مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العـُمــال الخـفيــّون في سويسرا يُناضلون من أجل الإعتراف بحقوقـهم

احتل أكثر من 150 مهاجرا سريا قبل أعياد الميلاد في ديسمبر 2008 كنسبة وسط مدينة زيورخ لتسليط الضوء على تظلماتهم Keystone

بعد احتجاجات المهاجرين غير الشرعيين التي شهدتـها زيورخ خلال 19 يوما في الآونة الأخيرة، والتي سلطت الأضواء على مظالمهم، مازال العديد ممـّن يُسمـّون بـ "البدون" (بدون أوراق ثبوتية) يواجهون تحديات الحياة اليومية. وليست الأجور المتدنية، والأسـِرَّة المُشتركة، وعدم القدرة على الإبلاغ عن العنف المنـزلي.. سوى أمثلة قليلة من شكاوى "البدون" في جنيف ولوزان.

في إحدى زوايا “دو بورغ” (Rue de Bourg)، وهو من أغلى شوارع التـّسوق في مدينة لوزان بكانتون فو المتحدث بالفرنسية، يرقـد شاب يحمل حقيبة ظهر ثـقيلة. ثلاثة من رجال الشرطة يقتربون منه على الفور ويطلبون منه أوراق الهوية.

“من أين أنت؟ وما هو سبب وجودك في سويسرا؟ ما هي الوسائل المالية المتوفرة لديك؟ إلى متى تنوي البقاء في سويسرا؟”.. كانت هذه من جملة أسئلتهم للشاب. وبعد حصولهم على إجابات مُرضية، تركوه وشأنه، لكن ليس قبل أن يوجهوا له تحذيرا جديــّا بشأن الفترة الزمنية المحدودة التي يُسمح له البقاء خلالها في البلاد.

الشاب أ.ك* يبلغ من العمر 29 عاما، وهو موسيقي متُمرّن قـدِم من الأرجنتـين. وكان يعمل بصفة مؤقتة في مجال قطف العنب في سويسرا. لا يتوفر على مسكن ثابت، بل يـلجأ إلى منازل الناس الذيـن يتعرّف عليهم خلال أسفاره، وينام أحيانا في الشارع، “فهذه هي الطريقة الوحيدة لتوفير المال في هذا البلد الغالي بشكل لا يُصدق”، حسب تعبيره في دردشة مع سويس انفو.

ويكاد يكون من المُستحيل بالنسبة لـه الحصول على إقامــة قانونية إلاّ إذا تزوّج من مواطنة سويسرية. لكنه يقول: “إذا كان السـّبيل الوحيد للبقاء هنا هو أن تُـحـَبــِّل فتــاة – فانس الأمر. لـم أبلغ هذه الدرجة من اليــأس”.

انتقاد لموقــف “أبــَوي”

أ.ك تلقى مبلغ 600 فرنك سويسري (515 دولار أمريكي) كأجر على قطف العنب لمدة ثمانية أيام، بينما يمكن أن يتقاضى عامل محلي راتبا شهريا بقيمة 3000 فرنك، ولئن كانت أجور 1200 فرنك مقابل 60 ساعة عمل باتت مُنتـشرة أيضا.

“عندما أدفع الفواتير والإيجار والمصاريف الشهرية، يتبقـّى لي نحو 300 فرنك لأكمل الشهر”. هذا حال الكولمبي ه. ك* (44 عاما) الذي يعمل في مجال التنظيف. ويضيف: “أدفع لابنتي مصاريف الدراسة في كولومبيا، لكنـّني لـم أرَها طيلة السنوات الإحدى عشر الماضية لأنني لا أستطيع مغادرة سويسرا”.

استحالة التنقـّل بحرية هي الشكوى الشائعة بين الناس الذين جرت مقابلتهم. ويـُقدّر عدد الأشخاص المقيمين بصورة غير قانونية في سويسرا بـ 300000، يُعتقد أن عُـشرهم يتواجدون في كانتون زيورخ.

ووفقا لإحصائيات المنظمات غير الحكومية، يـُقضي 50 إلى 60% من المهاجرين السريين مدة تتراوح بين 18 و21 عاما دون مغادرة البلاد. وفي الحالات القصوى، يشكو المهاجرون من عدم التـمكـّن من حضور جنازات أقاربهم.

لكن ه. ك ينتقد ما وصفه بالموقف “الأبوي” للمنظمات غير الحكومية والنقابات التي تدافع عن حقوق طالبي اللجوء، إذ يقول: “إنهم لا يسمحوا لنا بأن نأخذ مشاكلنا على عاتقنا والتصرف كأشخاص مسؤولين”.

“العواقب ستظهر في المُـستـقبل”

من جهته، أضاف ي. ج*، عالم الاجتماع من جمهورية الدومينيكان: “لقد اتـّضح أن الناس لا يسافرون بعدُ عندما يكونوا قد قضوا عشرة أعوام في البلاد”.

وهذا يعني أن سويسرا ستجد نفسها في غضون 20 إلى 30 عاما أمام “مُجتمع مُواز يضم مئات آلاف الأشخاص الذين يفتقرون لحقوقهـم الأساسية، مثل معاشات التقاعد أو الرعاية الصحية. وستظهر حينها عواقب ما يحدث الآن”.

ووفقا لـ ي.ج، يسافر العديد من أبناء أمريكا اللاتيـنية إلى إسبانيــا نظرا “للسهولة التي يمكنهم الحصول بها على الأوراق الرسمية هناك”، لكن فور استفادتهم من الوضع القانوني، يعودون إلى سويسرا بسبب “الفرق العميق في الأجور”، على حد تعبيره.

ويـُضمـَن لأبناء هؤلاء العمال “الخفيــّين” الاستفادة من التعليم الأساسي إلى سن السابعة عشرة، لكن بعد ذلك، تظل أبواب الجامعات ومؤسسات التكوين المهني مقفولة بوجههم. وحسب ه.ك، تـُعِدّ سويسرا جيلا مُقبلا من “الأقنان المُكونة في المدارس”.

“الأســِرّة الــســّاخنة”

ويعتبر السكن من أكبر مؤرقات “البدون” بما أن إيجارهم غالبا ما يكون أعلى بنسبة 50 إلى 70% من معدل أسعار السوق. وهذا يؤدي إلى ظاهرة باتت معروفة بعد في عدد من المدن الإسبانية الكبرى، وتُسمى “الأسـِرّة الساخنة” التي يتناوب على شغلها العمال السـّريون.

وقالت ل.ر* (36 عاما)، وهي سيدة من الإيكوادور تعمل في مجال التنظيف: “هنالك منازل مُشتركة بين 15 إلى 20 شخصا. وينام هؤلاء في هذه البيوت حيث يستعملون نفس السرير، بحيث ينام شخص لمدة ثمان ساعات، ثم يُعوضه شخص آخر في نفس السرير حيث ينام ثمان ساعات، وهكذا.. والأسوأ أنه غالبا ما ينتهي بنا الأمر إلى استغلال بعضنا البعض”.

ونظرا لاستحالة التمتع بحياة طبيعية هنا في سويسرا، فلماذا لا يدرس هؤلاء البدون إمكانية العودة إلى بلدانهم الأصلية؟

يجيب ه.ك: “لقد منحت شبابي وحياتي لهذا البلد، وأريد أن يتم الإعتراف بوجودي وحقوقي يوما ما”.

الزواج .. “مسألة مُعــقدة”

ويـُعتبر الزواج المختلط بين السويسريين والأجانب مسـألة مُعــقدة. ففي حالة الطلاقة، يحتفظ السويسريون بجميع حقوقهم. وقد حدثت حالات تم فيها ترحيل الوالد الأجنبي وسـُمح له برؤية طفله مرة واحدة في العام – إذا ما تمكـن من تحمل نفقات الرحلة.

والأخطر من ذلك حالات النساء الأجنبيات اللاتي يعانين من سوء المعاملة والعنف المنزلي. ففي حالة الطلاق أو الانفصال القانوني (خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج)، يفقدن الحق في الإقــامة وقد يطردن من البلاد. وهذا ما يؤدي إلى تشكيل “جدار من الصمت” حول عدد كبير من حالات الاعتداء والاغتصاب في إطار الزواج.

س.ن* شابة بوليفية (28 عاما) تتقاضى أجرا شهريا بقيمة 2000 فرنك مقابل رعاية أطفال صغار لمدة 10 ساعات في اليوم من الإثنين إلى السبت. وتقول: “لقد قَننت سوق العمل السويسرية التمييز الصارخ بين الأوربيين وغير الأوربيين. كيف يمكننا أن نصبح مندمجين إذا كنا أشخاصا نحاول إخفاء أثرنا ولا نستطيع وضع لوحة اسمنا على بابنا الأمامية؟

* طلب الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلة لإعداد هذا المقال عدم ذكر اسمهم.

سويس انفو – رودريغو كاريسو كوتو – جنيف/لوزان

بلغ عدد طالبي اللجوء في سويسرا عددا قياسيا في عام 1999 بـ 48000 طلب، معظمهم من صربيا وكوسوفو (بسبب حرب البلقان).

في عام 2004، أوقفت الحكومة الفدرالية منح المساعدات الاجتماعية لطالبي اللجوء المرفوضين وحصرت المعونة في إطار المساعدات المُلحة، لينخفض عدد طالبي اللجوء إلى 14250.

في عام 2006، طلب 10500 شخصا اللجوء إلى سويسرا، وتمت الموافقة على حوالي 20% من الملفات. في نفس العام، وافق السويسريون في تصويت شعبي على تشديد تشريعات اللجوء لترفض طلبات من ليس لديهم أوراق ثبوتية وتضاعف مدة اعتقال طالبي اللجوء المرفوضين لتصل إلى عامين.

أوصت الحكومة الفدرالية بهذه التدابير بعد إصدار تقرير قـدر عدد المهاجرين السريين المقيمين في سويسرا بـ 300000، من بينهم 9000 يزاولون عملا، بينما اشـتُبه آخرون بممارسة نشاطات إجرامية.

انتقدت الأمم المتحدة القوانين السويسرية الجديدة في مجال اللجوء، وألغت المحكمة الإدارية الفدرالية في عام 2007 القرار الذي كان يسمح للسلطات بطرد طالبي اللجوء بدون أوراق ثبوتية في غضون 48 ساعة.

في عام 2008، تقدم 16606 شخص بطلب اللجوء إلى سويسرا، أي بزيادة 53,1% مقارنة مع عام 2007.

ارتفع عدد طالبي اللجوء بنسبة 42% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2008 مقارنة مع الثلاثي الذي سبقها.

صدارة الترتيب: على غرار تصنيف عام 2007، تصدرت إريتريا قائمة طالبي اللجوء بـ 2849 طلبا.

تلاها: الصومال (2014) والعراق (1440) وصربيا وكوسوفو (1301) وسريلانكا (1262) ونيجيريا (988).

معدل منح اللجوء: في عام 2008، بلغت نسبة منح حق اللجوء في سويسرا 23%، أي بزيادة قاربت 20%.

يعرفُ طالبو اللجوء المرفوضون من قبل السلطات السويسرية والذين لم يغادروا تراب الكنفدرالية بـ “sans-papiers”، أي “أشخاص بدون أوراق” أو “بدون وثائق هوية”، ولا يحق لهم العمل في سويسرا. فهم يعتمدون على الكانتونات للحصول على المساعدات ولدعم طلباتهم للحصول على تأشيرة خاصة تسمح لهم بالبحث عن عمل بعد خمسة أعوام من الإقامة.

احتل حوالي 150 من طالبي اللجوء المرفوضين كنيسة وسط زيورخ في شهر ديسمبر الماضي زاعمين أن زيورخ أكثر صرامة من كانتونات أخرى. وتم التوصل إلى حل وسط وشُكـّلت لجنة خاصة للنظر في قضية الظلم المزعوم ضد المهاجرين السريين في كانتون زيورخ.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية