مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الزيادة السكانية في العالم لا تعني بالضرورة إنتاج مزيد من الانبعاثات

حشد من المسافرين ينتظر وصول قطار على رصيف منصة
منذ عام ألفين، ازداد عدد سكان سويسرا (في الصورة مجموعة من الأشخاص ينتظرون على رصيف في محطة للقطارات)، لكن حجم الانبعاثات على المستوى الوطني تراجع. © Keystone / Ennio Leanza

تخطى عدد سكان كوكب الأرض حاجز الثمانية مليارات نسمة. في الوقت نفسه، تزداد الانبعاثات الحرارية باطّراد. ومن خلال التمعّن في بيانات العديد من البلدان - من بينها سويسرا - يتضح أن النمو الاقتصادي مُمكن بدون التسبّب في المزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

من بين حوالي 358000 طفلاً وُلدوا في الخامس عشر من نوفمبر من عام 2021، دخل طفل منهم التاريخ: فوفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، ازداد سكان العالم في ذلك اليوم ليصل عددهم الاجمالي إلى ثمانية مليار نسمة.

في أقل من خمسين عاما، تضاعف عدد البشر على وجه البسيطة، وهي زيادة، أتاحها كل من التحول نحو الصناعة والنمو الاقتصادي الاجتماعي بصفة عامة. وبحسب بعض التوقعات، فإن سكان الكوكب الأزرق قد يتخطون حاجز العشرة مليار نسمة بحلول عام 2050.

من ناحية أخرى، تضاعفت نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيرها من غازات الدفيئة، مثلما تضاعف عدد سكان العالم، حيث بلغت نسبة هذه الغازات المُسبّبة للاحتباس الحراري رقما قياسيا جديدا في عام 2022 رابط خارجي. علماً بأن كلا المنحنيين يسيران وفق اتجاه مشابه، على الرغم من أن الانبعاثات تزداد منذ بداية القرن العشرين بوتيرة أسرع من زيادة عدد البشر فوق الكرة الأرضية.

محتويات خارجية

إلا أن خبيرة الديمغرافيا السيدة كليمنتين روسييه تشير إلى عدم وجود ارتباط سببي بين السكان وبين الانبعاثات.

“يمكن أن يكون عدد السكان هائلاً، دون أن يُحدِث أثراً بيئياً ضاراً، والعكس بالعكس”، بحسب ما تقوله الأستاذة في معهد الديمغرافيا، والاقتصاد الاجتماعي بجامعة جنيف.

أما العوامل التي تساهم في زيادة الانبعاثات، فقد تتنوع. ومثلما توضح الرسوم المتحركة والبيانية التالية، فإن نمط الحياة له أثر كبير. لكن النموذج السويسري يبين أنه من المُمكن تخفيف العبء عن البيئة، دون التخلي عن الرفاهية.

انبعاثات أقل في كوكب يُعمّره الصينيون 

جدير بالذكر، أن دول العالم لم تسهم جميعها بنفس القدر في ارتفاع تركيز نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

ففي عام 1960، كانت الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا مسؤولين عن إنتاج أكثر من نصف الغازات الدفيئة على مستوى العالم. ومنذ سبعينيات القرن العشرين، صعدت الصين في ترتيب قائمة الدول ذات أكبر أثر على المناخ، حتى أصبحت تتصدرها حاليا.

وصحيح أن الصين تُعتبر أكبر دولة من حيث إحراق الفحم من أجل توليد الطاقة، لكنها كذلك أكبر المُصدّرين على الإطلاق. حيث يعود جزء كبير من الانبعاثات المحلية إلى عملية إنتاج سلع تُستخدم في الخارج.

محتويات خارجية

لا تعتبر الصين والولايات المتحدة الأمريكية والهند فقط أكثر الدول إنتاجاً لانبعاثات الغازات الدفيئة. لكنها أيضاً أكثر أمم الأرض من حيث الكثافة السكانية، حيث تضم إجمالاً ثلاثة مليار نسمة، لكن المسألة لا تمثل مُعادلة خطية.

فالبشر لا يتصرّفون جميعاً وفق نفس النمط، أي ليس لديهم جميعا بالأحرى نفس الأثر على المناخ. فالفرد في الصين مسؤول في المتوسط عن إنتاج سبعة أطنان من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أي نصف ما يتسبّب في إنتاجه الفرد في سويسرا أو في الولايات المتحدة.

بمعنى آخر: ومن الناحية النظرية البحتة، إذا افترضنا وجود كوكب يسكنه حصراً ثمانية مليار صيني وصينية، فإنه سوف يتسبب في إنتاج نصف الانبعاثات التي قد يتسبب فيها كوكب الأرض، إذا ما كان سكانه من السويسريين أو الأمريكيين فقط.

محتويات خارجية

إذن، فإن الحجم الإجمالي للإنبعاثات لا يتوقف فقط على عدد البشر، بل كذلك على محل سكنهم وبالتالي على مستوى معيشتهم. وهذا ينقلنا إلى عنصر آخر، ألا وهو: الرفاهية.

الأكثرُ ثراءً مسؤولون عن إنتاج المزيد من الانبعاثات

بصفة عامة، فإن الانبعاثات الفردية تزيد في الدول التي يحظى فيها الفرد بأعلى متوسط دخل. ومن السهل تخمين السبب وراء ذلك: فالناتج المحلي الإجمالي يرتبط بصورة مباشرة بالإنتاج.

ولا مفر من إنتاج كمّ كبير من الانبعاثات في تلك الاقتصادات الوطنية، المرتبطة بشدة بالوقود الأحفوري مثل البترول والفحم.

فضلاً عن ذلك، فإن أصحاب المداخيل المرتفعة يتسبّبون في المزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مقارنةً بالأشخاص الأفقر، وذلك من خلال استهلاكهم للسلع والخدمات، والتي يكون جزء كبير منها مستورداً.

محتويات خارجية

إن عُشر سكان العالم الأكثر ثراءً مسؤولون عن إنتاج حوالي نصف إجمالي الانبعاثات، بينما يتسبب النصف الأفقر في إنتاج حوالي اثني عشرة بالمائة فقط منها. وهذا ما أسفر عنه تقرير عدم التكافؤ العالمي لعام 2022رابط خارجي، الذي يضم أحدث البيانات بشأن عدم التكافؤ في العالم.

“إذا نظرنا عالمياً، فسنجد أن هناك فجوة هائلة بين أغنى الناس وأفقرهم”، تقول جوليا شتاينبرغر، أستاذة الاقتصاد البيئي بجامعة لوزان.

“وفي سياق عدم التكافؤ هذا، يتبين أن النمو السكاني للفئات السكانية الأفقر لا يُخلّف آثاراً تُذكر على المناخ. بينما يجب علينا العمل على خفض الانبعاثات التي تتسبب فيها الطبقات العليا من السكان”، بحسب قولها.

هذا ما تؤكده البيانات التي يوردها موقع الإحصاء والتحليل “عالمنا من خلال البيانات” (Our World in Data)رابط خارجي، حيث توضح أن الانبعاثات قد تظل كما هي تقريباً على مستوى العالم، إذا ما زاد عدد السكان بمقدار ثلاثة أو أربعة مليار نسمة في البلدان ذات الدخل المنخفض، والتي تعد أيضاً الأعلى من حيث نسب المواليد.

على الجانب الآخر، فإن زيادة بمقدار مليار واحد للسكان من ذوي الدخل المرتفع وبالتالي من ذوي مستوى المعيشة المرتفع، قد تؤدي إلى زيادة الانبعاثات بحوالي الثلث.

سويسرا تنمو سكانياً، لكن انبعاثاتها تنخفض 

ولكن حتى في هذه الحالة، فإن العلاقة بين الانبعاثات وبين الرفاهية قد تكون معقدة. فالكثير من البلدان، خاصةً الدول الصناعية، تُبرهن على أنه من المُمكن أن تستمر في النمو السكاني، دون أن تُصبح عبئاً على البيئةرابط خارجي. ومن بين هذه البلدان نجد سويسرا.

في مفردات الاقتصاد، يُصطلح على تسمية هذه الظاهرة بـ “فك الارتباط”، ويعني ذلك فك الارتباط بين النمو السكاني وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي من ناحية، وبين ازدياد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من ناحية أخرى.

فبين عامي 2000 و2020 زاد سكان سويسرا بمقدار 20%، ليصل عددهم إلى 8،7 مليون نسمة، وهو ما يُعزى إلى الهجرة في المقام الأول. وقد زاد الناتج المحلي الإجمالي لكل فرد بنسبة خمسة وعشرين في المائة، ليرتفع من 65000 إلى حوالي 80400 فرنكاً سنوياً.

في نفس الفترة الزمنية، انخفضت الانبعاثات المحلية وتلك المرتبطة بالاستيراد (تُسمى الانبعاثات الرمادية) بحسب بيانات المكتب الفدرالي للإحصاء بنسبة 13%.

بهذا يحصل الفرد في سويسرا حالياً على متوسط دخل أعلى من مثيله قبل عشرين عاماً، إلا أنه يتسبب إجمالاً في إنتاج انبعاثات أقل. وينطبق هذا أيضاً على الأشخاص الذين يعيشون على سبيل المثال في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

محتويات خارجية

“تحقق فك الارتباط هذا من خلال استخدام تقنيات حديثة مثل مصادر الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية والمضخات الحرارية”، كما يقول لوكاس برتشغر، الأستاذ في مركز أبحاث الاقتصاد بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ.

ذلك أنه يتم توليد  حوالي ثلثي الكهرباء المنتجة في سويسرا من الطاقة الكهرومائية. أما الحلول الأخرى لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مثل عزل المباني بصورة أفضل، فقد تُساهم كذلك في هذا المجال، كما يُضيف السيد برتشغر.

محتويات خارجية

إلا أنه سيُعدّ من الخطأ اعتبار سويسرا والدول الصناعية الأخرى التي قامت بفك ارتباط اقتصادها بزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، نماذج تُحتذى، بحسب تصريحات السيدة جوليا شتاينبرغر. ذلك لأنه على الرغم من خفض الانبعاثات، إلا أن أثر هذه الدول على المناخ ما يزال أكبر من أغلب بلدان العالم الأخرى.

محتويات خارجية

ما العمل إذن؟

إن الحد من النمو السكاني بهدف التغلب على أزمة المناخ، مثلما تؤيّدها أقلية من خبراء الديمغرافيا، الذين شاركوا في استطلاع الرأي العالمي لعام 2020رابط خارجي، ليس هو الحل.

فكما رأينا، فإن الدول ذات المعدلات الأعلى في المواليد، مثل نيجيريا أو جمهورية الكونغو الديمقراطية، هي الأقل تأثيراً على المناخ.

فإذا كان لا مفر من اتخاذ إجراءات، فينبغي أن تُتخذ في الدول الأكثر ثراءً، التي تتسبب في إنتاج أغلب الانبعاثات، والتي لديها أيضاً الكثافة السكانية الأكثر ثباتاً.

على أية حال، فإن الآثار المترتبة عن الإجراءات المتعلقة بالسياسة السكانية لن تصبح ملحوظة إلا بعد مرور ما بين عشرين إلى ثلاثين عاماً. أي بعد فوات الأوان، في زمن تسوده حالة طوارئ مناخية.

بالنسبة للسيدة كليمنتين روسييه، فإن هناك خيارٌ وحيد: “يجب علينا تغيير مستوى معيشتنا، حتى يتمكن المزيد من البشر من الحياة على الأرض”، كما تقول هذه الأستاذة بجامعة جنيف.

حيث تشير هذه العالمة في مجال الديمغرافيا، أن الأمر لا يتعلق بـ “الحياة في كوخ”، بل بتبني نمط حياة واعٍ. كالمعيشة على سبيل المثال في غرف أصغر حجما، أو في منازل تستهلك ماءً وكهرباءً أقل، والاستغناء عن رحلات الطيران.

فباستخدام التقنيات الفعالة حالياً، ومع حدوث التقدم المنتظر، فإنه يُمكن للجميع أن يعيشوا حياة كريمة على هذا الكوكب، حتى وإن بلغ عددهم تسع مليارات نسمة، وفقاً لما تراه السيدة شتاينبرغر من جامعة لوزان. ولكن شريطة أن يقللوا الطاقة بأقل من نصف ما يستهلكونه اليوم.

تحرير: صابرينا فايس

ترجمة: هالة فرّاج  

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية