مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لو مُنِع النقاب في سويسرا، سأختار وِجهة أخرى”

في فصل الصيف، يتكثف حضور السيدات والفتيات الخليجيات في شوارع مدينة جنيف الوجهة المفضلة لعشرات الآلاف من السياح العرب الخليجيين وعائلاتهم. Keystone

بينما تتباين الآراء في الكنفدرالية حول المبادرة الشعبية الهادفة إلى تغطية الوجه في الأماكن العامة، أجمعت بعض السائحات المُنقبات النادرات الوجود التي التقت بهن swissinfo.ch قبل فترة في مدينة جنيف، على اختيار وجهة سياحية أخرى في حال حَظَرت سويسرا ارتداء النقاب والبرقع على كامل ترابها الوطني.

بعد فرنسا وبلجيكا وبعض الأماكن العامة في هولندا، والعديد من المدن الإيطالية وكانتون تيتشينو السويسري مؤخراً، قد تصبح الكنفدرالية الدولة الأوروبية التالية التي تحظر على النساء تغطية وجوههن في الأماكن العامة فوق أراضيها، في حال قبول ناخبيها للمبادرة الشعبية الفدرالية “نعم لحظر النقاب” التي تم إطلاقها في شهر مارس المنصرم والتي تتواصل عملية جمع التوقيعات لفائدتها إلى شهر سبتمبر 2017.

جنيف في الصدارة

بحسب مارك فيسّلَر من رابطة السياحة السويسرية شهد عدد السياح الوافدين من دول الخليج إرتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة. وعلى سبيل المثال، إرتفع عدد ليالي المبيت للضيوف الوافدين من دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2015 إلى 300,000 ليلة، بعد أن كانت 140,000 ليلة، في عام 2011.

وفي أغسطس 2011، بلغ عدد ليالي المبيت للسياح الوافدين إلى سويسرا من المملكة العربية السعودية5,847 ليلة، منها 2,379 ليلة في جنيف وحدها. بينما بلغ عدد ليالي المبيت للسياح الوافدين إلى سويسرا من دولة الإمارات العربية المتحدة في نفس الفترة10,781 ليلة، كان لجنيف منها 4,466 ليلة.

وفي أغسطس 2015، إرتفع عدد ليالي المبيت للسياح السعوديين في مُجمل أنحاء سويسرا إلى 119,360 ليلة، منها 37,762 ليلة في جنيف، (أي ما يزيد عن الثلث) لتتصدر جنيف المركز الأول في عدد الوافدين السعوديين إلى سويسرا. بدوره، إرتفع عدد ليالي المبيت المسجلة للسياح الوافدين إلى سويسرا من دولة الإمارات العربية المتحدة ليصل إلى 108,909 ليلة، منها 21,108 ليلة في جنيف (أي ما يزيد عن الخمس)، لتأتي ‘مدينة كالفين’ بالمرتبة الثانية في إستقطاب الزوار الخليجيين بعد زيورخ، التي سجل فيها هؤلاء 23,034 ليلة مبيت.

(المكتب الفدرالي للإحصاءرابط خارجي)

وقد شهدت السياحة الوافدة من الدول العربية ولا سيما من دول الخليج، تزايداً مستمراً في الأعوام المُنصرمة ولا سيما في مدينة جنيف. ومع استحواذ مواطني هذه الدول على النسبة الأكبر في الإنفاق في سويسرا (بمعدل 500 فرنك في اليوم) وتوافدهم بأعداد كبيرة في العادة، وتفضيلهم للفنادق الفخمة التي يمكثون فيها لفترات زمنية أطول من غيرهم، إزدادت أهمية السياحة الخليجية كمصدر للدخل القومي في سويسرا بوجه عام، وجنيف بشكل خاص.

وليست المعالم التاريخية والثقافية والسياحية هي ما يستقطب السياح الخليجيين إلى جنيف فحسب، ولكن ما عُرِفَت به المدينة أيضاً من تأقلم القطاعات السياحية مع العادات والتقاليد الغذائية والترفيهية لهذه الفئة من السياح وتلبية كافة إحتياجاتهم.

ولكن كل هذا قد يتغير في حال أقرَّ الناخبون السويسريين مبادرة “نعم لحظر النقابرابط خارجي” التي أطلقتها “لجنة إيغيركينغَن” ذات التوجهات اليمينية المتطرفة مؤخراً، والتي تدعو إلى منع إرتداء النقاب أو البرقع في جميع أنحاء سويسرا، على غرار ما يحدث في كانتون تيتشينو الذي بدأ بتطبيق قانون حظر النقاب في الأول من يوليو2016.

وفي “مهرجان جنيفرابط خارجي” الصيفي الذي يقام سنوياً على ضفاف بحيرة “ليمان”، وما يتخلله من حفلات موسيقية ومدن ملاهي وأكشاك الطعام والألعاب النارية المثيرة، لا يمكن للعين أن تُخطئ الأعداد الكبيرة من السياح الخليجيين. ومع أن أغلب النساء يرتدين الحجاب، يمكن ملاحظة أقلية قليلة منهن وقد اتشحن بالسواد بشكل كامل غالباً ولم يظهر منهن سوى أعينهن.

 swissinfo.ch. إستطلعت آراء بعض هؤلاء السائحات المنقبات في الكانتون الذي احتل المرتبة الثانية (بعد زيورخ) من حيث صافي الأسرّة المشغولة في المرافق السياحية على المستوى الوطني، والتي سجل في رصيده ثلث ليالي مبيت السياح الخليجيين في العام الماضي.

“حرية شخصية”

إحدى هؤلاء السيدات، وهي من المملكة العربية السعودية كانت تراقب أطفالها الأربعة عند إحدى ألعاب مدينة الملاهي برفقة زوجها. ومع أن الأسرة كانت قد سمعت بقانون حَظر إرتداء النقاب في تيتشينو، إلّا أنَّ ذلك لم يمنعها من المجيء إلى جنيف التي كانت وجهتها المُختارة منذ البداية. “لكن لو مُنِع النقاب في سويسرا برُمَّتها فسوف أختار وجهة سياحية أخرى”، كما قالت بشكل قاطع السيدة التي تحمل الشهادة الثانوية.

وبالقرب من أحد أكشاك الطعام المُختصة بأصناف المأكولات اللبنانية، كانت سيدة أخرى وزوجها وأبنائها الثلاثة قد فرغوا من تناول شطائر الشاورما، وبدأوا في تدارس وجهتهم التالية. ولم تُخف السيدة – وهي من المملكة العربية السعودية أيضاً – شعورها بالضيق إثر سماعها عن قانون حظر النقاب في تيتشينو:” كنا في جنيف العام الماضي، ولم يكن هناك مثل هذا القانون، وقد ترددنا في المجيء إلى هنا بداية عندما سمعنا عن هذا الحظر، لأننا تصورنا أنه يشمل كل سويسرا. نحن ننوي زيارة أماكن أخرى من سويسرا، ولكننا سنتجنب الذهاب إلى تيتشينو”.

وبدورها، أكدت السيدة التي تحمل شهادة الماجستير في علم المناعة أنها ستمتنع عن المجيء إلى سويسرا حال إقرار الناخبين السويسريين لمبادرة حظر إرتداء النقاب على الصعيد الوطني، وعبرت عن إستغرابها لمثل هذا القرار: “سويسرا بلد سياحي، ويعتمد جزء مهم من إقتصادها على هذا القطاع، وشعبها ودود ويختلف عن جميع الشعوب الأخرى، لذا إستغربنا كثيراً من طرح مبادرة كهذه”.

“لو مُنَعَ االنقاب أو البرقع لن ياتِ أيَّ أحد من دول الخليج”، كما أكدت سيدة ثالثة من المملكة أيضاً، مُبدية قناعتها التامة برفض الناخبين السويسريين لهذه المبادرة “لأن ذلك سوف يؤثر سلباً على إقتصادهم”.

ومع أن النساء المنقبات لا يشكلن سوى نسبة ضئيلة جداً من النساء الوافدات للسياحة من دول الخليج العربي، لكن السيدة التي تُحضِّر لشهادة الماجستير في علوم الحاسبات تجيب بثقة:” إن الإسلام في نمو، ومعه يرتفع عدد النساء اللواتي يرتدين النقاب في جميع أنحاء العالم، ولو مُنِعَ النقاب في سويسرا، فسوف تمتنع العديد من الأسر- ليس في الخليج فحسب، ولكن في دول العالم أجمع – عن المجيء إلى سويسرا ويتجهون إلى مناطق أخرى”.

سيدة أخرى من دولة الإمارات العربية المتحدة كانت تهم بشراء البوضة لأولادها، قالت إنها لم تتأثر بقانون حظر النقاب في تيتشينو “لأني لا أذهب إلى المناطق التي يُحظر فيها النقاب”. وبدورها توقعت السيدة التي تحمل شهادة جامعية في المحاسبة خسارة هذه المبادرة الشعبية “لأن هناك العديد من المنقبات، وهؤلاء سوف يتجهن إلى النمسا لو حُظِرَ النقاب في سويسرا”، مؤكدة على اختيارها هي أيضاً وجهة سياحية أخرى في هذه الحالة.

وفي إحدى محلات التسوق المعروفة في جنيف، كانت سيدة أخرى من دولة قطر قد ملأت سلة التسوق خاصتها تماماً بأنواع الشوكولاطة. وعن إحتمال منع تغطية الوجه على المستوى الوطني السويسري علقت بالقول: “لقد إمتنعت عن الذهاب إلى فرنسا بعد قانون حظر النقاب الذي فُرض فيها (في 2010). كما لم أذهب إلى لوغانو هذه السنة لنفس السبب”. وأضافت السيدة التي تحمل شهادة جامعية :”أنا أعتبر إرتداء النقاب حرية شخصية، ولا أريد لأحد أن يقيدها”.

“سويسرا مُتسامحة ومُنفتحة عالمياً”

لم يرغب مكتب السياحة في جنيف بالتعليق كثيراً على الموضوع عندما توجهت إليه swissinfo.ch بالسؤال. وأكتفت مديرة المكتب باربارا غيزي برد قصير جاء فيه :”إن مكتب السياحة والمؤتمرات في جنيف مؤسسة خاصة ليس لها أي إنتماء سياسي. كما لا أتوقع أن يكون هناك بيان رسمي بخصوص هذه المبادرة التي هي شاغل وطني”.

كذلك، لم يتجاوز رد رابطة أصحاب الفنادق في جنيف السطر الواحد. وكما كتبت إينَس كرويتسَر، الأمين العام للرابطة في بريد ألكتروني :”يؤسفني أن أبلغكم أننا لا نعلق على أي مسائل سياسية”.

على الجانب الآخر، عبرت رابطة السياحة السويسرية عن رفضها لهذه المبادرة. “لقد أعلنت الرابطة عن موقفها حيال هذه المبادرة بالفعل في تعليق نشرته في أكتوبر 2015، حيث أعربنا عن رفضنا لفرض حَظر وطني على إخفاء الشخص وجهه، لأننا ندافع عن سويسرا مُتسامحة ومُنفتحة عالمياً. ونحن تفترض أن السياح إنما يأتون إلى سويسرا بشكل واضح وبهدف تمضية فترة زمنية قصيرة فقط”، كما جاء في رد مارك فيسّلَر، معاون البحوث في الرابطة على سؤال توجهت به swissinfo.ch.

وبحسب فيسّلَر، لا تخطط رابطة الفنادق السويسرية لإطلاق أي حملة مناهضة لمبادرة “نعم لحظر النقاب”.

وبالنسبة للتداعيات التي قد يترتب عليها إقرار هذه المبادرة على الصعيد الوطني، يرى فيسّلَر أن من الصعب اليوم تحديد الآثار التي قد تنجم عن مثل هذا الحَظر في مجمل سويسرا. “لكن التجارب الحالية في كانتون تيتشينو تشير إلى أن المشاكل تكاد تنعدم في الواقع. فالفنادق من جانبها توضح التشريعات الجديدة للضيوف العرب، وهؤلاء يحترمونها بدورهم”.

“سيدات طبيعيات لا يختلفن عن غيرهن”

وعند سؤالهن عن رأيهن في السبب الذي يدعو سويسرا إلى إطلاق مثل هذه المبادرة الآن، أجاب زوج السيدة السعودية التي أكملت الدراسة الثانوية :”برأيي، هذه حرب على الإسلام، وضغط على المسلمين إما لمنعهم من تطبيق شريعتهم وخلع النقاب، أو لمنعهم من المجيء إلى سويسرا”. وأعقبت الزوجة بالقول: “إن سويسرا بلد الحرية، من المُفتَرَض أن لا يمنعوا هذه الممارسة. هذا هو الحجاب الإسلامي، ومن المستحيل ان أتخلى عنه لأي سبب. أنا أفضل البقاء في بلدي على أن أذهب إلى بلد أضطر فيه إلى الكشف عن وجهي”.

بدورها ترى السيدة التي تحمل شهادة الماجستير في علم المناعة أن سبب إطلاق مثل هذه المبادرة يعود إلى “أحزاب سياسية متطرفة في آرائها تستهدف تحقيق مكسب سياسي”.

كما أعربت السيدة السعودية الثالثة التي تحضر لشهادة الماجستير في علوم الحاسبات عن إستغرابها لمنع النقاب في تيتشينو. وهي ترى أن سبب إطلاق هذه المبادرة “قد يعود إلى شعور السويسريين بالخوف من النساء المنقبات – علما بأنهن سيدات طبيعيات لا يختلفن عن غيرهن – نتيجة الأحداث الإرهابية التي حدثت باسم الإسلام في عدد من العواصم الأوروبية مؤخراً”.

وبدورهن، أجمعت السائحات المنقبات الوافدات من الإمارات وقطر على هذا الرأي أيضاً.

“أمر إلهي”

ولكن، ألا تلتزم النساء الأجنبيات اللواتي يرافقن أزواجهن أو يأتين للعمل في المملكة العربية السعودية بارتداء العباءة، احترماً منهن للعادات والتقاليد والعُرف السائد المعمول به هناك؟ لماذا إذن لا تلتزم النساء المنقبات بالقانون الذي يحظر إرتداء النقاب (أو البرقع) كونه لا ينتمي إلى الثقافة والتقاليد السويسرية؟

“تطبق السعودية تعاليم الشريعة الإسلامية، وتغطية وجهي هو أمر إلهي لا ألتزم به في السعودية فحسب ولكن خارج السعودية أيضاً، فالله موجود في كل مكان. والمرأة حين تغطي وجهها إنما تنفذ نداء الله في جميع أنحاء العالم”. كما قالت السيدة التي أكملت دراستها الثانوية.

أما السيدة التي تحمل شهادة الماجستير في علم المناعة فتقول: “إن إرتدائي للنقاب مرتبط بالدين، ولا علاقة له بالعادات أو التقاليد، ولو لم يكن مرتبطاً بالدين لكان من الممكن الإلتزام بعادات أو تقاليد الدول الأخرى”.

“هناك دين إسلامي والإسلام يحتم علينا هذا اللباس وهذا هو الفرق. نحن كنساء مسلمات يجب أن نرتدي النقاب، سواء كنا هنا أو في السعودية”، على حد قول السيدة السعودية الثالثة التي أجتمع زوجها وأطفالها حولها في هذه الإثناء.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية