كيف تعمل “نوافذ إيداع الرّضّـع” في سويسرا؟
هـزّ خبر التخلي عن طفلة حديثة الولادة بأحد مستودعات صيانة الطريق مطلع شهر يناير الجاري مشاعر الشعب السويسري. لقد كانت حرارة تلك الرضيعة متدنية للغاية حينما اكتشفها أحد المارة. يحدث هذا بينما توجد في سويسرا عدة "نوافذ إيداع الرضع"، حيث يُمكن للأمهات اليائسات التخلص من رضيعهن هناك، دون تعريضه للخطر.
في مطلع شهر يناير 2020، هزت مأساةرابط خارجي سويسرا بأسرها: لقد اكتشف أحد المارة في مكان مخصص لتجميع القمامة بكانتون برن طفلة حديثة الولادة. كانت حرارة الرضيعة متدنية للغاية وفي حالة صحية حرجة. واستطاعت الشرطة بسرعة العثور على الأم التي أوضحت أنها قصدت اختيار مكان يكثر تردد المارة عليه، لتترك فيه طفلتها، حتى يتسنى العثور عليها سريعاً.
هذا بينما يوجد في سويسرا حل للحالات المتأزمة بالنسبة للأمهات اليائسات، فقد تم استحداث ما يُعرف بـ “نوافذ إيداع الرّضّـع” في العديد من مستشفيات البلاد.
إنها مكان مهيّئرابط خارجي يسمح للأمهات بالتخلي عن طفلها فيه دون الكشف عن هويتها ودون تعريضه للخطر. إذ قامت تلك المستشفيات بتركيب نوع من النوافذ في ركن بعيد عن المارة. ويمكن للأمهات فتح تلك النافذة ووضع طفلها في سرير دافيء. وبعد بضع دقائق تنطلق صافرة إنذار بشكل آلي، ومن ثمَّ يقوم العاملون بالاهتمام بالطفل.
وعند النافذة توجد رسالة للأم بها بعض النصائح وقائمة بالجهات التي يمكنها الاتصال بها لطلب المساعدة. فإذا عدلت عن قرارها، يكون أمامها من الوقت عام كامل، لمطالبة السلطات باستعادة طفلها.
ومن الناحية القانونية يعتبر حديثي الولادة الذين تُركوا في البوابة لقطاء. فمصلحة رعاية الأطفال تقوم بإيداع الأطفال وتشرع في تنظيم عملية تبنيهم.
جرى تدشين أول نافذة لإيداع الرضع عام 2001 في مستشفى آينزيدلنرابط خارجي بكانتون شفيتس. وقد أُطلقت تلك المبادرة من قِبل إحدى الجمعيات الخيرية المسيحية المُعارضة للإجهاض، وهي الإغاثة السويسرية للأم والطفلرابط خارجي، بعدما عثر على طفل حديث الولادة ميتاً على ضفاف بحيرة زيل عام 1999. واليوم توجد ثمانية بوابات لحديثي الولادة بسويسرا، وذلك في مستشفيات آينزيدلن، ودافوس (كانتون غراوبوندن)، وأولتن (سولوتورن)، وبرن، وتسوليكيربرغ (كانتون زيورخ)، وبيلينزونا (كانتون تيتشينو)، وبازل، وسيون (كانتون فاليه). وتدار ستة من “نوافذ إيداع الرّضّـع” كمشروعات مشتركة بين تلك المستشفيات وجمعية “الإغاثة السويسرية للأم والطفل”، بينما تتبع نافذة مستشفى تسوليكربرغ المؤسسة الخيرية لكنيسة نويمونستر رابط خارجي(كانتون زيورخ)، أما نافذة مستشفى سيون فقد أسّست بتكليف من سلطات الكانتون.
جدير بالذكر أن ألمانيا والنمسا كانتا أولى البلدان في أوروبا التي أعادت اعتماد “نوافذ إيداع الرّضّـع” في عام 2000. وكان هذا النظام منتشراً بالفعل في العصور الوسطى، لكنه كان قد اختفى خلال ما يزيد عن قرن مضى. وحالياً، هناك الكثير من بلدان العالم التي تتيح هذا الحل للأمهات اليائسات.
منذ إنشاء أول “نافذة لإيداع الرّضّـع” عام 2001، جرى التخلي عن 24 رضيعاً بهذه الطريقة، وفقاً لإحصاءات جمعية “الإغاثة السويسرية للأم والطفلرابط خارجي” و الحكومة الفدراليةرابط خارجي.
لقد أوصت لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدةرابط خارجي بمنع “نوافذ إيداع الرّضّـع”، لأن هذه الممارسة تنتهك حق الطفل في معرفة أصله وفي أن تتم تربيته وتنشئته من طرف والديه.
المزيد
“طفرة” نوافد إيداع الرُّضع تثير الجدل في سويسرا
على مدى سنوات، طالبت العديد من التدخلات البرلمانيةرابط خارجي بإغلاق بوابات الرضع. وكان بعض أعضاء وعضوات البرلمان يرون أن هذه الممارسة تنتهك حقوق الطفل، وتتعارض مع واجب إبلاغ الدولة بالمواليد وتخفي خطر سلب المواليد من الأمهات رغماً عنهن، خاصة الضعيفات منهن ـ كأن يكن قاصرات أو من المهاجرات السريات.
لكن غالبية أعضاء البرلمان والحكومة الفدرالية لا يرغبون في إلغاء “نوافذ إيداع الرّضّـع”. ففي تقرير نُشر عام 2016رابط خارجي رابط خارجيأجرت الحكومة الفدرالية مقارنة بين مختلف الإمكانات المتاحة لمساعدة النساء الحوامل في سويسرا. وخلُص هذا التقرير إلى نتيجة مفادها، أنه لا يوجد حل يناسب جميع المعنيين بالأمر (أي الأم، والطفل، والأب، والسلطات).
لذلك فإن بؤرة الاهتمام يجب أن تنصب على توفير حل أمثل سواء للأم الحامل أو للطفل. وهذا الحل يجب أن يحتوي في المقام الأول على مساندة المؤسسات ودعمها الكامل والتي يمكنها الوقوف بجوار الحوامل والأمهات اللاتي يعانين من أزمة وأن تقدم لهن النصيحة المناسبة.
وطبقاً لتصريحات الحكومة الفدرالية، فإن إلغاء “نوافذ إيداع الرّضّـع” قد يؤدي على العكس إلى تخلي الأم التي تعاني من حالة متأزمة عن طفلها بشكل سري، وألا يحصل (المولود) بالتالي على الرعاية القانونية والطبية في الوقت المناسب.
“ولتفادي هذا، فإنه يجب تقبّل الجوانب السلبية لـ “نوافذ إيداع الرّضّـع” (كانتهاك حق الطفل في معرفة أصله ووجوب إبلاغ السلطات بميلاده)، على حد رأي الحكومة الفدرالية. حيث أن إنقاذ حياة الطفل تزيد في أهميتها عن انتهاك حقه في معرفة أصله بمراحل”، كما ورد في نص التقرير.
وفقاً لتصريحات جمعية “الإغاثة السويسرية للأم والطفل”، فقد تراجع رابط خارجيعدد حديثي الولادة الذين عُثِرَ عليهم موتى بصورة واضحة منذ إنشاء أول “نافذة لإيداع الرّضّـع” عام 2001. وتستند الجمعية في ذلك إلى عدد الحالات التي أعلن عنها في الإعلام وإلى إحصاءات الشرطة. فبين عامي 1996 و2000، توفى وفقاً لجمعية “الإغاثة السويسرية للأم والطفل” سبعة من الرضع المُتَخَلى عنهم، بينما بلغ عدد الوفيات في أمثالهم ما بين عامي 2016 و2020 اثنين فقط.
وقد كتبت الحكومة في تقريرها سالف الذكر، أنه لا توجد نقاط ارتكاز تعزز فرضية أن زيادة عدد “نوافذ إيداع الرّضّـع”، قد أدت إلى ارتفاع حالات التخلي عن المواليد. ولأن “نوافذ إيداع الرّضّـع” قد تنقذ حياة بشرية، لذلك تُوصي الحكومة بالحفاظ عليها كحل لأزمة، بحيث لا تُرَسَخ في نص القانون، ولا تُمْنع أيضا.
إن الأم التي تضع طفلها حديث الولادة في إحدى”نوافذ إيداع الرّضّـع” لا تعتبر مدانة ولهذا لا يجري البحث عنها من طرف السلطات، كما تؤكد جمعية “الإغاثة السويسرية للأم والطفل”. فالمستشفيات لا تقوم بتركيب كاميرات مراقبة في محيط “نوافذ إيداع الرضع”، إلا أن الإغاثة السويسرية تقوم بنشر نداء للأم في وسائل الإعلام المحلية، وتطالبها فيه بأن تتصل بها.
وينص قانون الأحوال المدنية السويسريرابط خارجي على أنه يمكن التغاضي عن الحصول على موافقة أحد الوالدين في حالة تبني الطفل، إذا ما كان ذلك الشخص أو محل إقامته مجهولاً.
إن التخلي عن طفل حديث الولادة يُعتبر الطريق الوحيد المتاح للأمهات في سويسرا كي تظللن مجهولات الهوية تماماً. وبالفعل، هناك بعض المستشفيات في 18 كانتوناً تتيح ما يُسمى ولادة سريةرابط خارجي، التي لا يتم فيها الافصاح عن بيانات الأم الشخصية إلا للسلطات الحكومية المختصة بالحالة الاجتماعية ورعاية الطفل فحسب.
أي أن أسرة الأم أو والد الطفل لا يجري إبلاغهم، أما الوالدان بالتبني فيجري ذكرهما رسمياً. ولكن حينما يصبح الطفل راشداً، فإن له الحق في التعرف على هوية أمه البيولوجية. مع ذلك، لا تزال “الولادة السرية” حلاً غير معروف على نطاق واسع في سويسرا.
أما الولادة “المتكتم عليها” أي بدون معرفة هوية الأمرابط خارجي، فغير مسموح بها في سويسرا، لأنها تنتهك حق الطفل في معرفة أصله وكذلك حق الدولة في معرفة ميلاد الطفل. على العكس من ذلك نجد أن الولادة بدون معرفة هوية الأم مسموح بها في كل من فرنسا وإيطاليا ولوكسمبرغ والنمسا وروسيا وسلوفاكيا.
لكن في ظل تنامي بنوك معلومات الحمض النووي العالمية تزداد باستمرار صعوبة بقاء الوالدين مجهولين لفترة طويلة. فبفضل اختبارات الحمض النووي، التي تتيحها اليوم بعض الشركات، يُمكن للمرء العثور على أشخاص يحملون نفس الصفات الوراثية: مثل أبناء عمومة، أو أجداد، أو أعمام أو أخوال أو حتى إخوة غير أشقاء. وبهذا يُمكن للمرء اقتفاء أثر أسلافه ومعرفة أصوله بدقة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.