سباق للظهور بأبهى حـُلة على ضفاف نهر التـّيمز
بادرت عشرات البلدان إلى افتتاح "دور ضيافة وطنية" في لندن طيلة فترة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها عاصمة الضباب البريطانية من 27 يوليو إلى 12 أغسطس 2012.
وبينما اختار الروس والبرازيليون الترويج لصورتهم من خلال استعراض قوتهم، مال التشيكيون والسويسريون إلى تقديم أنفسهم بطريقة مبتكرة تحت ظلال ساعة بيغ بين الشهيرة.
لا تنحصر المنافسة في أولمبياد لندن داخل الملاعب والميادين الرياضية. فهذا الحدث الضخم يقدم منصة تسويقية من الطراز الأول لكافة البلدان التي يشارك رياضيوها في المسابقات. وفيما يعد رقما قياسيا، حرص 39 بلدا على إقامة “بيت وطني” على ضفاف نهر التـّيمز، من بينها 25 بيتا مفتوحا للجمهور.
“في أثينا عام 2004، لم يكن هناك سوى أربعة بيوت، وكانت تقتصر في غالب الأحيان على مكان مستأجر في أحد الفنادق”. هذا التذكير جاء على لسان مانويل سالشلي، رئيس قسم “التظاهرات” في مؤسسة “الحضور السويسري” المعنية بالترويج لصورة سويسرا في الخارج، والمسؤولة عن “بيت سويسرا” في لندن. وقد بدأ تعميم هذه المنصات الترويجية خلال أولمبياد فانكوفر بكندا عام 2010، لذلك يـُشدد سالشلي على ضرورة التحلي بقدر كبير من الابتكار والتفرد للتميز عن باقي العارضين.
“البصمة الروسية”
وقد طرأ أيضا تغييرٌ في حجم دور الضيافة تلك. “بيت سويسرا” يمتد هذا العام على مساحة 3000 متر مربع ويتوقع استقبال 250000 زائر، مقابل 125000 في أولمبياد بكين قبل أربعة أعوام. و”نادي فرنسا”، الذي استقر في إقامة فيكتورية على حافة مياه النهر اللندني، يعدّ أكبر بيت فرنسي من هذا النوع على الإطلاق، بحيث يستوعب ما يصل إلى 3500 شخصا، مقابل 600 فقط في النادي الذي أقيم في العاصمة الصينية.
أما البلدان المُضيفان لدورتي الألعاب الأولمبية القادمتين، فإن طموحاتهما كانت أرحب وأعلى بكثير بحيث استأجر الروس مساحتين شاسعتين – تمتدان على 10000 و6000 متر مربع – في قلب “هايد بارك”. وتشتمل إحداهما، التي أطلق عليها اسم “منتزه سوتشي”، على حلبة تزلج عملاقة، وسينما رباعية الأبعاد، وعلى منظر طبيعي شتوي أعيد تشكيله تماما. وأوضحت سيرافيما أونوفراي، المتحدثة باسم “البيت الروسي” قائلة: “بصفتنا البلد المنظم للألعاب الأولمبية المقبلة، أردنا ترك بصمتنا في لندن وإعطاء الناس لمحة عمّا ينتظرهم في سوتشي في عام 2014”.
“كاسا برازيل”
أما “كاسا برازيل” (بيت البرازيل)، فيهدف إلى الترويج للألعاب الأولمبية التي ستحتضنها ريو دي جانيرو في عام 2016. ويقام في هذا البيت معرض للمصور الشهير سيباستياو سالغادو، ومهرجان للأفلام القصيرة البرازيلية، و”صالون ريو” مزخرف بالكراسي الطويلة والمظلات الشمسية. وقالت رئيسة البرازيل ديلما روسيف بمناسبة زيارتها للندن بأن “كاسا برازيل تمثل منصة استثنائية لإظهار قدرتنا على تنظيم ألعاب رائعة في ريو”.
وتأمل معظم البلدان في الترويج لنفسها أيضا كوجهة سياحية. ففي “بيت النمسا”، يأخذك الديكور إلى أجواء بيت ريفي، ويقترح عليك مطعمه طبق “شنيتسل” التقليدي الذي تشتهر به فيينا والنمسا عموما، وكذلك فطائر التفاح الملفوفة “شترودل”. أما المضيفات فيرتدين سروال “ليدرهوسن” التقليدي.
ويقول وولفغانغ أيشلر، المسؤول عن الاتصال في هذه البيت الذي يحمل شعار “تيرول، قلب جبال الآلب”: “إن ضيف الشرف لدينا هو منطقة تيرول التي تمثل بريطانيا بالنسبة لها سوقا مهمة للغاية. نحن نواكب الألعاب الأولمبية بمثل هذه المبادرات منذ عام 1984، ولكن تركيز قسم الاتصال على السياحة لم يبدأ إلا منذ عام 2006”.
من جانبها، أقامت هولندا قاعة عملاقة لتناول الجعة تستوعب ما يصل إلى 5000 شخص، فيما تحاول أيرلندا، التي استقرت على سطح إحدى الحانات، جذب الاهتمام إليها كبلد يزخر بوجهات احتفالية.
السويسريون يريدون مفاجأة البريطانيين
وقد انتهز عدد قليل من الدول الصغيرة مناسبة الأولمبياد لتقديم نفسها بصورة مُبتكرة. جيري كيجفال، نائب رئيس اللجنة الأولمبية التشيكية أوضح ضمن هذا السياق: “نحن بلد صغير والناس لا تملك عنّا سوى صورة منقوصة جدا، لذلك أردنا الاستفادة من وجودنا في لندن لتغيير هذه الرؤية، من خلال تقديم بلدنا كوجهة شابة وعصرية”. ويقترح “البيت التشيكي”، الذي يتواجد بحي “إسلينغتون” العصري، برنامجا ثقافيا ثريا يمزج بين فن الشارع، والتصاميم التشيكية، ومعارض لفنانين شباب.
الهدف هو نفسه تقريبا في “بيت سويسرا” الذي يريد أن “يفاجئ البريطانيين” من خلال إظهار بلد “خلاق ومُبدع وظريف”، حسب تعبير رئيس مؤسسة “الحضور السويسري” نيكولا بيدو. فيمكن الاستمتاع بوجبات “بطاطس روشتي” والجبنة المذوبة “فوندو” في شاليه برناوي (نسبة للعاصمة السويسرية برن)، وأيضا تذوق أكلات الطبّاخ المشهور أنطون موسيمان – الحاصل على نجوم تصنيف ميشلان- في حانة بالمدينة، أو التسلّي بألعاب فيديو سويسرية.
سعى الدنمركيون، أيضا إلى تجديــد صورتهم. وهم اختاروا لهذا الغرض المراهنة على منزلة وشهرة “نوما” الذي حصل مؤخرا على جائزة أفضل مطعم في العالم، فعمدوا إلى ملء “بيت الدنمرك” بإشارات إلى “طبخ الشمال الجديد”، وقد ركزوا على جوانب التصميم، والهندسة المعمارية المستدامة، والدراجات الكهربائية الدنمركية.
هدف اقتصادي
هذه البيوت الوطنية يراد لها القيام بدور على المستوى الاقتصادي. ثورستن تيرفايدن، رئيس مركز الأعمال السويسري في لندن، صرح في هذا الصدد: “نحن نستخدم بيت سويسرا كمنصة للترويج لصادرات سويسرا وشركاتها. ومن بين الفعاليات التي تنظم لتحقيق هذا المبتغى، أمسيات للتواصل والتعارف، وأيام خاصة مكرسة للصناعة السويسرية في مجال ألعاب الفيديو أو لعلوم الحياة.
ويمتد بيت الجارة الإيطالية على مساحة 6000 متر مربع بالقرب من “وستمنستر”، تتضمن صالة عرض ضخمة تعج بسيارات “فيات” وبملابس “أرماني” وبنبيذ شبه الجزيرة. وقال دانيلو دي توماسو، المتحدث باسم “بيت إيطاليا”، في تعليقاته: “إن الهدف من هذا البيت هو أن يكون بمثابة واجهة عرض للمنتجات الإيطالية”.
وفي “بيت كينيا” الذي يوجد على مقربة من الموقع الأولمبي، تتم مغازلة المستثمرين الأجانب من خلال ندوات تقدم صناعة البلاد وموارده الطاقية.
وتشي المبالغ التي استثمرتها مختلف البلدان بالشيء الكثير عن طموحاتها. فبينما دفع الروس 25 مليون فرنك، أنفق السويسريون ما يقرب من 5 ملايين فرنك، والتشيكيون 4,6 مليون، والفرنسيون 2,2 مليون، والإيطاليون 1,8 مليون، والنمساويون 1,3 مليون.
أنشأ عمدة لندن بوريس جونسون وكالة “لندن وشركاءها” للترويج للمدينة خلال الألعاب الأولمبية.
وبإمكان الصحفيين غير الرياضيين المتواجدين في العاصمة البريطانية والبالغ عددهم 6000، الاستمتاع ببرنامج ثقافي وتاريخي حافل لا يخلو من مناسبات لتذوق الأطعمة. وتبلغ التكلفة الإجمالية لهذا البرنامج 7,7 مليون فرنك.
من جانبه، نظم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون 17 قمة حول مواضيع مثل الصين، والطاقة، والفضاء، يتوقع أن تستقطب استثمارات بقيمة مليار جنيه استرليني.
وتعقد تلك الاجتماعات في منزل تاريخي وسط لندن، أعيدت تسميته بالمناسبة “سفارة الأعمال البريطانية”.
يبدو أن الموجة السياحية التي كانت تترقبها لندن بمناسبة الأولمبياد لن تتحقق.
ولئن لا تتوفر بعد أية أرقام رسمية عن التأثير الحقيقي للحدث الرياضي الضخم على معدل التردد على المدينة، والفنادق، والمطاعم، فإن مدراء المسارح والمتاجر يشتكون بالإجماع تقريبا من انخفاض نشاطاتهم، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
في المقابل، حدث بالفعل غزو إعلامي للندن، بحيث تحول إليها حوالي 28000 صحفي من 190 بلدا، من بينهم 5800 فقط من المعتمدين.
ويشار إلى أن قناة NBC الأمريكية لوحدها، أرسلت 2700 شخص، واستأجرت لنقلهم إلى لندن ثلاث طائرات بوينغ 777. ما من شأنه شحذ شهية البلدان التي تسعى إلى الترويج لنفسها من خلال “بيوت الضيافة الوطنية”.
(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.