رجل الأعمال دافيد راشكس يستثمر في الزراعة التونسية
بمحض الصدفة، قادت الأقدار المستثمر السويسري دافيد راشكس إلى تونس رفقة زوجته ونجليه ليستقروا فيها منذ أكثر من عشر سنوات. عندما تزور الأسرة في بيتها الجميل فوق ربوة قمرت المشرفة على ضاحية المرسى قرب العاصمة التونسية، تشعر أنهم لا يفكرون في مغادرة تونس على رغم التقلبات السياسية والإجتماعية التي عرفها البلد في السنوات الأخيرة.
دافيد، الذي كان محاطا خلال الحوار الذي أجرته معه swissinfo.ch بزوجته بيغي Peggy ونجليْه ماتيو (15 سنة) وتوماس (18 سنة)، روى لنا سر العشق التونسي الذي أصابه منذ وطأت قدماه منتجع الحمامات الشهير في عام 2007..
swissinfo.ch: كيف بدرت لديكم فكرة الإستقرار في تونس؟
دافيد راشكس: عندما أتينا إلى تونس في 2007 لم يكن في نيتنا الاقامة هنا. وصلنا بالصدفة لأننا كنا نبحث عن ميناء نودع فيه مركبنا بسعر معقول. كثيرون نصحونا بالتوجه إلى مارينا الحمامات في تونس. وبعدما أمضينا أربعة أيام هنا عُدنا بأجمل الانطباعات. أدركنا أن هذا البلد مختلف عن الصورة التي يمكن أن يتخيلها المرء عنه في أوروبا. أهم ما شدَنا إليه هو دماثة أخلاق أهله وطيبتهم، إذ كانا عنصرا حاسما في قرارنا، وهو ما فتح الباب لمغامرتنا في تونس.
دافيد راشكس، عضو في غرفة التجارة والصناعة التونسية السويسريةرابط خارجي، ويُقدر عدد الشركات والمؤسسات السويسرية العاملة في تونس بقرابة 100 شركة ومؤسسة، تنشط في قطاعات صناعية وخدمية مختلفة، وتعود أعرقها إلى سنة 1958.
swissinfo.ch: كيف نبعت لديكم فكرة الاستثمار في القطاع الزراعي بمنطقة تاكلسة، ولماذا الزراعة وليست الصناعة أو الخدمات؟
دافيد راشكس: لم نأت إلى تونس للاستثمار. جئنا إليها لأنها أعجبتنا، فبعدما جُلنا في العالم، اخترنا الاستقرار فيها لأننا وجدنا أن من ميزاتها أنها قريبة من بلدنا، على نحو يُتيح متابعة أعمالنا في سويسرا عن بُعد، مع الإبقاء على الوشائج قائمة مع الأسرة والأصدقاء هناك.
في أحد الأيام قادنا صديقنا التونسي، وهو رجل أعمال، إلى محافظة نابل (جنوب العاصمة تونس) وقال لي: أقدم لك هذه الأرض الزراعية، وهي على ملكي وأرغب في إقامة مشروع مشترك معك فيها. وعندما نظرت إلى الأرض أصابتني ضربة عشق لا توصف، فالموقع رائعٌ، لكن ليست لي خبرة بالمجال الزراعي. أجبتُ صديقي التونسي “الفكرة مُغرية جدا، لكني لا أملك أية معرفة بالميدان”. فشرح لي أنه يمكن أن نتعلم تقنيات صُنع النبيذ مثلما نتعلم أية صناعة أخرى. أضاف “الآن لدينا الأرض والرجال الذين سيعملون فيها، ولم تبق سوى الرغبة”. هكذا انطلق المشروع في تاكلسة، غير بعيد عن محطة قربص الاستشفائية التي تتفجر من جبلها ينابيع الماء العذب.
swissinfo.ch: كم تبلغ المساحة التي يغطيها المشروع؟
دافيد راشكس: مساحة الأرض تعادل 90 هكتارا ونحن لم نستثمر منها حتى الآن سوى 25 هكتارا، من بينها 14 هكتارا من العنب. والتُربة مناسبة جدا للزراعة. بدأنا من الصفر، فأسسنا الشركة واسمها Bio Natura، ثم عبدنا الطرق لتيسير نقل المنتوج، وأقمنا نظاما للري، ثم غرسنا الأشجار، واستغرقت هذه المراحل ثلاث سنوات.
swissinfo.ch: كم غرستم من شجرة؟
دافيد راشكس: ثلاث مجموعات من الكروم المشهورة عالميا، بالاضافة إلى مجموعات غير معروفة لكنها تتأقلم مع المناخ التونسي، زيادة على ثمانية آلاف زيتونة وأشجار مثمرة أخرى. وطورنا زراعة نبتة ستيفيا (Stevia)، التي تحلُ محل السكر، وهي رائجة كثيرا في اليابان والولايات المتحدة وحتى في أوروبا.
swissinfo.ch: هل واجهتكم صعوبات بيروقراطية مع الادارة التونسية؟
دافيد راشكس: الادارة التونسية معقدة جدا، بالرغم من أن الأشخاص خدومين وآليات العمل ثقيلة، وهذا الأمر متعب، خاصة لمن لم يكن متعودا. وبصفتي مستثمرا وأحد المساهمين في الشركة، لا يمكن أن أفرض شيئا على شركائي. لذلك كان ديدنا أن نقوم بالعمل بدقة وفي كنف احترام القانون، لأننا لو انزلقنا إلى التعامل مع الفساد والفاسدين، ثم انهارت المنظومة بأكملها بسبب ذلك، لذهب حصاد أربع سنوات من الكد والعمل أدراج الرياح. نحن نتقدم بخطى وئيدة أحيانا لكنها ثابتة.
لو تم التحكّم في حلقة الجمارك فإن العلامات الإيجابية ستتجمّع
swissinfo.ch: معنى ذلك أنكم تفاديتم طريق الرشوة والفساد؟
دافيد راشكس: نعم، بالطبع، لكن من المؤسف أن تكون تلك الظاهرة منتشرة قبل الثورة (2011) ما جعلها في قلب الانتقادات الموجهة للنظام السابق. وهناك كثير من رجال الأعمال الذين حاولوا الاستثمار في تونس خلال تلك الفترة لكنهم عدلوا عن فكرتهم. اختصارا أقول إن المرء يشعر لدى الادارة عموما برغبة في المساعدة. بالمقابل هناك طاقة كبيرة على صعيد التصدير، لأننا نستطيع أن نصل إلى نوعية منتوجات رفيعة مع كلفة اقل من الكلفة في أوروبا. وبفضل المناخ الجيّد يمكن أن تنضج الثمار هنا في وقت أبكر. كما أن أسعار النقل معقولة، لذا لو تم التحكم في حلقة الجمارك فإن العلامات الايجابية ستتجمع، وهو ما من شأنه أن يحفز على الايمان دوما بجدوى الاستثمار هنا.
swissinfo.ch: يكثر الحديث في تونس عن الأمن، هل تشعر أنك مهدد أنت أو أسرتك؟
دافيد راشكس: بعد أسبوع واحد من العملية الارهابية في متحف باردو سنة 2015 انطلقت رفقة شريكي التونسي في رحلة عبر الحدود التونسية الجزائرية، التي يعتقد أن الارهابيين يتحصنون فيها، ولم نشعر بأي خطر. بل بالعكس اكتشفنا مرة أخرى دماثة الأخلاق والكرم لدى هؤلاء الناس، فبائع السندويشات دعانا لنأكل في محله قائلا “نحن نسعد كثيرا برؤيتكم بيننا”. وفي جميع المدن التي زرناها مثل طبرقة وعين دراهم وباجة، شعرنا بحرارة المشاعر التي أثرت فينا. شعرنا أن هناك نوعا من العرفان الصادق بالجميل لقدومنا في ذلك الوضع الدقيق. أما على صعيد الضاحية التي نقطن فيها (المرسى) فيمكنك أن تذهب إلى العاصمة تونس في أية ساعة من النهار أو الليل. ونحن نسمح لنجلينا (15 و18 سنة) بأن يعودا إلى البيت في منتصف الليل من دون أن نشعر بأي قلق عليهما.
swissinfo.ch: هل لديكم صداقات مع عائلات سويسرية في تونس؟
دافيد راشكس: بلى، هناك علاقات لكنها لم تنشأ مباشرة بعد قدومنا إلى تونس. لم نبحث عن تلك الصداقات، إذ كانت صداقات فردية، لكن لدينا أيضا أصدقاء أمريكيون وفرنسيون وكولومبيون…
swissinfo.ch: بمناسبة الحديث عن الأطفال، هل أنتما مرتاحان لمستوى التعليم في المدارس الفرنسية هنا؟
دافيد راشكس: بلى، ليس لدينا أي هم من هذه الناحية. أكثر من ذلك هناك أصدقاء عادوا إلى العيش في فرنسا وأخبرونا بأن مستوى التعليم هنا أفضل من هناك. علينا أن نعترف أيضا بأنه من المقلق رؤية التلوث البيئي هنا، عندما نرى بعض الفضلات في البحر أو في أحد الشوارع. طبعا يمكن أن نتعود ونغض الطرف، لكن من المهم جدا أن نسعى دوما إلى تغيير العقليات.
نحو تطوير التعاون الإستثماري بين البلدين
في أبريل 2017، أقامت غرفة التجارة بجنيف بالتعاون مع غرفة التجارة بتونس لقاء بين رجال أعمال من تونس ومن سويسرا لبحث آفاق التعاون الإستثماري والتعريف بالميزات الجغرافية والطبيعية والبشرية لتونس، إضافة إلى شرح الحوافز الجبائية التي تتضمنها التشريعات الجديدة الخاصة بتشجيع الإستثمار الخارجي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.