سنتان من الحوار وتوضيح المواقف
صبيحة 15 مايو 2006، وقّع ممثلو الأديان السماوية الثلاث في سويسرا (اليهودية والمسيحية والإسلام) وثيقة ميلاد مجلس الأديان، بهدف "تعزيز قيم التعايش المشترك، وحماية السلم الديني في سويسرا".
ومع أن الساحة الدينية في سويسرا لم تشهد في العقود الأخيرة صداما أو توترا حادا، إذ يعود آخر صدام ديني عرفته البلاد إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر، فإن قيام المجلس قبل سنتين، يمثل بحد ذاته خطوة هامة لتعزيز حوار الأديان في هذا البلد المعروف بتعدديته اللغوية والعرقية والدينية.
ومنذ الإعلان عن تأسيسه، سعى المجلس إلى توضيح رسالته، وإدارة الحوار حول العديد من الملفات التي تندرج ضمن اختصاصه في مسعى إلى تعزيز مركزه كجهة يُرجع إليها بالنظر في المواضيع الدينية كقضايا الرموز الدينية في الأماكن العامة، والتعليم الديني في المدارس الرسمية، ومسألة حظر بناء المزيد من المآذن، إضافة إلى قضية الإعتراف الرسمي بالدين الإسلامي.
وللوقوف على أبرز المحاور التي حظيت باهتمام مجلس الأديان في سويسرا، وأهم إنجازاته والتحديات التي أعاقت عمله خلال السنتين الماضيتين، أجرت سويس انفو الحوار التالي مع الدكتور هشام أبو ميزر، العضو في المجلس ورئيس فدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا.
swissinfo.ch: مرت سنتان على تأسيس مجلس الأديان في سويسرا، ما هي أبرز إنجازاته؟
هشام أبو ميزر: تأسس المجلس من أجل الحفاظ على السلام الديني في سويسرا، وليكون نموذجا لمجالس أخرى على المستويين الأوروبي والدولي. وخلال السنتين الماضيتين، تركز عملنا على المستوى الفدرالي. وأتاح لنا وجودنا في هذه الهيئة القيام بأدوار فعالة بالنسبة للقضايا التي كانت تدخل ضمن اختصاصها. كذلك سمح لنا هذا الإطار بتعزيز أواصر الحوار مع الحكومة الفدرالية والعديد من المؤسسات الرسمية. وعقدنا في 28 فبراير الماضي، اجتماعا مطولا مع رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان، وتداولنا الرأي في العديد من القضايا التي تخص التعايش السلمي في سويسرا.
هل مازالت أهداف المجلس هي نفسها، أم أن الرسالة أصبحت أكثر وضوحا وتحديدا؟
هشام أبو ميزر: حتما الرسالة الآن أضحت أكثر وضوحا، فمع حداثة التجربة، لم نكن في البداية متأكدين من طبيعة المسار الذي سيسلكه المجلس. وعندما طرح علينا كمسلمين الدخول في هذا المجلس، لبينا الدعوة من دون تحفظ، لأن التعايش والسلام، من مقاصد الإسلام وأهدافه المركزية. وكل ما يساعد على ذلك ويساهم فيه، لا نرى مبررا لرفضه. ولذلك عبرنا عن استعدادنا لإنجاح هذه الفكرة، وتطويرها. وساعد وجودنا في هذه المؤسسة على توضيح موقف الأقلية المسلمة، وتفهم الآخرين لموقف الإسلام، وشرح تعاليم الدين الإسلامي ونظرته السمحاء.
ما هي أبرز الملفات التي تم التطرق إليها؟
هشام أبو ميزر: من أول المواضيع التي تركز عليها الاهتمام موضوع الرموز الدينية، وهذا بالنسبة لنا كان موضوعا مهما، تمكنا من خلال الحوار مع بقية ممثلي الأديان في المجلس من معرفة نظرتهم لرموز الإسلام، وأجمع أعضاء المجلس على أنه من حق المسلمين ممارسة شعائرهم وحفظ وجودهم الديني. وانصب عمل المجلس ثانيا على توسيع عضويته، وتدقيق مهماته، ولم يبق المجلس حكرا على الرجال فقط، إذ التحقت به ممثلات من الأديان الثلاثة، يعملن كمستشارات في القضايا المتعلقة بشؤون المرأة وحقوقها، وهنّ يتمتعن بفعالية كبيرة داخل المجلس ويشاركن في صياغة المواقف.
التعايش يمر عن طريق التعارف، هل طلب رأي المجلس مثلا في المقررات الدراسية المتعلقة بالمواد الدينية؟
هشام أبو ميزر: يدور النقاش حاليا حول الإبقاء على تعليم الأديان من عدمه داخل المؤسسات التعليمية الرسمية. ودافعت الكنيستان الكاثوليكية والبروتستانتية من داخل المجلس على فكرة الإبقاء على تلك المقررات، وذلك رغبة منها في تعزيز فكرة “الخلق الإلهي” بدل نظرية داروين المادية. وعلى هذا الأساس تمكنا في المجلس من مقابلة المسؤولين عن قطاع التعليم في البلاد. وطُلب من مجلس الأديان أن يكون ممثلا في إدارة التعليم.
والأمر الثاني، يتعلق بخدمة الموجهين الدينيين في صفوف الجيش السويسري. وحتى الآن كان الجيش يعتمد ممثلين اثنين فقط، من الكاثوليك والبروتستانت. ولكن، مع الوقت، حصلت نسبة كبيرة من المسلمين على الجنسية، والتحق أبناؤهم بصفوف الجيش السويسري، مما استوجب أن يكون لهؤلاء المسلمين مستشارا دينيا، يرجع إليه عند الضرورة. ولهذا الغرض تم التوصل إلى اتفاق بيننا كممثلين للمسلمين داخل المجلس، والقسم الديني بوزارة الدفاع على أن نُعتمد كنقطة اتصال في ما يتعلق بالشؤون الدينية للجنود المسلمين المنخرطين في الجيش السويسري.
لاشك أيضا أن السلم الديني يفترض الاحترام المتبادل والتسامح، ما هو موقف المجلس من الصور الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد التي أعادت نشرها بعض الصحف السويسرية؟
هشام أبو ميزر: يعارض المجلس بالإجماع وبشكل واضح تلك الرسوم، وينظر إليها كإساءة لا مبرر لها. وأظهرنا كمسلمين للجميع أننا نرفض أي إساءة للمقدسات وإلى الأنبياء جميعا بما في ذلك عيسى وموسى. وصدر عن المجلس بيان بهذا الصدد، شدد على ضرورة احترام عقائد الناس ومقدساتهم.
وماذا عن مسألة المآذن، ما هو موقف المجلس من المبادرة الشعبية الداعية إلى حظر بناء المزيد منها؟
هشام أبو ميزر: في هذه القضية أيضا كان هناك شبه إجماع، وعبّر المسيحيون الكاثوليك خاصة عن رفضهم للمبادرة الداعية لحظر بناء المآذن، وقمت من ناحيتي كعضو ممثل للمسلمين بالمجلس بإظهار موقف المسلمين، وكانت لي مقابلات عدة مع وسائل إعلام، ولكني أؤيدك في القول بأن الإعلام لم يكن في مستوى الحدث.
في السنتين الماضيتين، كان علينا كممثلين في المجلس أن نتعارف على بعضنا البعض، ثم أن نقوم بالاتصالات السياسية اللازمة من أجل توضيح طبيعة المجلس بشكل عام: هل هو هيئة استشارية للحكومة الفدرالية في المسألة الدينية، وهل لنا الحق في التحدث باسم الطوائف الدينية التي ننتمي إليها. وكان علينا الحصول على الدعم من الأوساط السياسية في البلاد، ومن الأديان الأخرى الغير ممثلة في المجلس.
من القضايا التي تدخل في صلب اهتمامكم، مسالة تكوين الأئمة، هل لديكم وجهة نظر محددة في المسألة؟
هشام أبو ميزر: في هذه القضية، كان هناك اختلاف في تحديد مميزات الإمام، ولتجاوز ذلك، قمت بإنجاز نشرة إيضاحية حول الموضوع، تحديدا حول وظائف الإمام، وبيّنت بأن الإمامة ليست فقط إمامة الصلاة، بل لها علاقة بتعليم الدين ومعاش الأقلية المسلمة في هذا البلد. وميّزت سبع وظائف في هذا الإطار. والأمر الثاني، الذي كان علينا أن نتوصل فيه إلى اتفاق هو المقياس الذي نحكم فيه على إنسان ما بأنه مؤهل للإمامة. وإذا كانت الجهات الأخرى، تتمسك بالمعايير الأكاديمية كأن يكون المترشح للإمامة حاصل على دبلوم من إحدى الجامعات، ويجيد إحدى اللغات الوطنية، ويحمل أفكارا متسامحة تشجع على التعايش المشترك، فإننا أكدنا لمحاورينا أنه إلى جانب كل ذلك، لابد أن يكون الإمام قادرا أيضا على القيام بدور توجيهي أشمل، في كل القضايا التي تخص الأقلية التي يعمل ضمنها، ولا يكتفي بدور المرشد في قضايا العبادة فقط.
لكن، ما ردكم على رئيس حزب الشعب السابق أولي ماورر الذي أعلن بأن قضية تكوين الأئمة قضية خاصة بالمسلمين لا دخل للحكومة السويسرية بها، وأن على المسلمين إما أن يندمجوا أو أن يغادروا البلاد؟
هشام أبو ميزر: هذا القول يظهر الحقد الذي تحمله بعض الجهات على الأجانب بصفة عامة وعلى المسلمين بصفة خاصة. والمسألة ليست بالبساطة التي يتصورون. على هؤلاء أن يدركوا أن المسلمين موجودون، بغية الإقامة الدائمة في سويسرا. وعلى الشعب السويسري أن يعلم أن سويسرا في القرن الثالث عشر، ليست سويسرا في القرن الحادي والعشرين. لقد حصلت تغييرات جذرية، والمسلمون اليوم يثبتون وجودهم في هذه البلاد بطرق شتى، عن طريق المساهمة في بناء اقتصاد البلاد، وشراء العقارات، والقيام بالخدمة العسكرية، ومن حقهم مطالبة الحكومة بما يضمن ممارستهم لعقائدهم في يسر وعلى أكمل وجه.
في ضوء ما سبق، أي مستقبل للتعايش في سويسرا في ضوء صعود أسهم اليمين المتشدد، وانتشار مشاعر الكراهية ضد المسلمين والأجانب في البلاد؟
هشام أبو ميزر: لا أريد أن أتنبأ، ولكن القراءة الموضوعية لمسار الأحداث، تكشف أن الأحزاب اليمينية المتطرفة لا مستقبل لها. أنظر ما حصل لها في فرنسا والنمسا،… هذه الأحزاب تلعب دورا لفترة ما، ثم تضعف وتخور قواها. وعلينا ألا نُصاب بالإرتباك أو الخوف، لأن الخوف ليس الوصفة المناسبة لتغيير وضع ما، وإنما الكلمة الطيبة الصريحة، والتي هي مثل الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
نظّمت وزارة العدل والشرطة، حوارا مع عدد لا بأس به من ممثلي الأقلية المسلمة، ما هو رأيكم في أجندة هذه اللقاءات؟
هشام أبو ميزر: أنا رأيي واضح: سلام سويسرا هو سلام لنا نحن المسلمون، وسلامنا هو سلام أيضا لسويسرا. والتفاهم بين مختلف فئات المجتمع أمر حيوي، ونحن كأمة وسط نؤيد الخطى التي تجلب الأمن والسلام، وسنرد على أي إساءة بفتح الحوار مع الجهات المسؤولة، بما يجنبنا الإساءة. ولكن من ناحية أخرى، على الجهة الداعية لهذه السلسلة من الحوارات أن تعلم أننا لسنا مستعدون للعب دور الشرطي المكلف بمراقبة إخوانه، بل عليهم أن ينظروا إلينا كجهة تقدم الإستشارة لهم، وتساعدهم على فهم واقع الأقلية المسلمة، حتى لا يربطوا كل خطأ يحصل بديننا الحنيف، وألا تُـحـمّـل الأقلية المسلمة كلها الأخطاء التي يرتكبها بعض الأفراد منها.
هل دعيتم لحضور الجلسة القادمة المزمع عقدها يوم 23 مايو في برن؟ وما هي الآمال التي تعلقونها عليها؟
هشام أبو ميزر: نعم دُعيت لها، والأمل الوحيد، هو أن يبقى باب الحوار مفتوحا. وأنا من المعارضين لفكرة عقد مؤتمر وطني حول الإسلام، لأنني لا أريد أن نُـمـضـي على ورقة، ثم ينصرف كل لحاله. نريد أن نُبقي على الحوار، وأن يكون المسلمون طرفا حيويا، وفاعلا فيه، يتعاونون معنا ونتعاون معهم وأن تتم المعاملة معهم بندية.
تعود فكرة إنشاء مجلس الأديان إلى 5 مارس 2003، قبل أيام قليلة من شن الولايات المتحدة حربها ضد العراق. وخوفا من استعمال الأديان في تبرير أعمال العنف والحروب، اتفقت المجموعات الدينية الثلاث، المسلمون والمسيحيون واليهود، خلال تظاهرة مشتركة انتظمت في العاصمة الفدرالية برن على إمضاء بيان تلتزم فيه الأديان الثلاث بالحفاظ على السلم الأهلي والديني في سويسرا. وعلى أساس من هذا البيان، ظهر مجلس الأديان للوجود.
نشأة المجلس تعكس أيضا التحولات العميقة التي ميزت المشهد الديني في سويسرا خلال العشريات الماضية، نتيجة ظهور العولمة وحركة الهجرة، وتزايد عدد المسلمين الذي تضاعف مرات عدة خلال العقدين الاخيرين، تحولات جعلت المجتمع السويسري أقرب إلى المجتمع المتعدد الثقافات والأديان منه إلى الصورة التقليدية لمجتمع أحادي الثقافة. وهو ما تطلب من جميع الأطراف بذل جهد للتعارف والحوار والانفتاح على الآخر، وتأسس المجلس من اجل تيسير هذا الحوار.
وفي عالم لائكي يهمش الأديان، الأديان أيضا في حاجة إلى التعاون من اجل إبلاغ الرسالة الدينية لأكبر عدد ممكن من الناس. وبالإضافة إلى الكنيستيْن البروتستانتية والكاثوليكية، يشتمل المجلس على ممثليْن للأقلية الإسلامية ، فرهارد أفشار عن اتحاد المنظمات الإسلامية ببرن (KIOS)، وهشام أبو ميزر، رئيس فدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا التي تضم في صفوفها 128 منظمة إسلامية و80 مركزا ثقافيا بسويسرا، إضافة إلى 10 اتحادات كانتونية تشتمل كل واحدة منها على عدد لا بأس به من الجمعيات والمراكز الإسلامية.
مر المشهد الديني في سويسرا بتحولات جذرية خلال المائة والخمسين سنة الأخيرة، ومن أبرز تلك التحولات تراجع نسبة أتباع المذهب البروتستانتي في البلاد من 60% سنة 1850 إلى 35.65% سنة 2000.
وفي المقابل ارتفعت نسبة الكاثوليك من 40% إلى 49.39% سنة 1970، ثم تراجعت نسبتهم لاحقا إلى 41.82% سنة 2000.
من جهة أخرى ازداد عدد اليهود لتصل نسبتهم في سويسرا إلى 0.25% سنة 2000، بعد ما كانت 0.13 % سنة 1850.
أما نسبة المسلمين في البلاد، فقد ارتفعت باضطراد وبشكل منتظم من 0.26% سنة 1970 إلى 4.26 % سنة 2000، 40% منهم دون سن 20 سنة، و88.5 % منهم من جنسيات أجنبية، وأغلبهم ينحدرون من أصول أوروبية (80%)ويبلغ عددهم الإجمالي 350.000 نسمة بحسب آخر إحصاءات عامة أجريت سنة 2000.
يبلغ عدد اللادينيين في سويسرا 809.838 نسمة سنة 2000 مقابل 71.579 نسمة سنة 1970.
قبل ثلاث عقود كانت نسبة المنتمين إلى ديانات أخرى غير المسيحية 2% أما اليوم فتبلغ النسبة نفسها 10%.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.