“البعوضة.. هي نقطة ضعف فيروس زيكا”
فيروس زيكا، ليس مشكلة البرازيل أو مشكلة أمريكا اللاتينية فحسب، وإنما هي مشكلة تعم الكرة الأرضية بحسب ما أعلنت منظمة الصحة العالمية. فهل سويسرا مهددة بهذا الفيروس؟ وما هي أولويات التحرك؟ طرحنا هذا الموضوع على مارسِل تانر، أخصائي علم الأوبئة والمدير السابق بمعهد الأمراض الإستوائية والصحة العمومية في بازل.
في الماضي، كان الحديث حول خطر تفشي الايبولا وشلل الأطفال وانفلونزا الخنازير… واليوم يدور الحديث حول تهديد عالمي جديد، يُسمى فيروس زيكا، وتكمن خطورته، حسبما أعلنت رابط خارجيمنظمة الصحة العالمية يوم الاثنين 1 فبراير 2016، في وجود شكوك كبيرة، وإن لم تؤكَّد علميا، تشير إلى أن للفيروس علاقة بالتشوهات الخَلقية لدى المواليد الجدد (*).
swissinfo.ch: أثار فيروس زيكا حالة طوارئ صحية عالمية، ماذا يعني هذا بالنسبة لسويسرا؟
مارسِل تانر: هذا يعني بأن على سويسرا، هي أيضا، أن تعير القضية اهتماما، وهو ما يقتضي التنبه والمراقبة على الصعيد الوطني ودراسة إمكانية المشاركة في الجهود الدولية لاحتواء انتشار المرض، ومن المهم أن يكون واضحا لدينا بأن المشكلة لا تخص البرازيل لوحدها.
زيكا في 28 دولة
تمّ التعرّف على وباء زيكا لأول مرة في عام 1947 في إحدى الغابات الأوغندية، ويتسبب به فيروس زيكا الذي ينتقل عن طريق جنس من البعوضيات تسمى الزاعجة، وهي نفسها التي تنقل فيروس حمى الضنك وحمى تشيكونغونيا، وفي العادة تظهر على المصابين أعراض خفيفة مشابهة لتلك التي تصاحب الاصابة بالإنفلونزا العادية، وليس للمرض حتى الآن لقاح ولا علاج محدّد.
كان أول ظهور للمرض في جزيرة ياب في ميكرونيزيا (عام 2007)، ثم ظهر ثانية في بولينيزيا الفرنسية (عام 2013)، ثم عاود الظهور من جديد في مايو 2015 في شمال شرق البرازيل، وقد تم تسجيل حالات إصابة بالمرض في 28 دولة وإقليم، وقد بلغ عدد المصابين، وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، ما بين نصف مليون، ومليون ونصف مصاب، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 3 أو 4 ملايين شخص بحلول نهاية العام الجاري.
في 2 فبراير 2016، قامت منظمة الصحة العالمية بتشكيل فريق عمل دولي مشترك، لتنسيق إجراءات مكافحة تفشي وباء فيروس زيكا.
لابد من إعطاء الإرشادات للمسافرين بالشكل الصحيح، وإعلامهم بأنه لا يوجد في الحاضر أي لقاح ولا علاج للمرض، وأن الفيروس ينتقل عن طريق البعوض وبالتالي فإن الوسيلة الوقائية الوحيدة هي باستخدام الناموسيات والمواد طاردة الحشرات، وعلى المستشفيات السويسرية، التي تأتيها حالات حمى عند أشخاص قدموا من أمريكا اللاتينية بشكل خاص، أن تضع في حسبانها احتمالية وجود إصابات بفيروس زيكا، ولكن من دون توتير الوضع وإثارة حالة من الهستيريا، على أن 80٪ من الحالات، تكون العدوى بالفيروس من دون أعراض.
swissinfo.ch: تتواجد بعوضة النمر الآسيوي في مناطق كانتون تيتشينو جنوب جبال الألب، وهي ناقل محتمَل للفيروس، فهل هناك ما يثير القلق؟
مارسِل تانر: يضطلع المعهد السويسري للأمراض الاستوائية والصحة العموميةرابط خارجي بمهمة رصد أسراب بعوض النمر الآسيوي في سويسرا، وفي حال انتشارها أو حدوث ما يثير الريبة يتم فورا اخطار السلطات الصحية، عندئذ يقوم المكتب الفدرالي للصحة العموميةرابط خارجي باتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة البعوض، كأن يقوم، على سبيل المثال، بالقضاء على الأماكن الملائمة لتواجد هذا النوع من الحشرات، وبذلك نكون قد ساهمنا بجهود المكافحة العالمية.
ومن خلال فحصنا لعينات من بعوض النمر الآسيوي لم نعثر على فيروس زيكا، لكن، لو حصل وأن قامت بعوضة من هذا النوع بلدغ شخص مصاب قادم من البرازيل على سبيل المثال، فمن الممكن، من الناحية النظرية، أن يتم نقل الفيروس إلى أشخاص آخرين، وفي رأيي أن هذا السيناريو غير محتمل، لاسيما في فصل الشتاء.
swissinfo.ch: ما هي المسائل التي تحتاج إلى إجابة مستعجلة؟
مارسِل تانر: الأمر الذي أثار قلق المجتمع الدولي هو الإعتلال المشترك [أي وجود سلسلة من الأمراض في فرد واحد – التحرير]، وظهور تشوهات خلقية على مواليد النساء المصابات، وهو أمر لم يحصل قبل ذلك بهذا الشكل، فيما تمّ تشخيص 4000 حالة.
على أن علاقة التشوهات الجنينية بفيروس زيكا مسألة غير مؤكّدة مائة بالمائة، إذ من المحتمل أن تكون راجعة إلى عوامل أخرى، كالطبيعة الجينية مثلا، وبناء عليه، من المتعيّن حاليا القيام بدراسات مستهدفة لاستيضاح العلاقة السببية المحتملة، وهو ما قد يستغرق بضعة أشهر. وبما أن دورة الالعاب الأولمبية في البرازيل رابط خارجيعلى الأبواب (من 5 إلى 25 أغسطس 2016)، فلابد كذلك من دراسات وأبحاث خاصة للإسراع في كشف المرض وتطوير طرق تشخيص الفيروس، وأنا واثق من أن كثيرا من حالات حمى الضنك، التي يسببها فيروس من نفس العائلة، كانت في ما مضى تُعزى إلى فيروس زيكا.
swissinfo.ch: هل هناك أمثلة على أن فيروسات غير ضارة نسبيا كانت وراء ظهور أمراض خطيرة؟
مارسِل تانر: نعم، يكفي مجرد التفكير في بعض أنواع فيروسات الأنفلونزا، ونحن نعلم بأن منها ما هو خبيث جدا، وهناك أيضا فيروسات تاجية: قد يكون بعضها غير مؤذٍ، وبعضها قد يسبب أمراضا خطيرة مثل المتلازمة التنفسية الحادة المعروفة بـ “سارس”، ذلك أن ظهور الأمراض الخطيرة قد يكون مرتبطا بحدوث طفرات في الفيروس، وأيضا بالخصائص الجينية للمضيف، وبحالة الشخص المصاب، على أن نوع التغذية على سبيل المثال قد يكون له أيضا دور.
swissinfo.ch: يعتقد بعض خبراء الصحة العامة أنّ وباء زيكا أكثر خطورة من وباء إيبولا، لأن عدواه صامتة وتصيب أشخاصا على قدر من الحساسية، أعني النساء الحوامل، فهل أنت مع هذا الرأي؟
مارسِل تانر: لا، في حالة إيبولا، تكون جميع السوائل في جسم المصاب مُُعدية، ولقد رأينا في غرب أفريقيا كم هي كبيرة قدرة الفيروس على الإنتشار إذا لم تُتّخذ الإجراءات اللازمة، بينما في حالة فيروس زيكا، فليس بمقدور الشخص المصاب أن يُعدي غيره، إلا أن يكون ذلك بواسطة الناقل، وهو البعوضة، التي تمثل نقطة ضعفه، ومنها نعرف كيف نحاربه.
swissinfo.ch: ما هي الطريقة؟
ما هي العلاقة بين زيكا والتشوهات الجنينية؟
تزامن ظهور فيروس زيكا، في البرازيل، مع زيادة عدد المواليد المصابين بتشوهات خلقية، فمن أكتوبر 2015 وحتى اليوم، تم تسجيل حوالي 4200 حالة لمواليد مصابين بصغر الجمجمة أو حجم الرأس، مقابل 147 حالة تمّ تشخيصها في عام 2014.
ترى منظمة الصحة العالمية رابط خارجيوجود احتمال قوي على الصلة المباشرة بين الفيروس والتشوهات عند الأطفال حديثي الولادة، ولكنها لم تقدّم الدليل العلمي على ذلك، وأشار أنتوني كوستيلّو، خبير تشوهات الأجنة الخلقية لدى مقر المنظمة في جنيف، إلى وجود فارق بين فيروس نقص المناعة المكتسبة أو فيروس إيبولا وبين فيروس زيكا، ذلك أن الأخير: “لا يهدد الحياة”، لكنه، كما يقول: “ذو آثار مدمرة للأسر”، التي فيها أطفال يعانون من تشوهات خلقية.
مارسِل تانر: من خلال التركيز على مكافحة البعوضة، وهو ما فعلته البرازيل بنجاح ضد وباء الضنك، ولذلك نحن نحتاج إلى نفس الجهود لمكافحة فيروس زيكا، وإلى حشد 220 ألف جندي كما فعلت الحكومة البرازيلية، كما نحتاج إلى نظام مراقبة جيد، ولا يُكتفى بمجرد الرصد وإنما لابد من القيام بما يلزم، وإذا ما حصل التعرف على حالة إصابة، فمن الضروري التوجه إلى المكان المحتمل للعدوى، والعمل على مكافحة البعوض، ومن ثم لابد من دوام اليقظة والتنبه لأي مكان في العالم يمكن أن يتواجد أو يعيش فيه البعوض.
swissinfo.ch: ما هي الفيروسات الأخرى التي من الممكن أن تشكل في يوم من الأيام تهديدا دوليا؟
مارسِل تانر: على الرغم من الانتصار على الأوبئة، إلا أنه ينبغي عدم التغافل عن وباءي السارس والميرس (أو متلازمة الجهاز التنفسي الشرق أوسطية)، كما ينبغي عدم اغفال نحو 1300 مرض معدي تمّ اكتشافها حتى اليوم، ومنها 800 وباء ذا علاقة بالحيوانات، وهذا يعني تطوير برامج وطنية للصحة العامة، ورصد مستمر للوضع، وحسن توجيه الرأي العام، والتعاون وتبادل المعلومات بين الطب البشري والطب البيطري.
وفي اعتقادي أنه ينبغي بشكل عام توجيه الباحثين نحو الاهتمام بالأمراض النادرة والناشئة وتلك التي تعاود الظهور، ولا شك بأن أمراض التشوّه الخلقي في البرازيل فظيعة، ولكنها قد لا تكون بتلك الأهمية حين ننظر إليها في إطار المشكلات الصحية الأخرى، وعلى سبيل المثال، الملاريا والسل وفيروس نقص المناعة البشرية، وغيرها، تسبب آلاما أكبر وأعداد وفيات أكثر.
*ملاحظة: أجريت المقابلة قبل ورود أنباء عن تسجيل حالة انتقال جنسي لفيروس زيكا في الولايات المتحدة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.