مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإفراج الوشيك عن مُدانين بالإرهاب يضع سويسرا في مأزق

من المحتمل جدا أن يكون المتهم الرئيسي بتدبير هجوم إرهابي في سويسرا (الذي حُكم عليه في شهر مارس 2016 بالسجن النافذ لأربع سنوات وثمانية أشهر مع احتساب فترة الإيقاف التحفظي) قريبا خارج أسوار السجن. Keystone

قبل أيام، أعطت محكمة سويسرية موافقتها على الإفراج على الشخص الأوّل من بين الرجال الثلاث الذين أدينوا هذا العام بالتخطيط لشن هجوم إرهابي في سويسرا. أما ما الذي سيحدث بعد ذلك، فهو موضوع نقاش مكثّف داخل دوائر الإستخبارات والأوساط السياسية في سويسرا، مع عدم وجود أي خيار واضح حتى الآن.

يعترف مايكل لوبر، المدعي العام الفدرالي، الذي نقل بنفسه الملف أمام القضاء، بأن السلطات تُواجه بالفعل معضلة بشأن ما يجب فعله مع الرجال الثلاثة قريبا.

وفي حديث أدلى به إلى الإذاعة العمومية السويسرية الناطقة بالألمانية (SRF ) في وقت سابق من هذا العام، أشار إلى أنه “من جهة، لا يُمكن السماح للإرهابيين المُدانين بالبقاء في سويسرا، ومن جهة أخرى لا يُمكننا وضع التقاليد الإنسانية السويسرية في خطر. الآن علينا أن نفكّر في هذه القضايا، ولابد من توفير جواب بمجرّد خروج هؤلاء الأفراد من السجن”.

وتتعلّق القضية بأوّل أحكام تصدر في سويسرا في حق أشخاص متورّطين في التخطيط لهجمات على علاقة بأنشطة تنظيم “الدولة الإسلامية”. وقد أدين أربعة عراقيين بتهمة التآمر لشن هجوم.

أطول فترة حكم بالسجن صدرت على هؤلاء الأشخاص كانت أربع سنوات وثمانية أشهر. ولكن نظرا للمدّة التي قضاها الشخص المعني في السجن، واقتناع المحكمة بأنه من غير المرجّح أن يعود لممارسة نشاط إجرامي، تقرّر الأسبوع الماضي إطلاق سراح أوّل هؤلاء المُدانين بعد أن قضى عاميْن فقط في السجن، أي ما يعادل ثلثيْ عقوبته. لكن في تطوّر لاحق، ووفقا للتلفزيون العمومي الناطق بالالمانية (SF)، قرّر المكتب الفدرالي للشرطة إخضاعه إلى إجراءات الترحيل. ولئن كان من المستبعد أن يحصل ذلك فعلا، فإن من شأن هذا القرار أن يمكّن السلطات من إبقائه وراء القضبان لفترة أطول.

أمّا االرجلان الآخران، فمن المنتظر أن يطلق سراحهما في غضون العام المقبل.

في هذا السياق، يتكهن ألن ميرمود، مستشار القوات المسلحة في المجال الإستخباراتي، ثلاثة سيناريوهات: تسليم الأشخاص الثلاث إلى العراق، أو العثور على مزيد من المبررات لإبقائهم خلف القضبان، أو قيام السلطات بإطلاق سراحهم وتركهم في سويسرا تحت المراقبة.

“من الذي يُريد أن يستعيد إرهابيين؟ لا أحد! إذن فإن احتمال طردهم إلى خارج البلاد، احتمال ضعيف. وسويسرا، ليس لها اتفاقية لتبادل مجرمين مع العراق، كما أن العراق ليس بلدا آمنا يُمكن أن يُعاد إليه هؤلاء الأفراد من دون وضع حياتهم في خطر”، يضيف هذا الخبير الأمني.

فضلا عن ذلك، يُشير ميرمود إلى أنه “ليس هناك أيّ أساس قانوني لتمديد فترة حبس هؤلاء” الأشخاص. ولهذا السبب تحديدا، فإن “الإحتمال الأرجح هو أن يُطلق سراحهم”.

ويضيف “لقد دفعوا ما هم مُدانين به نحو المجتمع، وهذا هو المقصود من تنفيذ العقوبة والقانون”، ولكن “نحن بحاجة إلى إبقائهم تحت المراقبة”، يشدّد هذا الأمني.

ولكن: كيف، وبأي طريقة؟

يسمح القانون السويسري لجهاز المخابرات بفرض رقابة على الأفراد من خلال الوسائل الإلكترونية، إذا كان هناك سبب مُقنع بأنهم يشكلون تهديدا للأمن الوطني.

ورغم أن هؤلاء الأشخاص يُعتبرون – من منظور قانوني – من المُعاد تأهيلهم بعد قضائهم لمدة العقوبة المسلطة عليهم، فإن ذلك لا يعني أنهم “لم يعودوا يشكلون تهديدا أمنيا”، وفقا لإيزابيل غرابر، مسؤولة الإتصال بجهاز المخابرات الفدرالية.

وفي حديث إلى swissinfo.ch، قالت: “بإمكان جهاز المخابرات أن يقوم بمراقبة الأشخاص الذين يشكلون خطرا أمنيا على سويسرا أثناء قضائهم لعقوبتهم أو بعد ذلك، اعتمادا على حالة كل فرد”.

المراقبة الذاتية

في حين اعتمدت العديد من البلدان الأوروبية الأخرى الأساور الإلكترونية لإبقاء الأفراد الذين يشكلون خطرا على سلامة المجتمع وأمنه تحت الرقابة، فإن القانون المعمول به في سويسرا لا يسمح بذلك. ولهذا السبب، هناك حاجة ماسة، وفقا لميرمود لـ “قانون جديد ينظم عمل جهاز المخابرات، بما يمنح هذا الأخير امكانيات مراقبة أكبر وأشمل”.

في العام الماضي، صادق البرلمان  الفدرالي على قانون يمنح جهاز المخابرات المزيد من الصلاحيات لمراقبة الإتصالات الخاصة (الرسائل والحواسيب الشخصية)، لكن القول الفصل لإقرار هذا القانون أو رفضه سيكون للناخبين السويسريين في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر المقبل.

في الوقت نفسه، يرى المستشار السويسري في مجال العمل الإستخباراتي أن على السلطات أن “تفكّر من خارج الصندوق”، كالإتجاه مثلا لاعتماد المراقبة الذاتية عبر توظيف الجيران أو عناصر من داخل المجموعة الثقافية أو العرقية للأشخاص المشتبه بهم.

ويضيف ميرمود “بإمكان السلطات توظيف مخبرين بمقابل لفرض رقابة لصيقة على المظنون فيهم، وقد تكون – الصورة النمطية – أي العجوز التي ترصد ما تراه من خلف ستار- أفضل الخيارات المتوفّرة الآن. ونحن هنا نتكلم عن مجرد فكرة، وليس عن سياسة حكومية معتمدة فعلا”.

أما ما يفضّله هذا الخبير كحل لمعضلة الرجال الثلاثة المدانين في سويسرا هو أن “يُغادروا البلاد من تلقاء أنفسهم، وربما منحهم بعض الحوافز لتحقيق ذلك”، من دون أن يحدّد ما هي الحوافز المقصودة هنا.

محاكمات الإرهاب – معضلة أوروبية

في الواقع، أصبحت كيفية التعامل مع المدانين في قضايا إرهاب مشكلة حارقة في جميع أنحاء أوروبا، حيث بلغ متوسط الأحكام بالسجن في هذا الصنف من القضايا في الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي ستّ سنوات في عام 2014، وفقا لـ “يوروبولرابط خارجي” (وكالة متخصصة في تطبيق القانون في الفضاء الأوروبي)،  ليسجّل بذلك تراجعا مقارنة بعام 2013 حيث كان يبلغ 10 سنوات.

وفي مقال له نشرته منصة “برو بيبلكارابط خارجي” المتخصصة في الصحافة الإستقصائية، تطرق الصحفي سيبستيان روتيلّي إلى ما أسماه “الأبواب الدوارة للسجون الأوروبية” وأشار إلى أنه “على الرغم من العمل الإستخباراتي الكبير، والقوانين المشددة المعتمدة في مجال مكافحة الإرهاب في أوروبا، غالبا ما تكون الأحكام أقلّ بـعشرة أعوام مقارنة بأحكام على نفس الجرائم في الولايات المتحدة”.  

محتويات خارجية

مايكل لوبر، النائب العام الفدرالي، طالب بإصدار حكم بالسجن لسبع سنوات ونصف على زعيم الإرهابيين الذين أدينوا العام الماضي في سويسرا، لكن الحكم كان في نهاية المطاف أدنى بكثير من متوسّط الأحكام التي تصدر في قضايا مشابهة في أوروبا.

ووفقا لكريستينا شوري ليانغ، المستشارة في مركز جنيف للسياسات الأمنية رابط خارجيومديرة برنامج دراسي يهتم بالتحديات الأمنية الطارئة، فإن “تشديد عقوبة الإرهاب تمثّل رسالة قوية من الحكومات بأنه لا تسامح مع الإرهاب”، لكنها أشارت أيضا إلى أن أبحاثا أخرى أكّدت أن “الوقت الذي يقضيه المُدان في السجن قد تكون له من ناحية أخرى عواقب غير محسوبة”.

هذه الخبيرة في القضايا الأمنية أشارت أيضا إلى أن الهجمات الأخيرة في كل من باريس وبروكسل ونيس قد أثّرت بما لا يدع مجالا للشك في المناقشات الدائرة حول طول الأحكام بالسجن، “لكن الموضوع الذي أثار جدلا أكبر هي “عمليات التجنيد داخل السجون”، حسب قولها.

في هذا الصدد، تشير المعلومات المتوفرة إلى أن العقليْن المدبّريْن لهجمات باريس الإرهابية في نوفمبر 2015 قد تم تجنيدهما في السجن، بل إن “المجلّة الإلكترونية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (دابق) أشارت إلى أن الأحكام بالسجن تقوّي التنظيم وتسمح له بنشر أفكاره وإبلاغ رسائله”، كما تفيد الخبيرة.

“لا إفراط ولا تفريط”

هذا الأمر يجعل السلطات في أي بلد في مأزق كبير، عندما يتعلّق الأمر بالتعامل مع المُدانين في قضايا إرهابية. إضافة إلى ذلك، تُواجه سويسرا تحديات خاصة بها، حيث أدى “الخلط بين التعامل مع القضايا الدولية والإستراتيجية الواجب اعتمادها في مجال عمل أجهزة المخابرات تعارضا بين الأطر القانونية”، على حد قول شوري ليانغ.

وأضافت ليانغ: “في الوقت نفسه تراقب السلطات السويسرية مواقع التواصل الإجتماعي لحوالي 400 شخص تشتبه في اعتناقهم لأفكار إرهابية، وقد يشكلون تهديدا أمنيا”. كما تشير إلى أن هذا العدد في تزايد، ومن الصعب الحفاظ على وتيرة معينة لمراقبة هذا العدد الكبير.

في الأثناء، يتفق ميرمود مع الرأي القائل بأن آليات الرقابة الموجودة في سويسرا حاليا – خصوصا وأن كل كانتون يعمل بشكل مستقل بحكم قواعد النظام الكنفدرالي – “يُمكن أن تمثّل عائقا إلى حد ما”، عندما يتعلّق الأمر بمحاربة الإرهاب وتنسيق الجهود لهذا الغرض.

أما فيما يتعلّق بكيفية التعامل مع المُدانين في قضايا إرهابية، يُؤكد ميرمود بأنه على ثقة من أن السلطات السويسرية سوف تجد حلا وسطا “لا تفريط فيه ولا شطط”، على حد تعبيره.


سؤال: ما هي الطريقة الأنسب والأنجع للتعامل مع هذا الإشكال حسب رأيك؟ 

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية