الطلاب السويسريون ” أكثر توتراً من قبل”
من المقرر أن يتم قريبا إطلاق حملة وطنية في سويسرا لتعزيز الصحة العقلية للطلاب، وذلك في أعقاب المخاوف من ارتفاع الضغوط النفسية على الشباب الذين يُواصلون تعليمهم في الجامعات والمعاهد العليا في البلاد.
فقد عبّر الطلاب الجامعيون عن معاناتهم من القلق والاكتئاب والإرهاق أثناء محاولتهم التوفيق بين دراستهم وممارسة بعض الأعمال بدوام جزئي، في ظل توقعات عالية لنتائجهم وإنتاجيتهم. وستم إطلاق حملة وطنية، ستتمثل في أول دراسة استقصائية وطنية مفصلة حول الصحة العقلية للطلاب؛ مما سيساعد في تحديد المجالات التي تحتاج إلى اتخاذ إجراءات بشأنها.
في أحدث استطلاع سنوي متعلق بالصحة العامة أجرته جامعة لوزان بعنوان “كيف حالك؟”، أعرب أكثر من نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع عن معاناتهم من الإجهاد بسبب الدراسة وعبء العمل، كما أعرب أقل من النصف بقليل عما يعيشونه من حالة القلق أو التعب أو انعدام الحافز، حسبما جاء في قناة التلفزيون العمومي السويسري الناطقة بالفرنسية RTSرابط خارجي .
وهناك أيضاً تفيد تقارير بأن عدداً أكبر من الطلاب بات يرتاد مراكز خدمات الاستشارة الجامعية: ففي جامعة فريبورغ وخلال السنة الجامعية 2018-2019، ارتفعت نسبة إقبال الطلاب على هذه الاستشارات بنسبة 50%، وازدادت هذه النسبة أيضاً بمعدل 20%رابط خارجي في عام 2018 مقارنة بعام 2017 في جامعة زيورخ. كما أشارت جامعات بازل وسانت غالن أيضاً إلى تسجيل زيادة ملحوظة في الطلب على خدمات الاستشارات هذهرابط خارجي.
الضغوط
وبحسب ماركوس ديم، رئيس مركز الاستشارات النفسية للطلاب بجامعة بازل، فإن هذه الأرقام ربما تكون مجرد غيض من فيض، إذ لا يذهب جميع الطلاب الذين يُعانون من الضغوط إلى الاستشارات النفسية في جامعاتهم، كما صرّح خلال صيف 2019 لأسبوعية “سونتاغس بليك”رابط خارجي SonntagsBlickرابط خارجي . وزادت وسائل التواصل الاجتماعي، والضغوط التي تحث الطالب ليكون الأفضل، والتخلص من المشاعر السلبية، في مضاعفة مشاعر القلق والاكتئاب لدى الطلاب.
كما تعتبر زيادة الوعي بقضايا الصحة العقلية بدورها عاملاً في ازدياد أعداد هذه الاستشارات. وصرّحت ريتا ريمي، وهي أخصائية نفسية في جامعة فريبورغ، لقناة التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالفرنسية بقولهارابط خارجي: “بات الشباب يأتون بسهولة أكبر من السابق لأنهم ينتمون إلى هذا الجيل الذي اعتاد على وجود الأخصائيين النفسيين في المدراس”.
تدابير يتخذها الطلاب
من جهتهم، دقّ الطلاب أنفسهم ناقوس الخطر؛ ففي خريف عام 2019، أطلق كل من اتحاد الطلاب السويسريينرابط خارجي، و الرابطة السويسرية لطلاب العلوم الطبيةرابط خارجي ورابطة الخريطة الذهنيةرابط خارجي ، المهتمة بالصحة العقلية لطلاب جامعة بازل، حملة وطنية لتعزيز الصحة الذهنية والعقلية للطلاب. وفي شهر أبريل من عام 2020، سيتم إجراء دراسة استقصائية وطنية شاملة عن الصحة العقلية للطلاب في الجامعات السويسرية.
وقد تم استلهام مشروع هذه الحملة من خلال دراسة أنجزها المكتب الفدرالي للاحصاء في عام 2018، حيث كشفت الإحصاءات أن انتشار المشكلات الصحية خاصة النفسية هي أكثر بين صفوف الطلاب مقارنة ببقية شرائح السكان. وأفاد ما يقارب من 20 % من المستجوبين بأن لديهم مشاكل صحية مزمنة (26 % من بينها مشاكل متعلقة بالصحة العقلية). وأشار المكتب إلى أن إحدى الأسباب الرئيسية لهذه الأمراض تتمثل في الضغوط المالية – حيث يعمل العديد من الطلاب في وظيفة بدوام جزئي أثناء الدراسة – مما يؤثر على حالتهم الصحية العامة.
+ تعرف هنا على المزيد حول نتائج هذا الاستطلاع
في هذا الصدد، تقول بيا ألبيرمان، المتحدثة باسم مؤسسة “عقول الطلاب” التابعة للرابطة السويسرية لطلاب العلوم الطبيةرابط خارجي، إنه لا توجد حالياً أي بيانات شاملة عن الصحة العقلية للطلاب في جميع أنحاء سويسرا، ولذلك هناك صعوبة في تأكيد المزاعم المتعلقة بظاهرة زيادة التوتر عند الطلاب إحصائياً.
لذلك ينبغي أن يُتيح الاستطلاع المُصاحب لهذه الحملة، التي سيتم إطلاقها في جميع الجامعات السويسرية في الربيع المقبل، معالجة هذه الفجوة في المعطيات. ومن المتوقع أن يجري على ضوء هذا الاستطلاع، البحث في خدمات الدعم التي يُمكن تقديمها في هذه المؤسسات.
خطر الإجهاد
وتوافق ألبيرمان، وهي طالبة في السنة الخامسة بكلية الطب، على أهمية زيادة الوعي بين الطلاب فيما يتعلق بقضايا الصحة العقلية، لكنها تشير أيضاً إلى تأثير البيئة الخاصة بالجامعة، والتي من شأنها أن تُعرّض الطلاب لخطر الإجهاد.
وتقول لـ swissinfo.ch: “يمر الطلاب بمرحلة انتقالية نمطية هامة من حياتهم: مثل الانتقال إلى سكن آخر خاص بهم، وإدارته والقيام بمهمات تمويله، وتحمّل تبعات الاستقلال عن أولياء أمورهم”. “وبالإضافة إلى كل ذلك، يواجه الطلاب الضغط العالي في متطلبات الأداء الدراسي، وفي المحصلة يجدون أنفسهم أمام تحديات اجتماعية وعاطفية وأكاديمية. ولذا، فإن الجامعات تشكل، إلى حد كبير، بيئة خاصة يمكن أن تضع على كاهل الطلاب مجموعة من عوامل الخطر”.
ونظراً لعدم وجود بيانات كافية، فليس من المتاح حتى الآن، معرفة إلى أي مدى يُمكن إجراء مقارنة بين سويسرا وبلدان الأخرى على غرار المملكة المتحدة مثلاً؛ حيث أدت سلسلة من حالات الانتحار التي سُجّلت مؤخراً في صفوف الطلاب إلى تسليط الضوء على مسألة الصحة العقلية للطلابرابط خارجي.رابط خارجي
وتشير ألبيرمان إلى أن الجامعات السويسرية أصبحت – خلال السنوات الخمس الماضية – أكثر انفتاحاً لمناقشة الصحة العقلية للطلاب. ومن المفترض أن يُساعد الاستطلاع القادم على تحفيز النقاش العام بهذا الشأن على نطاق أوسع، وفي تسليط الضوء أيضاً على المجالات التي ينبغي العمل على تحسينها، كاتخاذ المزيد من التدابير الوقائية، على سبيل المثال.
مجالات التحسين
وفقاً للمتحدثة باسم “عقول الطلاب”، تتضمن مجالات التحسين الممكنة حاليا “فترات الانتظار الطويلة للوصول إلى أخصائي نفسي وإلى إرشاد محدد، أو العوائق الأخرى أمام الحصول على الاستشارة؛ وفي بعض الجامعات على سبيل المثال، سيتم فرض رسوم على الطلاب مقابل تقديم المشورة لهم، مما سيضع على عاتق هؤلاء عبء مسائل التكاليف المالية”. وتضيف بيا ألبيرمان أن تيسير التعرّف على مواقع تقديم الخدمات تمثّل مشكلة أيضاً، حيث يقول العديد من الطلاب إنهم لا يعرفون أين يُمكنهم الحصول على المساعدة. هنا، ترى آلبيرمان أن تسليط الضوء خلال المحاضرات، على ما يُمكن تقديمه للطلاب من خدمات في هذا المجال، من شأنه أن يساعد كثيراً في حل هذه المشكلة.
وتوضح قائلة: “لا يمكننا القول أن كل جامعة تحتاج إلى أسبوع للتوعية بالصحة العقلية، وأن كل طالب يحتاج لمتابعة دورة في الفصل الأول تساعده على التعامل مع الإجهاد والسيطرة عليه، وأن ذلك سيكون هو الحل السحري، لأن احتياجات الصحة العقلية فردية للغاية؛ فبعض الناس لديهم احتياجات مختلفة تماماً عن الآخرين”. وتضيف: “لكن يُمكننا المساهمة في زيادة الوعي وتحديد الأولويات وتقديم دعم محدد على المستوى الفردي”.
المزيد
كيف تبدو حياة طالب سويسري نموذجي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.