البرلمان الفدرالي يفتح كوّة أمـل لأبناء “البدون” في سويسرا
أصبح بإمكان أبناء المهاجرين المقيمين في سويسرا بطريقة غير شرعية، والذين درسوا في مدارسها، وكبروا في ربوعها، أن يأملوا في الحصول على تدريب مهني بعد إكمالهم لمرحلة التعليم الإجباري.
وقد أصبحت هذه الإمكانية متاحة بعد أن أقر مجلس الشيوخ إلتماسا بهذا الشأن يوم الثلاثاء 14 سبتمبر 2010 ، بعد أن سبقه إلى ذلك مجلس النواب في شهر مارس الماضي، وهو ما سيحث الحكومة على التقدم للبرلمان بمشروع تعديل قانوني بهذا الشأن.
وحتى الآن، كان يسمح لهؤلاء الشبان الإلتحاق بالمدارس الحكومية إلى حين بلوغهم السادسة عشر من العمر، وهو ما يقابل نهاية مرحلة التعليم الإجباري، لكن لا يتاح لهم متابعة التدريب المهني أو مواصلة الدراسة في المراحل اللاحقة.
ووفقا للأرقام التي كشف عنها اتحاد المدن السويسرية يغادر المدارس الحكومية كل سنة ما بين 300 إلى 500 طفل من أبناء المهاجرين المقيمين في سويسرا بصفة غير شرعية. وفي العادة، يرغب عدد يتراوح ما بين 200 إلى 400 فرد منهم في الإلتحاق بمؤسسات التدريب المهني، وهذا الرقم يعادل ما بين 0.25 و0.5% من مجموع 80.000 شاب يلتحقون سنويا بمجالات التدريب المهني في كافة أنحاء سويسرا.
وفي حديث إلى swissinfo.ch، قالت رينات أمستوتس، الناطقة بإسم اتحاد المدن السويسرية: “أنا سعيدة جدا لموافقة مجلس الشيوخ على هذا الإلتماس، لأن ذلك سوف يضع حدا لعدم المساواة في المعاملة بين الشبان”، وأضافت متسائلة: “ما ذنب هؤلاء، إذا كان أولياؤهم قد اختاروا الإقامة بطريقة غير شرعية في سويسرا”.
وتشير أمستوتس إلى أن أغلب المهاجرين غير الشرعيين يعيشون في المدن الكبرى، حيث بإمكانهم إخفاء هوياتهم والحصول على شغل يساعدهم على تلبية احتياجاتهم من دون الحاجة إلى أي دعم من جانب السلطات. كما تعتقد أن مجلس الشيوخ يعي أن هذه الخطوة لا تتعلق بتسوية وضعياتهم القانونية، أو منحهم رخص إقامة، وهو ما يفسّر بالنسبة إليها السهولة التي رافقت صدور هذا القرار.
كذلك أشادت منظمة Travail Suisse النقابية المدافعة على شريحة كبيرة من العمال، ويتجاوز عدد أعضاءها 170.000 من العاملين في العديد من القطاعات الصناعية بهذه الخطوة التي تعتقد أنها سوف تسمح في المستقبل بالإستفادة من يد عاملة ذات قيمة ومهارة عالية.
رغم هذا الترحيب، كانت نسب التصويت على الإلتماس الذي تقدم به إلى مجلس الشيوخ النائب الديمقراطي المسيحي من جنيف لوك بارثاسات متقاربة جدا، إذ صوّت لفائدته 23 نائبا، وعارضه 20. وعلى الحكومة الآن التقدم إلى البرلمان بمسودة قانون، من المنتظر أن تكون مدار نقاش واسع داخل غرفتيْ البرلمان.
انقسام النخبة السياسية
يكشف النقاش حول هذا الموضوع مرة أخرى عن الهوة الواسعة القائمة بين الاحزاب السياسية السويسرية عندما يتعلق الأمر بالقضايا المتصلة بملف المهاجرين. وبالنسبة لماكسيميليان ريْمان، النائب عن حزب الشعب (يمين شعبوي): “المهاجرون غير الشرعيين منتهكون للقوانين. ويجب أن لا تتحوّل سويسرا إلى ملجإ لهؤلاء”.
ويقول المعارضون لقرار مجلس الشيوخ إن ما حصل بالأمس (أي الثلاثاء 14 سبتمبر) هو فقط تأجيل للمشكل وليس حلا له أي أنه عندما يُكمل هؤلاء الشبان تدريبهم المهني، سوف يظلون مقيمين غير شرعيين، وبالتالي لا حق لهم في الإنخراط في سوق الشغل السويسرية.
أما المساندون فيرون أن هذه الخطوة، بالإضافة إلى كونها تحقق العدالة في المعاملة بين الشبان، تسمح لهؤلاء “البدون” بالحصول على تدريب مهني، وهو أفضل الوسائل المتاحة لتحقيق اندماجهم في المجتمع.
وتضيف أنيتا فيتس، النائبة من الحزب الإشتراكي: “البديل المتاح لهذا التوجه هو المزيد من الإجرام”، أما هيلين لومان من الحزب الليبرالي الديمقراطي فتتساءل: “هل نحن قساة إلى الحد الذي يمنعنا من منح هؤلاء الشبان فرصة من هذا القبيل؟”. أما زميلها من نفس الحزب ديك مارتي فذكّـر الحضور بأن “المجتمعات تقاس بحسب طريقة معاملتها لفئاتها الضعيفة”.
من جهة اخرى عارضت وزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر- شلومبف هذا الالتماس قائلة: “إن الكانتونات الست والعشرين تملك في الأصل القدرة على السماح لهذه الفئة بتلقي تدريب مهني في بعض الحالات الاستثنائية”.
تباين بين الكانتونات؟
في هذا السياق يجدر التذكير بأن التصويت للسماح للشبان المقيمين بطريقة غير شرعية بتلقي تدريب مهني موضوع له علاقة خاصة بكانتون فو الناطق بالفرنسية وعاصمته لوزان. إذ نجح المجلس البلدي لهذه المدينة في شهر فبراير الماضي في إثارة جدل كبير تجاوز حدود الكانتون بعد تقدمه بإقتراح لتشغيل شبان من المقيمين غير الشرعيين في إدارة البلدية بحلول 2011.
ورغم الإعتراضات القوية التي واجهت هذا المقترح من داخله أو خارجه، أقر البرلمان المحلي لكانتون فو التماسا يدعو حكومة الكانتون إلى بذل جهود من أجل أن تتخذ نفس الإجراءات على المستوى الفدرالي.
من جهتها، عبّرت ساندرين سالرنو، عمدة جنيف عن “رضاها” و”سعادتها” بنتيجة التصويت وعلقت قائلة: “لقد استمع البرلمان الفدرالي إلى مناشدات المدن”، ورأت في القرار الصادر عن البرلمان الفدرالي “مؤشرا إيجابيا كبيرا على تطوّر العقليات”.
في المقابل، شددت سالرنو على أن كانتون جنيف لن يمنح الأفضلية للشبان المقيمين غير الشرعيين مقارنة بالمتقدمين للتدريب المهني من السويسريين. وقالت: “إن جنيف سوف تعالج الموضوع حالة بحالة”.
ورغم اعتراف مؤسسة المدن السويسرية بأن أوضاع المقيمين غير الشرعيين تختلف من كانتون إلى آخر، فإنها تنفي أن تكون هذه الظاهرة مقتصرة على الكانتونات المتحدثة بالفرنسية في غرب البلاد. وتقول أمستوتس، الناطقة بإسم هذه المؤسسة: “لا توجد هذه الظاهرة في المناطق الناطقة بالفرنسية فحسب، بل في كل المدن السويسرية. إننا نجزم أن هذه الظاهرة توجد في الكانتونات الناطقة بالألمانية كذلك”.
وقد كشف استفتاء غير رسمي قام به موقع swissinfo.ch مبكرا هذا العام أن 57% من القراء يوافقون على السماح لأبناء المقيمين بطريقة غير شرعية بالحصول على تدريب مهني بعد انتهاء فترة التعليم الإجباري التي تستمر تسعة أعوام.
تذهب آخر التقديرات إلى أن ما بين 200 و400 شاب من المقيمين غير الشرعيين في سويسرا يرغبون كل سنة في الإلتحاق بتدريب مهني. وهذه الأرقام تمثل ما بين 0.25% و0.5% من 80.000 عقد تدريب تبرم كل سنة، وذلك طبقا لمصادر اتحاد المدن السويسرية.
كذلك، تكشف الإحصائيات أن ما بين 300 و500 شاب من المقيمين غير الشرعيين يختتمون كل عام مرحلة التعليم الإجباري من دون أن يسمح لهم بمواصلة الدراسة أو متابعة تدريب مهني. أما العدد الإجمالي لهذه الفئة من الشبان بحسب مصادر معهد البحوث gfs. berne لسنة 2004 فهو 10.000 شاب، لكن هذا الرقم يظل مشكوكا في صحته لكون هذه الفئة تتجنب أي اتصال مع الجهات الرسمية ويفضل أفرادها إخفاء هوياتهم الحقيقية، وإذا علمنا أيضا أن التقديرات المتداولة تذهب إلى ان عدد المقيمين غير الشرعيين في سويسرا عموما يتراوح بين 150.000 و300.000 فرد.
ووفقا لإحصاءات منظمات غير حكومية يقضي ما بين 50 إلى 60% من المقيمين غير الشرعيين ما بين 18 إلى 20 سنة من دون مغادرة سويسرا. ويحصل أبناء هؤلاء على التعليم الإجباري، لكن بعد انتهاء تلك المرحلة تغلق في وجوههم كل السبل المؤدية للإلتحاق بالجامعات أو الحصول على تدريب مهني يُعتبر شرطا ضروريا في معظم الأحيان لولوج سوق الشغل.
ويعتبر الحصول على السكن من اعقد المشكلات التي يعاني منها المقيمين غير الشرعيين، وبالنسبة لهم يتجاوز ثمن الإيجار بنسبة 50 إلى 70% مقارنة بغيرهم من السكان المحليين أو بقية المهاجرين.
ومن الموضوعات الشائكة ايضا والتي هي على علاقة بهذا الموضوع قضية الزواج المختلط بين المحليين والمهاجرين. وفي حالة حصول طلاق في هذا النوع من الزيجات يحتفظ السويسرييون بكل حقوقهم.
وقد حصل ان أطرد أباء اجانب إلى خارج سويسرا، ولا يسمح لهم بالعودة لزيارة ولرؤية ابنائهم إلا مرة واحدة في السنة، بشرط توفير تكاليف السفر على نفقتهم الخاصة.
ويعد الوضع أسوأ من ذلك بكثير عندما يتعلق الأمر بالنساء الأجنبيات اللواتي يتعرضن إلى سوء المعاملة وإلى العنف. فهذه الفئة من النساء إذا طالبن بالطلاق أو الإنفصال القانوني عن أزواجهن خلال السنوات الخمس الاولى من الزواج يفقدن حقهن في الإقامة ويصبحن عرضة للطرد القسري من البلاد. ويضطر هذا الوضع في أغلب الأحيان هذه الفئة إلى الصمت برغم ما يتعرضن له من عنف واغتصاب حتى وهن زوجات.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.