المصرفي السابق رودولف إيلمَر: “المُجتمع بِحاجة إلى الـمُـخـبـريـن”
مُنذ أن إستغنى بنك "يوليوس بير" الخاص عن خدماته عام 2002، قررَّ رودولف إيلمر، المصرفي السابق الانضمام إلى مجموعة من المُخبِـرين تضم على قائمتها برادلي بيركينفيلد وكريستوف ميلي، للإعلان عن الإنتهاكات التي كانت تجري داخل المؤسسة المالية السويسرية الخاصة. وفي لقاءٍ خاص مع swissinfo.ch، تحدّث إيلمر عن علاقته بموقع ويكيليكس الإلكتروني وعن الدور الهام لِموقع كهذا في عالمٍ "تتلاعب به وسائل الإعلام"، على حد قوله.
وعَمِل إيلمَر، البالغ من العمر 55 عاماً، في بنك يوليوس بير الخاص لمدة عَقديْـن من الزمن تقريباً. وخلال الـخمسة عشر عاما الأولى من عمله، كان إيلمَر يُقيم في سويسرا، ثم إنتقل الى جزيرة كايمان الكُـبرى (غرب البحر الكاريبي)، ليَشغل مَنصب رئيس إدارة العمليات في “يوليوس بير بنك أند تراست” في عام 1994، قبل أن يُحال على التقاعد في عام 2002، وعلى إثر ذلك، إنتقل إيلمَر الى جزيرة موريشيوس، (جنوب شرق القارة الإفريقية)، ليبدأ بإرسال ما أسماه “أسرار رب العمل السابق” (أي مصرف يوليوس بير) إلى السلطات الضريبية العالمية.
وجَدير بالذكر، أنَّ بنك يوليوس بير (الذي يُمارس عملياته منذ 120 عاماً)، يُعَدّ إحدى المؤسسات المالية السويسرية، التي زعم البعض أنه من المحتمل أن تكون ساعدت عملائها على التهرّب من دفع الضرائب، التي تصل إلى مليارات الدولارات، عن طريق توجيه الأموال إلى ملاذات خارجية في منطقة الكاريبي لكن هذه الإتهامات والمزاعم لم تتأكد رسميا..
وقال إيلمر، إنه حاول في البداية مكافحة ما وصفه “إساءة الإستخدام التي تَحدُث في الملاذات الضريبية اللاّإقليمية، ولكن من دون جدوى”. وإثر ذلك قرَّرَ المصرفي السابق الإعلان عن هذه الانتهاكات بنفسه عن طريق نشرِها على موقع ويكيليكس الإلكتروني الذي كان لا زال في بدايات نشاطه.
swissinfo.ch: هل كنتم تعرفون موقع وكيليكس من قَبل؟
رودولف إيلمَر: نعم، فقد قمتُ بِنِشر القرار الصادر من الادّعاء العام في زيورخ والمُتَعَلِّق بِمُلاحقة عائلتي وجيراني قبل ثلاثة أشهر من نَشري أول رسائلي الموَجهة الى مصرف يوليوس بير، لإطلاع الجمهور على ما يَحدُث. (ويُذكَر هنا أنَّ إيلمر قال بأن المصرف الخاص كان قد كَلَّف مُحَقِقين من القطاع الخاص بِمُراقبتِه).
كيف جرى أول إتصال لك مع موقع ويكيليكس؟
رودولف إيلمَر: لقد بنيْـنا إتصالنا في البداية حول موضوع البرامج المُشَفَّـرة، حيث تلقيت تعليمات في كيفية المُضِـي قُـدُماً. وقد قام مُحامي الموقع بالتعاون مع جوليان أسانج (مؤسس موقع ويكيلكس) بترجمة كلا من شكواي إلى محكمة العدل الأوروبية ورسالتي التحذيرية إلى اللغة الإنجليزية.
هل التقيْـتم بالسيد أسانج؟
رودولف إيلمَر: لا أرغب في التعليق على هذا الموضوع، حيث من المُفتَرَض أن تبقى طريقة عمل الموقع سرية من أجل حماية العاملين فيه أيضا. ولكن جرى هناك إتصال مع موظفي ويكيليكس.
كيف تُرسَل المعلومات إلى موقع ويكيليكس؟
رودولف إيلمَر: كانت هناك تعليمات توَضّح أسلوب تَحميل البيانات على موقع يكيليكس، وكان هناك خيار آخر لإرسالها عن طريق أدوات / أجهزة خزْن البيانات. (مثل ذاكرة الفلاش أو أجهزة الآي بود أو الأقراص المضغوطة وغيرها).
هل يقوم الموقع بالتَحَقُّق من المواد المُرسَلة قبل نشرها أم لا؟
رودولف إيلمَر: أستطيع التحدُّث عن حالة مصرف يوليوس بير فقط. ومن المؤكّـد في هذه الحالة أن ما نُـشِر كان وثائق حقيقية وأخرى كاذبة. وقد تم نَشر الأخيرة للتّـضليل على وجه الخصوص، بسبب عدم تَمَكّـن مصرف يوليوس بير من إغلاق موقع ويكيليكس. ولم يَبقَ للمصرف، والحال هذه، سوى نَشر بيانات غير صحيحة للطّـعنِ في مِصداقية المعلومات الموجودة على الموقع. ونجِد كمثالٍ على ذلك، الرسالة المُوَجَهة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ونلاحظ هنا أن ضُعف اللغة الإنجليزية المُستَخدمة والحالة العامة للرسالة، وتوقيع كريستوف هيستاند، المُستشار القانوني الأول لمجموعة يوليوس بير القابِضة على وثيقة محفوظة، ليس غير قابِلٍ للتصديق فَحَسب، بل ويَتناقَض مع المُمارسات المُتَبَعة في المصرف.
ولو كانت السيدة ميركل حريفة في مصرف يوليوس بير، فسيكون لديها حساب رقمي أو حساب بإسم مُستعار، ولكن لن يكون لديها حساب باسمها الشخصي أبداً، إذ سيعلم جميع العاملين في البنك حينذاك بأن هذا الحساب يعود للمستشارة الألمانية. وأنا أعتقد اليوم بأن هناك الكثير من البيانات الكاذبة التي تَمِّ تحميلها عَمْـداً لِتُنشَر في قضية مصرف يوليوس بير.
هنا يَتَبَيَّن وللأسف، بأنَّ موقع ويكيليكس لم يَقُم بالتَحَقُق من البيانات الواردة إليه بأسلوبٍ مهني، وهو ما يُشَكِّل نقطة ضعفٍ في الموقع بأيّ حال من الأحوال. من ناحية أخرى، يجب القول بأنَّ من الضروري التحقُق والتساؤل عن مصداقية كلّ ما يَصدُر من معلومات، كأن تكون من الصحافة على سبيل المثال.
ما هي المَعايير التي كانت لديك في قضيتك؟
رودولف إيلمَر: حملَت رسالتي الإخبارية المُعَنوَنة “المُناورات الضريبية عَبْـرَ جزيرة كايمان”، معلومات تُشير إلى إساءة اسْتِخْدام البنك لما يُسَمّى بالهياكل/المؤسسات اللاإقليمية خارج سويسرا والحالات الفردية، التي أظهرت وجود مثل هذه الإنتهاكات. (كوضع تواريخ قديمة على عقود التمويل، وإعطاء البنك تعليمات للتحايُل على السلطات الضريبية في الولايات المتحدة وإسم تاجر مُخدرات وقاتل جَماعي تَمَّت إدانته وأسماء مُحتالين مُدانين، بالإضافة إلى أسماء مُشعلي حرائق مِمّـن كانوا جميعاً يملِـكون ودائع إئتمانية في مصرف يوليوس بير). وقد قُمتُ بإختيار حالات مَفهومة للمواطن العادي، وكان غَرَضي من ذلك إِطلاع الرأي العام على هذه المُمارسات.
كيف كان ردّ الفعل بعد نشر هذه الوثائق؟
رودولف إيلمَر: أدّت الرسالة “الإخبارية” الأولى إلى إستجوابٍ في مجلس النواب السويسري من قِبَل الكتلة الاشتراكية، كما ظهرت هناك إستفسارات من قِبَل ساسةٍ ينتمون إلى مجلس كانتون زيورخ. لقد تَمَّ التعامل مع المسألة على مُستوى البرلمان السويسري، كما تعاملت الصحافة، ولاسيما العالمية منها، مع هذه القضية. وفي الوقت الذي أبدَت فيه الأخيرة إهتمامها بالحقائق، كتَبَتْ الصحافة السويسرية عنّـي كشَخص، أكثر من تَطَرُّقها إلى الجانب المبدئي للقضية. وهنا، يَصحُّ المثل: “إذا لم تَتَمكن من تدمير الأدلّـة، فاضرب الشاهد”.
هل استَغرَق ذلك وقتا طويلا؟
رودولف إيلمَر: إستغرق الأمر في سويسرا حوالي أربعة أسابيع لِتَنظيم المُساءلة من قِبَل الجهات العُليا. من ناحيته، كان رَد فعل مصرف يوليوس بير سريعاً جداً، ولكن من دون نجاح يُـذكر.
أراد مصرف يوليوس بير مَنع َنشر المعلومات التي بِحوزتك عن طريق أمر من المحكمة. وفي عام 2008 أغلِق موقع يكيليكس لبعض الوقت. كيف كان الوصول إلى المعلومات مُتاحاً على الرغم من ذلك؟
رودولف إيلمَر: في ذلك الوقت، كان الإهتمام المُتزايد من قِبَل الجمهور، هو العامل الأكثر أهمية، وكان نشر هذه الإنتهاكات، هو الأمر الأهم، وإن كان ضدّ مصلحة البنك. وفي حالة مصرف يوليوس بير، تَمَّ تنفيذ المادة الأولى من الدستور الأمريكي، التي تنص على “حرية الصحافة وحرية التعبير”، وبذلك ظلت البيانات الخاصة بِمَصرف يوليوس بير مُتاحة للجمهور.
وأودّ الإشارة هنا، إلى أن العديد من البيانات المُختلفة التي سُرِّبَت لي لاحقاً ،هي في جُعبة المحامي الأمريكي الخاص بي في واشنطن. ولم يكُـن في نيتي أبدا نَشْـر جميع البيانات. فقد يكون من شأن ذلك تعقيد المسألة بالنسبة للسلطات التحقيقية، وقد يؤدّي إلى تعريض بعض الأشخاص إلى خَطَر الإنتقام، كما هو الحال مثلاً مع الحُرَفاء المكسيكيين.
كما قد يَتَخِذ بعض المُحتالين إجراءات معيّـنة أو قد تتعرّض سلامة عائلتي للخطر. وهناك تعليمات واضحة بشأن التعامل مع هذه البيانات، في حال حدوث إنتقام شامل ضدّ عائلتي. ومن هذه الناحية، أستطيع الإعتماد على دَعم الموظفين العاملين في موقع ويكيليكس.
هل مورسَـت ضدّك في ذلك الحين ضغوط كثيرة لِرَفع هذه البيانات؟ وكيف كان ذلك؟
رودولف إيلمَر: لقد مورسَـت الضغوط عليَّ وعلى عائلتي من قِـبَل مصرف يوليو بير عن طريق تَحريين خاصين ينتمون إلى مؤسسة Ryffel. وقد انعكس ذلك من خلال مراقبتي ومراقبة عائلتي على مَدار الساعة، وهو أمرٌ لم يَخْفَ حتى عن إبنتي التي كانت حينئذٍ في السادسة من عمرها، الأمر الذي أصابها بخوفٍ شديد. وكان من ضِمن السبُل التي سلكها هؤلاء، هو التوقف المفاجئ أمام منزلي الذي يقع على طريق خاص مسدود، من خلال الضَغط الشديد على مكابح السيارة لإصدار أصواتٍ عالية ما بين الساعة التاسعة والحادية عشرة ليلاً. وقد كانت هذه الأصوات توقِـظ إبنتنا وتَدفع الجيران إلى فتح نوافذهم لرؤية ما يجري في الخارج، وهو ما كنّا نفعله أيضاً. كما كان المفتشون يلاحقون زوجتي على الطريق السيارة، مما أجبر الشرطة على التدخل وغير ذلك من أساليب التّـرهيب النفسي. وقد كنّا أنا وإبنتي بحاجة إلى مساعدةٍ نفسية، بسبب مُعاناتنا ممّـا يُسَمّى بـ “اضطرابات ما بعد الصدمة”.
ولم أتلَقّ مع عائلتي أية مساعدة، سواء من الشرطة أو من السلطات المحلّية. وفي حين كانوا يقدمون الحماية ليوليوس بير، كانوا يتفرَّجون علينا فقط. وبالنتيجة، إضطررنا لِتَرك البلاد إلى جزيرة موريشيوس للحصول على الراحة والسلام.
في معظم الحالات، تبقى هويات مُخبِـري موقع ويكيليكس مجهولة. لِـمَ كانت الحالة مُختَلِفة في قضيتك؟
رودولف إيلمَر: أنا لم أشأ إخفاء هويتي. وقد وضعتُ اسمي على أوَّل رسالة “إخبارية” للتأكيد على مصداقية البيانات من جهة ولإظهار عِصياني المَدَني تُـجاه بلدي من جهة أخرى. كما أنّي مُقتنع بأن إسمي مُهِـم، حيث قام العديد من الأشخاص بالإتصال بي بعد ذلك وتمَّ إمدادي بالمَزيد من المعلومات والبيانات من حُرفاء آخرين في البنك.
والآن، يُمكنني إظهار الكيفية التي تعامَلَـت بها العدالة السويسرية والدولية والضريبية مع هذه البيانات، وهذا يعني من الناحية العَمَلية، عدَم أخذ السلطات السويسرية هذه البيانات بِعين الإعتبار، على الرغم من أنَّ الخروقات وقعت في سويسرا. وعلى العكس من ذلك، أطلقت السلطات الأجنبية وبِنَجاح إجراءاتٍ جنائية وضريبية وبِأثرٍ رَجعي، حصَلَت من خلالها على عدّة ملايين من الدولارات كعائدات للتَهرّب الضريبي. ولم تَنتَه هذه القضية بعدُ لِحَد اليوم.
غالباً ما ينتًهي المطاف بـ “المُخبرين” أمام القضاء، حيث يُدانون على أعمالهم (كما هو الحال مع الجندي الأمريكي برادلي مانينغ، الذي يُعَتَقد أنه مَصدر الوثائق السرية التي نشرها على موقع ويكيليكس)، في حين يتحوّل آخرون إلى أشخاصٍ ينبُذُهم المُجتمع. كيف سَيَستَمِر الحال معك الآن؟
رودولف إيلمَر: بداية، أوَد أن أقول إن مصرف يوليوس بير عَرَضَ عليّ مبلغ 500,000 فرنك مع تجميد كافة الإجراءات القانونية ضدّي (بما في ذلك الجُنْحَة الرسمية المتعلّقة بانتهاك السرية المصرفية). وكان بالإمكان الحصول على موافقة الإدّعاء العام السويسري لِوقف الإجراءات ضدّي، ولكنني رفضت! ولو كنت قبلت بهذه “الكأس الذهبية”، لكنت أعمل لغاية اليوم في جزيرة موريشيوس (التي تقع وسط المحيط الهندي) لِصالح بنك “ستاندرد أفريكا”.
من المؤكد أنني مَنبوذ في سويسرا، ولكن لو نظرنا إلى وجهة النظر الدولية، فأنا أعلم أن كلاً من البلدان النامية والدول الأوروبية والولايات المتحدة، تُقَدِّر عملي، بل وتُشَجِّعه حتى.
وأنا لا أرى نفسي كمُخبِِـر كلاسيكي، بل كَناشِط لا يُطالِب بالمَزيد من السيطرة فحَسب، ولكن بالإصلاح الحقيقي في القطاع المالي، وعلى الأخَص في الملاذات الضريبية.
هل تنتظرك الآن جلسة للمحاكمة في سويسرا؟
رودولف إيلمَر: نعم، من المُقَرَر أن تكون هناك جلسة للنظر في هذه القضية يوم 19 يناير 2011. وسيَتَبَيَّن في هذه المحكمة ما إذا كان القضاة في زيورخ – الذين لم يتّـخذوا أي إجراء ضدّ إدارة مصرف يو بي إس عن الجرائم المُقترفة في الولايات المتحدة بخصوص الإفراج عن البيانات – سيقومون بإدانة “المُخبِر” (قاصداً نفسه)، الذي أعلَن عن بياناتٍ لا يَحميها سوى قانون جُزُر كايمان. ومن المعروف أنَّ القانون المصرفي السويسري يَنُصّ بوضوح على عدم خضوع البيانات الخاصة بفروع الشركات السويسرية اللاإقليمية للسرّية المصرفية. ولسوء الحظ، تَحمل سويسرا سُمعة دولية سيِّـئة في مجال العدالة، وليس من الصعب التصور بأنَّ العدالة في سويسرا/ كانتون زيورخ ستُضيف وسماً جديداً لسُـمعتها مرة أخرى.
ما الذي دفعكم للعودة إلى سويسرا وأنتم تعيشون في أمان في جزر موريشيوس؟
رودولف إيلمَر: لقد كلَّفَتني الخُصومات مع مصرف يوليوس بير فقدان وظيفتي الثالثة في بنك Standard Bank of Africa. وقد عرض عليّ هذا البنك إسترداد وظيفتي في حال عقدت صُلحاً مع يوليوس بير.
ومن وجهة نظري، فإن كَمَّ الإنتهاكات الذي وجدتُه في العمل المصرفي، ولا سيما ذلك المُتَعَلِّق بالأعمال التجارية للمصارف اللاإقليمية، وكذلك ما واجهتُه من العدالة السويسرية، لا يسمح لِشخصٍ وَطَني بِشراء ذمّـته، بل يَتَحَتَّم عليه الدفاع عن نفسه وعن موقفه. والسكوت هنا، لا يُمَثِّل سوى طريقة مُشينة لِغَضَّ النظر، أما جَني الفائدة من أمرٍ كهذا فهو أسوأ.
ماذا الذي تأمَله من حملتك ضدّ “المراكز اللاإقليمية” والسرية المصرفية؟
رودولف إيلمَر: المُهِمّ بالنسبة لي، هو إطلاع المواطنين على الكيفية التي يَستفيد بها ويدعَمُها بعض المَصرفيين والمحامين والمُحاسبين من هذا النظام، من دون إدراكهم للضَرَر الجسيم الذي يُسبِّـبونه للمُجتَمع وتهديدهم للديمقراطية وتَدميرهم للوئام الاجتماعي، وهم بالتالي، يمنَحون الفرصة للفاشيين لجعل الأهداف الدنيئة في المجتمع تبدو مُستساغة. وأنا أبيِّـن هذه الإجراءات في كُتُبي التي تحمل عنوان “الإرهاب المَصرفي” و”الجِنان الضريبية”.
برأيك، ما هو الدور الذي يحمله “المُخبِـرون” اليوم؟ وهل يشكلون فائدة للديمقراطية أو تهديداً لها؟
رودولف إيلمَر: المجتمع اليوم بحاجة للمُخبرين، لإنعدام أية وسيلة أخرى لوقف ما يجري من إنتهاكات. وعلى سبيل المثال، تتمتع جماعات الضغط في القطّاع المالي بنفوذٍ وقوةٍ تجعلهم يفعلون ما يريدون، والأمر نفسه يَنطبق على الشركات مُتعددة الجنسيات وحتى القَضاء. ولا يُمكن سوى للمُخبرين تقريب ما يَحدُث من إنتهاكات للمواطنين. ويحتاج الأمر إلى أمثلة عَمَلية وبَيّنة لتوضيح مفهوم إساءة الإستخدام للمواطن. وللأسف، يقّدمُ “عالم الأسرار” كالسِر المصرفي والأسرار الضَريبية والأسرار بين المحامي وموكّـِله والسرية المهنية، الحماية للإنتهاكات وسوء الإستخدام، كما ظهر ذلك في الأمثلة الأخيرة.
من جهة أخرى، يتمتع المُخبرون بالقوة أيضاً وبإمكانهم إستغلال دورهم بطريقة سيِّـئة، ليشكلوا بالتالي خطراً بذلك. والمثال حول علاقة ويكيليكس بِنشرِ أسماء المُخبرين وأعضاء في الجيش الأفغاني، قد يؤدّي بالنتيجة إلى أعمال إنتقامية ضدّ أطراف ثالثة. ونحن نتحدث هنا عن مسألة حياة أو موت بالنسبة للمُخبرين والجنود وحتى المَدَنيين. ومن جهتي، أدين عملية الكَشف عن هذه الأسماء وآمل أن يتخلّى موقع ويكيليكس عن هذه المُمارسة.
كما أجد أنّه من الخطورة تجسيد فردٍ لوحدِه – كما هو الحال مع جوليان أسانج – كل هذه القوة وإستخدامها لأهدافه الشخصية. وآمل أن يعود أسانج بموقعه إلى ما كان عليه منذ 12 شهراً “كموقعٍ يكشِف الإنتهاكات الحاصلة في مجالات مُتَعَددة بشكلٍ مُنتَظَم”. وهذا ما يحتاجه المُجتمع في عالمنا اليوم، الذي تتلاعب به وسائل الإعلام.
كيف تقيِّـمون الإصدار الأخير لموقع ويكيليكس؟
رودولف إيلمَر: من المؤكد بأن الثقةَ بين الأشخاص والدول قد أُصيبَت بأضرارٍ بالِـغة. والأكيد أيضاً، هو نشوء إنعدام بالثقة إلى درجة لا تُصَدَّق تُـجاه الولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما بين الدبلوماسيين. وسوف تَتَساقط بعض الرؤوس بالتأكيد، كما ستؤجَل بعض الصفقات التجارية المُهِمّة لفترة طويلة.
ما ليس أكيداً، هو الفائدة الناجمة عن كَشفِ هذا الكَمّ الكبير من المعلومات للمُجتمع. وتراوِدني بعض الشكوك هنا، إذ لا يمكن أن تُمارَس السياسة العالمية على مُستوى الصحافة الشعبية، كما لا أستطيع أن أصدِّق بأن الجُزءَ الأكبر من الدبلوماسية العالمية يُمكن أن يَجري بهذا المُستوى. ولهذا السبب، أنا مُقتنع بأن الضَرَر الناجم عن الإصدارات الأخيرة على موقع ويكيليكس، هو أكبر من الفائدة العائِدة للمجتمع.
يُمكِنني ان أتصَور حدوث ذلك بدافع الانتقام وكَرَدِ فعلٍ على الحَملة التشويهية ضِدَّ جوليان أسانج. وآمل أن لا يتهاوى موقع ويكيليكس لهذا السبب، ذلك أنَّه الأداة الوحيدة المُعترف بها دولياً والتي تَحمي هوية المُخبرين بشكلٍ فعّال. ويتعلَّق الأمر هنا أساساً بالمُخبرين الذين يَنتمون إلى الدول المُضطَهدة، كالصين وكوريا الشمالية وإيران والعراق. وهؤلاء بِحاجة ماسّة إلى إخفاءِ هوياتهم ليتمكّـنوا من المُضي بالعَيش. لذا، فمن المهم استمرار وجود موقع ويكيليكس على الساحة.
في شهر مارس 2008، سحَبَ المصرف السويسري الخاص “يوليوس بير” دعواه القضائية ضد موقع الإبلاغ ويكيليكس، بعد أن تحولت الدعوى القانونية التي رفعها ضد الموقع بسرعة إلى هزيمة عامة.
وقد نجح البنك، الذي يقع مركزه الرئيسي في مدينة زيورخ، بإيقاف عمليات الموقع في الولايات المتحدة في الشهر السابق لذلك. وكان موقع ويكيليكس قد نشَرَ وثائق تزعم الكَشف عن نشاطات غير مشروعة من قِبَل حُرفاء البنك في جزر كايمان (غرب البحر الكاريبي).
وكان بنك يوليوس بير قد أعلَنَ عن سرقة وثائق خاصة به من قِبَل إيلمَر، الذي كان موظفاً سابقاً في البنك، وقيامه بتزويد موقع ويكيليكس بها لِغرض النشر.
في أوائل شهر فبراير 2010، قال محامو المصرف إنهم يَسعَون إلى وقف ما وصفوه بـ “النشر غير القانوني لسجلاتٍ مصرفية مَسروقة وبيانات شخصية تخُص حسابات حُرفاء البنك”.
سرعان ما اضطر بنك يوليوس بير إلى نفي الإتهامات الموجهة إليه من قِبَل النقاد والمُتَعَلِّقة بتقويض حرية التَعبير. وفي 5 مارس 2008، قام البنك بإجراءٍ طَوعي لإسقاط الدّعوى القضائية. ولم يُعطِ البنك أيّ تفسيرٍ لهذا الإجراء، كما إحتفظ بِحقَّه في إعادة تحريك مِلَف القضية في وقت لاحق في المستقبل.
من المُقَرَّر أن تعقد أول جلسة قضائية للنظر في قضية إيلمَر في زيورخ يوم 19 يناير 2011.
إنضم المصرفي السابق رودولف إيلمر إلى مجموعة من “المُخبرين” السويسريين، تَتَضَمّن كلا من كريستوف ميلى وبرادلي بيركنفيلد.
وكان كريستوف ميلى حارسَ أمنٍ سويسري أنقَذَ وثائق تعود إلى فترة المَحرقة كانت بِحوزة بنك يو بي إس UBS من الإتلاف في آلة لتَقطيع الورق في عام 1997.
وقام ميلى – الذي كان يعمل آنذاك في شركة أمنٍ خارجية – بِتسليم الوثائق التي إحتفظ بها، إلى منظمةٍ يهودية، وأدى كَشف هذه الواقعة إلى فَتح تحقيقات ضِد ميلي من قِبَل السلطات القضائية في مدينة زيورخ بِتُهمة الإشتباه بانتهاك السرّية المصرفية.
أمّا رادلي بيركنفيلد، المَصرفي السابق في بنك يو بي إس UBS، فقد قام بكشف أسرارٍ تعود للبنك، ليُقَضّي بعدها عقوبة لمدة 40 شهراً في إحدى السجون الأمريكية منذ 8 يناير من هذا العام، بتُهمة التآمر للإحتيال.
وكان بيركنفيلد قد تعاون مع تَحقيق أجرَته الولايات المُتحدة حَول المواطنين الأمريكيين الذين يستخدمون حساباتٍ مصرفية سويسرية للتَهَرُب من دفع الضرائب الإتحادية الأمريكية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.