التدريب المهني .. الطريق إلى التتويج
كل عام، تتنافس نخبة الشباب السويسري في مجال نظام التدريب المهني من اجل التتويج في مجال تخصصاتها. إنه استعراض لنظام نموذجي في المجال الوظيفي تتطلّع إليه بلدان اخرى، لكنه يحتاج إلى التطوير المستمر.
“منذ متى وصلت؟”، تصرخ متدرّبة في مجال الخبازة وهي تضغط على قطرات القشدة التي تنزل في وعاء به خليط. “منذ 20 دقيقة!”، يأتي الرد من شخص ما في الحشد. هذه المراهقة هي واحدة من الكثيرين الذين يشاركون في مسابقة “المهارات السويسرية”رابط خارجي والذين يمثلون أفضل الشبان السويسريين المتدربين في حقل اختصاصهم. وتنظم هذه التظاهرة في العاصمة الفدرالية، برن.
حوالي 155.000 شخص، أغلبهم شبان مراهقون، جاؤوا لمشاهدة نجوم صناعة الشوكولاته، ومصممي أزياء المستقبل، وتصوّب تجاههم الأنظار من أعضاء لجنة التحكيم وحشود الزوّار.
يختار حوالي ثلث الشباب في سويسرا التعليم المهني بالنسبة لمستقبلهم الوظيفي، عوضا عن التعليم الاكاديمي البحت. من الخبّاز إلى الجزّار، او عامل النظافة، هناك فرصة للتدرّب في كل المجالات تقريبا.
نظام له شعبيته لدى رجال الاعمال
يرى البرفسور ستيفان فولتر، المدير التنفيذي لمركز تنسيق البحوث في مجال التعليمرابط خارجي في حديث إلى swissinfo.ch: “إن نظام التدريب المهنيرابط خارجي، وعلى خلاف ما هو عليه الحال في بلدان اخرى، لا يمثّل نقطة نهاية بالنسبة للشباب”. ويشير فولتر بذلك إلى مجموعة من الخيارات التي يمكن أن يتبعها المتدرّب المهني حينما ينهي تدريبه. فبإمكانه إكمال تعليمه في المرحلة الثانوية المتقدمة، او الإلتحاق بمعهد عال للعلوم التطبيقية مثلا.
ومع بلوغ معدّل البطالة في صفوف الشباب 3.4% في عام 2013، تبدي العديد من البلدان اهتماما بالتجربة السويسرية وامكانية اعتمادها من طرفهم.
المزيد
من بائعي الزّهور إلى مُركِّبي شاحنات الإطفاء
في تزامن مع مسابقة “المهارات السويسرية”، استضافت سويسرا أيضا مؤتمرا دوليا حول التعليم والتدريب المهني، وقد حضره المختصون في هذا المجال بكثافة من جميع انحاء العالم. كان من بين الحضور وفد من الولايات المتحدة متشكل من مدرّسين حاصلين على الدكتوراه ويدرّسون في معاهد، وقد ترأست الوفد “المرأة الثانية في الولايات المتحدة”، جيل بايدن، والتي زارت بالمناسبة شركة بوهلررابط خارجي، وعبّرت عن “انبهارها لما علمت بأن 80% من المتدربين في هذه الشركة يستمرون في العمل فيها (بعد انتهاء الفترة التدريبية)، وكذلك استفادة بعض الشركات الاخرى منهم، ما يترك صدى طيبا”.
ومن العوامل الرئيسية التي ادت على نجاح هذا النظام اقبال أرباب العمل على المشاركة فيه بقوة، وفقا لما يقول فولتر. والذي يضيف: “هم يفعلون ذلك لأنهم شعروا أنه مربح بالنسبة لهم، لكن اقبالهم الجماعي على ذلك هو الامر المهم. وهذا التدريب الذي يتم وفق إطار وقواعد محددة، يمكّن الشبّان من الإستفادة من خبراتهم ومعارفهم، في أي شركة تنشط في نفس المجال.
ويبدو فالنتين فوغت، رئيس اتحاد الأعراف السويسريينرابط خارجي مقتنعا بأن القيام بتدريب مهني هو “مربح في النهاية من دون أي ريب”. ويقول: “لدينا حكومة توفّر التعليم، وشركات توفّر فرص العمل، وجمعيات توفّر محتويات التعليم. وفي النهاية إذا ما اضفنا على ذلك التكلفة، ثم حسبنا الأرباح، تكون الصورة النهائية واضحة المعالم”.
كل صناعة يمكن تعلّمها
الخبرات التي تعرض في صالون “المهارات السويسرية” تمثّل نخبة النظام السويسري. والبعض من هؤلاء اختاروا مجالات تخصص دقيقة جدا.
بالنسبة للكثيرين التنظيف لا يمكن ان يكون هواية، وبالتأكيد ليس عملا بدوام كامل، او مهنة للمستقبل. لكن الموقف مختلف بالنسبة لأنّات لانز، والتي تحوّل رضاها والمتعة التي تشعر بها عند تنظيف غرفة من هواية إلى مهنة للمستقبل.
ولانز في السنة الأولى من برنامجها التكويني الذي يمتد لثلاث سنوات في اختصاص تنظيف المباني. لانز التي كانت محشورة في ركن من أركان صالون معارض “المهارات السويسرية”، كانت سعيدة وهي تجيب عن أسئلة واستفسارات الزوار الشبان.
وتقول لانز متحدثة إلى swissinfo.ch: “هذا عمل مرهق، ولكن لدينا الإندفاع اللازم! نعمل ضمن فريق، ونكون في حركة دائمة، وفي علاقة بميادين عمل عديدة، وأنت فعلا تعمل في علاقة وطيدة مع الآخرين”.
تتطلع أنظار الشبان القادمين من جميع أنحاء البلاد مرة لمتابعة المنافسة الحادة بين المتسابقين، ومرة أخرى السعي للعثور على ما يمكن أن يساعد في اختيار التدريب الذي يناسبه عندما يحين الوقت.
وقد بدأ هذا الشاب (23 عاما) مشواره كمتدرّب، وشارك اوّلا في منافسات للمتدربين على المستوى المحلّي، قبل أن يتوّج بالفوز بالمسابقة على المستوى الوطني، ومن ثم يصبح بطل العالم لعدة مرات في هذا المجال المهني.
يقول دورينمات متحدثا إلى swissinfo.ch: “المشاركة في هذه المنافسات كان مفيدا لي حقا في مسيرتي. وكنت دائما اقول- لا أريد أن ينتهي بي المشوار مجرّد مصففّ شعر في صالون عادي. أنا أحلم بأن يكون لي حضور على المستوى الوطني والدولي،… وأن أشارك في معارض، أو للتهيئة لإلتقاط صور مهمة، او العمل لصالح قنوات تلفزيونية. ثم يضيف: “الكثير من الناس يعرفونني، ويتابعون أخباري في المجلات والصحف،…وهذا امر مهم بالنسبة لي”.
المستوى الرفيع لهذه المنافسة الوطنية في مجال “المهارات السويسرية” يوفّر لدورينمات فرصة إظهار ما هو قادر على انجازه أمام جمهور عريض “إنها حقا فرصة عظيمة للقاء الناس وبناء شبكة علاقات”، يقول دورينمات.
ويضيف هذا الشاب الطموح: “هذا النوع من المنافسات مهم جدا بالنسبة لأي مهنة. في هذه المنافسات نتعلّم الكثير حول التقنيات المستخدمة، والإعدادات،… وكيف تتصرّف إزاء الظروف الصعبة التي نواجهها في الحياة اليومية،… بغض النظر عن المهنة التي تزاولها”.
نظام متجدد
يحتاج نظام التدريب المهني أن يظّل مواكبا للتطوّرات التي يشهدها سوق العمل. وعندما أدخل التعديل على قانون التدريب المهني قبل عشر سنوات، كان الهدف الرئيسي هو جعل أنظمة التدريب المهني المختلفة قابلة لإرجاع بعضها إلى بعض. ويقول المدير التنفيذي لمركز تنسيق البحوث حول التعليم: “إن أهم تغيير حصل مع القانون الجديد، هو سماحه بتسريع عملية إصلاح هذا النظام، اكثر مما كان متاحا من قبل”.
المزيد
الدراسة أم العمل؟.. تنقسم الآراء ويحتدّ الجدل!
كانت العملية الهادفة إلى جعل مجموع المهارات تتماشى مع الممارسات الحديثة تستغرق قرابة عشر سنوات، وفقا لفولتر، أما الآن “لدينا 230 مهنة مختلفة بالإمكان تعلمها، والآن يمكن إصلاحها وتكييفها مع التحديات والتطوّرات المتلاحقة في غضون ثلاث إلى خمس سنوات في أقصاه”.
على الرغم من أن عدد الشبان الذين يختارون التدريب المهني لمستقبلهم الوظيفي قد بقيت نسبتهم مستقرة في السنوات الاخيرة، فإن التحدي المتمثّل في جعل المراهقين يواصلون الإقبال على هذا الخيار أمر يؤرق المعنيين بهذا المجال.
حوالي 5000 فرصة للتدريب المهني تظل شاغرة كل سنة وفقا لفوغت، الذي يرى “إنها سوف تتحوّل إلى مشكلة على المدى الطويل”.
وقال فوغت متحدثا إلى swissinfo.ch: “يرتسم اتجاه في هذا البلد يتمثّل في سعي المزيد من الشبان للإلتحاق بالتخصصات الاكاديمية، وأعتقد أن هذا يمثل مشكلة، لأنه في نهاية المطاف اولئك الاشخاص لن يكونوا على درجة اكبر من الذكاء. وهذا ليس جيدا لا للأكاديميين، ولا للمتدربين في الإختصاصات المهنية. والذي سوف يحدث هو انخفاض المستوى في المجالين”.
الامر الأساسي الذي يشغل المتخصصين في مجال نظام التعليم المهني في سويسرا، بمن فيهم فولتر، هو جعل هذا النظام نموذجا ومرجعا تحاكيه بقية البلدان.
ويشدد مدير مركز تنسيق البحوث حول التعليم في سويسرا على أن “30 إلى 40% من كبار المديرين التنفيذيين في سويسرا هم من الاجانب، وهؤلاء عليهم أن يكونوا مقتنعين بأن التعليم المهني يمثل نظاما نموذجيا”.
قانون التدريب المهني
عُدّل قانون التدريب المهني في عام 2004. وينص على أن مسؤولية التعليم والتدريب المهني والوظيفي مسؤولية مشتركة بين الكنفدرالية والكانتونات، والمنظمات المهنية. كما يحدد هذا القانون بدقة أي طرف يموّل أي مستوى من مستويات هذه المهمة. وقد أضيفت دروس جديدة خلال تعديل 2004.
وفقا للمكتب الفدرالي للإحصاء، 68.875 شابا وشابة منخرطون في برنامج التدريب والتعليم المهني في عام 2013. ويوزّع هؤلاء أوقاتهم بين توسيع معارفهم بشأن اختصاصاتهم وبين التدريب العملي والميداني في مجالها، في إطار المؤسسات والشركات.
في عام 2011، أزيد من 71% من الشبان أكملوا المستوى العالي من التعليم الثانوي مع التأهيل المهني، بعد أن شاركوا في برنامج للتدريب المهني.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.