سويسريتان اختارتا العيش في تونس
عدد كبير من الشباب التونسي يحلم بالهجرة الى أوروبا والاستقرار بها، في حين أن العديد من الأجانب من جنسيات مختلفة، وقعوا في حب هذا البلد وقرروا الاستقرار بربوعه والاستثمار به، ومن بين هؤلاء المواطنتيْن السويسريتين "إمّا برنغر" و"أورسولا حازاق".
وتزامنا مع الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد، والحملات الانتخابية التي تعيش على إيقاعها، كان ل swissinfo.ch لقاء خاص مع السيدتيْن السويسريتيْن في تونس التي يعيشان فيها منذ 30 سنة أو يزيد.
قلبي هو من اختار العيش بتونس
لقائنا الأول جمعنا بالسيدة ” أورسولا حازاق”، مدربة ركوب الخيل. غادرت هذه المواطنة السويسرية بلدها منذ 42 سنة لتتزوج من تونسي وتبدأ حياتها على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط. وقد حدّثتنا عن تجربتها قائلة: “في البدء، كان مجيئي لتونس قصد العمل، آن ذاك كنت أشتغل مع وكالة أسفار سويسرية، حينها كنت أبلغ من العمر 22 سنة. في أواخر السبعينات كانت تونس من أشهر الوجهات السياحية في العالم، أحببت هذا البلد لجماله وطيبة ناسه، فالمعيشة سهلة هنا، وفي الأثناء تعرّفت على زوجي فكان قراري الاستقرار بتونس”. اشتغلت حازاق في المجال السياحي منذ سنة 1974 الى حدود عام 2007.
“في الأثناء كنت أمارس هوايتي في ركوب الخيل صحبة ابنتي، هذه الهواية التي رافقتني في طفولتي والتي عدت لممارستها منذ سنة 1999 ومع مرور الوقت أصبحت أمتهنها منذ عشر سنوات”.
سألنا أورسولا ما إذا كانت تعتبر قرارها صائب بالعيش في تونس وبعدها عن وطنها الأم وعن أهلها، فردت دون تفكير طويل: ” تونس أيضا بلدي، هنا يوجد بيتي وزوجي وأصدقائي أنا لا أعتبر نفسي مهاجرة، أمارس حياتي بصفة عادية، أتجوّل في الأحياء الشعبية، وأتسوق من الأسواق الأسبوعية، لي أصدقاء من كل الفئات المجتمعية، قلبي شديد التعلق بهذا البلد. صحيح ان سويسرا هي بلدي الأم، أزورها بصفة منتظمة، أبنائي تحولوا للعيش هناك، يعني هناك دائما شيء يربطني بها!”
أساهم بكل فخر في المشهد السياسي
وعن موقفها من ثورة الياسمين، تقول أورسولا: ” كنت أعتبر أن نظام بن علي هو نظام بوليسي بالأساس، لم تكن هناك حياة سياسية (الحزب الواحد)، لذلك رحّبت بالثورة، فمنذ اندلاعها تحرّر المجتمع التونسي من كل أشكال الخوف، أصبحت حرية التعبير مضمونة لكل فرد. منذ البداية كنت دائما أدعم المسار الديمقراطي، عن طريق مساندتي لحزب -نداء تونس- الذي كان يترأسه المرحوم الباجي قائد السبسي، كما كنت أشارك في الوقفات والمسيرات وكذلك شاركت في اعتصام الرحيل الذي جاء بعد مقتل شكري بالعيد والحاج البراهمي. أنا مواطنة سويسرية مقيمة بتونس، لست حاملة لجنسية هذا البلد، ومع ذلك فأنا متابعة وفية للمشهد السياسي بتونس.”.
وعن انتظرتاها من الرئيس الذي سيقع انتخابه للمرحلة القادمة أجابتنا أورسولا: “أظن أن الاختيار سيكون صعبا على المنتخبين، في كل الحالات يجب على الرئيس المرتقب أن يولي اهتماما أكبر بالشباب الذي وقع تهميشه منذ سنين وبذلك كانت النتيجة: ارتفاع في نسبة البطالة، هجرة الأدمغة… من جانب آخر أتمنى أن يتوصل الرئيس المقبل الى إيجاد حلول للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والعمل على القضاء على السوق الموازية”.
وفي ختام حديثنا مع أورسولا، أكّدت لنا أنها لن تفكر في مغادرة تونس إلا في حال أن تسلب منها حريتها الشخصية!
الاستقرار في تونس لم يخفن
اللقاء الثاني كان مع ” أمّا برنغر” باعثة مؤسسة ” نابوليس ” للمنتجات البيولوجية. هذه السيدة مقيمة بتونس منذ سنة 1988.
حدّثتنا برنغرعن حيثيات اقامتها بتونس قائلة:” تعرّفت على زوجي وهو تونسي كان آنذاك مقيما بسويسرا – كانتون فو- أين تزوجنا ورزقنا بثلاث أطفال، لم نعش البذخ هناك، اشتغلت أنا وزوجي في مجال التنظيف، وكنت دائما أبحث عن شغل يتلاءم مع مسؤولياتي تجاه أولادي وعائلتي. كنت دائما أطمح في أن ينشأ أولادي في مجتمع يحترم اختلافهم كما أن زوجي كان شديد الإصرار على العودة النهائية الى تونس.
قرار العودة والاستقرار في تونس لم يخفن يوما. أما فيما يخص ردّة فعل الأفراد المقربين مني، فكانت فيها الكثير من المخاوف واللّوم خاصّة أن الوضع السياسي في تلك الفترة كان مختلفا عما هو عليه الآن. في الأول جئت للعيش بتونس صحبة أولادي الثلاث وبقي زوجي بسويسرا كي يشتغل ويؤمن لنا العودة النهائية.
في بداياتي بتونس اشتغلت لحسابي الخاص في خياطة الستائر لمدة سنتين. كنت أشتغل ببيتي وكان لي العديد من الزبائن كنت حينها أطمح لتوسيع هذا المشروع الى أن عاد زوجي الى تونس محمّلا بفكرة مشروع انتاج ” العجائن الطّازجة “.
كنّا منفردين في هذا الاختصاص على مستوى السوق المحلية. كنت أعدّ العجينة المورّقة يدويا. في الأول لم يكن لدينا آلة للعجن. أما عملية التوزيع فكانت محدودة. لم نفقد الأمل يوما واحدا على الرغم من الصعوبات التي وجهناها في خطانا الأولى. حبنّا لعملنا هو الوسيلة الوحيدة التي ساعدتنا على النجاح. في مرحلة ثانية قمنا بتطوير آليات الإنتاج، فأصبحت لدينا آلة عجن. ومنها اكتسحنا السوق بمنتوجنا ” العجينة الورقية ” الذي لم يكن لنا منافس فيه. بعد مرور عشر سنوات من انبعاث مشروعنا أصبحنا أكثر مهنية من الأول اذ أصبح لدينا غرف للتبريد ومعدات متطورة ساهمت في ترفيع نسبة الإنتاج وقمنا بتوسيع مجال انتاجنا وأدرجنا المنتوجات البيولوجية “.
لم أجد صعوبات في التأقلم
في سؤالنا للسيدة “برنغر” عن مدى تأقلمها مع الأجواء التونسية، أجابت: ” بالرغم أنني سويسرية الأصل ولست حاملة للجنسية التونسية الا أني أعتبر نفسي منتمية لهذا البلد وليس لدي إحساس المغترب، فتونس هو البلد الذي نشأ فيه أولادي، أعيش هنا منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، لم أفكر في مغادرة هذا البلد، سويسرا هي بلدي الأم، فيها ولدت وفيها ترعرعت لكنني لم ولن يكون لي أبدا إحساس بالندم على القرار الذي أخذته يوما ما بالقدوم الى تونس والاستقرار بها”.
الحرية أهم مكاسب الثورة التونسية
أمّا فيما يخص رأي السيدة ” برنغر ” فيما يخص الثورة: ” ثورة الياسمين هي ثورة جاءت لتهدي الشعب التونسي حريتهم، حسب رأيي من أكبر مكاسب الشعب التونسي هي حرية التعبير، فقط تجاوز التونسيون مرحلة الديكتاتورية وأصبح الكل يتباها بهذا المسار الديمقراطي الذي يضمن للمواطنين حقهم في انتخابات حرة وشفافة”.
“أتمنى أن يحسنوا الاختيار ويكون رئيس الدولة في المرحلة القادمة، رئيس يمثل كل التونسيين ويكون قريب منهم ويضمن حق المساوات بين المواطنين، كما أتمنى ان يقع الاهتمام أكثر بالحفاظ على البيئة واعتماد سياسة فرز الفضلات من قبل المواطنين”، تضيف السيدة السويسرية.
ثم ختمت بالقول: “في الأخير أرجو أن يتفهم التونسيين أن تحقيق أهداف الثورة يحتاج إلى وقت، أنظروا الى أكبر الديمقراطيات في العالم وأكثر البلدان تقدّما، فنجاحهم لم يتحقق في ظرف وجيز. أتمنى أن يستمر الشعب التونسي في رسم خطاه الى الأمام وبثبات وألاّ يتطلع الى الوراء”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.