليهم تجنب امتطاء وسائل النقل العام تمامًا.
ما الفائدة من مسافة الأمان الاجتماعي؟
في حديثه عن فعالية إجراءات التباعد الاجتماعي أثناء أوبئة الإنفلونزا، يكتب بنيامين جي. كولينغ، الأستاذ في جامعة هونغ كونغ، الذي شارك في تأليف ورقة بحثية ستنشر قريبارابط خارجي أن “الهدف [هو] إيقاف أي حدث تتجمع فيه مجموعات كبيرة من الناس في أماكن مغلقة بكثافة عالية نسبيًا”.
وأوضح كولينغ لـ swissinfo.ch أنه إذا انتهى الأمر بالأشخاص إلى أن يقتصر الأمر على التفاعل عن قرب مع خمسة أشخاص بدلاً من العشرة المعتادين في يوم عادي – في وسائل النقل العام أو في المكتب أو في مطعم – عندئذٍ “يُفترض أن يكون له (أي التباعد الاجتماعي) تأثير كبير في التقليص من الفرص المتاحة لانتقال العدوى”.
في الورقة البحثية المرتقبة، يُجادل كولينغ والمؤلفون المشاركون معه بأن السلطات تقوم باتخاذ التدابير المتعلقة مسافة الأمان الاجتماعي واضعة ثلاثة أهداف في الاعتبار وهي: تأخير موعد الوصول إلى ذروة الإصابات حتى تتمكن من تهيئة نظام الرعاية الصحية للتعامل مع الحالات الشديدة؛ والتقليل من حجم الذروة؛ وتمديد مرحلة انتقال العدوى لفترة أطول، من أجل إتاحة الفرصة لإدارة أفضل للحالات وللاستخدام المحتمل للقاحات لاحقًا لمواجهة الوباء.
مع ذلك، يحذر كولينغ من أن التباعد الاجتماعي “قد لا يكون له تأثير كبير على انتقال العدوى ما لم يؤدّ إلى حدوث تغييرات كبيرة في السلوك”.
في الأثناء، يشير تقرير جديدرابط خارجي صادر عن امبريال كوليدج لندن (اسمها الرسمى : الكلية الامبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب) إلى أنه إذا تم تطبيق مسافة الأمان الاجتماعي على كافة السكان مقترنة بتدابير أخرى، مثل عزل المصابين وإغلاق المدارس، فإن بإمكان ذلك أن يؤدي إلى التقليص بشكل سريع من عدد حالات الإصابة الجديدة.
كيف يتم تطبيق مسافة الأمان الاجتماعي؟
في جميع أنحاء البلاد، تتخذ المتاجر التي يُمكن أن تظل مفتوحة تدابير تدريجية للحد من عدد العملاء المتواجدين داخلها بشكل متزامن. كما تدعو الملصقات والإعلانات المبثوثة في كل مكان المتسوقين والركاب للحفاظ على مسافة آمنة من بعضهم البعض. تم وضع حواجز فاصلة في المقاعد الأمامية للحافلات وعربات الترام للحفاظ على مسافة معيّنة بين السائقين والركاب.
الحكومة الفدرالية فرضت غرامات وتسليط عقوبات بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات لمن ينتهك حزمة الإجراءات التي اتخذها للحد من انتشار الفيروس. وفي عدد من الكانتونات، فرضت الشرطة بالفعل غرامات على مُرتكبي انتهاكات الحظر المفروض على التجمعات العامة لأكثر من خمسة أشخاص. وذكرت قناة التلفزيون العمومي السويسري الناطقة بالفرنسية (RTS) أن سلطات مدينة جنيف وحدها أصدرت أكثر من 30 غرامة خلال عطلة نهاية الأسبوع التي دخل فيها الحظر حيز التنفيذ.
من جهته، يُساعد الجيش الفدرالي الشرطة على تطبيق القانون، لكن وزيرة الدفاع فيولا أمهيرد شددت على أن القوات العسكرية تقوم بـ “دور داعم” لإنفاذ القانون.
(ترجمه من الانجليزية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.