مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تعايش صعبٌ بين الفخامة والأصالة في غشتاد

أدى تطور القطاع السياحي في المنطقة إلى ارتفاع جنوني لأسعار العقارات في منتجع غشتاد (كانتون برن). Gstaad Palace

ابتداءً من النجوم المشهورين وصاحب الفندق الفخم وملك العقارات، ومروراً بمدير شركة التلفريك ومُدرِّبي التزلّج والمُزارع، وانتهاءً بالقسيس والضيف العادي، يتفق الجميع على أمرٍ واحد يتلخص في أن غشتاد جنّة، لكن المصالح الخاصة بدأت تهدِّد حياة البساطة التي يعشقها ضيوف "جنة عدن جبال الألب" على وجه الخصوص.

“أنا شخص محظوظ في الجنة”! هكذا دوّنت مادونا تغريدة على حسابها في “تويتر” في مفتتح هذا العام وهي تقضي عطلتها في غشتاد. وليست أيقونة موسيقى البوب، سوى واحدة من العديد من المشاهير الذين يشعرون بالراحة في مُنتجع التزلّج الشهير، كما أن مادونا لم تكن الوحيدة التي اقتَنت لها شاليهاً في غشتاد، حيث سبق أن اشترى المغنّي والملحِّن الفرنسي جوني هاليداي، والمُخرج البولندي الأصل رومان بولانسكي بدوريهما، شاليهات بعدَّة ملايين من الفرنكات في هذا الفردوس الجبلي.

الممثلة البريطانية جولي أندروز تنتمي هي الأخرى إلى نحو 180 أجنبي يخضعون للضريبة المُقتطعة في غشتاد (أي أنهم يدفعون مبلغا إجماليا كضريبة سنوية دون أي تدخل من طرف السلطات المحلية في التفاصيل). وسبق لبطلة فيلم “صوت الموسيقى” الشهير، أن وصفت هذه القرية الساحرة قبل 20 عاما بـ “الجنة الأخيرة في عالم مجنون”.

المزيد

المزيد

مشاهيرُ صنعوا مجد “غشتاد” وأعلوا من شأنها

تم نشر هذا المحتوى على طويلة هي قائمة النجوم الذين يقضون إجازاتهم في شقق وفنادق غشتاد، عندما لا يكونوا مالكين لشاليه هناك. ويبذل هذا المنتجع الرفيع كل ما في وسعه لحماية أسرار الحياة الشخصية لضيوفه المشاهير، الذين يُخفون ثرواتهم خلف هذه الواجهات الخشبية. ما يحظى بإعجاب هؤلاء النجوم وكبار الشخصيات لا يقتصر على مظاهر الرفاهية البعيدة عن الأنظار وسط المناظر…

طالع المزيدمشاهيرُ صنعوا مجد “غشتاد” وأعلوا من شأنها

الضيوف

“إنها جنّة بدون شك”، هذا ما تُجمِع عليه أيضا جودي سميث وديبي وفيكتوريا سوان في وقت واحد. وحيث قضَّت السيدات الأستراليات عُطلهن الشتوية في الأعوام السابقة في مُنتجعات التزلّج بأوْطانِهن، وفي كندا وإيطاليا أيضاً، فإنهن قادرات على المُقارنة. وحسب وصفِهِنّ، فقد “كانت الفوضى سائدة هناك، ولكن المكان هادِئ هنا ويُشبه البطاقة البريدية”.

السيدات الثلاث اللّواتي قطعن المسافات البعيدة لم يأتين إلى غشتاد لمُمارسة التزلّج. إنهنّ يشعرن بالإرتياح للنِّطاق المحدود من الضجيج والأجواء التي تسودها الخصوصية، كما يُـقدِّرن الجانب الناعم للمنتجع السياحي الشهير، المتمثل بالحياة المُريحة في بيئة جبلية. وهنّ يَحلُـلن هذه المرة كضيوف في فندق “ألبينا”، وهو الأحدث في مجموعة فنادق غشتاد الفخمة.

“الموظفون لطيفوا التعامُل والمطاعِم من الدرجة الأولى والغُرف رائعة الجمال”، كما يصِفْن الفندق الذي كلّف إنشاؤه 300 مليون فرنك، وتحتوي غُرفه على أجهزة تلفاز بقيمة 25,000 فرنك. وبعد مرور أقل من عام على إفتتاحه، تُـــوّج في عام 2013 كـ “فندق العام” من قِبل دليل تقييم أداء المطاعم الشهير “غولت – ميلو”.

وبالفعل، لا يمكن استشعار أي نوْع من ضغوط الحياة هنا بعد ظهيرة هذا اليوم الرّمادي من شهر يناير. في الأثناء، تدور قضبان أسطوانات التلفريك (التي تربط بالأشخاص لرفعهم إلى أعلى مِضمار الجليد) دوراتها بدون ركّاب. وحدها، تصعد سيليا ديسارزان وتعود كل بِضع دقائق. هذه الشابّة القادمة من كانتون جنيف تعمل خلال موسم الشتاء، كبائعة زهور في غشتاد، وهي تستغلّ استراحة الغداء للتمتّع ببضع الرّحلات إلى أعلى المِضمار. ولكنها تجد نفسها مُرغَمة على الإكتفاء بمُنحدر المُبتدئين اليوم، لأن التلفريك المؤدّي إلى جبل “فيسبل”، أحد الجبال المحلية العديدة في غشتاد، والذي يصل ارتفاعه إلى حوالي 1900 متر، خارج نِطاق الخدمة.

مُدرِّبي التزلج على الجليد

في نهاية مضمار التزلّج، يشكّل بعض مُدرّبي هذه الرياضة، الضيوف الوحيدون في المنطقة. وفي الوقت الحالي، يقوم هؤلاء بتدريب أطفال السكان المحليين في فترات ما بعد الظهر طيلة الأسبوع، بشروط مواتية، بسبب عدم توفُّرهم على عدد كافٍ من الطلاّب. ومن جانبهم أيضاً، لا يملك هؤلاء المدرِّبين سوى كلمات الثناء لهذا المُنتجع السياحي وبنيته التحتية الحديثة، وما يحيط به من مناظر طبيعية خلاّبة.

الإلحاح والأسئلة المكرّرة فقط حول أي مشاكل تُعانيها المنطقة، وجد له صدىً عند جوس تزومشتاين، الذي اشتكى “مما يسمّى بثُـقب يناير”. ولأن مُعظم أصحاب الشاليهات لا يأتون إلى هنا إلا خلال موسم الأعياد، يتحدّد موسم الذّروة في فصل الشتاء ببضعة أيام حول مُنعطف السَّنة وشهريْ فبراير ومارس.

ويقول جان براند، مدير مدرسة غشتاد للتزلّج على الجليد، إن عمليات شركة “ماونتن رايدز” للعربات المُعلّقة للتنقّل بين الجبال (التلفريك) في منطقة ساننلاند Saanenland (الواقعة في المناطق الريفية المرتفعة لكانتون برن) “تعاني من وضع اقتصادي سيّء منذ عشرة أعوام”. ويُضيف مواطن غشتاد، الذي يوظف 150 مدربَ تزلّج في أوقات الذّروة أنهم “بحاجة إلى اتِّباع عِلاج جِذري صارِم، لأنهم لم يعودوا قادِرين على تلبية متطلّبات الضيوف”.

مدير شركة عربات التلفريك

تتّضح الأوقات الصّعبة التي تُعاني منها شركة “ماونتن رايدز” من خلال ما ورد في أحدث تقاريرها المالية، حيث يُمكن قراءة عبارات مثل “سيولة غيْر كافية، تدنّي الرّبحية، متطلّبات استثمار عالية ودُيون مُرتفِعة”، وهي تلخِّص بإيجاز استنتاجات التحليل المالي الأخير.

أرمون كانتيني، مدير هذه الشركة، يحاول من ناحيته توضيح الصعوبات، ويقول: “تتوجّه عربات التلفريك إلى كل جبل في محيط غشتاد تقريباً، ولكن استخدام هذه المرافق على حِدة، غير كافٍ، بالنظر إلى العدد القليل من السيّاح الذين يأتون إلى غشتاد لتمضية النهار فقط، دون المَبيت”.

كانتيني يرى ضرورة ترشيد العرْض، دون أن يؤكِّـد أن يكون إغلاق عربات التلفريك المؤدِّية إلى جبل “فيسبيل” و”ريلليري”، هو المقصود، كما تُـردِّد الشائعات. ومن الناحية الأخرى، يقدِّر الضيوف الأثرياء الذين لا يُمارِس مُعظمهم رياضة التزلّج، الجولة المُمْتعة التي تقودهم لتناوُل الغذاء على جبال غشتاد المحلية بشكل خاص.

كما يرغب مدير شركة “ماونتن رايدز” بتقليل التعويضات العالية، التي ينبغي على الشركة أن تدفعها لأصحاب الأراضي، التي أنشِئت عليها مرافِق الشركة وأقيمت فيها المُنحدرات الجليدية، والتي تبلغ قيمتها اليوم مليون فرنك سنوياً أو 5.8% من عائدات حركة التنقل. “هذا أكثر من ضعف المعدّل في سويسرا”، كما يُعلِّق مواطن كانتون غراوبوندن، وهو يُدرِك جيِّدا أن اقتراحه هذا لا يجلب له الأصدقاء فقط في منطقة زاننلاند.

المزيد

وكانت الأعوام الأخيرة قد شهِدت حلول خُطّة إنعاش بديلة محلّ أخرى، بسبب المصالح الفردية التي كانت تعيق تنفيذها في الغالب. وكما جاء في تقرير الشركة السّنوي، كان من الضروري إجراء تعديلات مُجدّداً على أحدث مُخطّط لتركيز مرافق الشركة.

يقع منتجع تزلج غشتاد الشهير عالمياً، على ارتفاع 1000 متر فوق مستوى سطح البحر.

تؤدّي أكثر من 53 عربة جبلية معلّقة (14 تلفريك، 17 مقعدا مُثبّتا على الكابلات و22 مصعدَ تزلج) إلى جميع الجبال تقريباً في منطقة “Saanenland”، وتوفّر بين بلدية “تسفايزيمَّن” (كانتون برن) و Château-d’Œx (كانتون فو)، مضامير تزلّج يبلغ مجموع طولها 220 كيلومترا. وبفضل مُعدّات إنتاج الثلج الإصطناعي، تُشغَّل معظم هذه المنشآت من شهر ديسمبر وحتى أوائل شهر أبريل.

يقع الجزء الأكبر من أماكن التزلّج في مناطق جبال ما قبل الألب المُغطّاة بالغابات (وهي مناطق الانتقال من التِّلال المتموجة للهضبة السويسرية إلى منطقة جبال الألب، وتقع في الجزء الشمالي الغربي لجبال الألب)، وهي تتضمّن الكثير من مضامير التزلج “الزرقاء والحمراء”، التي تُلاقي تقديراً خاصاً من قِبل أسَر الضيوف والمتزلِّجين الأقل خِبرة.

تقع أعلى نُقطة تصلها عربات تلفريك “ماونتن رايدز” في جبل “فيدمانيت” Videmanette، الذي يرتفع بـ 2150 متر فوق بلدية “روجمون” Rougemont (كانتون فو).

في غضون 20 دقيقة بالسيارة، يُمكن الوصول إلى عربات تلفريك مِنطقة “غلاسيي 3000” (الطريق الجليدي 3000)، شمال قرية ومنتجع “ديابلوري” (كانتون فو)، حيث يمكن ممارسة الرياضة الشتوية هناك من أواخر شهر أكتوبر وحتى شهر مايو.

ملك العقارات

في الواقع، ليست هناك مُشكلة في الحصول على المال اللاّزم لإجراء “عِلاج جِذري صارِم” لعربات التلفريك في منطقة زاننلاند “Saanenland”. ولو لم يكن أغنياء المجتمع المحلّي راغبين بتمويل عمليات التحديث، فسوف يُعثر بالتأكيد على مُستثمِر أو آخر، كما أنها لن تكون المرة الأولى.

“أقوم مع اثنين من أصدقائي بتشغيل غلاسيي 3000 (أو الطريق الجليدي 3000) للتزلّج”، كما يقول مارسيل باخ، سليل أسْرة من المزارعين المُقيمين في غشتاد – يُلقِّـبه السكان المحليون بـ “ملك غشتاد” – جمع ثروته بفضل تجارة العقارات. وفي عام 2005، اشترى بالإشتراك مع بيرني إيكلستون (رئيس الرابطة المنظِّمة لبطولة العالم لسباقات سيارات فورمولا-1)، وجان كلود ميمران، الذي يعمل في قطاع الصناعات الزراعية، مَرافِق المنطقة الجليدية لمُنتجع تزلّج “لي ديابلوري”Les Diablerets المُجاوِر في كانتون فو، وقاموا بإعادة تأهيلها. كما تصدَّر كلٌّ من باخ وميمرام عناوين الصحف الدولية على إثر تشييد فندق “ألبينا” الفاخِر، المذكور آنفاً.

وحسب رأي مارسيل باخ، فإن ما يجتذب الضيوف إلى غشتاد، هي نوعية الحياة المُتمثِّلة بالمعروض الواسِع للمَرافق الثقافية والرياضية والبِنية التحتية الحديثة، والمسافات القصيرة والطبيعة الخلاّبة. “لقد تعاملنا مع المِنطقة بحِرْص ومنعنا تجاوزات كتلك التي حدثت في كران مونتانا Crans Montana وسانت موريتز Saint Moritz أو أي مكان آخر. ويعود الفضل بذلك، إلى نظام بناءٍ صارمٍ أيضاً”، وفق سمسار العقارات.

في الوقت نفسه، يُعارض مارسيل باخ الإنتقادات القائلة بأن الطلب الكبير للأغنياء، قد دفع بأسعار الأراضي والمنازل في غشتاد إلى ارتفاع لا مثيل له، مُزيحاً معه الأشخاص الأقل إمكانية، ويقول: “كانت هذه مشكلة كبيرة خلال العاميْن أو الثلاثة الماضية، ولكن الأمور عادَت إلى طبيعتها الآن. وقد أقدَمت سُلطات البلدية على إنشاء العديد من شُقَق التملّك الأولى، كما يؤجِّر العديد من الخواصّ عقاراتهم بفوائِد مُخفَّضة” ثم يضيف: “أعرف شقّة مُكوَّنة من 3 غرف، عُـرضت بإيجار 1500 فرنك شهرياً، وبقيت دون مُستأجِر لمدة 6 أشهر”.

النازحون

على صعيد آخر، وجدت أسْرة كلارا فايبل على سبيل المثال نفسها مضطرّة للنّزوح من “الجنة”. وكانت كلارا قد نشأت في غشتاد، حيث تعرّفت على برونو، زوج المستقبل، الذي كان يعمل في منطقة “زانينلاند” كمدير آلات بناء.

على مدى 14 عاماً، عاش الاثنان مع أطفالهم في شقّة كانت جزءاً من بيت مَزرعة قديم في غشتاد، بإيجار مؤاتٍ، لكن مالِكي العقار قرّروا في عام 2009 بناء شُقق جديدة بإيجار 1800 فرنك شهرياً، عدا التكاليف الإضافية، وهو مبلغ لم تستطع الأسْرة تحمُّله، وتقول كلارا: “كنا نبحث لثمانية أشهر عَبثاً عن شقّة أرخَص في زانينلاند”.

واليوم، تعيش الأسْرة منذ خمسة أعوام في بلدية “تسفايزيمّن” Zweisimmen، التي تبعُد 15 كيلومتراً عن غشتاد. ومنذ ذلك الحين، تحول برونو فايبل، إلى أحد المُتنقِّلين العديدين الذين يُشكِّلون موكِب السيارات الطويل في الصباح والمساء.

صاحب “القصر”

“أصبح هناك العديد من الشاليهات. نحن نعاني من بيْع الوطن في غشتاد”، كما يقول أندريا شيرتس بأسىً في صالة فندق “غشتاد بالاس” Gstaad Palace، الذي يقِف شامِخاً منذ 100 عام كقَلْعة في قصّةٍ خيالية فوْق تلّة في القرية.

ومثل والده وجدّه، يعمل شيرتس على تدليل الأغنياء وأصحاب النفوذ من مختلف أنحاء العالم. ويَعرف شيرتس وفريقه الضيوف شخصياً، كما يعرفُ العديد من الضيوف بعضهم البعض. وكما يؤكِّد مالك فندق “قصر غشتاد”، الذي يُشار إليه أحياناً بـ “الدولة الصغيرة”، فإن الأجواء مُريحة جداً، لأن فندقه ببساطة، يُـقدِّم كل شيء، ابتداءً من المطاعم العديدة والمقصف والمُنتجَع الصحي، وحتى مصفِّف الشعر وغير ذلك كثير.

لكن ضيوف غشتاد البارزين لا يحبّون ما يقدِّمه هذا المُنتج الجبلي من تَرَف وفخامة و”المشهد الطبيعي الخلاب لجبال الألب فحسب، ولكنهم يعشَقون القُرب من عامة الناس أيضاً”، كما يؤكِّد شيرتس بثِقة، لكنه يستدرك مضيفا بأسى: “هذه الأصالة، في طريقها إلى الضياع”.

وكما يقول صاحب فندق الخمسة نجوم “في الماضي، كان الشارع الرئيسي في مركز القرية يضمّ محلّ جزارة وبقالة ومحلاّ لبيع الزهور ومتجرا للأجهزة وقِطَع الغيار، كما كان المزارعون متواجدين أيضاً”. أما اليوم، فالشارع الأكثر شهرة في غشتاد، حيث تصطفّ المحلاّت الفاخرة، إلى جانب المطاعم الباهِظة الثمن، مهجور تقريباً في بعض الأيام. ذلك أن “السكان المحليين لم يفقدوا شيئاً هناك”، كما يشير شيرتس، حيث “لا تمثل غوتشي أو هيرميس أو برادا المحلاّت التجارية للتسوّق اليومي”.

هذه الظروف شجّعت أندريا شيرتس على استئجار كوخٍ جبلي تبلغ مساحته 1700 متر وتأثيثه “بمجموعة بِدائية جداً من الأثاث بمبلغ 50,000 فرنك فقط”، لكي يقدِّم جزءاً من غشتاد التقليدية لضيوفه. “يحتوي الكوخ على خزانة أرضية كمِرحاض ومياه باردة فقط ولا وجود للإنترنت، كما أن استقبال الهاتف الخليوي سيّء”. وكما يؤكد مدير فندق قصر غشتاد، لاقت الفكرة “نجاحاً ساحقا”، مضيفاً “بعض الضيوف يعانقونني” لشعورهم بالامتنان على ما يبدو لهذه التجربة المُنَظَّمة في الطبيعة القريبة.

مُزارع الجبل

لا تقع أرض فريتز موللينير في منطقة البناء. ولم يَبِع المُزارع الذي يتَّبع أسلوب الزّراعة العضوية مِتراً مربّعاً واحداً من أرضه، بل أنه استخدمها دائماً لأغراض زراعية بَحْتة. وقد سجّل مواطن غشتاد أسباب الغِنى في حياته في سيرته الذاتية “أنا أنظر إلى الوراء”، المكتوبة باللهجة المحلية.

المزيد

وكان الإبن الأكبر وزوجته قد توَلَّـيا إدارة المؤسسة الزراعية في هذه الأثناء. وحتى مع أسْرة موللينر، فسَحت الماعِز المجال منذ زمن طويل لجزازات العشب من ذوات المحرّك. “بدلا من استخدام الخيول والزلاقات وأحذية الثلوج ذات المسامير، يتنقّل المزارعون اليوم بواسطة ناقِلات البضائع أو سيارات الجيب أو الـ (سوبارو)”، كما كتب فريتز موللينَر في مذكراته

القسيسة

عندما تتطلع أندريا آيبي في الصباح من خلال نافذة بيت الرعية إلى الطبيعة المغطّاة بالثلوج، تشعُر هي الأخرى وكأنها في جنّة عدَن. وقد باشرت القسيسة الشابة عملها منذ صيف عام 2013 في المجتمع الكنيسي البروتستانتي سانين – غشتاد. وفي بعض الأحيان، يجلس في كنيستها ضيوف من أصحاب المليارات إلى جانب السكان المحليِّين، الذين ينبغي عليهم تدبّر أمورهم المعيشية بالقليل جدّا من المال. هل يُمثِّل هذا أيضاً جزءً من الجنّة؟ “أنا لا أراها بهذه الصورة، ولكن أكثر توازُناً”، كما تُجيب آيبي.

“كنت أتساءل بدوري أيضاً عن كيفية المعيشة مع هذا الكمّ الكبير من المال. إن الغِنى هنا مُتحفّظ جداً، ولكني أشعر مع ذلك، بأن هؤلاء الناس هُم موضِع ترحيب، لأنهم يبيتون هنا ويتسوّقون ويستهلكون الأنشِطة الترفيهية. وهناك العديد من مُواطني غشتاد الذين يعملون لدى الأثرياء ويعتمدون عليهم في أسباب الرِّزق”.

وكانت القسيسة آيبي قد سُئلت قبل فترة وجيزة من قِبل أحد الحِرفيين عن إمكانية أخذه المال من الأشخاص واسعي الثراء. “نحن جميعا مشتركون تقريباً، وأنا لا أريد أن أحكُم هنا، أيّ المسيحيين هم الأفضل”، كما تقول.

ولا يقتصر محيط النفوذ الكنسي لآيبي على منطقة غشتاد الغنية فقط، بل يتعدّاها على سبيل المِثال إلى قرية “أبليندشين” Abländschen النائية، الواقعة وراء ممرّ “جاون” الجبلي أيضاً. وفي إطار البرنامج التعليمي للكنيسة، نظّمت القسيسة في الخريف الماضي رِحلة إلى العاصمة برن مع طلاّب هذه القرية الجبلية، الذين يبلغون الرابعة عشر من أعمارهم. وحسب آيبي، كانت هذه فرصة للبعض منهم للخروج من “زانينلاند” للمرة الأولى في حياتهم.

مدير المعهد

يمتاز معهد “لو روزي” Le Rosey المرموق، أحد أقدَم وأشهَر المدارس العالمية، (والمسمّى أيضاً بمدرسة الملوك)، بانفتاحه وعالميته. وينتقل المعهد الذي تأسّس قبل أكثر من مائة عام، والواقع في مدينة “رول” (بين مدينتيْ لوزان وجنيف)، كل شتاء مع طلاّبه الـ 400 وكادره التدريسي المكوَّن من 200 أستاذ وقائِم على الرِّعاية، إلى شاليهاته الخاصة في غشتاد لمدّة 10 أسابيع، حيث يشتمل الجدول الدراسي، بالإضافة الى التعليم المدرسي، على الكثير من الثقافة والرياضة. ويتنافس على مقاعِد المعهد الشهير في المعدّل 3,5 مرشّح من أكثر من 60 دولة، على الرغم من كُلفته المرتفعة، التي ينبغي على أولياء الأمور دفعها سنوياً، والبالغة 100,000 فرنك سويسري.

“نحن المتميِّزون بين المُتميِّزين”، كما يقول فيليب غودي، مدير المعهد، مُشيراً أيضاً إلى الطبيعية الجبلية الخلابة، التي يُمارِس هو وزملاؤه التعليم ورعاية الطلاّب فيها. “المدرسة موضِع ترحيب دائماً في غشتاد، إنها قصّة حب”، كما يقول في وصفه للعلاقة بين المعهد ومُنتجع النبلاء.

ووِفق حسابات المكتب المحلّي للسياحة، يرتبط 50% من السياح القادِمين إلى غشتاد، بمعهد لو روزي. ولا عجَب، إذ ينضمّ إلى المدرسة الداخلية من 80 إلى 100 طالب جديد سنوياً، وبالتالي، يكتشِف نفس العدد من أولياء الأمور الأثرياء هذه الوِجهة لقضاء العطلات، لرغبتهم جميعاً بزيارة أبنائهم في حرمهم الدّراسي الشتوي.

ولم يأتِ لقب “النُّخبة” المُسند إلى المعهد من فراغ، حيث تطول قائمة الطلاّب السابقين الذين تبوَّؤوا مناصِب رفيعة في حياتهم (مثل محمد رضا بهلوي، شاه إيران السابق، ودودي الفايد، رجل الأعمال المصري، وألبير الثاني، ملك بلجيكا، وكريم آغا خان الرابع، الزعيم الروحي للطائفة الإسماعيلية، وروني الثالث، أمير موناكو، وغيرهم الكثير). ويعود العديد من هؤلاء في عطلهم، كأشخاص لهم مكانة مرموقة إلى المكان الذي خاضوا فيه تجارب وصداقات فريدة من نوعها. ويضمن معهد لو روزي لغشتاد، تدفّقاً متواصلاً لكِبار الشخصيات منذ عقود.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية