مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الرياضة مدرسة نتعلّم فيها احترام قوانين اللعبة”

المدرّب السويسري من أصول جزائرية إسماعيل جليد خلال حصة تدريبية مع عناصر فريق يونغ بويز ما دون 21 عاما بأحد الملاعب في برن. courtesy I. Jlaied

يتميّز المجتمع السويسري بالتنوّع والتعددّ الثقافي. فربع الأطفال المولودين في سويسرا يحملون جوازات سفر اجنبية، وثلث السكان من اصول مهاجرة. وللحصول على الإعتراف في هذا البلد، ولإثبات جدارتهم، اختار بعض المهاجرين العرب الميدان الرياضي طريقا للنجاح، بعضهم كلاعبين، وبعضهم الآخر كمدربين أو حكّام.

وكشفت دراسةرابط خارجي ظهرت حديثا أنجزها رافيالي بولي، من مرصد كرة القدم بالمركز الدولي للدراسات الرياضية بنوشاتيلرابط خارجي أن “النوادي الرياضية، وخاصة في مجال كرة القدم تسمح للأجانب باندماج أفضل. ناهيك أن 40% من مجموع 250.000 عضو بنوادي كرة القدم في سويسرا لا يحملون جوازات سفر سويسرية”.

وتزخر الساحة الرياضية في هذا البلد بأسماء عربية لامعة، البعض منها من الهواة والبعض الآخر من المحترفين، يراهنون على اثبات جدارتهم في ميدان يتميّز بالتنافس الحاد وتغيير عقلية السكان المحليين من خلال العمل التطوّعي، والأداء الميداني، والخبرات المتقدّمة.

اسماعيل جليّد

متحصّل على دبلوم في مجال التدريب من الفدرالية السويسرية لكرة القدم.

15 سنة تدريب رياضي في سويسرا.

6 سنوات، تدريب لفريق يونغ بويز لما دون 21 عاما في الرابطة السويسرية الاولى، صنف الناشئين.

فائز بثلاث كؤوس محلية، وعلى بطولة سويسرا لما دون 19 عاما.

جامعي في مجال الإقتصاد، ويعمل في ميدان التجارة الألكترونية.

على علاقة بالعديد من الفدرالية الدولية لكرة القدم واحتمال انتقاله للتدريب إلى ألمانيا أو أحد البلدان المغاربية.

ورغم أن الكثير من هذه الأسماء قد هاجر إلى سويسرا للعمل او للدراسة، فإن الولوج إلى النوادي الرياضية كان إما استمرارا لهواية قديمة او استثمارا لما توفّره سويسرا من فرص التكوين والتدريب للاحتراف في هذا الميدان.

استمرار لمشوار سابق

اسماعيل جلّيد أو جمال يزيدي، والأسماء كثيرة، كلاهما خاض هذه التجربة المتميّزة، رغم ان الأوّل قدم إلى سويسرا من الجزائر لإستكمال دراسته الجامعية في مجال الإقتصاد، والثاني استقرّ بكانتون برن قادما من سوريا، حيث مارس مهنة الحلاقة.

ولوج هذيْن الرياضيْين إلى ميدان كرة القدم، ثمّ التخصص في مجال التدريب، لم يأت من عدم إذ كلاهما كان لاعبا محترفا في بلده الاصلي، ويقول السيد يزيدي إنه “بدأ ممارسة التدريب ليس لكسب المال بل لممارسة هواية من هواياتي التي أجد فيها متعة كبيرة، فضلا عن أنها توفّر لي أجواء أبقى فيها في تواصل مع اللاعبين ومع مسؤولي النوادي”. والرياضة على حد قوله: “مجال جيّد لتطوير العلاقات الشخصية”.

كذلك يقول اسماعيل جلّيد: “كان الهدف من ممارسة هواية التدريب بنادي مارلي بكانتون فريبورغ، قبل أن أصبح مدربا محترفا بنادي يونغ بويزرابط خارجي لما دون 21 عاما، التعرّف على الآخرين، والتواصل مع المجتمع، وأن أقوم بدوري كسفير لبلدي ولثقافتي في هذا المجتمع، فضلا عن تلبية الرغبة الشخصية والهواية حبّا لكرة القدم في الأوّل كلاعب، ولاحقا كمدرّب”.

النجاح رهين بالتضحية

قبل خوض غمار التدريب، كان على جمال اليزيدي متابعة تكوين نظمته جمعية كرة القدم ببرن، إذ من غير المسموح تدريب الفرق الرياضية من دون الحصول على دبلوم في هذا المجال. ورغم أن هذا التكوين ليس مكلّفا ماديا لكن “ليس من السهل من دونه كسب احترام الجمهور”.

ففي بداية المشوار، يسود الحذر والتوجّس، ولكن، “لماّ يلاحظون أنك حققت نتائج، وأنك شخص منضبط، وتعمل بشكل منظم وجيّد، وتقدّم للاعبين ما ينقصهم، يصبحون هم من يصرّ على مواصلة مشوارك معهم”، يضيف هذا المهاجر من أصل سوري.

طريق المدرّب جلّيد لا يختلف هو الآخر كثيرا، إذ يؤكّد هو بدوره أنه حصل على أهمّ دبلوم تمنحه الفدرالية السويسرية لكرة القدمرابط خارجي، يسمح لمن حصل عليه تدريب أعرق الفرق في الرابطات الوطنية المحترفة في سويسرا او خارجها. وحصوله على هذا الاعتراف المستحق جاء “بعد بذل جهود كبيرة”، يقول المدرّب السويسري الجزائري، قبل أن يضيف من وحي تجربته التي تمتد اليوم 15 عاما، “على كل عربي، ومسلم أراد أن يحقق النجاح الذي يرجوه أن يثبت أنه يتمتّع بإمكانيات كبيرة، تشهد عليها الديبلومات العلمية والنتائج الميدانية”.

منذ عدة عقود، باتت كرة القدم في سويسرا أفضل وسيلة للأجانب للتواصل مع السكان المحليين، وبفضل شبان خاصة من بلدان البلقان عرفت الكرة السويسرية عصرها الذهبي Keystone

كما أن الرياضة في سويسرا تلعب دورا هاما في تعديل الصورة السلبية التي تتداولها وسائل الإعلام بشأن كل ما له صلة بالعالم والثقافة العربية. وقد لمعت في سماء الرياضة السويسرية في سنوات الأخيرة بعض الأسماء العربية، كالمصرييْن محمد صلاح، وحسين كريم، والتونسيين ياسين الشيخاوي وأمين الشرميطي. ويشدّد جلّيد قائلا: “يمكن للرياضي الأجنبي أن يؤثّر إيجابا على عقلية السكان المحليين، وذلك بحسن خلقه مع الإطار الرياضي ومع منافسيه في الميدان، وباحترام المواقيت والآجال، وبالمهنية العالية”.

لكن هذا التأثير يظل نسبيا بحسب البعض الآخر، لأن في المجتمع عموما توجد فئات مختلفة، ليس لها نفس الاهداف، ولا نفس الأعمار، لذلك تكون طبقة الكلام وطبقة التفكير والوعي متباينة. وعموما يقول اليزيدي: “السويسريون متحفظون بطبعهم، ولا ينفتحون عليك إلا عندما تتغيّر نظرتهم إليك. فإذا كانت امكانياتك جيّدة يستفيدون منك، وإذا كانت غير ذلك يتركوك جانبا”.

الرياضة مدرسة للحياة

الرياضة هواية، والرياضة احتراف وكسب للمال، ولكنها ايضا مدرسة تتعلّم فيها الاجيال احترام قوانين اللعبة في أي مجال كان من مجالات الحياة. فبفضلها يتعلّم الإنسان الروح الرياضية والتسامح، واحترام المواعيد والمواقيت، والإنضباط للقواعد والقوانين، واحترام المنافس وعموم المجتمع.

الحياة مثلها مثل الرياضة. وهي بحسب اسماعيل جلّيد: “حلبة للمنافسة، وميدان للعطاء والتميّز، وتقبّل للنجاح والفشل بروح رياضية، واحترام للإطار المسيّر وللتحكيم”.

فهي برأيه “تقوم على نفس القيم، فلكي يكون للشخص عمل، لابد من الدراسة والتدريب، ولابد من المرور باختبارات، وإذا لم يجد عملا فلا يتذرّع بأن الآخرين لا يحبونه، بل لا بد من مضاعفة الجهد وتعزيز الإمكانات”.

جمال يزيدي

لاعب كرة قدم محترف قدم إلى سويسرا وهو من اصل سوري.

اشتغل بالحلاقة إلى جانب ممارسة التدريب الرياضي بكانتون برن السويسري.

يمارس التدريب بشكل هاوي رغم حصوله على دبلوم متخصص من جمعية كرة القدم بكانتون برن.

بعض المنغّصات

يظل العائق الكبير الذي يعيق هذه التجارب مشكلة الأفكار المسبقة ومشاعر العنصرية التي تسمم الفضاءات الرياضية في أوروبا وخارجها. وقبل الحديث عن أن هذه المشكلة رياضية، هي مرض يشمل المجتمع كله، وهي مشكلة ثقافة، ونظرة عميقة للأجنبي لها جذور بعيدة.

ولتقريب هذه الصورة يروي جمال اليزيدي: “ذهبت مرة أنا وفريقي للعب ضد فريق آخر داخل كانتون برن، وكان أغلب عناصر فريقي من أصول اجنبية. وكان الحكم متحاملا علينا، حتى قبل حصول أي احتكاك”. ثم يواصل: “بعد انتهاء المباراة التي خسرناها بالمناسبة، جاءني الحكم، وقال لي هنيئا، فسألته عماذا، فأجاب: “أنا لما قرأت أسماء فريقك، تبيّن أن جلهم من أصول اجنبية، ولكن مع ذلك كان الفريق منضبطا، ومنظما، ولم تحدث أي مشاكل”.

بدوره يشدّد مدرّب شباب يونغ بويس ما دون 21 عاما على أن “ظاهرة العنصرية موجودة في كل مكان، وأنه يشاهدها يوميا في حياته، ولكنه لا يمنحها أي اهتمام، لأن الحل لهذه الظاهرة برأيه “هو فرض النفس بتطوير الإمكانات الفنية وحسن التعامل مع المحيط”.

ومثلما يمكن للعنصرية أن تكون عامل احباط، يمكن أن تكون دافعا للإصرار على النجاح. فهل يلتقط الشباب المهاجر دروس هذه التجربة. 

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية