المهاجرون في سويسرا يُـمارسون الديمقراطية المباشرة.. افتراضيا
أصبح متاحا الآن للأجانب المقيمين في سويسرا، الذين يُـشكِّـلون حوالي خُـمُـس السكان، التعبير عبْـر شبكة الإنترنت عن آرائهم في القضايا المطروحة على التصويت على المستوى الفدرالي، بالرغم من أن نتيجة تصويتهم لن تُـحتسب.
ومن المُـفترض أن يتّـسِـم الإستفتاء المقرر إجراؤه يوم الأحد 28 نوفمبر الجاري بأهمية خاصة للمهاجرين، حيث سيُـدعى السويسريون إلى اتِّـخاذ موقِـف من مبادرة أطلقها حزب الشعب (يمين شعبوي)، تدعو إلى طردٍ آلي للأجانب الذين يُـدانون بارتكاب جرائم خطيرة.
هذا التصويت يُـشكِّـل أيضا جزءا من مشروع يحمل اسم « Baloti » يوفِّـر بوابة إلكترونية متعدِّدة اللغات، تمكن المهاجرين من إسماع صوتهم.. افتراضيا. وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، يقول أوفي سيردولت، وهو باحث في مركز الدراسات الديمقراطية بمدينة آراو: “تتمثّـل الفِـكرة الأساسية، في تمكين المهاجرين المقيمين في سويسرا، من التعبير عن رأيهم في السياسات السويسرية، إضافة إلى إطلاعهم على نظام الديمقراطية المباشرة المُطبَّـق هنا”.
ويعتقد سيردولت أن هذه التجربة تتَّـسِـم بقيمة رمزية، ويقول: “إننا نُـتيح لهم إمكانية التعبير عن آرائهم بطريقة ما. فكلهم يشتغلون هنا. إنهم يدفعون الضرائب، ونحن نمنَـحُـهم صوتا في السياسات السويسرية. في الوقت نفسه، يُـمكن لهم الإطِّـلاع على الكيفية التي تسير بها الأمور هنا”.
هناك سبب آخر لإطلاق هذا المشروع، المدعوم من طرف السلطات الفدرالية، يتلخص في أن العديد من المهاجرين قد يَـحصلون في يوم ما على الجنسية السويسرية، وحينها، سيُـصبِـح من حقِّـهم المشاركة في التصويت فعليا.
نظام معقَّـد
البرنامج المعلوماتي الذي تمّ ابتِـكاره لإنجاز هذا المشروع، يحمِـل اسم « Selectio Helvetica Light » وقد طُـوِّر واستُـضيف من طرف مجموعة التصويت الإلكتروني، التابعة لجامعة برن للعلوم التطبيقية، بالتعاون مع جامعة فريبورغ والمركز السويسري للخِـبرة في مجال التصويت الإلكتروني.
وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، أشار أوليفر سبيشر، الباحث المساعد في مجال التصويت الإلكتروني، إلى أن النظام المُـستخدَم، يتَّـسم بقدر لا بأس به من التعقيد، ويشرح قائلا: “يتحصَّـل كل ناخِـب على رمز انتِـخابي، يُـرسَـل إليه عبْـر البريد الإلكتروني. هذه الرموز الانتخابية، مُـسجَّـلة سلفا على الخادِم (Server)، التابع لنا. وعندما يرغَـب أحدهم في تسجيل نفسه كناخِـب لدى Baloti، يُـعلِـن عن عنوان بريده الإلكتروني، وتبَـعا لذلك، تُـقِـرُّ خوادِم (Servers) الموقع هذه العناوين الإلكترونية، إذا ما توصَّـل النظام إلى أن هذا الشخص يحِـق له التصويت”.
ويُـضيف أوليفر سبيشر، “يصِـل عنوان البريد الإلكتروني مُـرفَـقا بالتوقيع إلى خادمنا (Server)، وإذا ما أقِـرَّت صحة التوقيع من طرف Baloti، نُـرسِـل إلى الناخب رمزه الانتخابي، وهو ما يُـتيح له إمكانية الإدلاء بصوته”.
هذا التعقيد الذي يتَّـسِـم به البرنامج المعلوماتي، يُـبرَّر بالحاجة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات العملية لضمان سرية التصويت. ويُـمكن القول بأنه مُـشابِـه لأنظمة التصويت الإلكتروني المعمول بها في الواقع، مثلما هو الحال في إستونيا والنرويج وجنيف.
يتوفَّـر موقع Baloti على 11 لغة ويُـقدِّم معلومات محايِـدة عن القضايا المعروضة للتصويت، بدعم من منظمة Vimentis، التي تمُـدُّه أيضا بمضامين غيْـر موجَّـهة أو مُـتحيِّـزة حول الملفات السياسة في سويسرا. لكن استِـخدام أي لغةٍ، يترافق أحيانا ببعض الصعوبات أو الحساسيات. ويقول سيردولت: “يكفي أن يتذكّـر المرء يوغسلافيا السابقة والنزاعات بين الصرب والكروات ومختلف المجموعات (العِـرقية) هناك. يجب علينا أن نتأكَّـد من عدم استِـخدام أية ألفاظٍ في المحتوى الذي نقدِّمه على الموقع، يُـمكن أن تُـمثِّـل إساءة”.
الإختبار الأول الذي تعرض له موقع Baloti، حدث في شهر سبتمبر 2010 بالتزامُـن مع التصويت حول الإصلاحات المُـقترحة لنظام التأمين على البطالة. وفيما أظهرت النتائج الفِـعلية للتصويت أنها قد حظِـيت بموافقة 53% من الناخبين السويسريين، رُفِـضت من طرف 59،6% من ناخبي Baloti، رغم أن عدد الأصوات الصحيحة، لم يتجاوز 270 صوتا.
ويعترِف سيردولت بأن “عدد الزوار للموقع، ناهز 3000 شخص، لكن 10% منهم فقط صوّتوا في نهاية المطاف. نحتاج إلى بناء الثقة والإطمئنان. فالموقع، غير معروف بعدُ ولا زال الطريق طويلا أمامه كي يُحقق أرقاما عالية”.
ومع أخذِ هذه المُـعطيات بعيْـن الإعتبار، يبذل الفريق العامِـل في Baloti جهودا كثيفة، للتنسيق مع منظمات المهاجرين في كافة الكانتونات السويسرية، ويأمل سيردولت في أن يجتذِب الموقع أعدادا مُـتزايِـدة من المستَـخدِمين، مع اقتِـراب موعِـد التصويت على المبادرة الداعية إلى طرد المجرمين الأجانب في موفى نوفمبر الجاري.
الفارِق.. ضئيل
في سياق متَّـصل، يتحدّث سيردولت عن التصوُّرات العامة للفريق العامِـل في موقع Baloti، ويقول: “تتمثَّـل أهمّ فرضياتنا في أن المهاجرين بسويسرا، لا يختلفون كثيرا، من الناحية السياسية، عن المواطنين السويسريين… قد نكون مُـخطئين، لكننا نتصوَّرُ أنه، في صورة تكثُّـف الإقبال على الموقع، فسنتمكّـن من إقامة الدليل على أن نِـسبة اليساريين أو المحافظين أو اليمينيين في صفوف المهاجرين المقيمين بسويسرا، لا تختلِـف عنها في صفوف السويسريين، وهي (ظاهرة) من المهمِّ ملاحظتها في المستقبل”.
أخيرا، يعتبِـرُ سيردولت أن مقاييسَ نجاحِ هذه المُـغامرة، تتَّـسم بقدْر كبير من “الوحشية”. ويمضي شارحا: “نحن بحاجة إلى أصواتٍ عبْـر النظام (الإلكتروني) وإلى متصفِّـحين للموقع. وإذا ما كانت الحصيلة في نهاية المشروع التجريبي، الذي يُـختَتم في موفى 2011، بضع مئات من المستَـخدِمين، فسيعني ذلك بكل بساطة، غِـياب الإهتمام بالموقع… أما اللجنة الفدرالية لقضايا الهجرة، فتأمل في الحصول على 2000 ناخب، وهو أيضا هدفنا داخل الفريق”.
تعني كلمة Baloti بلغة الإسبرانتو، التصويت أو الانتخاب. وخلال المرحلة التجريبية، التي تستمر إلى موفى 2011، سيتمكّـن المهاجرون من التعبير عن رأيهم في عدد من القضايا المهمّـة وطنيا.
يستَـخدِم الموقع 11 لغة مختلفة، وهي: الألبانية والألمانية والإنجليزية والكرواتية والإسبانية والفرنسية والإيطالية والبرتغالية والصربية والتاميل والتركية.
تُـنشر نتائج تصويت المهاجرين على موقع Baloti على الإنترنت.
يُـشرِف على إنجاز المشروع، مركز دراسات الديمقراطية في مدينة آراو وجامعة نوشاتيل وجامعة برن للعلوم التطبيقية. وقد تحصَّـل على تمويل حكومي بقيمة 200000 فرنك.
ترجمه من الإنجليزية وعالجه كمال الضيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.