“الخبز للجميع”.. 50 عاما من الكفاح ضد الجوع والفساد
وراء الإسم البسيط للجمعية السويسرية "الخبز للجميع"، تكمن مؤسسة خيرية واسعة النشاط تعمل منذ نصف قرن من الزمان على تغيير علاقة سويسرا بالبلدان النامية.
منظمة “الخبز للجميع” أو “الخبز للإخوان” كما كان يطلق عليها في البداية، هي جمعية أنشأتها الكنائس البروتستانتية السويسرية في ذروة الإستعمار الغربي في إفريقيا، وشكلت واحدة من منظمات المساعدات الإنسانية الجديدة التي كانت تهدف وقتئذ إلى اجتراح أساليب مبتكرة وغير تقليدية في دعم الشعوب حديثة العهد بالإستقلال.
وفي حديث إلى swissinfo.ch أوضح ميغيس بومان، المسؤول عن السياسات التنموية بجمعية “الخبز للجميع” أن قطاع الخدمات التنموية التابع للكنائس الذي ظهر للوجود بتأثير من الأفكار الدينية التحررية القادمة من أمريكا اللاتينية، أدرك سريعا أن الإكتفاء بتقديم الدعم المالي لم يعد كافيا.
وتبعا لذلك، اعتبر القائمون عليها أن الوقت قد حان بالنسبة لسويسرا لكي تعيد النظر في سياساتها وممارساتها في مجالات هامة مثل التجارة والمالية.
swissinfo.ch: أي نوع من التغيير تدعو إليه جمعية “الخبز للجميع”، وما هي المجالات التي أحرزت فيها تقدما؟
ميغيس بومان: من الواضح، أنه ليس بإمكاننا تغيير العالم بأكمله. ولكن بإمكاننا محاولة التأثير على العلاقة بين سويسرا (الشركات السويسرية، والمستهلكون، والحكومة) من جهة، والبلدان النامية من جهة أخرى. ومن بين المجالات المهمة التي نجحت جمعية “الخبز للجميع” في لعب دور رئيسي فيها كان في مجال التجارة العادلة.
ولقد كنا من الأوائل الذين دعوا إلى تغيير طبيعة العلاقات التجارية بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب. وأنا شخصيا كنت واحدا من الأشخاص الذين شاركوا في الثمانينات في تقييم الظروف التي تحيط بإنتاج الأناناس في الفلبين، والذي كان يُوزّع لاحقا في الأسواق السويسرية.
لقد سعينا إلى أن تتضمّن عقود الشراء المبرمة بين ميغروMigros، أكبر مجموعة تجارية تعاونية سويسرية لبيع المنتجات الاستهلاكية، ودال مونتي DelMonte، الحد الأدنى من الشروط الاجتماعية، لكن ذلك لم يكن إلا البداية في مرحلة طويلة تعلمنا فيها كيف يمكن تغيير العلاقات التجارية.
وبحلول عام 1992، أنشأت “الخبز للجميع” مؤسسة ماكس هافلار Max Havelaar للتجارة العادلة، وذلك بالتعاون مع منظمات سويسرية أخرى مثل “كاريتاس”، و”حركة الصوم”، و”هيلفيتاس”، و”سويس إيد” غير الحكومية. ويُعتبر السويسريون حاليا الأبطال على المستوى العالمي في استهلاك منتجات التجارة العادلة.
كيف توصلت مؤسسة “الخبز للجميع” إلى تحقيق كل هذا النجاح؟
ميغيس بومان: بالطبع، من السهل التعرّف بالنسبة للمنتجات الزراعية كيف يتم انتاجها، ومن أيْن أتت؟ ولكن بالنسبة لبقية المنتجات، كالنسيج او السلع الإلكترونية، يصبح الوضع أكثر صعوبة.
وتنشط جمعيتنا أيضا في مراقبة الصناعات في هذه المجالات الإنتاجية الرئيسية، كما تستمر في الحوار مع بعض الشركات الأخرى.
وبعد مشروع تجريبي مع شركة هيوليت باكارد HP، قطعنا خطوات أخرى إلى الأمام، ونحن نشارك الآن ضمن شبكة عالمية من المنظمات ذات الأهداف المتقاربة، في مشروع يحمل عنوان” لنجعلها تجارة عادلة”، وهو مشروع يتصدى لمراقبة صناعة الإلكترونيات ككل.
لقد قامت منظمة “الخبز للجميع” بدور فعّال، وراقبت عن كثب أنشطة الشركات السويسرية في البلدان النامية. إلى أي حد أمكن لكم التأثير في مسؤولية الشركات؟
ميغيس بومان: نحاول عبر الحملات العامة تحسين أوضاع العمال والمجموعات المتضررة من بعض الشركات والمشروعات. وفي شهر مارس 2011، نشرت “الخبز للجميع” بالتعاون مع صندوق لونتين الكاثوليكي السويسري تقريرا حول أنشطة شركة جلينكور العملاقة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
التقرير يتهم الشركة بانتهاك حقوق الإنسان، وتشغيل الأطفال، وتلويث البيئة والتهرّب من دفع الضرائب المستحقة عليها. وفي شهر يونيو، نشرنا معلومات حول شركة أداكس، للطاقة البيولوجية، التي يوجد مقرها الرئيسي في جنيف، وتنشط في سيراليون هذه المرة.
وكانت الشركة تشتري الكثير من الأراضي، أو تقوم بتأجيرها لمدة 50 عاما، من أجل انتاج قصب السكر، ليتم تحويله لاحقا إلى إيثانول يُباع في الأسواق الأوروبية.
لقد استنجدت بنا الكنائس في سيراليون لأنها لاحظت أن هناك مشاكل في الطريقة التي تتعامل بها هذه الشركة مع المجموعات المحلية، ولذلك قررنا تسليط الضوء على تلك العلاقات.
إلى جانب التجارة العادلة، والتوعية بمسؤولية الشركات، لجمعية “الخبز للجميع” أولويتان أخريتان، هما الحق في الغذاء، والعدالة في التغيرات المناخية. لماذا اخترتم هذيْن المحوريْن؟
ميغيس بومان: نحن لا ننظر إلى قضية التغيرات المناخية على أنها مسألة بيئية بحتة، بل بوصفها قضية عدالة، لأن المسؤول عن هذه الظاهرة هي بلدان الشمال الصناعية، في حين أن المتضررين منها على وجه الخصوص هم السكان الفقراء في بلدان الجنوب.
هذه القضية ذات أولوية قصوى بالنسبة للمنظمات غير الحكومية، لأن التغيرات المناخية تهدد كل التقدم المحرز في مجال التنمية خلال العقود الماضية.
نحاول من خلال العمل مع شركائنا في بلدان الجنوب تعزيز قدراتهم على الصمود تجاه ما يحدث، ووضع الخطط الكفيلة للرد على هذا التحدي. إلى جانب ذلك، نحاول أن نكون قوة ضغط هنا في الشمال لكي نتمكن من التخفيف والحد من انبعاث الغازات الخطيرة.
وبالنسبة للأمن الغذائي، تدعم “الخبز للجميع” المحتاجين إلى المساعدات الغذائية المباشرة خاصة في المناطق التي تكون فيها الاوضاع متردية جدا، كالوضع الحالي في القرن الإفريقي، وليس هذا فحسب فنحن نحاول استشراف المستقبل.
المعونة الغذائية هي الخطوة الأولى، أما الخطوة الثانية، فستكون مساعدة هؤلاء الناس على تطوير قدراتهم الذاتية لإنتاج ما يكفيهم من الغذاء. ثم الخطوة الثالثة، والتي نشارك فيها أيضا، وتتمثل في إيجاد إطار مناسب لتحقيق الأهداف في مجال التنمية.
جزء من هذا الجهد أيضا ينصرف إلى تحقيق النزاهة المالية، وهو مجال يحظى باهتمام خاص في سويسرا. ما مدى اهمية الأخلاقيات في مجال الأسواق المالية؟
ميغيس بومان: قمنا بحملات بشأن هذه القضية امتدت لفترة طويلة، أما بقية البلدان فلم تتنبه لذلك إلا أخيرا فأصبحت تمارس ضغوطا على المصارف السويسرية، وعلى النظام السويسري، ومنذئذ بدأنا نشهد تغييرات على مستوى السرية المصرفية.
لقد تمت مراكمة جزء من الثروة السويسرية في ظروف غير عادلة، ومن خلال طريقة تعامل غير مناسبة تجاه بلدان أخرى وأشخاص آخرين في الماضي، وعلينا أن نغيّر هذا الوضع.
لكن هناك خطوات قد قطعت، ونجاحات قد تحققت، وسويسرا تساعد اليوم العديد من البلدان في التوصل إلى إسترداد الأموال المسروقة من قبل الحكام المستبدين. لقد بات من المستحيل تقريبا بالنسبة للشخصيات السياسية العامة إخفاء أموالها في سويسرا.
قامت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون التابعة لوزارة الخارجية بِدَعم المحاولات الرامية إلى تحسين الآليات التنظيمية العالمية التي تَحكُم الاستثمار بالأراضي والموارد الطبيعية (المياه والتنوع البيولوجي الخ).
تدعم سويسرا التخطيط لِعملية تشاورٍ مفتوحةٍ وشفافةٍ على المستوى العالمي حول مبادئ
“الإستثمار الزراعي المسؤول” والتي تَستَجيب مع القوانين القائِمة لحقوق الإنسان بشكلٍ كامل، وهي تهدف إلى المحافظة على حقوق الأشخاص المُتَضَرِّرين بِشَكلٍ مُباشر من صفقات الأراضي، بما في ذلك حقوقهم في المياه والغذاء.
ومن خلال الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون أيضاً، وفَّـرت برن الدَّعم السياسي والمالي لإعداد “المبادئ التوجيهية الطوعية للحُـكم المسؤول لِحيازة واستغلال الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى”.
يُتَوَقَّع أن تَتِمَّ مناقشة هذه المبادئ التوجيهية واعتمادها خلال الاجتماع المُقبِل لِلجنة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) حول الأمن الغذائي العالمي، الذي سَيُعَقد في العاصمة الإيطالية روما خلال شهر أكتوبر 2011.
تؤيِّد سويسرا عملية تعزيز مثل هذه المبادئ التوجيهية، التي تَسْتَهدف الحكومات ومُنظمات المُجتمع المدني والقطاع الخاص الأكاديميين، في المسائل المُتعلقة بالإستثمار الزراعي. كما تَعْتَزم الكنفدرالية تَعزيز تَطبيق هذه المبادئ على المستوى الوطني، بعد أن يقع اعتمادها.
تأسست ماكس هافلار في سويسرا عام 1992 بناء على نموذج المؤسسة الهولندية الأم التي أنشأت عام 1988 من طرف منظمات التعاون: الخبز للجميع وكاريتاس وحركة الصوم، وهيلفيتاس وسويس إيد.
تمنح علامة تجارية للمنتجات القادمة من مناطق ذات اقتصادات ضعيفة، وفقا لمعايير اجتماعية وبيئة، ثم تسوق تلك المنتجات مع احترام تلك المعايير.
وتطابق العلامة التجارية القواعد الدولية للمنظمة الدولية لمنح علامات التجارة العادلة.
حققت ماكس هافلار في سويسرا في عام 2005 مجموع مبيعات بلغ 210 مليون فرنك.
بلغ الموز الذي يحمل علامة ماكس هافلار 47% من إجمالي الموز المعروض في الأسواق السويسرية.
في عام 2007، باعت شركة “سويستر” (النسيج العادل) في سويسرا 7 مليون قطعة، أي ما يناهز قطعة لكل ساكن.
ينفق المواطن السويسري 22 فرنك في العام على منتجات عادلة، مقابل 6 فرنك للمواطن الفرنسي.
تمثل التجارة العادلة 0,01% من مجموع المبادلات التجارية العالمية.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.