مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الفصول الدراسية متعدِّدة المُستويات.. خِيار ثانٍ أم خِيار المستقبل؟

swissinfo.ch

عادة ما يُلجأ في سويسرا إلى الصفوف الدراسية متعدِّدة المستويات، كخيار اضطراري ولأسباب ديموغرافية واقتصادية، ثم إنه طاب لبعض المدارس الابتدائية، أن تجعل منه نموذجا تربويا.

ويقولون بأن، من شأن هذا أن يُعزِّز الاعتماد على النفس وروح التعاون، فضلا عن التعطُّش إلى التعلُّم والمعرفة، عند التلاميذ.

وإلى حدٍّ ما، يُعتبَـر تجميع الأطفال من أعمار مختلفة، في نفس الصف الدراسي، هو القاعدة الدّارجة في القُرى الجبلية وفي بعض التجمّعات السكنية، البعيدة عن المدن والمراكز الحضرية.

وفي بعض الأحيان، حيث لا يصل عدد الطلاب إلى العشرين طالبا وتكون الموارد محدودة، يتِم تخصيص مُعلِّمة واحدة للجميع، من الصف الأول الابتدائي وحتى آخر مستوى من مستويات المرحلة الابتدائية.

وتُشير التقديرات إلى أن نِسبة طلاب الصفوف متعددة المستويات، قد تصل في بعض الكانتونات السويسرية، إلى أكثر من 20٪ من مجموع طلاب المستويات المعنية، وفي مُعظم الحالات، يجِد المدرِّسون أنفسهم مُستسلِمين للأمر الواقع، حيث يأتي القرار من أعلى، وليس أمامهم سوى تلميع الصورة. وفي ذلك، يقول أولفيي ماوريني، من كلية عِلم التربية في جنيف: “نادرا ما يستنِد الاختيار إلى أسُس تعليمية واضحة، وأندَر منه إلى إرادة سياسية”.

وفي العقديْن الأخيريْن، عاد النِّقاش حول فوائد نظام الأقسام الدراسية متعدِّدة المستويات، إلى واجهة الأحداث، وقد شجّعت اليونسكو اعتماد هذا النظام في المناطق النامية وفي عدة دول غربية – من بينها فرنسا والولايات المتحدة – سعَت إلى دمْج هذا النموذج التربوي في نظامها التربوي.

وفي سويسرا كذلك، قامت بعض المؤسسات التعليمية بتطبيق نظام الصفوف الدراسية متعدِّدة المستويات، عن قناعة منها، بأن التنوّع يُمثل ثروة يُمكن استثمارها (انظر جانبا).

تحدٍّ رئيسي أمام المعلِّمين

في بلدة صغيرة، مثل “باربريش Barberêche”، الواقعة في كانتون فريبورغ، تمّ وضع الأطفال من عمر 4 إلى 8 سنوات في نفس القسم الدراسي، في حين، منهم مَن يعرف القراءة والكتابة، ومنهم من بدأ لِـتوِّه في تعلّم الأحرُف الهجائية، ويشتغلون أحيانا سويا، وأحيانا بشكل مجموعات، معتمدين “أكثر، على معلوماتهم من أعمارهم”، على حدّ قول المعلِّمة آن ماري جينوز.

وفي هذا الخِضم، تبرز أهمية البرامج والأنشطة المتعدِّدة والخاصة بإعداد المعلمين، لاسيما بشأن كيفية إدارة الوقت والمكان، حيث: “تتطلب إدارة قسم دراسي، يضم أكثر من مستوى، جُهدا أكبر، خاصة من أولئك الذين يخوضون التجربة لأول مرة”، وفقا لما قاله جوليان كلينان، المدرِّب في المعهد العالي للتوجيه التربوي لكانتونات، كل من برن وجورا ونوشاتيل، والذي أضاف قائلا: “يلزم متابعة، سواء التقدم الذي يُحرزه كل طالب، وسواء الصعوبات التي تواجهه، ومن ثَـم أقلمة الوسائل والإمكانات مع الاحتياجات”، ورغم عدم تناسُب هذا الطرح مع نظام الأقسام متعدِّدة المستويات، إلا أن الواقع يُحتّمه.

ولذلك، أدخلت بعض الكانتونات، منها فريبورغ، ورشات عمل متخصصة لتدريب المعلمين الشباب على إدارة الأقسام متعددة المستويات، وتبَـعا لِـما قاله البروفيسور ماوريني فإن: “هنالك في الأساس، قاعدة تربوية واضحة، مفادُها أن لكل طفل وتيرته في التعلم، وهي غالبا ما تكون مستقلّة عن عُمره البيولوجي”، وأضح بأن: “جمع الطلاب من أعمار مختلفة في وسط معيشي موحّد، يُهيِّئ أشبَه ما يكون، بالواقع الأسَـري، ويُتيح تنمية المواهب الاجتماعية، التي لها قيمتها الخاصة في بعض الأوساط، كما في المناطق الريفية”.

الثقة والتعاون والمسؤولية

ولغاية الساعة، لا تزال قليلة تلك الدراسات التجريبية على المستوى العالمي، التي تُقيّم مزايا وعيوب نظام الأقسام متعددة المستويات، من الناحية التعليمية البَحتة، وفيما إذا كانت تساعِـد الطالب أم تعاقِـبه. وبالنسبة لأوليفيي ماوريني، فإن الحُكم صعْب: “فكثيرا ما يعتمد الأمر على مقدرة وحُسن إدارة المعلمين وعلى الدعم المؤسسي، بالإضافة إلى الواقع الاجتماعي والثقافي والمعيشي للأطفال”.

وترى آن ماري جينوز، التي، فضلا عن عملها كمُدرّسة في باربريش، تُـدير ورشة للتدريب على نظام الأقسام المُختلَطة في المعهد البيداغوجي العالي في فريبورغ، بأن “حافِز التقليد، لا يمكن إهماله”، وتقول: “لا تأتي المحفِّـزات من جهة المدرِّسين فقط، بل أيضا من جانب الأصحاب، حيث يميل مَن هُم أصغر سِـنا إلى تقليد الأكبر منهم، في حين، يتبارى الكبار في تحسين أدائهم، وعلى أقل تقدير، يكونوا أكثر إدراكا للتقدّم الذي يُنجزونه”.

ويرى فريق للبحث من سانت – غالن، بأن طلاب الأقسام متعددة المستويات، يكونوا أكثر استقلالية، وهو ما لفتَ إليه جوليان كلينان، حين قال: “إنهم يتعلمون كيف يعملون باستقلالية، وكيف يساعد بعضهم بعضا، حينما تكون المعلِّمة مشغولة في شرح الرياضيات أو النحو لمجموعة أخرى”، وبذلك، لا تكون الدراسة في قسم متعدد المستويات، عامل إحباط، بل على العكس، تجعل من المنافسة والرّغبة في إظهار الكفاءة، فرصة سانحة للتعاون، حيث: “يقِل لدى الطلاب، الميل إلى المقارنة، وينعَـمون بأجواء أكثر أرْيَـحية تُعينهم في التغلّب على مشاكل، ربما كانت في أماكن أخرى سببا في “الإخفاق الدِّراسي”.

حقيقة مُتَجاهَلة

تعتبر الخطوات التي قامت بها باربريش، متقدمة، كما أنها استثناء في سويسرا، إذ غالبا ما يُنظر إلى عدم التجانس، على مستوى الأقسام الدراسية، بأنه عقبة، بينما يرى مؤيِّدو مدرسة ليبرالية وذات سيادة وكفاءة، بأن دور المعلّم ليس مُلاحقة كل طفل، وإنما اختيار المُميَّزين، وَلْيَسَع الآخرين أن يأخذوا وقتهم، وإن اقتضى الأمر، أن يعيدوا السِّنين التي يضيعونها.

وعلى أية حال، تبقى الأقسام متعددة المستويات، خيارا ثانيا في أغلب الحالات، ويتجلّى ذلك من خلال الافتقار إلى دليل توْجيهي متخصص، ليس فحسب، وإنما كما تقول آن ماري جينوز: “مما يزيد الطين بلّة بالنسبة للمعلمين، تزايُد أعداد الطلبة وتردّد الآباء، فضلا عن ضغط المنهاج والملاحظات”، يضاف إليه أيضا، وجود الطلاب الأجانب من المهاجرين الجدد، الذين يفتقرون إلى الأسُس اللغوية اللازمة، مما قد يزيد من عدَم التجانُس ويُعقّد مهمّة المعلِّمين.

وفي المقابل، تبقى الأقسام متعددة المستويات، حقيقة قائمة في سويسرا، ومن المغالطة إغفالها أو التغاضي عنها. وبناءً على ما ذكرت جوليان كلينان، فإن النتائج المرجُـوة، لا تتوقّف على المعلّمين فحسب، وإنما أيضا، ولعلّه قبل كل شيء، على المدارس نفسها، وأكدت بدورها، أن: “من الصعب، المُضي قُدُما في مشروع تكلفته الباهظة، على مستوى الجهد والوقت، دون أن يكون مُؤسَّس على قواعد تربوية واضحة، وعلى إرادة تضع الطفل في جوهر العملية التربوية، وتضع بين يدي المُعلّم الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك”.

تدخل مدرسة “باربريش Barberêche” ضمن مشروع أكثر شمولية، يُطلق عليه “بازيستوف Basisstufe”، والذي يقضي بضمّ تلاميذ مرحلة روض الأطفال، مع تلاميذ المرحلة الابتدائية.

تم إطلاق المرحلة التجريبية في عام 2003 وانتهت في عام 2010، حيث انضمت إلى المشروع 10 كانتونات ومعها إمارة ليختنشتاين، ليُـصبح المجموع الإجمالي حوالي 3 آلاف تلميذ و151 قسما دراسيا.

كان عدد النماذج المقترحة اثنين:

– “بازيستوف 3 Basisstufe”: السنة الأخيرة من مرحلة روض الأطفال + السنة الأولى من المرحلة الابتدائية.

– “بازيستوف 4 Basisstufe”: السنتان الأخيرتان من مرحلة روض الأطفال + السنتان الأوليتان من المرحلة الابتدائية (4-8 سنوات)

تم إعداد تقرير تقييمي في عام 2010 من قبل المعهد العالي للتوجيه التربوي في سانت – غالن (انظر الرابط). ووفقا للباحثين، يمكن اعتبار هذا النموذج التربوي ناجحا، ليس فقط لكونه يسهل عملية الانتقال من مرحلة روض الأطفال إلى مرحلة المدرسة الابتدائية، ولكن أيضا لأنه يُتيح للأطفال التقدم، كلٌّ بحسب وتيرته ويحقق النتائج التعليمية، كما هي في نظام أقسام المستوى الواحد. كما يسلِّط التقرير الضوء على الأعباء التي تزيد فوق كواهل المعلِّمين، فيما يتعلق بالتحضير وإدارة الصف.

بالإضافة إلى مشروع “بازيستوف Basisstufe”، قررت بلديات سويسرية أخرى، بشكل مستقل، تعزيز نظام الفصول متعددة المستويات على مستوى المدارس الابتدائية، وذلك من خلال ضمِّ فئتين عمريتين أو أكثر في منهج تربوي واضح، حيث أطلقت الأجزاء الناطقة بالفرنسية من مدينة بيل/بيان، مشروعا تجريبيا في عام 2009، ألحقت من خلاله بالفصول متعددة المستويات أيضا، طلابا لديهم صعوبات في التعلم.

يقع النظام التعليمي في سويسرا، على عاتق الدولة، بحيث تتقاسمه السلطات في الحكومة الفدرالية والكانتونات والبلديات، مما يسمح للغات والثقافات المختلفة في البلاد، بأن تؤخذ بعين الاعتبار.

وحيث تقع المسؤولية الرئيسية على عاتق الكانتونات، فإن هناك في سويسرا 26 نظاما مدرسيا يختلف كل منها عن الآخر، بالرغم من وجود المبادئ الأساسية التي توحد بينها.

يستمر التعليم الإلزامي لمدة تسع سنوات، وهو مجاني، وتضم المدارس الحكومية حوالي 95٪ من الطلاب.

في معظم الكانتونات، يبدأ الأطفال الدراسة عند سن 6 سنوات، بعد أن يكونوا قد أمضَوا ما بين سنة وثلاث سنوات في روض الأطفال، وتبلغ مدة المرحلة الابتدائية ست سنوات والمتوسطة ثلاث سنوات.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية