اختفاء الأنهار الجليدية السويسرية سيغذي النزاعات بشأن المياه
بتلاشي الأنهار الجليدية في جبال الألب، تكون سويسرا قد خسرت محمية مائية مهمة، سترتد عواقبها على الزراعة والإنتاج الكهرومائي والملاحة في الأنهار الأوروبية الكبيرة.
ولنبدأ بالأخبار السارة: في المستقبل، ستستمر الجبال المغطاة بالجليد في توفير ما يكفي من المياه خلال العام، وفق ما ذكررابط خارجي ماتياس هاس، مدير شبكة مراقبة الأنهار الجليدية السويسرية (غلاموس Glamos)، ففي أشهر الصيف، تعمل المياه المخزونة في الأنهار الجليدية على استقرار منسوب مياه الأنهار، مما يخفف من آثار الجفاف المتكرر بشكل متزايد.
أما من الناحية السلبية، فقد تتقلص الأنهار الجليدية شيئا فشيئا، حتى يأتي اليوم الذي تبدأ فيه المياه الذائبة التي تنحدر إلى الأسفل بالتناقص، وقد تنفد، ففي معظم أحواض الأنهار في أمريكا الجنوبية، خلافا لما في آسيا وأمريكا الشمالية، بلغ منسوب المياه أوجه، وفق قول ماتياس هاس، أما “في جبال الألب، فنحن الآن عند نقطة التحول”، حسب تعبيره.
الأنهار الجليدية مهمة. لماذا؟
من أعالي جبال الألب إلى السهول، توضح سلسلة مقالات swissinfo.ch عواقب ذوبان الأنهار الجليدية عند مستوى ارتفاع معين، وتستعرض استراتيجيات التكيف والتخفيف المعتمدة في سويسرا.
3000 – 4500 متر: الأنهار الجليدية في جبال الألب والمناظر الطبيعية
2000 – 3000 متر: السياحة والأخطار الطبيعية (سبتمبر)
1000 – 2000 متر: إنتاج الطاقة الكهرومائية (أكتوبر)
0 – 1000 متر: الموارد المائية (نوفمبر)
مياه الأنهار الجليدية إلى مدى 60 عاما
وفي العادة، تُخزّن الأنهار الجليدية نسبة 95٪ من احتياطي المياه العذبة لكوكب الأرض، ومنه لا ينبغي أن نستغرب مدى أهمية نحو 1500 نهر جليدي في سويسرا باعتبارها خزانات لمياه الشرب في جبال الألب، غير أن هذه الخزانات، قد بدأت منذ عقود بتسريب مخزونها، بسبب أزمة المناخ، ولا سيما في السنوات الأخيرة.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وطول موجاتها، تتراجع الأنهار الجليدية بمعدل متسارع: “لو وزعنا كمية المياه التي ذابت في عام 2017 على عدد الوحدات السكنية في البلاد، لكان نصيب كل واحدة منها ملء حوض سباحة بطول 25 مترًا!”، وفقرابط خارجي صندوق الطبيعة في سويسرا.
+ مع نهاية القرن الحالي، لن يبق من الأنهار الجليدية سوى ذكراها
تبلغ احتياطيات المياه المخزنة في الأنهار الجليدية السويسرية 57 كم مكعب من المياه، وهذه الكمية يمكن أن تفي بحاجة سكان سويسرا (8,5 مليون شخص) من مياه الشرب لنحو 60 عامًا.
التنازع على الماء
وأمام هذه الأرقام، ثمة سؤال يطرح نفسه: عندما تنتهي الأنهار الجليدية في سويسرا، هل سنواجه مشاكل في إمدادات المياه؟ يجيب باولو بورلاندورابط خارجي، أستاذ الهيدرولوجيا وإدارة الموارد المائية في المعهد التقني الفدرالي في زيورخ، قائلا: “بالتأكيد لا”.
“سيكون لدى سويسرا ما يكفي من المياه، حتى مع الأخذ في الاعتبار أن عدد سكانها سيكون بحدود 10 ملايين نسمة في عام 2050، ذلك أن الأمطار ستستمر غزيرة في جبال الألب، وكل الذي سيتغير هو: شكل سقوط المياه من السماء، فهي ستكون أكثر سائلة منها ثلوجا، وبالتالي سيتعيّن علينا إدارتها بشكل مختلف” حسبما صرّح الخبير لـswissinfo.ch.
أما المشكلة الكبرى فستكون بسبب التنازع الذي قد ينشأ بين المزارعين ومشغلي محطات الطاقة الكهرومائية، وتحديدا بين من يرى استخدام مياه الأنهار في الوديان للري خلال فترات الجفاف في الصيف، ومن يميل إلى تجميع المياه وتخزينها في المنابع لكي تستخدم في فصل الشتاء حين يزداد الطلب على الطاقة الكهربائية.
ومن المؤكد بأن إنتاج الطاقة الكهرومائية سيبلغ أوجه أيضا خلال فصل الصيف، نظرا لازدياد الطلب على أجهزة التكييف، وبالتالي يمكن أن تخف حدّة النزاع، ولو جزئيا، كما أوضح باولو بورلاندو، الذي يؤكد على ضرورة أن تكون لدينا إدارة عادلة ومستدامة لاحتياطي المياه، كأن يتم، على سبيل المثال، إنشاء أحواض جديدة لتجميع المياه وتخزينها في أعالي الجبال.
وأضاف: “ودعما لهذا التوجه، يمكن أن تلعب مصادر الطاقة المتجددة، الشمسية والرياح، دورًا مهمًا، ويخطر في بالي، على سبيل المثال، توربينات الضخ”.
كيفية التعامل مع تزايد الجفاف في الصيف؟
يندرج ضمن المرحلة الثانية من البرنامج التجريبي “التكيف مع تغير المناخرابط خارجي” الذي أطلق في عام 2013، الدعم من جانب الحكومة الفدرالية للمشاريع التي تساهم في نزع فتيل التنازع على استخدام المياه خلال الفترات التي لا تنزل فيها الأمطار، فعلى سبيل المثال، تجري حاليا في كانتون غراوبوندن، دراسة إمكانية بناء حوض لتجميع الماء، متعدد الأغراضرابط خارجي، بهدف تعويض ذوبان الأنهار الجليدية، كما تجري، في كانتون آرغاو، دراسة حول كيفية تكييف الزراعة مع الظروف المناخية الأكثر جفافاًرابط خارجي.
تقلّ المياه في الأنهار الأوروبية الكبيرة
ويتوقع ماتياس هاس أن يكون لذوبان الأنهار الجليدية السويسرية عواقب كبيرة، وطويلة الأجل، ليس على الوديان والهضاب في جبال الألب السويسرية، فحسب، وإنما أيضًا على أوروبا ككل.
وتشير الدراسةرابط خارجي التي أجراها أستاذ علم الجليد في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ إلى أن أكثر من 25٪ من المياه التي يصبها نهر الرون في البحر الأبيض المتوسط في شهر أغسطس مصدرها ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الألب، وينطبق الشيء نفسه، ولو بنسبة أقل، على أنهار: الراين والدانوب والبو، ولذلك، يُتوقع أنه في حال نضوب هذه المساهمة، فسوف تتعثر الملاحة في الأنهار الكبيرة، على حدّ قول هاس.
وبحسب الدراسة، قد يؤدي انخفاض المساهمة الآتية من ذوبان الجليد والأنهار الجليدية إلى خفض منسوب المياه في نهر الرون إلى النصف بحلول نهاية هذا القرن، وفقا لمقال نُشر في صحيفة لوموندرابط خارجي، ويؤكد أندرياس فيشلين، عضو فريق خبراء المناخ التابع للأمم المتحدة، عبر البوابة الالكترونية watson.chرابط خارجي على أن هذا الانخفاض سيكون ملموسا أيضا في البحيرات والأنهار السويسرية، مثل نهر آر.
سُفُن أخفّ وزنا
وفي مواجهة موجات الجفاف الطويلة، وفي السنوات الأخيرة بالذات، اعتاد مسؤولو النقل النهري في سويسرا على اتخاذ التدابير المناسبة، وفي رسالة وجهها لنا عبر البريد الالكتروني سايمون أوبِرْبِك، المتحدث باسم موانئ نهر الراين السويسريةرابط خارجي، قال: “لاحظنا، بشأن الملاحة في نهر الراين، أن فترات انخفاض المياه في تزايد مستمر، وهذا يقضي بأن تخفض السفن من حمولتها [من البضائع] خلال هذه الأوقات: وذلك ما بين 300 و900 طن بدلاً من 3000 طن المعتادة في المنسوب الطبيعي.
ومن بين الحلول التي اعتمدها قطاع الملاحة النهرية، تطوير مواد أخف لبناء السفن، كما يشير أوبِرْبِك، علاوة على أنه قد تمّ في بداية عام 2019 زيادة عمق قناة الملاحة في منطقة بازل الحضرية، لكي يُسمح بزيادة الحمولة خلال الفترات التي ينخفض فيها منسوب المياه.
المزيد
علمُ الجليد في خدمة ضحايا الإحترار العالمي
المزيد
هل تصبح جبال الألب أكثر خطورة مع تراجع الجليد؟
المزيد
زوال الأنهار الجليدية في سويسرا قد يعزز حظوظ الطاقة الكهرومائية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.