مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات
التعاونيات السويسرية: أساس الاستدامة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية 

من شقق لمُواجهة الطوارئ إلى أحياء عصرية للطبقة المتوسطة

مجموعة من العمارات السكنية الزاهية الألوان
تأسس حي "هابرليمّات" السكني في ستينيات القرن الماضي على يد تعاونية بناء العاملين بالسكك الحديدية، وهو يُوفر 72 مسكناً بأسعار معقولة. Ruben Holliger / EGB

خلفت الحرب العالمية الأولى الكثيرين في سويسرا بلا مأوى. وقد ساهمت الجمعيات التعاونية - التي يحتفل البعض منها هذا العام بالذكرى المئوية لتأسيسها - في التخفيف من حدة أزمة المساكن التي شهدتها البلاد.

منذ منتصف القرن التاسع عشر ونتيجة للثورة الصناعية نزحت أعداد هائلة من السكان من الريف إلى المدن. مما أدى إلى تقليص المساحة السكنية.

وفي صيف عام 1889 أصبحت حوالي مائة أسرة في مدينة برن بلا مأوى. وقد سكن الكثيرون منهم في العراء داخل الغابة بالقرب من المدينة ـ وهو وضع لا يُحتمل. لذلك كانت برن هي أول مدينة تقوم ببناء منازل للطبقة السفلى من أموال دافعي الضرائب. 

وابتداء من عام 1890، أسس المستأجرون من الطبقة المتوسطة في سويسرا، أول تعاونية للمساعدات الذاتيةرابط خارجي. وكانت الفكرة من ورائها هي: حينما يتعاون العديد من الأشخاص، فإنهم يستطيعون بناء مساكن بأسعار أقل، ومن ثمَّ يمكنهم القيام بتأجيرها لأنفسهم، أي بدون السعي  لجني مكاسب.

Historisches Bild der Stadt Bern
كانت المساكن في مدينة برن شحيحة. بعض الأشخاص عند نافورة كيندليفريسر، حوالي عام 1880. Paul Does / ETH-Bibliothek Bildarchiv

دعم المساعدات الذاتية

وبسبب ندرة البناء أثناء الحرب العالمية الأولى، فقد تفاقمت أزمة المساكن أثناء الحرب وبعدها من جديد. لهذا نشأت العديد من تعاونيات البناء خاصة في غرب سويسرا، وبعضها لا يزال قائماً حتى اليوم. 

ولإن الوضع بعد الحرب العالمية الأولى لم يقتصر فقط على أزمة المساكن، بل تعداه إلى حدوث بطالة شديدة في قطاع البناء، لذلك فقد أمدت الفدرالية والكانتونات والبلديات تلك التعاونيات بمبالغ مالية من أجل المساهمة في تكاليف البناء، وبقروض منخفضة الفائدة، وكذلك بأراضي بناء زهيدة السعر. بل أن السكك الحديدية السويسرية قد قدمت بعض المبالغ المالية، إذ كان يهمها أن يتمكن العاملين بها من السكن على مقربة من محل عملهم. 

تعاونية بناء العاملين بالسكك الحديدية في برن

وهكذا نشأت تعاونية بناء العاملين بالسكك الحديدية ببرن عام 1919. وكان الهدف منها هو توفير مساكن أفضل لأسر العاملين بالسكك الحديدية. وفي ذلك الوقت كان الكثيرون يعتبرون الحصول على مسكن مستقل للأسرة (أي فيلا) هو حلم حياتهم. لذلك كان أول حي سكني تعاوني يتكون في معظمه من فِلل متلاصقة ذات حدائق خضروات فسيحة، حتى يتمكن العاملون من زراعة محاصيلهم الزراعية بأنفسهم.

Architekturplan der Siedlung
مخطط لحي “فايسنشتاين” السكني للعاملين بالسكك الحديدية ، قام برسمه المهندس المعماري فرانس تراكسِل عام 1922. EBG

صورة تاريخية لميدان القرية بالحي السكني فايسنشتاين بعد الانتهاء من بنائه عام 1923
ميدان القرية بالحي السكني “فايسنشتاين” بعد الانتهاء من بنائه عام 1923. Staatsarchiv Bern

Flugaufnahme einer Siedlung auf den Land
تأسست تعاونية بناء العاملين بالسكك الحديدية في مدينة شافهاوزن عام 1927/28 وفقاً لنفس المفهوم. Walter Mittelholzer /ETH-Bildarchiv


PLACEHOLDER

ساندت الأموال العامة والسكك الحديدية السويسرية المشروع، حتى لم يتبقَ لأعضاء الجمعية سوى سداد جزء يسير من نفقات التأسيس. لكن بالنسبة للموظفين متواضعي الحال من العاملين بالسكك الحديدية، كان مبلغ المساهمة في الجمعية (كما كان الإيجار أيضاً) يعتبر لا يزال مرتفعاً. لذلك فإن الطبقة المتوسطة كانت هي من سكنت حي العاملين بالسكك الحديدية السكني. ولا تزال تلك المنازل ذات الحدائق في المدينة تحظى بإقبال كبير، ولا تزال قوائم الانتظار للحصول عليها طويلة.

وجدير بالذكر أن تعاونية بناء العاملين بالسكك الحديدية قد قامت لاحقاً ببناء المزيد من الأحياء والبنايات السكنية المرتفعة، حتى أصبحت المساكن في متناول العاملين الأكثر فقراً كذلك. وحتى اليوم، فإن تعاونية بناء العاملين بالسكك الحديدية تعتبر لاعباً هاماً في مجال بناء المساكن ذات النفع العام بمدينة برن الكبرى. ولا يزال الموظفون بالإدارات الحكومية وبالمؤسسات المرتبطة بالدولة لديهم أسبقية الحصول على تلك المساكن.

وبمناسبة الذكرى المئوية، فإن تعاونية بناء العاملين بالسكك الحديدية قد أصدرت كتاباً، بعنوان: “مرحباً بك في بيتك”رابط خارجي. حيث لا يقتصر موضوعه فقط على سرد تاريخ تعاونية بناء العاملين بالسكك الحديدية ـ في نغمة تحمل الكثير من النقد الذاتي ـ، بل أنه يتناول موضوعات مثل الإحلال الطبقي (أي أن تحل طبقة أعلى محل طبقة أدنى في نفس الحي)، ومعمار البنايات السكنية المرتفعة، والحفاظ على الآثار المعمارية وتطوير الكتل الحضرية.

ويكتمل الكتاب بعرض صور للأحياء السكنية والمنازل وكذلك بعرض تعريف ببعض السكان.

Mehrfamilienhäuser Eisenbahner-Baugenossenschaft
حي سكني مكون من بنايات سكنية مرتفعة قامت ببنائه تعاونية العاملين بالسكك الحديدية بمدينة زيورخ، 1974. Wolf-Bender Heinrich / Baugeschichtliches Archiv
Siedlung Fellergut, Froschperspektive der Fassade
مساحة سكنية منخفضة السعر في الحي السكني “فيلرغوت”، قامت ببنائه تعاونية بناء السكك الحديدية بمدينة برن. Ruben Hollinger / EBG

التعاونيات في القرن الحادي والعشرين

أما اليوم، فحوالي 4%  من مساكن سويسرا يتم إدارتها بصورة لاتهدف إلى الربحرابط خارجي. وفي المدن الكبرى، تزيد نسبة مساكن التعاونيات بعشرة أضعاف. ففي مدينة زيورخ على سبيل المثال، لا تهدف ربع المساكن للربح. أما في مراكز المدن فقد أدى النزوح إليها وزيادة الطلب على المساحات السكنية الكبيرة في العقود الأخيرة إلى حدوث ندرة في المساحة السكنية. إضافة إلى ذلك فقد زادت أسعار الإيجارات بصورة مرتفعة، حيث تعتبر العقارات مجالاً مأموناً ومربحاً للاستثمار. ونظراً لـ ارتفاع الإيجارات التي لم تعد في متناول الكثيرينرابط خارجي، فإن الأمر لا يزال يحتاج إلى وجود تعاونيات البناء حتى اليوم. 

حيث تعتبر التعاونيات حالياً هي الرائدة في مجال الأنماط السكنية الحديثة والبناء المكثف.


PLACEHOLDER

Fassade einer Genossenschaft in Genf
في تعاونية البناء هذه بمدينة جنيف، تتولى ديدان المطر تنظيف مياه الصرف. Martial Trezzini / Keystone

الإحلال الطبقي

لكن التعاونيات لا تسلم من النقد: بل أن الحديث يدور حول نشأة مجتمع مُكَوَّن من طبقتين ، حيث لا يحالف الحظ كل فرد للحصول على إحدى شقق التعاونيات. وطبقاً لمركز أبحاث “آفينير سويس” (أو مستقبل سويسرا)، فإن الطبقة المتوسطة هي المستفيدة بصفة خاصة من المساكن التعاونية. 

وبالفعل فإن مستأجري مساكن التعاونيات عليهم سداد أقساط تعاونية تصل إلى عشرات الآلاف من الفرنكات. بل إن المساكن التعاونية الجديدة تتمتع بتطور ذي مستوى مرتفع، يجعل إيجاراتها التي تغطي سعر التكلفة (والتي لا يجب أن تهدف إلى الربح)، في غير متناول الطبقات الدنيا من المجتمع. ويرى المنتقدون أن هذا مثير للاشمئزاز.

Bau einer neuen Genossenschftssiedlung
تعاونيات ناشئة، مثل تلك التي نراها هنا في زيورخ، يقتصر سكانها على الطبقة المتوسطة العليا، ذلك لإن الإيجارات ومقدم الأقساط باهظة الثمن. Gaetan Bally / Keystone

بل إن أحد خبراء الجغرافيا البشرية يحذر في الكتاب التذكاري الذي أصدرته تعاونية بناء العاملين بالسكك الحديدية من أن تساهم التعاونيات في ظاهرة الإحلال الطبقي. ذلك لإنه إن لم يتمكن سوى الأثرياء فقط من الحصول على شقة تعاونية جديدة أو مجددة، فإن هذا سيصبح معناه الدفع بالمستأجرين القدامى إلى خارج الحي.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية