“هذه المهنة صعبة جدًا، وتحتاج إلى تضحيات كثيرة”
على غير ما يعتاد الأطفال في مصر؛ وقبل أن يكمل الرابعة عشر ربيعًا، أحب أشرف فتحى أبوعيسى، المولود في مدينة الإسكندرية، عام 1983، الطبخ، فكان يقف لساعات مع والدته في المطبخ، يساعدها في تجهيز الطعام للأسرة، وبمجرد أن حصل على الثانوية العامة عام 1999، سارع بالإلتحاق بالمعهد العالي للسياحة والفنادق (ايجوت) بالإسكندرية.
وبعد عامين؛ تخرّج في المعهد، من قسم المطبخ بتفوق؛ ولأنه حدد هدفه سلفًا، اتجه على الفور للعمل في مجال تخصصه في الطهي، وتنقل للعمل في أكثر من فندق في القاهرة والإسكندرية. وعندما قرر أن يتخصص في “المطبخ الأوروبي”، لاسيما الفرنسي والإيطالي، نصحه أساتذته بالمعهد أن يسافر في مدينة شرم الشيخ السياحية، ليكتسب خبرة جيدة، في هذا المجال من هناك، حيث يكثر السياح الأوروبيون.
في عام 2007؛ تزوج أشرف أبو عيسى، من فتاة مصرية، أمضى معها حتى الآن 11 عامًا، أنجب خلالها، بنتا وولدا، وهما (مريم 9 سنوات) و(آدم 6 سنوات)، غير أنه فضل أن تبقى أسرته في مصر، حتى يتلقى صغيراه تعليمهما الأساسي، وليتفرغ هو للعمل والتأقلم مع ظروف المعيشة في سويسرا، ليستطيع مجابهة السنوات الأولى الصعبة، في حياة أي مغترب، وحتى يُكمل سنواته العشر المطلوبة قانونًا للتقدم للحصول على الجنسية السويسرية.
حلم دراسة فنون الطهي بسويسرا
كان حلم حياة “أبو عيسى”، أن يُكمل تعلم فنون المطبخ الأوروبي في واحدة من أفضل مدارس فنون الطهى فى العالم، وهي مدرسة (Culinary arts academy)، الموجودة فى مدينة لوزان السويسرية. وفي شرم الشيخ؛ كانت البداية الحقيقية، حيث عمل في أحد منتجعاتها السياحية، وبعد فترة قليلة تعرف على شيف سويسري يعمل هناك، فاقترب منه وعمل مساعدًا له عدة سنوات.
وبعدما اكتسب خبرات لا بأس بها، في فنون المطبخ الأوروبي، واستشعر إعجاب الشيف السويسري به؛ صارحه بحلمه القديم في السفر إلى سويسرا للإلتحاق بمدرسة (Culinary arts academy) لتعلم أصول وفنون الطهى، وتم له ما أراد؛ حيث ساعده أستاذه بالفعل على تحقيق حلمه، وسهّل له فرصة السفر إلى سويسرا، والإلتحاق بمدرسة الطهي فى لوزان.
في مايو 2014، سافر إلى سويسرا حيث تقدم لمدرسة فنون الطهي ليكمل تعليمه بها، واستطاع التوصل إلى اتفاق مع إدارتها يتيح له فرصة العمل معهم، والدراسة في نفس الوقت، وهو ما مكّنه من اكتساب أصول العلم وفنون الخبرة معًا.
أفضل فندق بسويسرا لعام 2018
في البداية عمل في مطعم (Veltlinerkeller)، بمدينة زيورخ، وهو واحد من أقدم وأعرق المطاعم في أوروبا، حيث يتعدى عمره 470 سنة. وبعد إنهاء دراسته بتفوق في مدرسة فنون الطهي بلوزان، استطاع الحصول على فرصة عمل كشيف في مطعم (Lake view)، وهو أحد 12 مطعمًا متخصصًا يتبعون لفندق (Bürgenstock Resort)، الكائن في مدينة لوتسيرن، والآن يعمل بوظيفة (سو شيف) يعني الشيف المسؤول عن المطعم.
“بورغينستوك ريسورت” تحصل على جائزة أحسن فندق فى سويسرا لعام 2018، وهي جائزة سنوية تمنحها (GaultMillau) التي تُعتبر أكبر مؤسسة متخصصة فى تقيمات الفنادق والسياحة فى سويسرا، وقد تم تكريمه في حفل كبير أقيم خصّيصًا لهذا الغرض يوم 28 سبتمبر 2018. إضافة إلى ذلك، يُعدّ هذا الفندق أكبر منتجع سياحي في الكنفدرالية، وهو من أغلى الفنادق في أوروبا، وعادة ما يكون نزلاؤه من أهم الشخصيات فى العالم.
المطبخ السويسري “موسمي”
في حوار خاص مع swissinfo.ch؛ أوضح الشيف أشرف أبو عيسى، أن “أهم ما يميز المطبخ السويسرى، أنه مطبخ موسمى، من الدرجة الأولى، بمعنى أن كل موسم له أكله المفضل، وفقًا لنوع الخضروات الموجودة فيه، بمعنى أنهم يُطبقون مبدأ نأكل ما نزرع”؛ مشيرًا إلى أنه “فى الشتاء، يتميّز المطبخ السويسرى بالأكلات الدسمة، ومعظمها من الجبن، وفي موسم الصيد البري، يستطيع السويسريون الحصول على لحوم الحيوانات البرية، من الأسواق، وهي حيوانات مسموح بصيدها فى موسمها”.
وعن مدى إقبال المواطن السويسري على تناول اللحوم، يصحح أبو عيسى، اعتقادًا سائدًا في مصر عن السويسريين، ويقول: “لما كنت فى مصر، كنت أظن أن السويسريين لا يأكلون الكثير من اللحوم كالمصريين، إلا أنني لما جئت إلى هنا اكتشفت ان عدد مرات أكلهم للحوم أكثر من المصريين، خاصةً، وأن اللحوم هنا في سويسرا ممتازة، وأكثر جودة، لأن الحيوانات تتربى فى المراعي الخضراء، وهو ما يميّز لحومها بالجودة العالية”؛ مضيفًا: “هذا بالطبع غير منتجات اللحوم الباردة، والتي لا يخلو منها بيت في سويسرا، لأنها تعتبر من الأكلات الأساسية عندهم”.
المقارنة مع مصر صعبة جدًا
وردًا على سؤال بشأن طبيعة المأكولات التي تُقدم في المناسبات والأفراح والحفلات في سويسر والفرق بينها وبين ما يُقدّم في مصر في مناسبات شبيهة؟ أجاب أبو عيسى: “بدايةً لا بد أن ندرك أن اختلاف الثقافات يؤثر على الحياة اليومية لأي شعب، والمقارنة بين سويسرا ومصر في هذا المجال صعبة جدًا، فأي طفل هنا في سويسرا، يتعلم منذ نعومة أظفاره ألا يهدر في الأكل، وبالتالي يصعب أن تجد بواقي أكل فى أطباق السويسريين، فلو كنت مدعُوّا عند سويسري فى بيته، ستلاقي على السفرة ثلاثة أو أربعة أصناف فقط، منها: الطبق الرئيسي، وحاجة ثانية مصاحبه ليه، والسلطات والحلو، أما الكميات فهي مناسبة، في حدود 400 غرام فقط لكل شخص”؛ مؤكدًا أنه “في الأفراح تكون الدعوات محدودة جدًا، ولا تتعدى 30 فردًا من الأصدقاء والعائلة، أولاً لأنها تكون مُكلفة جدًا، وثانيًا لأن السويسريين لا يحبّون البهرجة كما هو الحال عندنا في مصر”.
وعما إذا كان المواطن السويسري يفضل الأكل في المطعم أم في البيت، أوضح أبو عيسى أن “مواعيد الشغل تفرض على معظم الناس الأكل خارج البيت، على الأقل مرة واحدة فى اليوم، لكن فى نهاية الأسبوع يُفضل أغلبية السويسريين الأكل خارج البيوت”؛ مشيرًا إلى أنه “في أيام العمل، يبحث المواطن السويسرى عن نوعية الأكل الذي يمد جسمه بالطاقة، دون خمول، وعلى أن يكون فى الوقت نفسه مناسبا ماديًا، وفي الغالب تتكون الوجبة من ساندويتش وسلطة، وفي نهاية الأسبوع تكون الوجبة عبارة عن: قطعة من اللحم الأحمر، التي يتم تسويتها لدقائق قليلة، مع خضروات و”صوص”، بخلاف أن هناك عدد غير قليل من السويسريين يكون لهم قوائم طعام خاصة”.
“قابلت سيدات أمهر من الرجال”
على صعيد آخر، عزا الشيف أبو عيسى سبب تفوق عدد الطهاة من الرجال على النساء في المطاعم والفنادق الكبرى، إلى أن “هذه المهنة صعبة جدًا، وتحتاج إلى تضحيات كثيرة”، وهو يرى أن “من يستطيع تقديم التضحيات هو الذي سينجح فيها” مضيفا: “بحكم خبرتى؛ الرجال لديهم استعداد لتقديم التضحيات في أي مهنة يحبونها”، لكنه استدرك قائلا: “خلال عملي في هذا المجال، وخاصة هنا في سويسرا، قابلت شيفات من السيدات، أمهر وأقوى من الرجال بمراحل”.
وعن إقبال السويسريين على الحلويات؛ يوضح أبو عيسى أنهم “يُحبونها جدًا، خاصةً الشيكولاتة.. لكن بكميات قليلة، كما أن الحلويات هنا في سويسرا مختلفة تمامًا عن مصر، أي أن كميّة السكر فيها تكون أقل بكتير، كما أن معظمها يكون من مستخلصات الفاكهة الطبيعية”؛ مؤكدًا أن “أشهر أطباق الحلويات التي يُقبل عليها السويسريون، هي: موس الشوكولاتة، تورتة الفواكه، تورتة التوت البري، والكريمة المطبوخة على الطريقة الإيطالية”.
مزيج ألماني – إيطالي – فرنسي
عموما، يرى الشيف أشرف أبو عيسى أن “المطبخ السويسرى، بحكم الموقع الجغرافي للبلد، هو خليط من المطبخ الألمانى والإيطالى والفرنسى”؛ ويشير إلى أن “السويسريين أكثر طلبًا للعصائر الطازجة، من نظائرها المعلبة، طالما كانت الفواكه الطازجة متوفرة”؛ موضحًا أنه “للأسف هناك صعوبة فى هذا الأمر، نظرًا لطبيعة الأرض الجبلية، والجو البارد، مما يجعل توافر الفواكه الطازجة صعبًا”.
وعن اشتراطات النظافة والجودة في المطاعم السويسرية؛ يؤكد أبو عيسى أن “أماكن تجهيز الأطعمة وتقديمها، لها اشتراطات ومعايير واضحة ومحددة، تطبيق بكل حزم، تبدأ من النظافة الشخصية لمُعدّ الطعام، وتنتهي بمن يقدمه، مرورًا بالخامات والمُعدّات، ودرجات الحرارة، سواءًا، في التبريد أو الطبخ أو حفظ الطعام”؛ مشيرًا إلى أن “هذا يُعتبر ألف باء الإشتراطات والمعايير لأي شخص يعمل في مجال تجهيز وتحضير أو تقديم الأطعمة، وأن هناك نظام عالمى لذلك يسمى الـ Hacap” (وهي تسمية تختصر عبارة (Hazard analysis and critical control point. Food production, storage, and distribution monitoring system for identification and control of).
الشيف أبو عيسى، اختتم حديثه مع swissinfo.ch، بالتأكيد على اهتمام السويسريين بفنون الطهي، وطرق تقديم الأكل، في المطاعم والفنادق، واصفًا إياه بأنه “اهتمام عال جدًا”، وقال: “في سويسرا توجد نقابات للعاملين في هذه المهنة، وهناك مدارس وجامعات تدرس فنون الطهى، وأصول وقواعد التقديم، تشمل الأحدث في العالم، مع الإحتفاظ بالأكلات والطرق ذات الخصوصية السويسرية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.