المناطق الجبلية في سويسرا تبحث عن مستقبل مستديم
وَصَف كُتيِّب صادر عن إتفاقية جبال الألب هذه السلسلة الضخمة بـ "الهلال المُرَصَّع بالجواهر في قلب القارة الأوروبية". ومن المؤكد أن هناك العديد من الأشخاص الذين يرغبون بزيارة هذه الجبال الجميلة. ولكن، كَمْ منهم يرغب بالعيش هناك فعلاً؟
في سويسرا على سبيل المثال، يعيش شخص واحد فقط من بين كل سبعة أشخاص في منطقة جبال الألب، على الرغم من أنَّ ثلثي مساحة أراضي الكنفدرالية، تُعتَبَر مناطق جبلية. وبالمقارنة مع عام 1800، كان العدد يزيد عن الشخص الواحد من بين كل خمسة أشخاص.
كانت إحدى المواضيع المطروحة للنقاش في المؤتمر الثاني عشر لجبال الألب، الذي عُقِد في 7 سبتمبر 2012، كجُزءٍ من “أسبوع جبال الألب”، هي كيفية زيادة فُرص العمل في هذه المنطقة. ودار النقاش بشكلٍ رئيسي في هذا المؤتمر، الذي إستضافته بلدة “بوسكيافو” Poschiavo الصغيرة، الناطقة بالإيطالية جنوب شرق كانتون غراوبوندن، حول “جبال الألب المُتَجَدِّدة”. وضمَّ هذا الحَدَث، خُبراء من جميع الدول التي تعبر أراضيها سلسلة جبال الألب.
وفي لقاء له مع swissinfo.ch، قال غيدو بلاسّمان، مدير شبكة جبال الألب للمناطق المحمية ALPARC: “يحب الأشخاص المُقيمون في ريف جبال الألب، أن يعيشوا بالقُرب من الطبيعة والبيئة البِكر، التي لم يَمْسَسْها البشر، للتمَتُّع بنوعية حياةٍ أفضل”.
وأضاف: “لكن السَكَن بالقرب من البلدة، هوعاملٌ مهمٌ بالتأكيد، بحيث لا تزيد المسافة عن خمسة وثلاثين دقيقة أو ربما ساعة كحدٍّ أقصى”. واستطرد قائلاً: “يرغب بعض الأشخاص بالسكن قرب إحدى البلدات، لِسهولة الإنتقال إلى محل العمل، كما تُمَثِّل الفعاليات المُختلفة التي يُمكن القيام بها في البلدة، سبباً آخر”.
وإعترف بلاسّمان بأن “سؤال الـ 64,000 دولار الحاسم “(نسبة لبرنامج مسابقات أمريكي حاز على شعبية واسعة في الأعوام 1955- 1958)، هو كيفية الإحتفاظ بالأهالي في المناطق الجبلية، من خلال منحهم الفُرص الإقتصادية، ولكن من دون الإضرار بالبيئة”.
إتصالات عالمية
ليس بالأمر المُستغرب أن تكون السياحة عاملاً رئيسياً في إقتصاد جبال الألب منذ أمد طويل وحتى الوقت الحالي، ولكن في عالم اليوم، هناك بدائل أخرى. وقد يبدو من المفارقات، أنَّ العوْلمة والإنترنت، يفتحان الباب أمام إحتمالات كثيرة، في حين تظل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، أحد المصادر الهامة لتوفير العمالة.
وفي حين أن الصناعة ليست بالجديدة في القرى الأكبر حجماً الواقعة في مناطق جبال الألب، نجد أنَّ الصناعات التقليدية تختفي أو تُعيد هيكلتها. ولم تَعُد العديد من الصناعات المُتبقية أو تلك التي ما زالت تَمضي قُدُماً، مُستنِدة على الموارد المُتاحة. وكما توضح هايكة مايَر، أستاذة الجغرافيا الإقتصادية في جامعة برن، فإنَّ “العولمة تُتيح فرصاً وتحديات جديدة”. وتوضح وجهة نظرها بالقول: “تُدفَع الشركات الصغيرة والمتوسطة بإتجاه الإبتكار وإستخدام التكنولوجيا، لذا، فهم بحاجة للبقاء على اتصال مع أفكار جديدة”.
وتضيف ماير: “ترتبط الشركات العاملة في الأسواق العالمية بمناطق أخرى من العالم، من خلال المُوَرِّدين والعملاء، وربما العلاقات مع الجامعات. ومن المهم أن تحافظ هذه الشركات على إتصالها بالعالم الخارجي دائماً”.
الإبتكار والحداثة
السيدة ميلاني جون، العاملة في مشروع “اوبن آلبس” OpenAlps الدولي، الذي تديره غرفة تجارة وصناعة “شفارتسفالد- بار- هويبيرغ” Schwarzwald-Baar-Heuberg في جنوب ألمانيا، تُعتَبَر أحد الأشخاص الذين يقومون بمساعدة هذه الشركات على المحافظة على إرتباطها والحصول على المعرفة الخارجية.
السيدة جون أوضحت أيضا لـ swissinfo.ch أنه “تكمن الفكرة في معرفة كيفية حصول الأشخاص المناسبين على الإبتكارات والأفكار المناسبة الجديدة في وقت أسرع”.
في نفس السياق، حذّرت جون من أنّه، وعلى الرغم من إمتياز العديد من الشركات بالإبتكار بالفعل، فإنَّ الضغوط في عالمٍ مُعَوْلم من الضخامة، بحيث لا يستطيع أي نوع من العمل تحَمُّل الجمود وعدم اللحاق بالرَّكب.
وعلى حد تعبيرها “ليس الأمر كما لو أنّ مشروعنا سيكون له ذلك الأثر الكبير، الذي سيرحل الجميع من دونِه. ولكننا نود دَعم الإقتصاد على أرض الواقع والحفاظ على الوظائف وخلق فرص عملٍ جديدة”.
وتختلف الأعمال التجارية، التي يغطيها المشروع على نطاق واسع، كما وأنها تعتمد على المنطقة، وهي تتضمّن الشركات المُصَنِّعة للمواد الطبية وتُجّار السيارات وصانعي الأجهزة والمُعدّات.
أي أمل في المستقبل؟
من المهِم أن تقدّم المناطق الجبلية أسباباً تدعو الأجيال القادمة للبقاء. في هذا السياق، يرى موريتس شفارتز، وهو طالب مدرسة في مدينة إينسبروك (عاصمة ولاية تيرول الواقعة غرب النمسا)، يتمتع بوعي سياسي عالٍ، بأنَّ التعليم هو أفضل أملٍ للإحتفاظ بالشباب في مناطق جبال الألب، ذلك أنَّ الشركات الجديدة التي ستنتقل الى المنطقة بمشاريعها المُستَدامة، سوف تكون بِحاجة إلى توظيف قطاع مثقّف من السكّان.
وحضر شفارتس برِفقة زميلته الأصغر إيزابيلّا هيلبَر، ذات الستة عشر ربيعاً، برلمان الشباب، التابع لإتفاقية الألب، الذي يَجمع الشباب المُنتمين إلى دول جبال الألب الثمانية (النمسا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، ليختنشتاين، موناكو، سويسرا وسلوفانيا). ويتشاطر الطالبان الكثير من الحماس حول مُستقبل المنطقة.
لكن هيلبَر إعترفت بأن مُعظم زميلاتها لم يُبدين إهتماماً خاصاً بهذا الموضوع، على الرغم من أن برلمان الشباب كان من بنات أفكار مُعلِّمي مدرستهم. ومع ما تشعر به من حب حيال الجبال، فإنَّها ترى نفسها تنتقل إلى فيينا أو حتى ألمانيا للدراسة.
مع ذلك، ووفقاً لسيلفيا سيماديني، العضوة في البرلمان السويسري، بإمكان أولئك الذين يرحلون لغرض الدراسة أو العمل، أن يؤدوا دورَهم أيضاً. وقد نشأت سيماديني في بلدية بوسكيافو (في كانتون غراوبوندن جنوب شرق سويسرا) قُرب الحدود الإيطالية، غير أنّها تعيش الآن في خور، عاصمة الكانتون.
وفي مقابلة مع swissinfo.ch، قالت عضوة مجلس النواب، التي تدافع عن قضايا الطبيعة والبيئة والطاقة والثقافة: “صحيح أن العمل غير مُتوفر للجميع هنا، مما يُحتِّم على الكثيرين المغادرة، ولكن هناك العديد من الوسائل التي تُتيح للأشخاص الذين انتقلوا إلى المناطق الحضرية المساعدة، لِتعزيز مصالح المناطق الجبلية”.
مسألة منظور
ولكن، هل من المهِم فعلاً أن يبقى الشباب في الجبال؟ فرانتس فيرديناند تورتشير، رئيس مجلس بلدية “زونتاغ” الصغيرة في النمسا أوضح لـ swissinfo.ch، أنَّ هذا مُهِـمٌ بالفعل على المدى القصير، إذ لن يبق هناك مَن يحافظ على الحياة الإجتماعية والسياسية في القرية، متى ما رحل السكان، وهو ما سيؤدّي إلى نُشوء حلقةٍ مُفْـرغة.
وشدد تورتشير على أهميّة أندية القرية، كونها أحد الأسباب التي تشجِّع الذاهبين إلى العمل للعودة الى منازلهم كل مساء، بدلاً عن السكن في مناطق عملهم. وعلى سبيل المثال، يُقيم في البلدية 750 شخص، ينتمي 50 منهم إلى الفرقة الموسيقية. فالمستوى عالٍ هنا، وهو عامل يجتذب أعضاء جُدُدا بدورِه.
وأضاف في نفس السياق: “لا يزال لدينا بعض الشباب المُستعدين لتولّي وظائف في النوادي والجمعيات أو للترشح لمناصب سياسية، ولكني لا أريد التحدُّث عما سيكون عليه الحال خلال 10 إلى 15 سنة”. وقال:”أسمع بعض الناس – وخاصة الفئة الشابة المثقفة – يتكلمون عن عدم تمكّنهم من إيجاد مكان مناسب لهم هناك”.
من ناحيته، يبدو غيدو بلاسمانّيس، أكثر تفاؤلاً بشأن هذا الموضوع، إذ يقول: “غالباً ما يغادر الشباب، فهم يرغبون بالعيش في المدينة ورؤية ما هو جديد – لكنهم يعودون على الأغلب”.
لكن عند سؤاله عن مدى الأهمية الفعلية لمعيشة السكان في الجبال، كانت لـ بلاسمانّيس وجهة نظر طويلة الأمد، حيث قال: “الأمر يتعلَّق حول تصوّرنا لجبال الألب. أعتقد بأنه من الصعب على جيلنا أن يتخيّل تحوّل هذه الجبال إلى مجرد غابات كثيفة غير مُنسَّقة. وإذا ما استطاعت الأجيال القادمة تصوُّر ذلك، فهذا شأنٌ آخر”.
وأضاف: “لا تتعلَّق المسألة بالإيجابية أو السلبية. بالطبع، فإنَّ البيئة التي تمثِّل جزءاً من ثقافتنا، هي أمرٌ إيجابي، ومن الواضح بأننا نوَد الحفاظ عليها. ولكن هذا المنظور، يمثل وجهة نظرنا نحن كبشَر، وهو ما قد يكون مُختلفاً تماماً من منظور الطبيعة”.
عُقِدَ أسبوع جبال الألب في شهر سبتمبر 2012 في بلدة بوسكيافو السويسرية (تقع جنوب كانتون غراوبوندن)، ليتزامن مع مؤتمر الدول الأعضاء في اتفاقية جبال الألب.
ضم المؤتمر مجموعة من الخبراء وأعضاء من الجمهور، قاموا بِمناقشة سُبُل “تجديد” المناطق الجبلية من خلال التنمية المستدامة.
شملت الأطراف المُنَظِمة للمؤتمر كلا من:
– إتّفاقية جبال الألب (الإتفاقية الألبية)، وھي معاھدة دولية إقليمية تعنى بالتنمية المُستدامة لجبال الألب، وتهدف الى حماية البيئة الطبيعية لهذه الجبال وتَعزيز تنميتھا. ويشمل إطار عمل ھذه الإتفاقية، الإتحاد الأوروبي وثماني دول ،تضم النمسا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، ليختنشتاين، موناكو، سلوفينيا وسويسرا. وتم توقيع الإتفاقية عام 1991، غيْر أنَّها لم تُصبِح سارية المفعول، حتى عام 1995.
– شبكة جبال الألب للمناطق المَحمية “ألب أرك” Alparc، وهو تَجَمُّع يشمل جميع فئات المناطق المَحمية، ذات المساحات الكبيرة داخل منطقة اتفاقية الألب.
– اللجنة العلمية الدولية للبحوث في جبال الألب “إسكار” Iscar.
– نادي “آرك آلبين” Club Arc Alpin وهي المنظمة المِظلة للجمعيات الكبيرة الناشطة في تسلق جبال الألب وحماية الطبيعة والتخطيط المكاني. ومن خلال الجمعيات الثمانية الأعضاء فيها، يمثل النادي ما مجموعه 1.7 مليون عضو.
– جمعية التحالف في جبال الألب، وهي جمعية مؤلفة من السلطات والمناطق المحلية.
– اللجنة الدولية لحماية جبال الألب”سيبرا” Cipra، التي تقود حملات لحماية جبال الألب والتطوير المُستَدام فيها.
– مكتب “فال بوسكيافو” Valposchiavo للسياحة.
يمتد قوس جبال الألب في قارة أوروبا من فرنسا غرباً حتى سلوفينيا شرقاً. وتشمل الدول الأخرى التي تقع فيها هذه السلسلة، كلا من النمسا وألمانيا وإيطاليا وإمارة ليختنشتاين وإمارة موناكو وسويسرا.
تُغطّي جبال الألب مساحة 190,000 كلم مربّع، وتُعدّ موطناً لنحو 14 مليون شخص، على الرغم من تبايُن الكثافة السكانية كثيراً بين منطقة وأخرى.
تُعَدّ جبال الألب في غرب أوروبا، خزّاناً مائياً رئيساً، إذ تخرج منها أنهار أوروبا الرئيسية، وهي الراين والرون، التي تقع منابِعها في جبال الألب السويسرية، ونهر البو ورَوافده الرئيسية في إيطاليا، ونهر الدانوب، الذي يتشكّل من إتحاد نهري بريج وبريجش، اللذان ينبعان من “الغابة السوداء” الواقعة جنوب غرب ألمانيا.
مع عدد يُقَدَّر بـ 120 مليون زائر في السنة، تمثل جبال الألب منطقة سياحية رئيسية أيضاً. وقد ساعد النشاط البشري في تشكيل المشهد الطبيعي لهذه الجبال لفترة تزيد عن 1000 عام. وفي البداية، كان ذلك من خلال الزراعة وتربية المواشي وعلم الحراجة (الغابات)، والتَعدين.
بدأ النشاط السياحي في هذه المنطقة الجبلية الشاسعة، منذ نحو 200 عام. أما بداية السياحة الشِّتوية فتعود إلى حوالي 100 عام. وقد اقتضى هذا النشاط إنشاء مرافِق خاصة، كمصاعد التزلّج، بالإضافة الى الفنادق والطرق.
تُعتَبَر جبال الألب، منطقة حيوية لإنتاج الطاقة الكهرمائية (هي الطاقة الكهربائية، التي يُستفاد في توليدها من الطاقة المائية الكامنة)، التي تُعتبر طاقة مُتجدِّدة، صديقة للبيئة، وخالية من غاز ثاني أوكسيد الكاربون. وأدّى بناء السدود إلى غَمر عدد من وِديان المنطقة.
تغطِّي جبال الألب نحو ثُـلثي المساحة الإجمالية للأراضي السويسرية.
في عام 1800، سَجَّل عدد سكان جبال الألب نسبة 22.6% من إجمالي سكان سويسرا، وفي عام 1990، انخفضت هذه النسبة إلى 14.6% فحسب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.