سويسرا والرياضة والفساد: مثلّث جهنّمي
على غرار اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم، تقع مقرات معظم الاتحادات والفدراليات الرياضية الدولية في سويسرا لكن تكرار حالات الفساد وسوء الإدارة دفع برن للتدخل عام 2012. وبعد مرور عشر سنوات، لا تزال مشاكل سوء الإدارة قائمة، رغم بعض التحسينات المسجلة. تحقيقنا الخاص.
حدث ما يلي قبل عقد من الزمن. ففي تقرير صدر في نوفمبر عام 2012، حثَّ المكتب الفدرالي للرياضة الاتحادات الرياضية الدولية التي تتخذ من سويسرا مقراً لها على «تعزيز مكافحة الفساد داخل صفوفها» ودعا البلاد إلى «تعزيز عملها» فيما يتعلق بمكافحة الفساد والرهانات المزورة في مجال الرياضة. وذكر مُعدُّو التقريررابط خارجي أنَّ «الأمر لا يؤثر على نزاهة الرياضة فحسب، وإنما يؤثر أيضاً على سمعة سويسرا كدولة تستضيف عدداً كبيراً من الاتحادات الرياضية الدولية». وقد دعا التقرير إلى وضع «نظم للإدارة الرشيدة (…) الملائمة والمُلزمة على جميع مستويات الهرم الرياضي المُنظم»، وطالب سويسرا بدراسة عدد من التدابير، مثل «تشديد القانون الجنائي بشأن الفساد».
اليوم، أصبح من الواضح أنه وإن كان لهذا الإنذار تأثير، فهو تأثير محدود نوعاً ما. وبمجرد القيام ببحث سريع بين الهيئات الإدارية لبعض الاتحادات يُمكننا أن نستنتج أنَّ الشكوك بشأن عمليات الاحتيال لا تزال متكررة. ومن بين الأمثلة العديدة يمكن أن نذكر البرازيلي آري إس غراسا، الرئيس الحالي للاتحاد الدولي لكرة الطائرةرابط خارجي، ومقره لوزان. إذ هناك تحقيق جار يطال هذا الرجل في بلده بتهمة «الاحتيال وغسيل الأموال وانتحال الشخصية» منذ شهر مايو 2021. «يؤكد المحققون أنَّ غراسا استخدم أموال اتفاق تعاون بين بانكو دو برازيل والاتحاد البرازيلي لكرة الطائرة لدفع تكاليف عقود مع شركات وهمية مزعومة» بحسب ما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتد برسرابط خارجي. وهناك تسعة أشخاص آخرين معنيين، من بينهم المدير العام للاتحاد الدولي لكرة الطائرة، فابيو آزيفيدو، وهو أيضاً برازيلي.
ولدى اتصال SWI swissinfo.ch به، أعلن الاتحاد أنَّ «هذه الادعاءات (…) شبيهة بتلك التي سبقتها والتي اتضح فيما بعد أنها كاذبة» وأوضح، بالاستناد إلى ملفات قانونية، أنَّ المديرين «قد تمت تبرئتهما فيما بعد وأنَّ القضية أُغلقت رسمياً». وأضاف أنَّ «الرئيس والمدير العام قد طلبا من محاميهما الطعن بقوة بأية محاولة لإعادة اتهامهما بهذه الادعاءات» وأشار إلى أنه، وفي الوقت الحالي، «تمَّ تعليق الدعوى القضائية بانتظار صدور قرار محكمة الاستئناف».
إطار قانوني شديد المرونة
ومع أنَّ المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إلا أن عدد الفضائح التي تستهدف كبار قادة الاتحادات الرياضية التي تتخذ من سويسرا مقرا لها أمر يثير الاهتمام. وفي هذا الصدد، قال وزير الحكومة المحلية لكانتون جنيف كارلو سوماروغا في مقابلة مع SWI swissinfo.ch: «تدعو المنظمات الرياضية إلى التحلي بالقيم الأخلاقية الإيجابية. وبالتالي، لا ينبغي لها أن تسمح للأشخاص الذين انتهكوا القانون، لا سيما بارتكاب أعمال فساد أو احتيال، بالبقاء فيها». ويعتبر الاتحاد الرياضي الفدرالي في تقريره لعام 2012 أنه: «لا يُمكن ضمان نزاهة الرياضة في الملعب إلا إذا كانت المنظمات التي تتظم هذه الرياضة، أي الاتحادات الرياضية ومنظمي المسابقات، تتسم بالنزاهة الراسخة».
ومن الغريب، أنَّ القانون السويسري الخاص بالجمعيات يأتي في الوقت المناسب لإنقاذ الشخص المُصمّم على الغش. ويقول جان لو شابليه، الأستاذ الفخري في معهد الدراسات العليا في الإدارة العامة بجامعة لوزان والمطّلع على خفايا الاتحادات الرياضية الدولية: «القانون مؤلف من 20 مادة، وهو عدد ضئيل جداً، والقليل من هذه المواد مُلزم». أما إيفان هينزر، المحامي الذي يعمل في مكتب “Libra Law” والمتخصص في قوانين الرياضة في لوزان، فيقول: «في الأساس، تمَّ وضع هذا القانون من أجل الأندية المحلية، ولذا فهو ليبرالي للغاية». إنَّ تأسيس جمعية في سويسرا هو أمر في غاية السهولة.
ويتابع إيفان هينزر موضحاً: «لنفترض أنك اخترعت رياضة جديدة وتريد إنشاء جمعية رياضية دولية مقرها سويسرا، وأنت رئيسها. فما عليك سوى كتابة نظامها الأساسي، بأخذ النظام الأساسي لجمعية أخرى على سبيل المثال، وبهذه البساطة تكون قد أسّست جمعيتك بموجب القانون السويسري». وإن لم يكن للجمعية هدف تجاري، فليس من الضروري تسجيلها. «على الأعضاء ضمان احترام النظام الأساسي ولن تتدخل الدولة».
إلا أنَّه، ومع مرور الوقت وازدياد عدد الاتحادات الرياضية التي اتخذت من سويسرا مقراً لها، استطاعت جمعيات عملاقة مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ومقره زيورخ، الاستفادة من نفس القوانين المُطبَّقة على أندية كرة القدم القروية الصغيرة، من حيث عدم التزامها بتسجيل دفاتر المحاسبة ولا نشر الحسابات، رغم أنها كانت تجمع مليارات الفرنكات القادمة بشكل خاص من الجهات الراعية وحقوق البث التلفزيوني خلال الأحداث الكبرى. وكان تقرير المكتب الفدرالي للرياضة ينتقد قائلاً: «إن الاتحادات الرياضية الدولية لا تخضع لنفس القوانين التي تخضع لها الشركات الخاصة (…)، مع أنها تدير مبالغ طائلة وتتعرض لعمليات فساد مشابهة لتلك التي تتعرض لها أية شركة». مع ذلك، يؤكد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أنه يقدم كل عام بيانًا ماليًا وفقًا للمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (يُشار إليها اختصارا بـ IFRS).
مياه عكرة
في الواقع، لا يُمثل التحقيق الذي يستهدف رئيس الاتحاد الدولي لكرة الطائرة حالة منعزلة. فأيضاً في لوزان، ولكن هذه المرة في الاتحاد الدولي للسباحةرابط خارجي، يتصدر نائب الرئيس، حسين المُسلَّم، والذي صار رئيساً فيما بعد، عناوين الأخبار منذ أربع سنوات. وبحسب ما ذكر المقال الصادر عن وكالة أسوشيتد برسرابط خارجي في سبتمبر 2021، كان الكويتي، الذي يشغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الأولمبي الآسيوي، قد استُهدِفَ في عام 2017 في تحقيق وزارة العدل الأمريكية بتهمة «الابتزاز والفساد المرتبطة بالفيفا وبالسياسة الدولية لكرة القدم» مع ابن بلده، الشيخ أحمد الفهد الصباح.
ولكن لم تنته القصة هنا. فقد اتُّهم حسين المُسلَّم أيضاً في عام 2017 في مقال نشرته صحيفتا التايمز ودير شبيغلرابط خارجي بتسجيل إحدى مكالماته مع شريك تجاري، بخصوص اختلاس مبالغ قادمة من عقود الرعاية. وقد صرح الاتحاد الدولي للسباحة بأنَّ «هذه الادعاءات التاريخية مدحوضة بشدة من قبل الرئيس حسين المُسلَّم. فهو لم يسبق له أن حُوكِمَ بأية تهمة مزعومة وأنَّه قد تمَّ بالفعل التحقيق في الادعاءات من قبل عدة لجان أخلاقية، وفي كل مرة، كان يظهر أنه لا أساس لأي ادعاء للرد عليه». وبالفعل، لم يتمكن هؤلاء المتحذلقون من عرقلة مسيرة الكويتي نحو رئاسة الاتحاد الدولي للسباحة التي فاز بها في 5 يونيو 2021رابط خارجي.
مع ذلك، لا يحتكر رئيس الاتحاد الدولي للسباحة الفضائح في اتحاده. فأحد نائبيه، الإيطالي باولو باريلي، وهو أيضاً رئيس الرابطة الأوروبية للسباحةرابط خارجي، ومقرها نيون، كان قد «ورد اسمه في شكوى تزعم وجود مخالفات مالية» داخل الرابطة الأوروبية للسباحة، بحسب مجلة عالم السباحة “Swimming Wordرابط خارجي“. بالإضافة إلى عضوين آخرين من الرابطة وهما الأمين العام دافيد سباركس ـ بريطاني الجنسية وأيضاً عضو في مكتب الاتحاد الدولي للسباحة ـ وأمين الصندوق السابق، المَجري تاماس غيارفاس، المُستهدفيْن أيضاً في الدعوى. وتذكرهما الدعوى بصفتهما «موقعين على عقد مع شركة تأمين إيطالية» قامت الرابطة بتحويل مبالغ لها، لاسيما في إطار اتفاقية رعاية، ولكن يبدو أن الرجال الثلاثة فقط يعلمون بوجودها. وكانت النيابة العامة المركزية لكانتون فو قد «أكدت فتح تحقيق في القضية المذكورة»، وأشارت إلى أنَّ «التحقيق يتابع مجراه». من جانبها، لم ترغب الرابطة الأوروبية للسباحة بالتحدث.
الفساد الخاص “ليس مُخالفاً للقانون” حتى عام 2016
يبدو الأمر غريباً، ولكن يجب أن نعلم أنَّه حتى قبل ست سنوات فحسب، لم يكن الفساد الخاص ـ وبالتالي ذلك الذي يتم في داخل الاتحادات الرياضية ـ مُخالفاً للقانون في سويسرا. وفي هذا الصدد يقول إيفان هينزر موضحاً: «ربما ينص نظام الجمعيات الأساسي على أنه لا يحق لمرشح ما تقديم ميزة أو شراء تصويت، ولكن لو أن أحد الأعضاء قام بذلك، لكان ذلك اعتبر سوء سلوك تأديبي وليس جنحة جنائية».
وكانت بالتحديد فضائح من هذا القبيل داخل الفيفا، في زمن السويسري سيب بلاتر الذي ترأسها من 1998 إلى 2015، هي ما دفع كارلو سوماروغا، الوزير الاشتراكي في الحكومة المحلية لكانتون جنيف لطرح مبادرة برلمانيةرابط خارجي في عام 2010. إذ طالب بملاحقة قضايا الفساد الخاص بشكل تلقائيرابط خارجي، كما كان الحال بالنسبة لقضايا الفساد العام، أي دون الحاجة إلى تقديم شكوى مسبقة. والانزعاج من هذا الوضع لم يكن يعني اليسار في البرلمان فحسب، حيث كان رولاند بوشيل الذي تعود أصوله إلى سانت غالن، والعضو في حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) قد طالب باتخاذ تدابير لمكافحة الفساد في المجال الرياضي عبر تقديم اقتراح في نفس السنة. وفي نهاية المطاف، أدت هذه التدخلات إلى تعديل قانون العقوبات السويسري بناء على توصيات مجموعة الدول المناهضة للفساد (GRECOرابط خارجي) وهي هيئة تابعة لمجلس أوروبا تهدف إلى تحسين قدرة الدول الأعضاء في المجلس على مكافحة الفساد. ودخلت التعديلات حيز النفاذ في يوليو 2016، وفقاً لسوماروغا، النائب الحالي في مجلس الشيوخ والذي يعود أصله إلى جنيف.
يقول كارلو سوماروغا معبراً عن فرحه: «حالياً، تتم ملاحقة الفساد النشط والسلبي تلقائياً في القطاع الخاص، وبالتالي يُوجد لدى النيابة العامة أساس قانوني لإجراء التحقيق». ولكن رغم ذلك، يقول ابن جنيف أنَّه «غير مقتنع بأنَّ النيابات العامة (في الكانتونات) تبذل الجهود اللازمة لمكافحة الفساد داخل هذه الاتحادات». والسبب، بحسب رأيه، هو أنَّ هذه الحالات ليس لها تأثير مباشر على الاقتصاد المحلي. ويعلق موضحاً: «إذا أعطت الفيفا ظروفاً لمندوبي بعض الدول للتأثير على تصويتهم لصالح بلد آخر، فليس لذلك تأثير مالي أو اجتماعي على سويسرا. بالمقابل، لذلك تأثير على سمعة سويسرا».
اتحادات ربحية
إذا كانت مرونة الإطار القانوني السويسري تشكل أحد عوامل جذب الاتحادات الرياضية الدولية، إلا أنها ليست العامل الوحيد. ووفقاً لجان لو شابليه «فإن عدداً كبيراً من هذه الاتحادات وصلت إلى سويسرا منذ التسعينيات، عقب السياسة النشطة التي قادها رئيس اللجنة الأولمبية الدولية في ذلك الحين، خوان أنطونيو سامارانش. وكانت ترغب في مجاورة اللجنة الأولمبية الدولية، التي يوجد مقرها في لوزان، والتي يعتمد الكثير من الاتحادات عليها مالياً».
بالفعل، كل أربع سنوات، تقوم اللجنة الأولمبية الدولية بتوزيع عائدات الألعاب الأولمبية على الاتحادات بحسب أهمية الرياضة. وتعليقاً على ذلك قال جان لو شابليه: «لا تُنشر مواصفات هذا التوزيع، لكن عدد جمهور الرياضات المختلفة على شاشات التلفزيون هو عامل مهم في التقليد الأولمبي والكثير من السياسة». وأضاف الخبير أنَّ «اتحادات الألعاب الصيفية تحصل حالياً على ما يفوق 530 مليون دولار لتوزيعها فيما بينها، في حين ستبلغ حصة الاتحادات الدولية السبعة للرياضات الشتوية حوالي 220 مليون دولار لتتقاسمها في نهاية عام 2022». وقد كان الموقع المركزي لسويسرا في قلب أوروبا وعدم تأثر وضع البلاد بالحرب العالمية الثانية، في ذلك الحين، من بين نقاط القوة.
اليوم، أصبح التواجد في سويسرا، وبشكل خاص في كانتون فُو، ضرورة للاتحادات الرياضية الدولية. حيث أنشأت حوالي 53 منظمة رياضية دولية مقراتها فيها، ومن بينها 46 في كانتون فو، وفق ما ورد في تقرير حديثرابط خارجي صادر عن الأكاديمية الدولية للعلوم والتكنولوجيا الرياضية يُغطي فترة ما بين 2014 و2019. وبحسب الوثيقة، حققت هذه المنظمات فوائد اقتصادية بقيمة 1,68 مليار فرنك سنوياً في سويسرا خلال هذه الفترة، بما في ذلك 873 مليون فرنك لكانتون فو. وعلاوة على ذلك، يشير التقرير إلى أنَّ الرياضة الدولية كانت توظَّف أيضاً ما يزيد عن 3300 شخص في سويسرا في عام 2019.
الاتحادات الرياضية الدولية مُعفاة من الضرائب في الكانتون. مع ذلك، يرفض فيليب لوبا، الوزير في الحكومة المحلية لكانتون فو، المُكلَّف بحقيبة الرياضة، رفضاً قاطعاً اعتبار هذا الأمر سبباً لشعبية كانتونه. ورداً على ذلك، قال: «جميع دول العالم تُعفي هذه الاتحادات، ولذا، من الخطإ الاعتقاد بأنَّ هذا هو أحد الأسباب التي تدفعها للاستقرار عندنا». ووفقاً لهذا العضو من الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين)، فإن السبب هو بالأحرى القرب من اللجنة الأولمبية الدولية، والشبكة العامة التي تمَّ تشكيلها بالإضافة إلى خدمة المساعدات الإدارية، الفريدة من نوعها في سويسرا، التي تهدف إلى تسهيل إقامة الاتحادات.
مُهاجرون من نوع آخر
غير أنَّ الاتحادات الرياضية الدولية لا تجذب المهاجرين العاديين فحسب. كما هو الحال بالنسبة لاتحاد المبارزة الدولي، ومقره لوزان، ورئيسه الملياردير الروسي أليشر أوسمانوف. وكانت خلافاته مع المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي كان يتهمه بالفساد أيام نائب الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف، تثير شغف روسيا. إلا أنَّ الملياردير، الذي يُعتبر مقرباً من السلطة، فاز بدعوى التشهير التي رفعها ضد خصمه.
وكان اسم أليشر أوسمانوف، المقيم في لوزان، والذي يُعرف عنه أنه يقضي جزءاً كبيراً من وقته على يخته الذي يزيد طوله عن طول ملعب كرة قدم، قد لمع في بداية 2020 وهو يقدم للجنة الدولية الأولمبية المخطوطة الأصلية لبيان الألعاب الأولمبية التي صاغها بيار دي كوبرتان في عام 1892 وتمَّ شراؤها في مزاد علني بقيمة 8,8 مليون دولار. كما ظهر أيضاً في عام 2017 في الوثائق السرية التي أطلق عليها اسم “أوراق الجنةرابط خارجي” (Paradise Papers) بسبب تضارب في المصالح كان قد «أنكرها بشدةرابط خارجي».
من جهة ثانية، تضم الاتحادات الرياضية الدولية مجموعة من الشخصيات السياسية البارزة (أو من يطلق عليهم اسم «PEP» بالإنجليزية)، أي الأشخاص الذين يشغلون أو مارسوا منصباً بارزاً، على سبيل المثال الرؤساء ووزراء الحكومة والقضاة أو حتى كبار المسؤولين في القوات المسلحة. وأكدترابط خارجي Nothrow، وهي شركة بريطانية متخصصة في مكافحة الجرائم المالية، أنَّ لهؤلاء الأشخاص خصوصية وهي أنهم «يتعرّضون لمزيد من الفرص لقبول الرشاوى والتورط في الفساد بسبب المناصب التي يشغلونها، أو لعمليات غسيل الأموال».
بالمناسبة، وضع البرلمان السويسري المسؤولين عن الاتحادات الرياضية في فئة الشخصيات السياسية المُعرّضة للخطر قبل بضع سنوات، ويترتب على هذا القرار تعزيز التزامات العناية المحمولة على جانب البنوك.
«الديوك الرومية لا تحب عيد الميلاد»
من جهتها، قررت اللجنة الدولية الأولمبية أيضاً التحرك من أجل تخليص المنظمات الرياضية من جانبها الإشكالي. وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه المنظمة لم تَسلَم هي نفسها من فضائح الفساد، على شاكلة تلك التي حدثت في مدينة سولت ليك سيتي الأمريكية، والتي أدَّت إلى طرد 10 أعضاء حصلوا على أكثر من مليون دولار كرشاوى من أجل التصويت لصالح ترشيح المدينة الأمريكية لاحتضان دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2002. وتشوه قضايا أخرى بانتظام عملية اختيار المدينة المُضيفة للألعاب الأولمبية، ولا سيما تلك المتعلقة بدورة الألعاب الصيفية الأخيرة في طوكيو. وأشار جان لو شابليه إلى أنه «منذ عام 2015، قالت اللجنة الأولمبية الدولية «لقد طفح الكيل» و«إما التغيّر أو الاستبدال». وبالتالي، وضعت المنظمة إصلاحات إدارية، شارك فيها الخبير، الذي يقول بكل سرور: «اليوم، تنشر اتحادات الرياضة الأولمبية الصيفية البالغ عددها 33 حساباتها. هناك تحسّن لا يُمكن إنكاره، حتى وإن كان لا يزال هناك عمل ينبغي القيام به».
ولكن رغم كل ما سبق، وإذا كانت التحركات تسير في الاتجاه الصحيح، فكيف نفسر انتخاب شخص مثل حسين المُسلَّم على رأس الاتحاد الدولي للسباحة مؤخراً؟ عن هذا التساؤل أجاب جان لو شابليه موضحاً: «كان المرشّحَ الوحيد، وهذه هي المشكلة. الاتحادات الوطنية هي التي تقرر لصالح من ستصوت. ويجب إقناعها بضرورة التغيير، ولكن كما يُقال، الديوك الرومية لا تحبّ عيد الميلاد».
شارك الأستاذ السابق في القانون الجنائي في جامعة بازل والخبير في مكافحة الفساد، مارك بيث، بصفة خاصة في إصلاحات الفيفا. وهو يُبدي عدم رضاه، إذ يقول منتقداً: «أخيراً تبنَّت الفيفا مدونة أخلاقية جديدة بالإضافة إلى قوانين داخلية حديثة نوعاً ما، ولكنها في ذات الوقت طردت المُراقب المُستقل واللجنة الأخلاقية واستبدلتهم بأصدقاء أو بأشخاص ليست لديهم الكفاءة المطلوبة. ومع الأشخاص غير المناسبين، يتحول القانون الجيّد إلى نمر من ورق». وإن كان يعتبر بأنَّ «اللجنة الأخلاقية التابعة للجنة الأولمبية الدولية قد تحسّنت»، فهو يرى أنَّ الفساد «منهجي» في داخل بعض الاتحادات. ويقول مذكراً: «يجب ألا ننسى أن ناخبي الاتحادات الدولية يأتون من جميع أنحاء العالم وأنَّ الفساد هو القاعدة السائدة في عدد كبير من الدول».
عملية تنظيف داخل اللجنة الأولمبية الدولية
عندما يُصبح من الصعب الدفاع عن القائمين على هذه الاتحادات من وجهة نظر الرأي العام، حينها تقوم اللجنة الأولمبية في بعض الأحيان بعمليات تنظيف. وهذا ما حصل عندما أُعيد انتخاب الكويتي الشيخ أحمد الفهد الصباح (المذكور أعلاه في إطار التحقيق الأمريكي في قضية «عمليات الرشوة والفساد المزعومة المتعلقة بالفيفا») لرئاسة الاتحاد الآسيوي لكرة اليدرابط خارجي في نوفمبر 2021. رغم صدور حكم ضده قبل ذلك بشهرين فقط (في سبتمبر 2021)، بالسجن لمدة 15 شهر من قبل المحكمة الجنائية في جنيف بتهمة التزوير. وبحسب موقع Inside the gamesرابط خارجي، تدخلت اللجنة الأولمبية الدولية لدى الاتحاد الدولي لكرة اليدرابط خارجي الذي يوجد مقره في بازل. وأكدت هذه الأخيرة لـ SWI swissinfo.ch بأنها قد «تواصلت مع الاتحاد الآسيوي لكرة اليد (…) للطعن في ترشيح» الشيخ. وبالرغم من ذلك، تمَّ انتخاب هذا الأخير على رأس المنظمة، ومقرها الكويت، إلا أنَّه فيما بعد، كما ذكر الاتحاد الدولي لكرة اليد، «قرر الانسحاب بشكل طوعي من منصب رئاسة الاتحاد الآسيوي لكرة اليد اعتباراً من يوم انتخابه وحتى إشعار آخر».
مع ذلك، وحتى عندما تسقط الرؤوس، فإنَّ مشاكل الإدارة تستمر في غالب الأحيان. وهذا هو الحال بالنسبة للفيفا، حيث استقال الرئيس السابق سيب بلاتر بعد أن وُجِّهت له اتهامات بدفع مبلغ مليوني فرنك بشكل غير شرعي من حساب الفيفا إلى مساعده السابق، الفرنسي ميشيل بلاتيني. وقد حلَّ محلَّه السويسري جياني إنفانتينو المُراقَب منذ ذلك الحين من قبل القضاء السويسري جراء اجتماعاته السرية مع المدعي العام السابق للكنفدرالية، في الوقت الذي كانت النيابة العامة تُجري فيه تحقيقاً عن الفيفا. وهي الاجتماعات التي تم تنظيمها، وفقًا لجياني إنفانتينو، من أجل إظهار رغبة الفيفا في التعاون مع الادعاء العام الفدرالي.
وكذلك هو الحال بالنسبة للاتحاد الدولي لرفع الأثقالرابط خارجي الذي اتخذ من لوزان مقراً له منذ فترة قصيرة. حيث استقال رئيسه الثمانيني، المَجَري توماس أجان، عام 2020، جراء تورطه في فضيحة منشطات ورشوة. في حين لا يزال نائبه الأول، التايلندي إنتارات يودبانغوتي، في منصبه، مع أنه مُتهم بالفساد في تقرير نُشر في نفس السنة. ويُمكننا أن نقرأ في الصفحة 87 من التقريررابط خارجي أنَّ «سمسار شراء الأصوات الذي كان يوزع رشاوى نقدية بقيمة 5000 دولار، كان يُخرجها من كيس في جعبته عام 2017، قد يكون اللواء إنتارات يودبانغوتي، النائب الأول لرئيس الاتحاد الدولي لرفع الأثقال». ولدى تواصلنا معه، لم يرغب الاتحاد بالإدلاء بأي تعليق.
حظر مهني مُحتمل
بناءً على هذه الأمثلة المتكررة، هل يُمكننا أن نأمل بالتغلب على مشاكل الإدارة داخل الاتحادات الرياضية الدولية؟ يعتقد كارلو سوماروغا، عضو مجلس الشيوخ، أنَّ أحد الحلول ينطوي على حظر مؤقت عن العمل. «ينص القانون الجنائي على حظر مهني لمدة تصل إلى خمس سنوات. وهذا الأمر لا يُطبَّق كثيراً ولكن يُمكن تطبيقه بشكل منتظم، بحسب رأيه. وهذا الحظر قد يساعد على وضع بعض الأشخاص الذين يتسبّبون بالمشاكل جانباً لعدة سنوات».
ويتابع النائب عن كانتون جنيف حديثه بالقول: «يُمكننا أيضاً تصور وضع قوانين وطنية للجمعيات الدولية الموجودة في سويسرا، وبشكل خاص من خلال إضافة شرط النزاهة على أعضاء مجالس إدارة الاتحادات. ولكن يبدو أنه من الصعب إيجاد أغلبية سياسية على هذا المستوى». ويشاركه المُتخصّص بالجريمة مارك بيث هذا الرأي، مستنداً على إجراء مماثل كان قد تمَّ اقتراحه وقوبل بالرفض منذ حوالي عشر سنوات. وأضاف متأسفاً: «في عام 2010، اقترح المجلس الأوروبي الإشراف على الاتحادات الرياضية الدولية لكنه اصطدم بعدم رغبة البرلمان السويسري بذلك. حيث استخدم اللوبي الرياضي حق النقض، خوفاً من رحيل هذه الجمعيات إلى دول أخرى».
أيّ صورة عن سويسرا؟
تبقى مسألة صورة سويسرا، التي كانت تثير قلق المكتب الفدرالي للرياضة قبل عشر سنوات، مطروحة إلى الآن. فهل يُمكن لتواجد تلك الاتحادات على الأراضي السويسرية أن يؤثر على سمعة البلد؟ «على العكس، يُجيب فيليب لوبا. إذا كنا نهتم بالمثل الأعلى الرياضي، فمن الأولى أن تكون تلك الاتحادات عندنا: إنه ضمان أخلاقي إضافي». وبدلاً من الخوض في الجدل حول المشاكل، يُفضل ابن كانتون فو اعتبار الرياضة كوسيلة لتعزيز السلام. «فعلى سبيل المثال، لم نتناول موضوع حقوق العمل في قطر إلا منذ أن تم اختيار هذا البلد لتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم. علينا أيضاً أن نشيد بإنجازات الاتحادات الرياضية الدولية من وقت لآخر».
بدوره، يعتقد كارلو سوماروغا أنَّ الفضائح داخل الاتحادات «التي قلما تتعرض للرقابة لأنها لا تحظى بتغطية إعلامية كبيرة» مثل كرة الطائرة، لا تُشكل «مصدر قلق كبير لسمعة سويسرا» كما هو الحال بالنسبة للفضائح المتعلقة بالفيفا والاتحاد الأوروبي لكرة القدم واللجنة الأولمبية الدولية التي تتعرض «للضغط الإعلامي والشعبي المستمر والتي تجني مبالغ طائلة من المال». وبالمناسبة، لا زالت محاكمة الفيفا تؤرق مضجعه. وبهذا الشأن يقول مستنكراً: «كون هذه المحاكمة مُغلقة في الولايات المتحدة وتمَّ الحكم على بعض الشخصيات، في حين ما زلنا في مرحلة اختيار المدعي العام في سويسرا، هو الذي يؤثر على صورة سويسرا ويعطي شعوراً بأننا في أحد “جمهوريات الموز”. ويصل بنا الأمر لنتساءل فيما لو كانت هناك إرادة متعمدة غير مُعلنة بألا يتم الإعلان عن الأحكام أبداً».
من ناحيته، يُبدي مارك بيث خيبة أمله، فيقول «تُسهم الاتحادات الرياضية في منح سويسرا نوعاً من الوجاهة، لكن تواجد بعضها مثل الفيفا أو اللجنة الأولمبية الدولية، المُقرَّبة جداً من بعض الشخصيات الدكتاتورية، قد يكون لها أثر عكسي». مع ذلك، يشك الأخصائي الجنائي في أن يؤدي ذلك إلى تشويه صورة البلد بشكل فعلي: «سبق أن شهدنا الكثير من الأحداث الحرجة في الماضي من خلال قبولنا بأموال الدكتاتوريين، وذهب النازيين أو حالياً غض الطرف عن تجارة المواد الأولية. لم ينجح أي شيء في تهدئتنا».
المستقبل وحده كفيل بإخبارنا إن كانت السنوات العشر القادمة ستجلب معها المزيد من الطمأنينة داخل الاتحادات الرياضية أم لا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.