إيواء طالبي اللّجوء في ملاجِئ تحت الأرض يقترب من نقطة اللاعودة
بعد رِحلة الفِرار المُضنية للنّجاة بأرواحهم من الأنظمة القمعية أو الحروب والنزاعات المسلحة والمُخاطرة بِحياتهم للوصول إلى سويسرا، فإن آخر نهاية يتخيّلها طالبو اللجوء لرِحلتهم، هي إيداعهم في ملاجِئ نووية تحت سطح الأرض.
بَيد أن الكانتونات السويسرية المُثقَـلة بالأعداد الكبيرة من اللاجئين، لم تجِد مفرّاً من اللجوء إلى هذا الإجراء الجذري على نحوٍ مُتزايِد في الآونة الأخيرة.
مع الغروب البطيء لشمس الخريف فوق بحيرة ليمان، يتردّد صدى نحو 200 شخص وهُـم يهتفون “أوقفوا الملاجئ تحت الأرض! نحن بحاجة إلى الهواء النقي”!
ووسط حركة السير المتوقِّفة وذهول المارة ودهشتهم، تشق مجموعة – مُـكوَّنة أساساً من طالبي لجوء من إريتريا، ولكن من سوريا ومناطق أخرى من إفريقيا أيضاً – تحمل مشاعل مُضاءة طريقها ببُطء مُخترِقة مركز مدينة لوزان، يتقدّمهم شخصان يحملان رسالة واضحة: “نحن لسْنا في حالة حرب. لا تؤوونا في الملاجِئ”.
ومنذ شهر أغسطس المنصرم، بدأت مجموعة من طالبي اللجوء المقيمين في كانتون فُـو، تدعمها نصف دزينة من الجمعيات السويسرية، كفاحها من أجل تحسين الظروف المعيشية في مساكنهم الجديدة المتمثلة بملاجئ محوَّرة، كانت قد أقيمت تحت الأرض للحماية من الغُبار النووي، والمنتشرة في جميع أنحاء المنطقة.
“لقد صُدِمْت عندما عرفت بأني سأسكن في ملجأ تحت الأرض. هناك العديد من أعضاء أسَـر الأريتيريين الذين سُجِنوا تحت الأرض، وهذه دلالة سيِّئة بالنسبة لهم”، كما قال حسين*، وهو إريتري يعيش منذ أربعة أشهر في ملجإ تحت الأرض في مدنية لوزان.
وهذا الشاب ذي الأربعة وعشرين ربيعا، هو واحد من مجموع 400 طالب لجوء يُقيمون في ثمانية ملاجِئ تحت الأرض، تُـديرها مؤسسة استقبال اللاّجئين في كانتون فورابط خارجي(EVAM) . وفي كل واحد من هذه الملاجئ، ينام من 50 إلى 60 مهاجر معاً في عنابِر جماعية، تفتقِر إلى النوافذ وتنعدم فيها الكثير من الخصوصية. كما يُطالَب المقيمون بمُغادرة الملجإ يومياً في الساعة العاشرة صباحاً، وعدم العودة إليه قبل حلول المساء. ويختلِف معدّل الإقامة في هذه المنشآت من بضعة أشهر إلى سنة.
الآثار الصحية
وبحسب المنظمات غير الحكومية التي تناصر هذه الإحتجاجات، أدّت هذه الظروف المعيشية إلى تدهْـوُر الصحة العقلية والجسدية لهؤلاء اللاّجئين. يقول أفرام*، الذي لا يزيد عمره عن 19 عاماً: “لا أستطيع النوم في الليل. هناك ضجيج على الدوام، كما يُسبّب لي الجَرَب الذي أصِبتُ به في ليبيا، حَكّة رهيبة. لقد سبق أن عُولجت منه، ولكني أصِبت به ثانية بسبب قَـذارة الملجأ. في الليل، لا أستطيع التوقّف عن التفكير بالسّجن والصحراء. أشعر بتعاسة شديدة”.
وكانت هذه الظروف المعيشية المُنهكة، هي التي دفعت بالمُحتجّين إلى المطالبة بتغيير أماكن إيوائهم والإنتقال إلى سكن فوْق سطح الأرض. في الأثناء، يبقى “الحلّ الوحيد للخروج من الملجأ في الوقت الراهن، هو الإصابة بمشكلة صحية”، كما قال إبراهيم* مُعلِّقاً.
على المدى القصير، تطالب المجموعة بفَتح هذه الملاجئ على مدار الساعة. كما يريدون توفير مطبخ لهم وخَفض عدد الأشخاص الذين يُقيمون في الملجأ الواحد. وكما يقولون، لم يكن لمطالبهم الخطية التي تقدّموا بها إلى رئيس الحكومة المحلية للكانتون ومدير مؤسسة استقبال اللاجئين في كانتون فو، تأثير يُذكر.
في المقابل، علّق بيير – إيف مايار، الذي يترأّس حكومة كانتون فو والعضو في الحزب الإشتراكي، بأن أعضاء حكومته “على بيِّنة بهذه المطالب وهي (أي الحكومة) تأخذها على مَحمَل الجد”. كما سيُطرَح هذا الموضوع للنقاش قريباً في البرلمان المحلي لكانتون فو.
من المعروف أن السلطات الفدرالية في سويسرا هي المسؤولة عن إجراءات اللجوء، إلا أن تنفيذ هذه السياسة والإشراف على بعض المسائل المتعلِّقة بها كالسكن، متروك لسلطات الكانتونات الـست والعشرين (26) التي تتمتّع باستقلالية كبيرة بهذا الشأن.
في المقابل، تبقى التفاصيل مفتوحة حول ما الذي ينبغي تقديمه بهذا الخصوص. وكما تنصّ المادة 12 من الدستور الفدرالي “ينبغي أن يكون للأشخاص المُحتاجين وغير القادرين على إعالة أنفسهم، الحق في الحصول على المساعدة والرِّعاية والموارد المالية اللازمة لمستوى معيشي لائق”.
وبهذا الصّدد، كانت المحكمة الفدرالية (أعلى سلطة قضائية في سويسرا) قد رفضت في ديسمبر 2013 شكْوى تقدّم بها طالب لجوء في الرابعة والثلاثين من عمره، للإنتقال من أحد الملاجئ النووية في فو. ووفقاً للمحكمة العليا في سويسرا، فإن قضاء ليلة في أماكن الإقامة الجماعية، ليس أمراً مُهيناً أو “مخالفاً للحدّ الأدنى من متطلّبات الدستور”.
وفي الوقت الذي لا يوفر فيه القانون لطالبي اللجوء الحق في اختيار أماكن سكناهم، يقول المجلس السويسري للاّجئين،رابط خارجي إن مسؤولية تأمين السكن “المناسِب” تقع على عاتق الكانتونات.
وفي مواجهة الزيادة الأخيرة الحاصِلة في عدد طالبي اللجوء في سويسرا، ولاسيما من إريتريا وسوريا، أصبح على البلديات والكانتونات والهيئات المختصة بشؤون المهاجرين في جميع أنحاء البلاد، أن تُكافح من أجل إستيعابهم والعثور على سكن مناسِب لهم. وقد لجأت العديد من هذه الأطراف إلى استخدام المباني القديمة والمدارس وملاجئ الغارات الجوية بعد تحويرها، أو إلى معالجات أكثر جِذرية حتى على المدى القصير. (انظر الفيديو).
المزيد
حل قصير الاجل لأزمة إيواء طالبي اللجوء
في الأثناء، ومع تشغيله الفِعلي لثمانية ملاجئ تحت الأرض (وهو عدد مرشح للإرتفاع)، يتفوّق كانتون فو على المناطق الأخرى في إستخدام هذه الفضاءات. وفي هذا السياق، إفتتح كانتون جنيف مؤخّراً ملجأً ثانياً، في حين تتوفّر العاصمة برن على خمسة ملاجِئ، وكانتون نوشاتيل على اثنين، وملجأ واحد في كانتون فريبورغ. وينهض كل من كانتونيْ جورا وفالي بهذه المهام، دون الحاجة إلى الملاجئ.
من جانبهم، يُشير مسؤولو مؤسسة استقبال اللاجئين في كانتون فو إلى إضطرارهم – لسوء الحظ – للتعامل مع ما يُمليه الواقع على الأرض، والمتمثل بزيادة حادّة في أعداد اللاجئين مقابل نقصْ محلّي شديد في المساكن أو الشقق المتوفرة.
وتقول سيلفي ماكيلان المتحدثة باسم مؤسسة استقبال اللاجئين في كانتون فو: “لا ينبغي إيواء طالبي اللجوء والمتقدّمين الذين رُفِضَت طلباتهم تحت الأرض، لكننا نُفَضّل هذا الحل على ترك الناس ينامون في الشوارع”.
من جهة أخرى، تشير المتحدثة إلى أن كانتون فو “هو أحد الكانتونات التي تستقبل أكبر عدد من طالبي اللجوء – 8% من إجمالي عدد المتقدمين بطلبات في سويسرا – كما أن فو هو أحد الكانتونات الأشدّ مُعاناة من نقص المساكن والشُّقق أيضاً. نحن نخضع لقوانين سوق الإسكان وشحّة الشقق مثل أي جهة أخرى”.
وفي ظل تأكيد مؤسسة استقبال اللاجئين في كانتون فو على أنها تسعى باستمرار لإيجاد حلولٍ لمشاكل الإسكان، إلا أن العثور على مبان فارغة أو شقق شاغِـرة أو أرض للبناء، يظل صعباً لسوء الحظ. وهكذا ليس هناك من خيار بديل، سوى استخدام الملاجئ النووية.
المزيد
كانتون فُو يكافح من أجل توفير السكن لطالبي اللجوء
مع ذلك، ينتقد بيات ماينَر، الأمين العام للمجلس السويسري للاجئينرابط خارجي، الإستخدام المُفرط لهذه الملاجِئ، ويقول: “نحن لسنا حيوانات الخُلد. إننا بحاجة إلى الهواء النقي والضوء. الإنسان لم يُخلَق ليعيش تحت الأرض”، ثم أضاف: “في حين قد تكون الملاجئ حلاًّ للبالغين الذين تُـرفض طلباتهم، إلّا أنه غير مقبول إطلاقاً لطالبي اللجوء. ويمكن إستخدام هذه الملاجئ بشكل إستثنائي وكَحَلّ مؤقت لفترة قصيرة جداً، عندما لا تتوفّر هناك وسيلة أخرى تحول دون تحوّلهم إلى مشرّدين. وبشكل عام، علينا أن نحاول تجنّب إستخدامها”.
ويذهب رجل القانون إلى أن “الهدف من سياسة اللجوء السويسرية، لا يتمثل باستقبال الأشخاص، ولكن بإعادتهم في أسرَع وقت ممكن. فعندما يجدون أنهم يعيشون في ظروف سيّئة، سوف يُسلّط هذا ضغطاً عليهم يدفعهم للمغادرة”.
من جهتها، سلَّمَت ماكيلا بأن إيواء طالبي اللجوء تحت الأرض، قد لا يُساهم في تعزيز الصورة الإنسانية لسويسرا “ولكننا نُؤويهم في مكان ما على الأقل”، كما تقول. لكنها أشارت إلى أن مواقِف المجتمعات المحلية كانت تُساهم في تعقيد مهمّتهم للعثور على خيارات أخرى.
وقالت: “في كل مرّة نتوجّه فيها إلى المجتمعات الأهلية بشأن بناء مساكن لإيواء طالبي اللجوء، نواجَـه بمعارضة السكان المحليّين”.
*تم حجب الاسم.
في الفترة الممتدة بين شهري يوليو وسبتمبر من عام 2014، سُجل قدوم 7825 طالب لجوء جديد إلى سويسرا، وبزيادة 45% عن الثلاثي السابق. ويشتمل هذا العدد على 3531 شخصا من إريتريا – وهم الغالبية – يليهم 816 شخصا من سوريا و369 شخصا من سريلانكا.
منذ مطلع شهر يناير وحتى نهاية شهر سبتمبر 2014، استطاع 140,000 مهاجِر، قدِم معظمهم من ليبيا، الوصول إلى جنوب إيطاليا على متن قوارب. وقد جاء نصف هؤلاء إما من إيريتريا أو سوريا. وبالمقارنة مع مُجمل عام 2013، بلغ عدد اللاجئين 43,000 شخص.
في موفى شهر سبتمبر 2014، بلغ عدد الأشخاص الذين تقدَّموا بطلبات لجوء إلى سويسرا 18,103 شخص.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.